الفدرالي الأميركي يواجه قرارات مصيرية.. هل يكون تخفيض الفائدة أكبر من المتوقع؟
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
تتجه أنظار الأسواق العالمية إلى مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، وسط تكهنات بشأن حجم التخفيض القادم في أسعار الفائدة. وعلى مدى السنوات الأخيرة، ركز الفدرالي جهوده للسيطرة على التضخم المتصاعد، إلا أن التطورات الأخيرة تشير إلى أنه يقترب من تخفيض كبير في أسعار الفائدة مع ظهور بوادر تباطؤ في سوق العمل الأميركي.
التساؤلات الآن لم تعد عما إذا كان هناك تخفيض، بل عن حجم هذا التخفيض.
وفقا لتقرير حديث نشرته وول ستريت جورنال، أظهر تقرير الوظائف لشهر أغسطس/آب استمرار فقدان الزخم في سوق العمل، مما عزز التوقعات بأن الفدرالي قد يتجه إلى خفض الفائدة بأكثر من 50 نقطة أساس، وهو أمر كان يعتبر بعيد المنال قبل شهر واحد فقط، بالمقارنة مع التخفيض المعتاد البالغ 25 نقطة أساس.
ووفقا للصحيفة، فإن تصريح عضو مجلس الاحتياطي الفدرالي كريستوفر والر دعم هذه التوقعات عندما أشار إلى أن "المخاطر الآن تميل نحو جانب التوظيف"، في إطار التفويض المزدوج للفدرالي.
مفترق طرقورغم الاستقرار النسبي في سوق العمل، حيث لم تتأثر القطاعات بشكل شامل، فإن قطاعات مثل التكنولوجيا والمالية شهدت عمليات تسريح كبيرة، وهو ما زاد من الضغط على الفدرالي للتصرف.
إذ تؤجل عديد من الشركات، خاصة في ظل تكاليف الاقتراض المرتفعة، خططها للتوسع أو الاستثمار، مما يثير قلقا بين المستثمرين. يُضاف إلى ذلك حالة عدم اليقين السياسي المرتبطة بالانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
ويواجه الفدرالي -حسب وول ستريت جورنال- تحديا يتمثل في تحقيق هبوط سلس للاقتصاد من دون التضحية بسوق العمل أو الاستثمار. لكن المخاوف من أن تخفيض الفائدة قد يأتي بنتائج عكسية إذا تم الإسراع فيه من دون مراعاة التفاصيل الاقتصادية والسياسية بدقة.
وتقول الصحيفة إن السباق الرئاسي لعام 2024 يزيد من تعقيد الموقف. فوفقا لتوقعات غولدمان ساكس، فإن السياسات الاقتصادية التي قدمها الرئيس السابق دونالد ترامب، والتي تشمل فرض رسوم جمركية جديدة، قد تؤدي إلى إضعاف النمو الأميركي، على الرغم من تعهداته بخفض الضرائب على الشركات.
ويقترح ترامب خفض الضرائب على الشركات التي تصنع منتجاتها في الولايات المتحدة من 21% إلى 15%، وهو ما قد يكون له تأثير كبير على الاقتصاد، لكنه يعتمد بشكل كبير على موافقة الكونغرس.
في المقابل، تعهدت كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالي، بزيادة ضريبة أرباح رأس المال إلى 28% للأميركيين الذين يكسبون أكثر من مليون دولار، وهو اقتراح يهدف إلى تحقيق توازن في الاقتصاد من خلال التركيز على الشركات الكبرى.
قرار الفدرالي والسوقومع استمرار انخفاض معدلات التضخم، تشير التقارير إلى أن عديدا من الشركات لا تزال تشعر بألم ارتفاع تكاليف الاقتراض، مما يؤثر على قراراتها المستقبلية.
وسيشكل قرار الفدرالي بشأن حجم التخفيض المرتقب في أسعار الفائدة علامة فارقة في تحديد توجه السوق، خاصة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، التي ستؤثر بشكل كبير على المسار الاقتصادي للبلاد.
في حين تقول الصحيفة إن رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي جيروم باول سيواجه ضغوطا لاتخاذ قرار حاسم يوازن بين خفض الفائدة لدعم التوظيف، والحفاظ على استقرار الاقتصاد.
وإذا ما جاء التخفيض أكبر من المتوقع، فقد يكون له تأثير إيجابي على الشركات التي تعاني من ارتفاع تكاليف الاقتراض، لكنه في الوقت نفسه قد يثير مخاوف بشأن استقرار الأسعار على المدى الطويل.
