طالب الرفاعي: ورش الكتابة الإبداعية لا تغيّر وجهة نظر الكاتب، ولا تتدخل في نصه غصبًا

محمد عبد النبي: مسؤولية المدرب لا تقل عن مسؤولية المعلّم والمرشد بل الأب أحيانًا

محمود الرحبي: إذا لم تفرز الورشة كتبا أو محاولات جادة ستدور في حدود التعارف

حمود الشكيلي: ورش الكتابة تشبه تماما ورش إنتاج المعدّات أو حتى إصلاحها

اخترعت أمريكا "ورش الكتابة الإبداعية" لتُخرج الكاتب من عزلته وضعه أمام مجموعة متنوعة من الآراء والأفكار في مرحلة مبكرة من ولادة نصه، فهل على الكاتب أن يشارك في ورش الكتابة الإبداعية في مرجلة ما من حياته؟ وأي مرحلة تحديدا؟ وهل الكتابة في مجموعة تتنافى مع فكرة الإلترام بالكتابة وحيدا؟ وهل تطوير النص في مجموعة ورشة إبداعية شرط أساسي؟ وهل ينظر إليه بوصفه تقييدًا للنص، وتحويله إلى وجهة جديدة هي وجهة المدرب وذائقته، ووجهة الطلاب المشاركين في الورشة؟.

طرحنا هذه الأسئلة على عدد من الكتاب الذين قدموا ورشا في الكتابة الإبداعية منهم الكاتب الكويتي طالب الرفاعي، والكاتب المصري محمد عبدالنبي، والكاتبان العمانيان محمود الرحبي وحمود الشكيلي.

*************************

إغناء لكتابة أي كاتب

يرى الكاتب طالب الرفاعي أن ورش الكتابة الإبداعية لا تغيّر وجهة نظر الكاتب، ولا تتدخل في نصه غصبًا، وقال: "مهمة ورشة الكتابة الإبداعية الأساسية، هي مشاركة الكاتب في أفكاره، ومحاولة تجويد وتطوير نصه وفق ما جاء به، ووفق فكرته الأساسية وقناعاته. وبالتالي فإن ورش الكتابة الإبداعية لا تُجبر كاتبًا أو تلزمه بقناعات أستاذها أو الطلبة المشاركين فيها. مع ملاحظة أن ورش الكتابة الإبداعية الأكاديمية العربية الصحيحة ما زالت في بداياتها، وفي جميع أقطار الوطن العربي، وتكفي الإشارة إلى أنه وحتى اللحظة لا يوجد قسم للكتابة الإبداعية في أي جامعة عربية على الإطلاق، وأن مادة الكتابة الإبداعية قد تُدرّس في أقسام اللغة العربية بوصفها مادة اختيارية".

وعودة إلى الاختراع الأمريكي ومدارس الكتابة الإبداعية الأمريكية أشار الرفاعي إلى أنها ترى أهمية أن يشارك الكاتب، وتحديدًا الكاتب الشاب في ورش الكتابة الإبداعية ولأكثر من سبب، وعددها: "الأول: هو قناعة المدرسة الإبداعية الأمريكية بأن الكتابة الإبداعية الشخصية بقدر ما تعتمد على الموهبة تعتمد على الإلمام بالعناصر الفنية اللازمة للجنس الأدبي الذي يكتب به الكاتب، وثانيًا، لأن منْ يقوم بتدريس مناهج الكتابة الإبداعية في عموم الجامعات والمعاهد الأمريكية، هم بالضرورة مبدعين مشهود لهم بأعمالهم الإبداعية المهمة، وبالتالي فإن المدرِّس إنما يتكلم عن علم ودراية ومعرفة وخبرة وكتابة ونشر، وهذه العناصر مهم جدًا أن يلمّ بها أي كاتب خاصة في بداية مشواره الكتابي. وثالثًا وأخيرًا، فإن المدرسة الأمريكية ترى في النقاش المُنفتح على مختلف آراء المشاركين في الورشة، إغناء لكتابة أي كاتب، دون الضغط عليه لتبني أي وجهة نظر، ولكن النقاش والملاحظات إنما تُعد بمنزلة فتح نوافذ واسعة وملوّنة من الآراء والمقترحات أمام الكاتب، وله وحده أن يكتب نصه".

