عودة: ماذا يجني المعطلون من التعطيل؟
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس الياس عودة، قداسا في كاتدرائية القديس جاورجيوس في بيروت.
بعد الإنجيل قال في عظته: "سمعنا في إنجيل اليوم آية تعبر عن خلاصة الإنجيل بأسره، وعن كرازة الرب يسوع بكمالها. قال الرب: «لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16).
أضاف: "الجزء الثاني من الآية: «لكي لا يهلك كل من يؤمن به» يؤكد على أهمية الإيمان بالرب يسوع، الذي هو مفتاح الخلاص. الإيمان بالرب يسوع يعني الإعتراف بأنه ابن الله، وأنه أمات الموت بموته على الصليب. كل الذين يؤمنون بالرب يسوع لن يهلكوا، أي إنهم لن يعانوا من الإنفصال الأبدي عن الله، بل ستكون لهم الحياة الأبدية. هذه الحياة الأبدية هي هدية تمنح للذين يؤمنون بالرب يسوع. إنها ليست مجرد حياة تدوم إلى الأبد، لكنها حياة «حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهد»، مليئة بالفرح والسلام. إنها حياة نعيشها في علاقة وثيقة مع الله. تبرز لنا هذه الآية محبة الله فتذكرنا بأنها ليست مشروطة أو محدودة، بل تمتد إلينا جميعا، بغض النظر عن أخطائنا الماضية أو الظروف الحالية. إنها محبة تعطى مجانا، بلا قيود. كذلك تشدد الآية على أهمية الإيمان، وتذكرنا بأن الخلاص لا يكتسب من خلال الأعمال الصالحة أو الإنجازات الشخصية فقط، بل من خلال الإيمان بالرب يسوع. هذا ما يسميه الرسول بولس: «الإيمان العامل بالمحبة» (غل 5: 6).
وتابع: "هذا الإيمان عاشه القديسان يواكيم وحنة فأنجبا والدة الإله التي كانت مثالا للإيمان العميق بالرب. نحن نعيد اليوم لميلاد سيدتنا والدة الإله، المؤمنة التي لم تشك أبدا بكلام الرب رغم الصعوبات التي عرفت بأنها ستواجهها بسبب قراراتها النابعة من إيمانها. لا يذكر العهد الجديد شيئا عن طفولة مريم العذراء ولا عن مولدها أو رقادها، لأن هدف الأناجيل هو البشارة بالرب يسوع، الإله المتجسد، وبالتدبير الخلاصي من أعمال وتعاليم. لكن التقليد الكنسي الذي حفظ مكانة خاصة لوالدة الإله، يذكر أن ولادتها تمت بتدخل إلهي مباشر، كما حصل مع عدد من الأشخاص في العهد القديم. نرتل في ترنيمة العيد: «ميلادك يا والدة الإله بشر بالفرح كل المسكونة، لأنه منك أشرق شمس العدل المسيح إلهنا». تتفق هذه الترنيمة مع إنجيل اليوم من جهة الدلالة على أن المحبة الإلهية شاملة الجميع وليست إنتقائية أو لجماعة ضد أخرى. ميلاد والدة الإله فتح لنا طريق الخلاص لأنها ستلد الرب المخلص الذي يعتق آدم وكل ذريته من الموت والخطيئة. ميلاد العذراء فرح لكل المسكونة، ليس لأنها ولدت بإرادة الله بما يفوق الطبيعة من زوجين عاقرين بل لأنها مفتاح الملكوت والسلم إليه. مع ميلاد العذراء، نبدأ رحلتنا نحو الملكوت، ومع قبولنا بتجسد ابن الله وإيماننا به، نعلن قبولنا للملكوت. هذا هو الرجاء والوعد بالحياة الأبدية اللذان يتحدث عنهما إنجيل اليوم".
وقال: "إذا كان ربنا وخالقنا قد أحب الإنسان إلى حد افتدائه، فبذل ابنه الوحيد ليخلصه، فكيف لإنسان أن يحتقر أخاه الإنسان أو يهمله أو يظلمه أو يسيء إليه؟ وكيف لحاكم أن يتغاضى عن مشاكل المواطنين وهو من شاء تولي المسؤولية، ومن يمتلك القدرة؟ ألا يجدر بالحاكم والزعيم وكل قائد نصب نفسه في موقع المسؤولية، أن يلتفت إلى شؤون إخوته ويعمل من أجل خيرهم وإذا لزم الأمر افتداءهم؟ وأن يلتفت إلى شؤون وطنه ويعمل بصدق من أجل جعله جنة لساكنيه، مفتديا الوقت، غير ملتفت إلى الصغائر والضغائن. في السياسة اللبنانية لم يعد للوقت قيمة ولم يعد الإنسان محور الحياة بل المصلحة. يسرقون أعمار اللبنانيين وأحلامهم ويهدرون أموالهم ويفككون إداراتهم ويضعفون مؤسساتهم ويعطلون الإستحقاقات لأسباب يعرفونها. ماذا يجني المعطلون من التعطيل؟ وماذا يفيد رهن الرئاسة بالمصالح الصغيرة، أو إدانة الآخرين والتعالي عليهم وتعييرهم بالإنتماء أو العدد أو الإنحراف؟ ألا يؤذي هذا البلد كله وناسه؟ هل أجمل من التلاقي حول قضية نبيلة؟ وهل أنبل من قضية الوطن ومصلحته؟"
وختم: "علينا أن نتذكر أن هذه الحياة الأرضية ليست المبتغى، وأن لنا هدفا هو أن نملك مع الله في الفردوس، كما فعلت العذراء بإيمانها وطاعتها ومحبتها وتخليها عن أناها من أجل خير البشر، والتي تقف أمامنا مثالا حيا وقدوة نقتدي بها لنفوز بالحياة الأبدية والكنز الثمين الذي لا يفنى".