ويترقب المستثمرون وأصحاب الأعمال نتائج اجتماع الفدرالي في وقت لاحق من هذا الشهر، إذ سيتعين على المجلس تحديد حجم التخفيض الأمثل لأسعار الفائدة لتحقيق التوازن بين السيطرة على التضخم ودعم سوق العمل.
ومع استمرار الغموض حول الانتخابات الرئاسية، يظل السؤال المطروح: هل يكون تخفيض الفائدة خطوة كافية لدفع الاقتصاد نحو النمو، أم أن التدخلات السياسية والاقتصادية ستستمر في إرباك الأسواق؟
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات تخفیض الفائدة على الشرکات سوق العمل
إقرأ أيضاً:
التمويل الفدرالي سلاح ترامب لإخضاع الجامعات الأميركية
واشنطن- جاءت عبارات "هارفارد تهديد للديمقراطية" و"مؤسسة يسارية معادية للسامية" و"فوضى ليبرالية"، ضمن موجة من التصريحات التصعيدية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في سياق هجوم مباشر على واحدة من أعرق وأغنى الجامعات الأميركية، متّهما إياها بـ"احتضان الكراهية" و"الفشل في حماية الطلاب اليهود"، ومتوعّدا بقطع التمويل الفدرالي عنها.
ورغم أن عداء ترامب لما يصفه بـ"اليسار الأكاديمي" أو "الجامعات الليبرالية" يعود إلى حملاته الانتخابية، فإن الإجراءات التنفيذية بدأت فعليا منذ الأيام الأولى لدخوله البيت الأبيض، حيث كثّف استخدامه للأوامر التنفيذية لإعادة صياغة العلاقة مع مؤسسات التعليم العالي، مستعينا بسلاح المساعدات والمنح الفدرالية التي تُحرّك عجلة النظام الجامعي الأميركي.
التمويل الفدرالي وقنواتهوترتبط الجامعات الأميركية بالحكومة الفدرالية عبر شبكة معقدة من التمويل العام، وتعتبر المنح والمساعدات الفدرالية أهم عنصر في هذه الشبكة وموردا لا غنى عنه لمؤسسات التعليم العالي. فمن دون هذا الدعم تتوقف مشاريع بحثية وتتقلص برامج أكاديمية ويتأثر آلاف الطلبة من ذوي الدخل المحدود.
وتقدم الحكومة الأميركية هذا التمويل من خلال قنوات متعددة أبرزها:
إعلان منح الأبحاث العلمية من مؤسسات كالمعاهد الوطنية للصحة والمؤسسة الوطنية للعلوم. المساعدات الطلابية لذوي الدخل المحدود مثل برنامج "بيل غرانتس" والقروض المدعومة. التمويل المخصص للكليات التي تخدم فئات مجتمعية محرومة كالجامعات التاريخية التي أسست لخدمة الأميركيين من أصل أفريقي المعروفة اختصارا بـ"إتش بي سي يو". التمويل المشروط بالتزام الجامعات بقوانين مكافحة التمييز والشفافية والتقارير السنوية.وحسب بيانات وزارة التعليم، فقد بلغ حجم التمويل الفدرالي لقطاع التعليم العالي للسنة الماضية أكثر من 160 مليار دولار لدعم الطلبة والجامعات، مما يؤكد أن أي تهديد بقطع هذه الموارد يهدد البنية التحتية الأكاديمية بشكل مباشر.
ورغم امتلاك بعض الجامعات الكبرى، مثل هارفارد وييل، احتياطات مالية ضخمة، فإن الغالبية العظمى من مؤسسات التعليم العالي، خاصة الجامعات العامة، تعتمد بشكل جوهري على التمويل الفدرالي لتسيير عملياتها اليومية من دفع أجور هيئة التدريس وتشغيل المختبرات وتمويل البرامج الأكاديمية.
وفي أحيان كثيرة، يُشكل هذا الدعم الفارق بين استمرار برنامج علمي أو إلغائه، أو بين بقاء طالب من محدودي الدخل على مقاعد الدراسة أو انسحابه مضطرا.
كما تُعتبر الجامعات التي تستقطب أعدادا كبيرة من الطلاب الدوليين أو تركز على تخصصات ذات تكلفة مرتفعة مثل العلوم والتكنولوجيا المؤسسات الأكثر عرضة للتأثر إن انقطع هذا التمويل.
أداة عقابويثير أسلوب ترامب الصارم في مخاطبة الجامعات تساؤلات قانونية ودستورية حول مدى صلاحية الرئيس في اتخاذ قرارات تمويلية من شأنها أن تفتح الباب أمام أزمة غير مسبوقة بين الإدارة الفدرالية ومؤسسات التعليم العالي.
