سلطت مجلة “فورين بوليسي” الضوء على رحلة صعود رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، إلى سدة الحكم، وملامح شخصيته التي رسمت له الطريق في السابق، وتشكل السياسة في البلاد حاليا.

وتقرير المجلة، الذي استندت فيه إلى كتاب “مشروع آبي: الله والسلطة والحرب في إثيوبيا الجديدة”، ذكر أنه لآبي أحمد وجوه متعددة، إذ أن زعيم إثيوبيا مسيحاني وميكافيلي في الوقت نفسه، وشوهت حرب تيغراي الوحشية سمعته كصانع سلام حائز على جائزة نوبل للسلام.

وتحدثت المجلة عن بداية آبي أحمد، قائلة إنه عندما كان ضابطا شابا من الأورومو، أكبر مجموعة عرقية في البلاد، والتي كانت ممثلة تاريخيًا بشكل أقل في الحكومة، نجح من خلال إجادته للغة الإنجليزية في التقرب من أحد كبار القادة العسكريين آنذاك، وهو جنرال تكليبرهان وولديريغاي، الذي كان رئيس قسم المعلومات التكنولوجية في الاستخبارات العسكرية، والذي كان من التيغراي، المجموعة العرقية التي سيطرت لفترة طويلة على المراتب العليا في الدولة الإثيوبية.

وذكرت المجلة أن آبي أحمد، الذي أُرسل مع خمسة زملاء لدراسة التشفير في جنوب أفريقيا لمدة ستة أشهر بين عامي 2002 و2003، ترأس قسم ضمان أمن المعلومات في وكالة أمن شبكات المعلومات الاستخباراتية.

وخلال السنوات الأربع الأولى من عمله في المعهد الوطني للأمن الإلكتروني، كانت المهمة الأساسية لآبي أحمد هي المساعدة في حماية الحكومة والوكالات العسكرية من القرصنة الإلكترونية.

ووفقا للمجلة، كان آبي أحمد من بين مجموعة صغيرة من الأورومو في قيادة كانت، مثل قيادة الجيش، لا تزال تهيمن عليها بوضوح قبائل التيغراي وحزبهم، جبهة تحرير شعب تيغراي، التي شكلت العنصر الأكثر نفوذاً في الجبهة الثورية للشعب الإثيوبي. وأوضح أحد رؤسائه من التيغراي أن “آبي أحمد كان سريع التواصل، وباعتباره شابًا وأوروموًا تم اختياره لهذا المنصب. وكانت موهبته الرئيسية هي التواصل مع الناس”.

كما جعله العمل، بحسب المجلة، على اتصال أوثق بالمسؤولين الأميركيين، ما سمح له بقضاء بعض الوقت في برامج التدريب الأميركية وزراعة بعض الروابط الأجنبية القيمة في السنوات التي سبقت توليه منصب رئيس الوزراء. “كنت الشخص الذي يرسل معلومات استخباراتية من هذا الجزء من العالم إلى وكالة الأمن القومي، حول السودان واليمن والصومال”، كما تفاخر لاحقًا لمجلة “نيويوركر”. وأضاف: “وكالة الأمن القومي تعرفني. سأقاتل وأموت من أجل أميركا”.

وبالفعل، بعد خمسة عشر عامًا، أصبح أآي أحمد قائدًا للبلاد، بحسب المجلة.

وذكرت الصحيفة أنه بداخل آبي أحمد العديد من الشخصيات المتناقضة. وأحدهم إمبراطور طموح يتوق إلى الماضي المجيد، حيث أنه في عام 2022، كان يبني قصرًا لنفسه في التلال فوق العاصمة، وكان فخمًا لدرجة أنه قيل إنه تكلف ما لا يقل عن 10 مليارات دولار، دفعت الإمارات جزءًا منه، ويغطي مساحة أكبر من وندسور والبيت الأبيض والكرملين.

