التوتر الإثيوبي الصومالي المصري وأثره على استقرار القرن الإفريقي
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
اتفاقيات وتوترات في القرن الإفريقي:
التوتر الإثيوبي الصومالي المصري وأثره على استقرار القرن الإفريقي
*م. فؤاد عثمان عبدالرحمن
يشهد القرن الافريقي في الآونة الأخيرة تحولات لافتة في العلاقات الاقليمية، تتجلى بوضوح في الاتفاقيات الأخيرة بين الدول الرئيسة في المنطقة والتوترات التي نتجت عنها.
تأتي هذه التحولات في ظل سياق سياسي معقد يتداخل فيه القلق من الازمات الامنية كالنزاع الحالي الدامي في السودان بين القوات المسلحة السودانية والقوات شبه العسكرية المسماة بالدعم السريع في عاصمته الخرطوم ومدن رئيسية اخرى، تتداخل فيه مع الطموحات الجيوسياسية أيضا.
الاتفاقيات بين إثيوبيا وأرض الصومال، مصر والصومال:
تبرز العلاقات بين اثيوبيا ومصر كاحد ابرز بؤر النزاع بجانب حرب السودان الحالية الدائرة في هذه المنطقة الاستراتيجية، ويعود النزاع بين البلدين إلى قضايا عدة أبرزها ملف سد النهضة الاثيوبي الذي اثار مخاوف القاهرة من تأثيراته السلبية على حصتها من مياه النيل، الذي يعتبر شريان الحياة الرئيسي للبلاد.
وسعت مصر مع السودان دولتي المصب للوصول لاتفاق ملزم مع الجانب الاثيوبي فيما يخص القضايا الفنية حول عمليتي الملء وتشغيل السد وتوصلو مع دولة المنبع اثيوبيا لاعلان تم توقيعه في العاصمة السودانية الخرطوم عام 2015م، إلا ان الجانب الاثيوبي مضى منفردا في عمليات الملء حتى وصل الملء الخامس في يوليو الماضي، مما جعل السودان ومصر ينتقدان ذلك المسلك مرارا وتكرارا بالذات الجانب المصري.
في هذا السياق تعمقت الازمات الاقليمية حيث قامت اثيوبيا بتوقيع اتفاق مع دولة أرض الصومال مؤخرا، التي اعلنت استقلالها من جانب واحد، ولكن لم يعترف بها اقليميا ودوليا.
الاتفاق يتيح لاثيوبيا استخدام جزء من اراضي دولة أرض الصومال المطلة على البحر الاحمر كمنفذ بحري لاثيوبيا لمدة 50 عاما للاغراض التجارية والعسكرية، هذا الاتفاق هدفه تزويد اثيوبيا امكانية الوصول للبحر الاحمر، مما يوفر بدائل استراتيجية لموانئ جيبوتي التي تعتمد عليها بشكل رئيسي لتصدير واستيراد البضائع، ومع ذلك فان اثيوبيا تسعى لتنويع خياراتها اللوجستية لتقليل اعتمادها على جيبوتي، وربما سعت أيضا لموانئ السودان وارتريا لكنها لم تنال ذلك في سبيل تعزيز قدرتها على التحكم في تجارتها البحرية.
اثار هذا الاتفاق غضب الحكومة الصومالية التي اعترضت بشدة على اعتراف اثيوبيا بارض الصومال، معتبرة اياه تدخلا في شؤونها الداخلية ويقوض سيادتها.
استجابة لهذا التطور طلبت الحكومة الصومالية من اثيوبيا سحب قواتها المشاركة ضمن بعثة الاتحاد الافريقي لحفظ السلام من اراضيها، مشيرة إلى أن وجود القوات الاثيوبية يعزز من حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
من جانبها وفي تطور مفاجئ وقعت الصومال مع مصر اتفاقا يقضي باستبدال القوات الاثيوبية بقوات ومعدات عسكرية مصرية، ومؤخرا وصلت العاصمة مقديشو تلك الطائرات والمعدات فعلا تمهيدا لمجئ القوات المصرية.
هذا التحرك يكتسب اهمية خاصة نظرا لكونه يرمز إلى خطوة غير مسبوقة في سياق السياسة الخارجية المصرية منذ زمن بعيد، ويشير لاستراتيجية جديدة قد تهدف لتعزيز النفوذ المصري بشرق أفريقيا.