وفي سؤال: هل وضع الكاتب أمام مجموعة متنوعة من الآراء والأفكار في مرحلة مبكرة من ولادة نصه تتنافى مع الالتزام بالكتابة وحيدا؟ يقول الرفاعي: "علينا أن نتفق أن للكتابة الإبداعية في الغرب أسس ومبادئ مستقرة، منذ مئات السنوات، وفي المقدمة من تلك الأسس أن قرار نشر أي كتاب، إنما يعود بالدرجة الأولى للناشر، وأكثر بكثير مما يعود للكاتب، كون الكتاب سلعة، ويتحكم عنصر الربح والخسارة في نشره وتوزيعه، وبالتالي فإن أي كاتب، مهما بلغت سمعته وحضوره الإبداعي المكرّس، لا يستطيع أن يلزم ناشرًا بنشر كتابه إن كان الناشر رافضًا لذلك الكتاب. نشر الكتاب في الغرب هو مشروع تجاري ربحي، والناشر يتخذ كل الدراسات اللازمة لإنجاح هذه المشروع، ويعمل ما يشبه "دراسة جدوى-Visibility study" ضمانًا لنجاح طباعة ونشر وتسويق الكتاب. وعليه فإن أحد العناصر المهمة في النشر هو وجود "المحرر الأدبي-The editor" وعلى كل كاتب الاستماع لنصائح وملاحظات المحرر الأدبي، ومن ثم له كامل الحرية في عمل تلك الملاحظات، أو ترك أمرها للمحرر والناشر. ومن هنا فإن أصول الكتابة الإبداعية في الغرب لا ترى تنافيًا بين عمل الكاتب المبدع، وبين نصائح وملاحظات المحرر الأدبي المختص وصاحب الدراية الكبيرة بعمله، كما أن المحرر الأدبي ملمّ بوضع الساحة الإبداعية والثقافية، وآخر نتاجاتها الإبداعية، وبما يجعل من عنايته إضافة مهمة لعمل الكاتب، ولا تتنافى أبدًا مع الالتزام الكاتب بالكتابة وحيدًا؟ فالكاتب صانع النص يكتبه لوحده، وفق موهبته وخبرته وقناعاته، ودور المحرر الأدبي المختص، العارف تمامًا بحدود وطبيعة علاقته بالكاتب، مكمّل، ومكمّل مهم جدًا لعملية الكتابة والنشر."

الانتباه للتعدد والاختلاف

يرى الكاتب محمد عبد النبي أن عُزلة الكاتب شيء محمود ومنشود، مضيفا: "لكن لا بدَّ أن يبقى في حدود المعقول، وأن تقطعها بين الحين والآخر نوبات خروج للعالَم وتفاعل مباشر معه، ربما يكون من بينها الورش، سواء كان الكاتب شابًا مبتدئيًا أو مخضرمًا يمارس التدريب على الكتابة، لكن ليس على الكاتب أن يشارك في ورش الكتابة مدربًا أو متدربًا، فهو حُر تمامًا، القصد أن ينتبه لنفسه ولاحتياجاته، فإذا شعرَ في لحظة ما أنه بحاجة لخوض هذه التجربة فليفعل بلا تردد، المؤكَّد عندي أنه سوف ينتفع بها، ولو لم يخرج منها إلَّا باليقين أنَّ هذه المسائل غير مناسبة له وأنَّه يفضل القعود في البيت للقراءة والكتابة".

وتابع: "أمَّا بالنسبة للكاتب المخضرم أو المدرب الذي يضطلع بمهمة التدريب فالأمر ليس بهذه السهولة، وإذا اتخذ قرار التدريب فعليه أن يستعد له جيدًا، وأن يقيس ويحسب كل خطوة يتخذها، لأنّ عليه مسؤولية تجاه المتدربين معه في الورشة لا تقل عن مسؤولية المعلّم والمرشد بل الأب أحيانًا، فإن لم يكن يصلح لهذه المهمة عليه أن يعترف بهذا مبكرا لكيلا يظلم نفسه والآخرين معه."

وبين الالتزام بالكتابة وحيدا ومواجهة الآاراء المتنوعة، قال عبد النبي: "لا أجد تعارضًا ما بين وجود الكاتب في سياق تنوّع وتعدد من الأفكار والرؤى وبين التزامه بالكتابة وحيدًا في منزله، وتجربتي تقول إنَّ هذا التفاعل مع آخرين كثيرًا ما يكون له أثر إيجابي على تشجيع الكاتب وتخصيب خياله وإنعاش أفكاره حيال نصه حين يتصور الاحتمالات الكثيرة والآفاق الممكنة أمامه، عبر آراء المدرب والزملاء".

وأضاف: "لا توجد شروط بالمرة في رحلة الكتابة، فلكل كاتب تجربته وسياقه وخصوصيته، وقد تناسب الورش شخصًا ولا تناسب آخَر، كما أن المشاركة في ورشة لا تعني بالمرة (تحويل النص لما لا يلائم ذائقة المدرب)، فلا يوجد كاتب (إلَّا إن كان مضطربًا نفسيًا بشدة) يريد أن يصنع نسخًا مصغرة منه، بل بالعكس، المدرب الحقيقي منتبه للتعدد والاختلاف وهذا أهم منبع من منابع جمال الفن والأدب، وأن يكون كل منّا نفسه لا ينفي بالمرة إمكانية التعاون وتبادل الخبرات التقنية والآراء الأدبية والنقدية، جزء من ديناميكية الورش الإبداعية في حرية أن نكون مختلفين ولكن معًا في تناغم".