وتقول الخبيرة في القانون الإداري وقانون التمويل الفدرالي إلويس باساشوف -للجزيرة نت- إن "دور السلطة التنفيذية في إدارة المنح الفدرالية لم يكن يوما تقنيا بحتا، بل أصبح يتخذ طابعا سياسيا متزايدا".
إعلانوتضيف "التمويل لم يعد مجرد وسيلة دعم، بل تحوّل تدريجيا إلى أداة سياسية تُستخدم لصياغة أجندات أو لمعاقبة الخصوم".
وأطلعت باساشوف الجزيرة نت على دراسة أكاديمية موسّعة توضّح فيها أن الخطورة لا تكمن في آليات التوزيع بذاتها، بل في توظيف التمويل لتوجيه السياسات، أو معاقبة الجهات التي تتخذ مواقف معارضة للإدارة الحاكمة. وهي ممارسات تهدد مبدأ الفصل بين السلطات، وتُقوِّض استقلالية الجامعات، حسب الخبيرة القانونية.
وفصّلت البروفيسورة -في الدراسة- الأدوات التي تمتلكها السلطة التنفيذية للسيطرة على التمويل الفدرالي، مشيرة إلى أن التأثير يظهر في 3 مراحل حاسمة:
مرحلة صياغة السياسات، حيث يتم تفسير شروط التمويل بطريقة توسّع صلاحيات الإدارة. مرحلة تخصيص التمويل؛ التي قد تخضع لاعتبارات سياسية لا تمت بصلة إلى الحاجة أو الكفاءة. مرحلة إنفاذ العقود والبرامج، إذ يمكن أن تُستخدم آليات الرقابة والامتثال كوسيلة للضغط أو لمعاقبة جامعات تتخذ مواقف لا تتماشى مع توجهات الإدارة.وترى باساشوف أنه ورغم أن هذه الأدوات ليست جديدة تماما، فإن "إدارة ترامب أعادت استخدامها بجرأة غير مسبوقة، متجاوزة بذلك الأعراف السياسية والإدارية السابقة".
وتشدّد على أن ما يثير القلق ليس وجود هذه الصلاحيات، بل غياب الضوابط التي تمنع استغلالها لفرض الانضباط السياسي على مؤسسات التعليم.
وأوصت الباحثة، في ختام دراستها، بضرورة تبني إصلاحات تشريعية وتنفيذية عاجلة، من شأنها أن تُعزِّز الشفافية وتفرض حدودا قانونية أكثر وضوحا على صلاحيات السلطة التنفيذية في إدارة المنح الفدرالية، وتضمن بقاء المال العام في خدمة الوظيفة التعليمية والبحثية، لا للأجندات السلطوية أو للترهيب السياسي.
وكان الرئيس ترامب قد أصدر سلسلة أوامر تنفيذية تشمل:
إعلان تجميد التمويل عن الجامعات التي "تفشل في اتخاذ إجراءات لحماية الطلبة". فرض مزيد من القيود على البرامج المرتبطة بالتنوع والإنصاف والشمول. إلزام الجامعات بالكشف التفصيلي عن التبرعات الأجنبية تحت طائلة فقدان الاعتماد والتمويل.وفي المقابل، رفضت نقابات أكاديمية بارزة وبشكل قانوني ما وصفته بـ"الابتزاز السياسي عبر التمويل"، وفي 25 مارس/آذار الماضي، تقدمت الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات والاتحاد الأميركي للمعلمين بدعوى قضائية مشتركة ضد إدارة ترامب، بسبب تهديدات لقطع التمويل عن جامعة كولومبيا.
ووصفت الدعوى الإجراءات بأنها "محاولة لإخضاع المؤسسة أكاديميا وسياسيا"، وخرق مباشر للحريات التعليمية.
وفي منتصف أبريل/نيسان الجاري، رفع فرع الرابطة الأميركية لأساتذة الجامعات في جامعة هارفارد دعوى منفصلة، اعتبرت فيها أن استخدام التمويل وسيلة ضغط يشكل "تهديدا وجوديا لاستقلال الجامعات"، ودعت إلى تدخل عاجل.
كما دعت مجموعة جامعات منضوية تحت تحالف "بيغ تن" في 24 من الشهر ذاته، إلى إنشاء ميثاق دفاع مشترك، لتوفير شبكة دعم قانوني ومؤسسي في حال تعرض أي مؤسسة أكاديمية إلى إجراءات فدرالية "انتقامية"، لمواجهة ما وصفوه بـ"الضغوط الفدرالية غير المشروعة على الجامعات".