يمكن تفسير تلك الخطوات المصرية من خلال عدة اسباب معلنة رسميا، تزعم القاهرة أن هذا التحرك يهدف لدعم جهود الحكومة الصومالية في مواجهتها للتهديدات الامنية، بما في ذلك الجماعات المتشددة مثل حركة الشباب.
غير أن هذا التحرك يمكن أن يفهم أيضا كجزء من استراتيجية اوسع لتعزيز نفوذ مصر في منطقة تشهد توترات اقليمية متزايدة، فقد شهدت مصر تدخلات عسكرية خارج حدودها في سياقات مختلفة، مثل التدخل في اليمن خلال ستينيات القرن الماضي.
بالمقابل أيضا لم تتأخر الحكومة الاثيوبية في الرد على التحرك المصري، فقد عبرت اديس ابابا عن قلقها العميق من التحركات العسكرية المصرية واعلان نشر قوات مصرية بالقرب من الحدود الاثيوبية الصومالية، واعتبرته تدخلا في شؤون المنطقة بشكل قد يعزز من حالة عدم الاستقرار ويهدد الأمن الاقليمي.
تجسد هذه الاتفاقيات والتوترات تناقضات المصالح الاقليمية، وتؤكد على الطبيعة المتقلبة للعلاقات الدولية في القرن الافريقي.
زيادة الوجود العسكري المصري في الصومال، وتوسع النفوذ الاثيوبي في ارض الصومال، قد يؤديان لتعميق الهوة بين الدول المعنية، مما يزيد من تعقيد جهود الاستقرار الاقليمي.
هذه الديناميات الجديدة قد تؤثر على الامن الاقليمي والتنمية الاقتصادية والتعاون ما بين دول الاقليم، وتدعو المجتمع الدولي والاقليمي إلى لعب ادوار فعالة في تسوية هذه التوترات لضمان استقرار طويل الامد في المنطقة.
* باحث وكاتب سياسي مهتم بالعلاقات الدولية والإقليمية
الوسوماثيوبيا الصومال القرن الاقريقي سد النهضة مصر
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اثيوبيا الصومال سد النهضة مصر
إقرأ أيضاً:
الرئيس السيسي: سياستنا تتسم بالصبر.. والقوات المسلحة «عامل استقرار مهم»
أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي، أن مصر تتبع سياسة متوازنة وتتسم بالاعتدال والصبر في مواجهة الأحداث التي تمر بها المنطقة، مشيرًا إلى ما تمر به المنطقة على الاتجاهات الاستراتيجية الثلاث لمصر من الاتجاه الشمالي الشرقي، والجنوبي والغربي، مردفًا: «إداراتنا المتزنة ساهمت مساهمة كبيرة في الحفاظ على الاستقرار».
جاء ذلك خلال اجتماع الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعددٍ من قادة القوات المسلحة بمقر القيادة الاستراتيجية بالعاصمة الإدارية الجديدة اليوم.
وعن الحفاظ عن أمن مصر القومي في ظل الأوضاع التي تعيشها المنطقة، قال الرئيس السيسي إنه يتابع كل أنشطة القوات المسلحة، وأنه مطمئن، مردفًا: «القوات المسلحة دومًا هي ركيزة الاستقرار لمصر».
وأوضح الرئيس السيسي أن المنطقة مضطربة جدًا، وتمر بأحداث صعبة، لكن مصر هي عنصر الاستقرار المهم على مدار السنوات الماضية، والمقبلة.
وأشار إلى أن العالم أجمع يعي أن مصر هي نقطة التوازن للمنطقة رغم الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة، مضيفًا: «مصر عامل ثقل كبير جدًا في هذا الاستقرار».
ولفت الرئيس إلى أن المهمة الأساسية للقوات المسلحة هي الاهتمام بالتدريب وقدراتها العسكرية، لكنها ليست بمعزل عما يدور حولنا في الداخل أو الخارج.
وتابع: «القوات المسلحة بهذا التوازن الكبير في إداراتها وأمورها وفهمها للواقع السياسي والأمني داخل الدولة أو خارجها؛ فالقوات المسلحة هي عامل الاستقرار المهم».
وطلب الرئيس عبدالفتاح السيسي من قادة الفرق والألوية المشاركة في اللقاء، بإبلاغ سلامه لرجال القوات المسلحة، قائلاً: «خلو بالكم، إحنا مستمرين في العمل والتدريب والاستعداد للحفاظ على كفاءاتكم وجاهزيتكم.. فأمن مصر وسلامتها أمانة في رقبتنا كلنا.. وفي رقبتكم أنتم كقادة القوات المسلحة، وخط المواجهة الأول».