قصر السراب وفراشات الروحاني

يقول محمود الرحبي: "ربما لم أقدم ورشا سوى اثنتين في جمعية الكتاب واحدة عن الفصل الروائي الأول والثانية أظنها عن الرواية أو القصة. كلاهما لم تأت ثمارهما عمليا. أقصد لم تنبثق عنهما كتب. والورشة حسب ظني الخاص إذا لم تفرز كتبا أو محاولات جادة ستدور في حدود التعارف،أي تتحول إلى محاضرات للتعارف وأيضا للمعرفة والنقاش وهذا أمر جيد ولكنه مختلف طبعا عن ما يفترض أن تنتجه أي ورشة ذات طموح جاد. الغريب أيضا أنه حتى الورشة التي شاركت فيها بجائزة البوكر لم تثمر رواية لي ولا حتى لجوخة الحارثي التي كانت معي في الورشة حيث كتبنا قصصا. بقية المشاركين ربما كان وضعهم مختلفا".

وعن تجربة كتابته لرواية فراشات الروحاني بعد ورشة قصر السراب: "لو لا هذه الورشة التي أقيمت في فندق قصر السراب بأبوظبي لما كتبت رواية فراشات الروحاني التي كانت أطول ما كتبت سرديا، وثمة سببان: الأول أن الورشة كانت تساعد كثيرا على الجلوس وقتا طويلا للكتابة وهذا لا يمكن تعليمه إلا بالممارسة وهذا ما فعلته ورشة قصر السراب لكاتب هذه السطور، فحين رجعت إلى بلدي، وكنت حينها أسكن في مطرح تحديدا بحارة الزبادية، شرعت بالجلوس ساعات طويلة من أجل كتابة خمسة إلا كلمة أولى، وهكذا إلى أن أنهيت فصول الرواية كاملة. والسبب الثاني أن الرواية كانت تتخيل هذه الرحلة السحرية التي أقمت فيها بقصر السراب وهو مكان سحري دون مبالغة في وسط الصحراء ومبني بالطين حيث لا يوجد به أي مسمار أو قطعة حديد، وجدته فضاءً مثاليا لكتابة رواية تدور حول عوالم الروح وتنمية النفس. حيث أن هذه الرواية تدور حول ما كان سائدا في ذلك الوقت من انتشار ما كانوا يسمون بخبراء تطوير الذات، في جانب منها أيضا هجاء لمن يستغل هذا الأمر تجاريا. عموما أجواء هذه الرواية كانت تخيلا لما شاهدت وعشت في قصر السراب. وقد اجتمعنا لمحاولة كتابة روايات ولكن الذي حصل أن ما كتبناه في الورشة لم ينشر في كتاب، ولكن حملت معي زادا بعد انتهاء الورشة ساعدني كليا في كتابة رواية ولكن ليس في قصر السراب الضحم إنما في حارة الزبادية الشعبية بمطرح وفي غرفة تطل نافذتها على مقبرة."

الورش الكتابية فرصة

يقول الكاتب العماني حمود الشكيلي: "إن أُتيحت لأي كاتب فرصة المشاركة في ورشة كتابية فعليه ألا يتردد في التسجيل والتفاعل فيها، فليشارك في أي عمرٍ، إذ الكتابة لا ترتبط بعمر محدد، لا بداياتها، ولا النضوج فيها سيأتي في عمر معلوم، حتى الكتاب الوحيد لأيٍ كاتب لا يمكن أن يأتي في عمر معروف لديه، أشير إلى هذا إذا ما تذكرنا أن لكل واحد كتابٌ سيرتبط باسمه، ما قبله أو ما بعده تنويعات وحنين إلى الكتاب الوحيد، العزلة في ذاتها تجربة تختلف بين اثنين، تصعب أن تكون مطلقة يطبق الكاتب فيها على نفسه، عليه خلق تجليات تساهم في إثراء تجربته الكتابيّة."