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: الحیاة الأبدیة ابنه الوحید الرب یسوع محبة الله
إقرأ أيضاً:
عمر عبد الكافي: في غزة ذابت الأنا المذمومة وانتصر الإيمان
جاء ذلك في حلقة من برنامج "الشريعة والحياة في رمضان"، حيث تناول الدكتور عبد الكافي مفهوم "الأنا" في ضوء النصوص القرآنية والتجربة الإنسانية، موضحا أن أول من نطق بها كبرا وغرورا كان إبليس حين رفض السجود لآدم عليه السلام، معتبرا نفسه أرفع منزلة بسبب خلقه من نار.
وأشار إلى أن مدرسة "الأنا المتضخمة" التي أسسها إبليس عبر التاريخ تجلت في شخصيات مثل فرعون وقارون وغيرهما ممن طغوا وتجبروا فكان عقابهم عبرة للآخرين، ولفت إلى أن كل من تمسك بغروره وسعى للتعالي على الآخرين مصيره الهلاك، في حين أن التواضع هو السبيل إلى النجاة.
وأكد عبد الكافي أن الإسلام جاء ليذيب هذه الأنا في روح الجماعة، مستشهدًا بأمثلة من التشريعات الإسلامية التي تعزز مفهوم الجماعة، مثل الصلاة التي تبدأ بالتكبير (الله أكبر) لتذكير الإنسان بصغر شأنه أمام عظمة الخالق، وكذلك الحج الذي يجمع المسلمين في زي موحد لا تمييز فيه بين غني وفقير.
وأضاف أن الإنسان كلما ازداد تمسكا بذاته وغرق في الاعتداد بنفسه، زادت عزلته النفسية عن مجتمعه، مما يجعل التواضع ضرورة للحفاظ على العلاقات الإنسانية السليمة.
وأوضح أن الرسول محمدا صلى الله عليه وسلم قدم أعظم نموذج في إذابة الأنا الفردية حين قال لأهل مكة بعد فتحها "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، رغم ما تعرض له من أذى واضطهاد.
إعلانوعند حديثه عن غزة، قال عبد الكافي إن الفلسطينيين قدموا نموذجا إيمانيا متفردا في مواجهة العدوان، حيث طغت روح التضحية على النزعة الفردية، وبات الجميع يؤثرون بعضهم بعضًا رغم شدة الظروف، مضيفا أن هذا الإيمان العميق هو الذي منحهم الصبر والثبات أمام المحن.
النظري والعمليوأشار إلى أن ما يحدث في غزة هو انعكاس للفرق بين الإيمان النظري الذي يعيشه بعض المسلمين في بقاع مختلفة، والإيمان العملي الذي جسده الفلسطينيون في تعاملهم مع العدوان، موضحا أن هذا النموذج يجب أن يكون مصدر إلهام للأمة بأكملها.
وفي هذا السياق، استنكر عبد الكافي حالة اللامبالاة التي تنتشر بين بعض المسلمين، حيث يكتفي البعض بمشاهدة الأحداث دون تحرك، متذرعين بمقولات مثل "البيت أولى"، معتبرا أن هذه العقلية تعكس تضخم الأنا السلبية التي تجعل الإنسان منشغلا بذاته غير مبال بمصير أمته.
كما نبه إلى خطورة الأنا المتسلطة على المال العام، حيث يسعى البعض لجمع الثروات دون مراعاة حقوق الآخرين، مؤكدا أن هذه الممارسات تهدد استقرار المجتمعات وتخلق فجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يؤدي إلى انهيار القيم الأخلاقية والتماسك الاجتماعي.
وشدد عبد الكافي على أن التاريخ الإسلامي مليء بالنماذج التي قدمت التواضع على الغرور، وفي هذا السياق أشار إلى موقف الخليفة عمر بن الخطاب عندما رفض تولي مهمة التفاوض في صلح الحديبية، ورشح عثمان بن عفان بدلا منه لإدراكه أن المصلحة العامة تقتضي ذلك.
وتحدث عن تأثير "الأنا" على المجتمع، مشيرا إلى أن "الأنا" المذمومة تؤدي إلى التفرقة والأنانية، في حين أن "الأنا" المحمودة تعزز التعاون والتواضع، لافتا إلى أنها عندما تكون في سياق التواضع والخدمة تصبح وسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية وبناء مجتمع متكامل.
ودعا عبد الكافي إلى ترسيخ قيم التواضع والتضامن بين المسلمين، مؤكدا أن النصر لا يتحقق إلا لمن تخلص من الأنا المذمومة، كما قال الله تعالى "ولقدْ نَصرَكمُ الله ببدرٍ وأنتم أذلّة"، كما شدد على أن عز المؤمن لا يكون إلا في تواضعه لله وتقديم مصلحة الأمة على مصالحه الشخصية.
إعلان 4/3/2025