مآس إنسانية وضغوط أوروبية.. هل تستطيع تونس وليبيا التكفل بالمهاجرين غير النظاميين؟
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
وصف مصطفى عبد الكبير مدير المرصد التونسي لحقوق الإنسان والخبير في الهجرة غير النظامية الاتفاق بين تونس وليبيا بشأن المهاجرين غير النظاميين بأنه "خطوة غير كافية"، بسبب افتقار البلدين إلى الإمكانيات التي تسمح بإيواء هؤلاء المهاجرين والتكفل بخدماتهم الصحية وغيرها.
وأعلنت تونس وليبيا في وقت سابق أنهما اتفقتا على إيواء المهاجرين من جنسيات دول أفريقيا جنوب الصحراء والعالقين عند الحدود بين البلدين منذ قرابة شهر.
جاء ذلك بعد جدل بخصوص إبعاد عدد من المهاجرين الأفارقة من ولاية صفاقس إلى الحدود مع ليبيا، ونقل شهادات عن عدد منهم تفيد بتعرضهم لسوء المعاملة.
وكشف عبد الكبير أن الاتفاق يقضي بتبادل المعلومات والتنسيق المشترك ومنع كل طرف من تدفق أفواج أخرى من اللاجئين وطالبي اللجوء من وإلى الطرف الآخر.
وبينما أشار إلى أن الهجرة غير النظامية قد تحولت من ملف إنساني إلى ملف سياسي انتقد الضيف التونسي طريقة تعاطي الأوروبيين مع دول العبور مثل تونس وليبيا، وقال إنهم يمارسون ضغوطا كبيرة جدا على تونس بهدف أن توقع على الاتفاق معهم.
من جهته، أكد المحلل السياسي والباحث القانوني أسعد الشرتاع أن ملف الهجرة غير النظامية وُظف من قبل أوروبا لإحراج تونس وليبيا، في محاولة للحصول على اتفاق معهما مجتمعتين.
وتحدث عن عجز البلدين عن تحمل هذا الملف بسبب مشاكل لوجستية ونقص الإمكانيات المادية، مؤكدا أن تدفق المهاجرين وطالبي اللجوء لن يتوقف ما دامت دول المنبع تشهد اضطرابات.
وتابع الشرتاع -الذي كان يتحدث لحلقة (2023/8/10) من برنامج "ما وراء الخبر"- أن الأوروبيين يريدون من ليبيا وتونس أن تلعبا دور شرطي الحدود وأن تقوما بتوطين اللاجئين ويمارسون عليهما ضغوطات لتقبلا بذلك رغم أن الدولتين تواجهان تحديات كبيرة، فتونس وضعها الاقتصادي صعب جدا، وليبيا تفتقر إلى الاستقرار السياسي والأمني.
مقاربة أوروبيةبدوره، أشار مدير مركز الدراسات حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف الدكتور حسني عبيدي إلى مسألة الضغوطات التي مارستها منظمات حقوقية ونواب من أوروبا على الحكومات من أجل مراعاة القضايا الحقوقية لطالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين.
وقال إن الصورة المنقولة للعديد من طالبي اللجوء من أفريقيا جنوب الصحراء أثارت انتقادات داخل الاتحاد الأوروبي الذي -حسب المتحدث- يعلم أنه لا قيمة للاتفاقية التي وقعها مع تونس مؤخرا من أجل وقف الهجرة غير النظامية مقابل مساعدات اقتصادية.
وكشف عبيدي أن هناك مقاربة جديدة داخل الاتحاد الأوروبي بشأن الهجرة غير النظامية بهدف معالجة الأزمة، لكن من السابق لأوانه الحكم عليها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهجرة غیر النظامیة تونس ولیبیا
إقرأ أيضاً:
صندوق النقد.. بين الرفض الشعبى وضغوط الإصلاح
العديد من دول العالم النامى لها تجارب فى التعامل مع صندوق النقد الدولى والتى أثارت جدلًا كبيرًا، حيث إن برامج الإصلاح التى يقترحها الصندوق غالبًا ما تكون صارمة وتؤدى إلى آثار سلبية، مثل زيادة الفقر والبطالة وتراجع مستويات المعيشة، ومما لا شك فيه ان هناك عدة دول فشلت فى تحقيق الاستقرار الاقتصادى وتحسين الأحوال المعيشية بعد اعتماد سياسات صندوق النقد المجحفة، وأكبر مثال يؤكد صحة ذلك، دولة الأرجنتين التى مرت بأزمات اقتصادية متكررة رغم برامج الصندوق التى اثبتت فشلها ولم تتحرر الارجنتين من قاع الإفلاس إلى بالبعد عن ممارسات الصندوق.
فى كثير من الأحيان شروط صندوق النقد الدولى مجحفة، وخاصة لبعض الدول النامية، فهذه الشروط تؤدى إلى واقع مؤلم حيث يفرض الصندوق سياسات تقشفية يتحمل عبئها فقط المواطن، كتخفيض الدعم، وتحرير أسعار الصرف، وخصخصة بعض القطاعات العامة، وتطبيق هذه السياسات فى الدول النامية يؤدى حتمًا إلى احداث آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع.
وهناك دول انهارت بسبب سياسات الصندوق، والتى أحدثت كثيرا من المشاكل مثل ارتفاع نسب الفقر والبطالة، وتدهور الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة، مما زاد من التوتر الاجتماعى والسياسى، ووسعت فى الفجوة بين متطلبات الصندوق وواقع هذه الدول، فقد لا تكون الاقتصادات النامية مهيأة لتحمل التغيرات السريعة والتقشف الشديد، الأمر الذى يؤدى إلى انهيار التركيبة السكانية فى المجتمع الواحد.