وأضاف: "ورش الكتابة تشبه تماما ورش إنتاج المعدّات أو حتى إصلاحها، أمام المعدات الثقيلة " مثلًا" تقف مجموعة بشرية بخبرات متنوعة، يلتقون معًا لتأمّل هذه القطعة وتلك الأخرى، كأن ينظر هؤلاء إلى المعدّة؛ لكشف علل أو إصلاح خلل قبل إعادتها في الهيكل؛ لتسير بثبات في الشارع أو في الجوِّ إن كانت لطائرة، الحال نفسه أمام نصٍّ تشكّلت فكرته في المسودّة الأولى، فبعد الانتهاء من الكتابة يحتاج النّص إلى إدامة النظر والتأمّل من قبل محبين مخلصين إن قبلوا العمل على ذلك. "

وتابع" :يمكنني الإشارة إلى أن ورش الكتابة تنقسم إلى قسمين، الأولى تحفِّز وترغِّب الكاتب لإنتاج فكرة في أسطر أو فقرات تتشكّل فيها ما قد يصير عوالم لنصِّ منتظر، لعلي أشير بهذا إلى رواية "فراشات الروحاني" للقاص والروائي محمود الرحبي، فكتابتها نتاج التأثّر النفسي والتعلّق الروحي، فمكان الورشة التي شارك فيها أغراه كثيرا، لعل العزلة إن توفّرت فقد أعانته وأجواء مكان الاستضافة لينكبّ ويعتكف على كتابة رواية "فراشات الروحاني" بعد عودته من تجربة الورشة المفتوحة على تجارب روائية متنوِّعة. أما النوع الثاني فالمشاركة فيها تتاح لمتقدِّم بمسودة ميلاد نصّ. في هذا النوع نتذكّر تجربة الصحفية والكاتبة هدى حمد في روايتها الثانية" التي تعدّ السلالم" وهي نتاج مشاركتها في محترف " نجوى بركات" كيف نكتب رواية، وأحسب" التي تعدّ السلالم" أهم وأنضج تجارب هدى حمد الروائية، ولعل المدرّبة رافقت النص ولم تتخل عنه منذ كلماته الأولى حتى نضج واكتمل، لي أن أتخيّل عصفًا ذهنيا في موضوع الرواية وحوارا فنيًّا في الشخصيات والحوار حدث بينهما، وهذا ليس عيبًا أبدا، إنما نعمة تستوجب الشكر والتقدير على وجود مرافق يتأمل النص مرات ومرات بين ألوف كلماته حتى النهاية. أراني الآن لست مخطئا في تأكيد دعوة استغلال أي فرص تعرض على الكاتب أو يتعرض إليها ليقدم نتاجا نثريًّا يراكم لديه خبرة المشاركة، كما يمكنه الاشتغال على فكرته في عزلة ينتج فيها تجربة مختلفة."

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: ورش الکتابة الإبداعیة الإبداعیة فی فی الورشة أی کاتب إلى أن کاتب ا فی ورش

إقرأ أيضاً:

عاصفة إلكترونية تضامنا مع الكاتب الزعبي مساء غد الاثنين

#سواليف

أعلن متضامنون مع الكاتب #احمد_حسن_الزعبي ، عن #عاصفة_إلكترونية تضامنا معه، ستنطلق يوم غد الاثنين في تمام الساعة الثامنة مساء .

وتمت الدعوة للعاصفة تزامنا مع بدء الدورة العادية الأولى لمجلس النواب العشرين.

وبعث ناشطون منذ يومين رسالة إلى نواب المجلس ناشدوهم من خلالها التحرك لدى الحكومة من أجل الإفراج عن الكاتب الزعبي وجميع معتقلي الرأي ، حيث أن هذه الخطوة الحكومية ستجد صدى إيجابيا لدى المواطنين الذين يتوقون إلى حياة برلمانية وديمقراطية أردنية ، تجسد حرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور.

مقالات ذات صلة 111 شهيدا بغزة في غارات للاحتلال منذ فجر اليوم 2024/11/17

وستنطلق العاصفة تحت شعار الهاشتاغان الآتيان :

#مجلس_النواب_العشرين

#الحرية_لأحمد_حسن_الزعبي

مقالات مشابهة

  • «صحة الدقهلية» تكشف عن 4 إجراءات للاستعداد لفصل الشتاء
  • يوسف القعيد: لا لورش الكتابة لأن الموهبة لا تدرس أبدا
  • الدايت في الشتاء.. أسهل مع اتباع هذه العادات
  • قصواء الخلالي واجهة ثقافية لأعمال المصور العالمي ماريو تيستينو في أحدث جولاته الإبداعية
  • إبراهيم جعفر وحالاتٌ كينونيّة: من همِّ الكتابة إلى سؤال الكيْنونة
  • من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي … صهيل حر
  • «أبوظبي للدفاع المدني»: 3 إرشادات مهمة لوقاية الأطفال من حوادث السقوط
  • عاصفة إلكترونية تضامنا مع الكاتب الزعبي مساء غد الاثنين
  • ريادة ملهمة يستعرض المهارات الإبداعية للأشخاص ذوي الإعاقة بصلالة
  • نجيبة الرفاعي: الكتابة بحث دائم عن الذات