أما الشخصية الأخرى بداخل آبي أحمد، بحسب المجلة، هي أنه محدث يتطلع إلى المستقبل. وفي عام 2022، كان ينهي أيضًا أول متحف علمي على الإطلاق في إثيوبيا، والذي يقدم رؤية حديثة للغاية للتقدم الوطني مبنية على الاكتشاف العلمي والذكاء الاصطناعي. وترى المجلة أنه هذه هي إثيوبيا الجديدة التي سعى آبي إلى بنائها، وهي دولة “المدن الذكية”، ورجال الشرطة الآليين، وبطاقات الهوية البيومترية، ومحاكاة الواقع الافتراضي، والمراقبة المتطورة. وأوضحت أنه شبهه البعض برجل التكنولوجيا في وادي السيليكون.

وأشارت إلى أن آبي أحمد يجمع بين هاتين الشخصيتين المتناقضتين، فهو مسيحي متحمس، لكنه في الوقت نفسه قادر على التحلي بالبراغماتية. وفي بعض الأحيان يبدو وكأنه عبقري ميكافيلي، يقضي بلا رحمة على أعدائه ويتفوق على منافسيه. وقد اعترف أحد زملائه في وقت لاحق بأن “كل شيء بالنسبة لآبي أحمد مؤامرة”. وقال آخر: “لا أعتقد أن أي شخص في إثيوبيا يتمتع بمهارة لعب الشطرنج مثله. لكنه أيضاً مقامر، يرى أن الفوضى فرصة يمكن تحويلها إلى نعمة”.

وفي عالم التاريخ الإثيوبي، أوضحت المجلة أن آبي أحمد يعتبر شخصية مألوفة للغاية وجديدة تماماً في الوقت نفسه. فهو قومي مسيحي على غرار الإمبراطور تيودروس الثاني في القرن التاسع عشر، لكن المختلف أنه يعتبر مثل الرئيس التنفيذي لشركة ويستخدم التفكير الإيجابي والمصطلحات الخاصة بمساعدة الذات لتعزيز إنتاجية موظفيه.

وفي وقت الاضطرابات الدولية، ومع ظهور عالم دونالد ترامب، وشي جين بينغ، وفلاديمير بوتن، ذكرت المجلة أن آبي أحمد يطبق تقنيات القرن الحادي والعشرين للدعاية عبر الإنترنت والتضليل، تماما كما يحيي السياسة البلاطية لإثيوبيا الإمبراطورية. ومع انقسام النظام العالمي وتفكك التحالفات التقليدية، يريد آبي أحمد أن يكون “صديقا للجميع لكنه غير مخلص لأحد،” حسب المجلة.

وأشارت إلى أن صقل نهجه في السياسة مرتبط ارتباطا وثيقا بسنوات عمله داخل أجهزة الاستخبارات في إثيوبيا، حيث أنه من خلال الصعود السريع عبر صفوف وكالة الاستخبارات الوطنية الإثيوبية، بنى آبي أحمد الشبكات الاجتماعية التي سهلت مسيرته السياسية واكتسب الأصدقاء الذين أصبحوا حلفاءه الأكثر ثقة من كبار الجنرالات والسياسيين ورجال الأعمال من بين المقربين منه.

ونقلت المجلة عن بعض المقربين من آبي أحمد، قولهم إنه استخدم منصبه في الاستخبارات الوطنية لبناء قاعدة سياسية وتعزيز مصالحه الخاصة، رغم أنه اكتسب سمعة سيئة في التنصت على المكالمات الهاتفية الخاصة. وتذكر البعض أنه لكسب ولاء زملائه، كان معروفًا بتقديم وعود سخية، بما في ذلك، من بين أمور أخرى، الوظائف والامتيازات في المستقبل.

وتولى آبي أحمد قيادة معهد البحوث الوطنية الإثيوبية في عام 2019 بدلا من مديره تكليبرهان الذي سافر لدراسة الماجيستير في بريطانيا. وزرع هذا العام بذور معارضة جبهة تحرير شعب تيغراي لرئاسته للوزراء، وساهم في نهاية المطاف في التداعيات الكارثية بين آبي والحزب المهيمن سابقًا والتي أدت إلى الحرب، وفقا للمجلة.