فتجربة مصر مع صندوق النقد الدولى، التى بدأت فى 2016، شابها الكثير من عدم الوضوح والمصداقية لدى المواطن العادى الذى لا يعرف ما معنى الاقتصاد الحر أو حتى مصطلح تحرير سعر الصرف ولكن كل ما يعرفه كيفية الحصول على قوت يومه دون معاناة، وخاصة انها خرج من تجارب مريرة بعد ٢٠١١، وحتى الآن ما زال نجاح هذه التجربة موضع نقاش سلبى.
بوضوح ودون تردد فقد واجه المواطن المصرى ضغوطًا كبيرة وحياة مريرة، حيث شهدت مصر ارتفاعًا ملحوظًا فى الأسعار، وزيادة فى معدلات التضخم، وهو ما أدى إلى تأثير سلبى على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة ذوى الدخل المحدود، كما أن تخفيض الدعم ورفع أسعار الوقود والكهرباء، ضمن توصيات الصندوق، جعل العبء الاقتصادى أكبر على الفئات الفقيرة والمتوسطة ووضع الحكومة فى ورطة كبيرة.
وكثير من الخبراء اكدوا ان نجاح تجربة صندوق النقد فى مصر مرهون بعدة عوامل، من بينها قدرة الحكومة على تنفيذ سياسات تُخفف من تأثيرات الإصلاحات الاقتصادية على المواطنين الأكثر تضررًا، ودعم الاقتصاد الحقيقى الذى يخلق فرص عمل مستدامة، من الضرورى أيضًا تعزيز الحوكمة وتقليل الفساد لزيادة كفاءة تنفيذ السياسات وضمان أن الاستثمارات تصل إلى القطاعات التى تدفع عجلة النمو، بشكل عام، إذا استطاعت مصر إيجاد توازن بين تطبيق سياسات الصندوق ومراعاة الاحتياجات الاجتماعية، يمكن أن تحقق نتائج إيجابية على المدى البعيد، والواقع يوكد ان المصريين فقد الثقة تماما فى سياسات الحكومة التى أرهقتهم على مدار ١٠ سنوات ذاق فيها المصريون الأمرين.
ولن نخفى سرا عندما نقول، ان نظرية المؤامرة بشأن تعاون الحكومة مع صندوق النقد الدولى قد سيطرت فعليا على عقل ووجدان المواطن، فهناك تخوفات لدى بعض الفئات من تأثيرات برامج الصندوق على الاستقرار الاجتماعى والاقتصادى.
ومما لا شك فيه ان القلق لدى المصريين يأتى من كون شروط الصندوق صعبة بل مستحيلة وغير متوافقة مع الواقع الاجتماعى لمصر، مثل تقليل الدعم وزيادة الأسعار، الذى يزيد الضغوط على المواطنين ذوى الدخل المحدود. ويرى بعض المحللين أن هذه السياسات قد تؤدى إلى تزايد الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتعتمد بشكل كبير على استجابة الاقتصاد وفعالية المؤسسات.
نعم، هناك بالفعل حالة من الاستياء والرفض بين شرائح واسعة من الشعب المصرى تجاه التعامل مع صندوق النقد الدولى، هذا الاستياء يعود إلى أسباب عدة منها: تطبيق شروط الصندوق، تسببت فى مواجه المصريون لارتفاعات كبيرة فى الأسعار، وزيادة فى معدلات التضخم، وهو ما أثر بشكل مباشر على القدرة الشرائية، خاصة للفئات المتوسطة والمنخفضة الدخل، هذه الإجراءات مثل رفع أسعار الوقود والكهرباء وتقليل الدعم أثقلت كاهل المواطنين، مما زاد من الضغط الاقتصادى عليهم.
• تآكل الدعم الحكومى، من أهم القضايا التى تمس حياة المصريين اليومية، ومع تخفيض الدعم على سلع أساسية مثل الخبز والوقود، يشعر العديد من المصريين بأن الفئات الأكثر ضعفًا قد تضررت بشكل غير متناسب، وهو ما يثير استياء واسعًا.
• التساؤلات حول نتائج الإصلاحات، كثيرة والإجابة عنها فقدت المصداقية، فالسواد الأعظم من المصريين يشعرون بأن الفوائد لم تنعكس بشكل مباشر على حياتهم اليومية، بل هناك تساؤلات حول مدى استفادة المواطنين العاديين من هذه الإصلاحات، وما إذا كانت الأولويات توجه نحو تحسين حياة الناس فعليًا ام لا.
• الديون المتزايدة، أحدثت قلقًا بين جموع المصريين، حيث يرى البعض أن تكرار الاقتراض من صندوق النقد الدولى وغيره من الجهات الدولية يزيد من عبء الديون على الدولة، مما يثير مخاوف حول قدرة مصر على السداد وتأثير ذلك على الأجيال القادمة.
كل هذه العوامل تفسر أسباب الرفض الشعبى، وتسلط الضوء على التحدى الكبير الذى تواجهه الحكومة المصرية فى إيجاد توازن بين تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة والحفاظ على مستوى معيشى لائق للفئات الأكثر تضررًا.
واخيرا.. فقد جاءت كلمة الرئيس التى انحاز فيها للمواطن المصرى ورفضه زيادة الأعباء المالية التى يتحملها المواطن معبرة ومنصفة وقراره للحكومة بإعادة النظر فى سياسات صندوق النقد بما تتواءم مع الظروف الاقتصادية التى نعيشها، فهل تفطن الحكومة لهذا الأمر، وتعيد حساباتها مع صندوق النقد لتدير هذه الأزمة بتوازن، واضعة الحالة الاقتصادية التى يعيشها المواطن الكادح فى الاعتبار.
[email protected]