وكان جوهر الأمر، بحسب المجلة، هو طموح آبي أحمد السياسي القوي ومحاولاته الواضحة بشكل متزايد للاستفادة من منصبه في معهد البحوث الوطنية الإثيوبية لتحقيق ميزة مهنية.

وقال أحد الأصدقاء في معهد البحوث الوطنية الإثيوبية للمجلة: “لقد أصبح مشهورًا للغاية وجعل طموحه إلى السلطة علنيًا للغاية. وفي تقليد الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، كان هذا من المحرمات. لكن آبي أخبر الجميع أنه سيكون رئيسًا للوزراء، وأن الرب أخبره بذلك”.

وفي عام 2010، عاد تكليبرهان من المملكة المتحدة وطرد آبي أحمد من معهد البحوث الوطنية الإثيوبية بعد اكتشافه ما حدث أثناء غيابه، بما في ذلك سوء إدارة المشاريع والفساد المزعوم. وعند رحيله، حذر آبي أحمد رئيس الوزراء المستقبلي زملاءه من أنه سيعود يومًا ما كرئيس لهم.

وبعد ثماني سنوات فقط، ذكرت المجلة أنه أثبت أنه على حق. بعد توليه منصبه على خلفية الاحتجاجات الجماهيرية في منطقته الأصلية، أوروميا، صور آبي أحمد نفسه على أنه صليبي شعبوي ضد الاستبداد والفساد والإحباط الاقتصادي. وبالفعل نجح في التفوق السياسي على زملائه من تيغراي داخل الائتلاف الحاكم، جبهة تحرير شعب تيغراي.

ووسط هتافات العديد من الإثيوبيين في الداخل والخارج، شرع رئيس الوزراء الجديد، آبي أحمد، بسرعة في العمل على تقليص وجودهم عبر مساحات واسعة من الدولة الإثيوبية. ولفترة من الوقت، أشاد الغرب بآبي باعتباره مصلحًا ليبراليًا.

وفي عام 2019، بعد عام من إبرامه اتفاق سلام تاريخي مع إريتريا، جارة إثيوبيا الأصغر التي انفصلت في عام 1993، حصل على جائزة نوبل للسلام.

لكن بحلول نوفمبر 2020، بعد عقد واحد فقط من رحيله المهين عن الجيش الوطني الإثيوبي، وبسبب عجرفته وخطابه الشعبوي، دخل آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي في حرب دموية تستمر آثارها حتى الآن.

الحرة

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: رئیس الوزراء فی إثیوبیا لآبی أحمد المجلة أن رئیس ا فی عام

إقرأ أيضاً:

قائد أنصار الله يتعهد بتصعيد أكبر بعد العملية النوعية التي استهدفت “تل أبيب”

الجديد برس:

جدد قائد حركة أنصار الله، عبد الملك الحوثي، في كلمته بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، التأكيد على استمرار العمليات العسكرية اليمنية طالما استمر العدوان والحصار على غزة.

وقال الحوثي: “عملياتنا العسكرية مستمرة طالما استمر العدوان والحصار على غزة، وموقفنا ثابت حتى تطهير فلسطين من الاحتلال الصهيوني، ونحن نصعّد في كل مرحلة بالتنسيق مع إخواننا المجاهدين في فلسطين ومحور القدس والجهاد والمقاومة، ونتحرك لفعل ما هو أكثر، والقادم أعظم بإذن الله”.

وأضاف: “عملية اليوم، التي نفذتها القوة الصاروخية بصاروخ باليستي جديد بتقنية متطورة، تمكن من تجاوز واختراق كل أحزمة الحماية التي يحتمي بها العدو الإٍسرائيلي ويتمترس بها، بما في ذلك منظومات الدفاع الجوي المتعددة والمتنوعة، إضافة إلى المدى البعيد، حيث قطع مسافة تقدر بـ 2040 كيلومتراً في غضون 11 دقيقة ونصف، وذلك في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد ضد العدو الإسرائيلي ونصرةً للشعب الفلسطيني”.

وأشار الحوثي إلى أن “القوات المسلحة اليمنية تواصل عملياتها البحرية لاستهداف الحركة الملاحية المرتبطة بالعدو الإسرائيلي وشركائه الأمريكيين والبريطانيين، وقد حققت نجاحات كبيرة وفي غاية التأثير”.

وأكد على “ثبات الشعب اليمني في موقفه الجهادي في حمل راية الإسلام، والوقوف في وجه الطاغوت والاستكبار”، مشدداً على مسؤولية المسلمين في نصرة الشعب الفلسطيني المظلوم الذي يعاني من جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني يومياً.

كما دعا الحوثي الأمة الإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها الدينية ونصرة الشعب الفلسطيني، مذكراً بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: “من أصبح لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، ومن سمع منادياً ينادي يا للمسلمين ولم يجب، فليس من المسلمين”.

الحوثي في بداية كلمته، أثنى على الحضور الشعبي حباً لرسول الله في يوم مولده المبارك، مؤكداً أنه “لا مثيل له على الأرض”، مخاطباً جموع الشعب اليمني المليونية بالقول: “لقد أقمتم أكبر احتفال في الأرض لأعظم وأرقى إنسان، وفرحاً وابتهاجاً بنعمة الله وفضله ورحمته”.

وكانت قوات صنعاء قد أعلنت يوم الأحد عن تنفيذ عملية عسكرية نوعية استهدفت هدفاً عسكرياً إسرائيلياً في “تل أبيب” المحتلة، وذلك ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد.

وقال المتحدث باسم قوات صنعاء، العميد يحيى سريع، في بيان متلفز، إن “القوة الصاروخية اليمنية نفذت عملية عسكرية باستخدام صاروخ باليستي جديد فرط صوتي، والذي نجح في الوصول إلى هدفه بينما فشلت دفاعات العدو في اعتراضه”.

وأوضح سريع أن الصاروخ قطع مسافة تقدر بـ2040 كيلومتراً خلال 11 دقيقة ونصف، مما أثار حالة من الخوف والهلع بين الإسرائيليين، حيث اندفع أكثر من مليوني شخص إلى الملاجئ، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ العدو الإسرائيلي.

وأكد العميد سريع أن “هذه العملية تأتي ضمن المرحلة الخامسة من التصعيد وتُظهر الجهود الكبيرة التي بذلها أبطال القوة الصاروخية في تطوير تكنولوجيا الصواريخ لتتجاوز جميع أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية والإسرائيلية”.

وشدد على أن “عوائق الجغرافيا والعدوان الأمريكي والبريطاني ومنظومات التجسس والرصد لن تمنع اليمن من تأدية واجبه الديني والإنساني في دعم الشعب الفلسطيني”.

وأضاف سريع أن “على العدو الإسرائيلي أن يتوقع المزيد من الضربات النوعية القادمة، ونحن على أعتاب الذكرى الأولى لعملية السابع من أكتوبر، منها الرد على عدوانه الإجرامي على مدينة الحديدة، ومواصلة عمليات الإسناد للشعب الفلسطيني المظلوم”.

مقالات مشابهة

  • ما الدلالات والرسائل التي حملها صاروخ  “فلسطين2” فرط صوتي؟
  • سحب ناجح للسفينة “سونيون” التي هاجمها الحوثيون
  • العراق يستورد معدات كهربائية من الجزائر لحل “أزمة الطاقة التي لا تنتهي”
  • قائد أنصار الله يتعهد بتصعيد أكبر بعد العملية النوعية التي استهدفت “تل أبيب”
  • “الزوي” يبحث بالتحديات التي تواجه الحرس البلدي في بنغازي
  • طبيب سوداني يروي قصة مبادرة “إيواء وغذاء” التي تدعم الآلاف
  • بتقديم أدلة جديدة.. جنوب إفريقيا تصر على إدانة “إسرائيل” في قضية “الإبادة الجماعية” التي رفعتها
  • جنوب إفريقيا تؤكد تصميمها على متابعة قضية “الإبادة الجماعية” التي رفعتها ضد “إسرائيل”
  • أحمد حلمى يكتب: حقوق مكفولة للجميع
  • “الأم والأقارب قـتـلـوهـا” مفاجأة صادمة في القضية التي شغلت تركيا .. صورة