سودانايل:
2025-01-22@15:48:48 GMT
مُذَكِّرَات مُغتَرِب في دُوَل الخَليجِ العَرَبي (١٠)
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
كانَ مِن حُسنِ حَظِّي أنْ نُقِلتُ إلى مَدرّسةٍ المُعتَصِم بِالله المُتوُسِطة بالدّمام والتي كانَ مُديرُها إدارِيّاً وتَربَوِيّاً بٍمعَنى الكَلِمة . في البِدايةِ
رَحَّب بي أيَّما تَرحِيب . ثُمَّ قالَ لي : " قبلَ أنْ نُعطِيكَ جَدوَلاً بِحصَص الانجليزي لدَيْنا تَكليفٌ لكَ أرْجُو أنْ تَقبَله لأنَّني تَوَسَّمتُ فيك الخَيرَ والمَقدِرة " .
المُعلِّمين ، والذي كانَ مِن إحدى الجِنسيّات العَرَبية . وقد كانَ ضَعِيفَ الشَّخصِية لا يَستَطِيعُ إدارةَ الصَّف ولا يَهُشُّ عن نَفسِه شيئاً مِمّا يَصِل إليه أثناءَ الحِصّة ويُرمَى عليهِ وعلى السُّبُورة أثناءَ انْشِغالِه بالكِتابَة . والفوضَى ضَارِبةٌ بأطْنابِها داخِل الفَصل مِن أصواتٍ ولَعِبٍ . وباخْتِصار " جَبَّانَة هايْصَة " ... تَوكَّلتُ على اللهِ وقَبِلتُ التَّكلِيف. وقد أدركتُ أنّهُ تمَّ نقلي مِن الخُبر إلى الدَّمام لِملءِ الفَرَاغ الذي سَيَخلِفُه هذا المُدرِّس بعد أنْ تمَّ إلغاءُ عَقدِه . قُلتُ " حَسبِي الله ونِعمَ الوَكِيل " وأنا في طَرِيقي للصّف إيَّاه - وكانَ بَعيدَاً عن الإدارة . حَدَّثتُ نَفسِي : ( يا وَلَد أُترُك التَّربِية جانِباً والنُصحَ والإرْشَاد خارِجَ الفَصل وقُمْ بِمَسحِ وتَقييمِ نَوعِية الأوْلاد قبلَ كُلِّ شئ وقبلَ أي طَباشِيرة على السُّبورة ) . قَبلَ دُخُولِ الفَصل رأيتُ
الطُّلابَ يَجُرُّونَ أنفُسَهم جَرَّاً نحو الفصل كأنّهُم يُساقُون إلى المَوت يَسحَبُ بَعضُهم بَعْضا ! دخلتُ ووقفتُ أمامَ الجَالِسين - ولمَّا يكْتمِل عدَدُهم
بعدْ . انتظرتُ حتّى اكتَملَ العَدَدُ وهُم في ضَجِيجِهم سادِرون . مَسَحتُ وُجوهَ الحُضُور بِنظرةٍ شَذْرَاءَ ثُمَّ
عَرَفتُ " رأسَ الهَوَس " وقرّرتُ أنْ أقْطعَ رأسَ الحَيّة ! انْتَهَرْتُهُم نَهرَةً مُضَريةً. ونادَيتُ على الطَّالبِ إيَّاه أمامَ الجَمٍيع ، وكانَ أطولَ مِني وتَبدُو على وجْهِه آثارُ النِّعْمة وزيادةُ الوَزن . وعِندمَا وقفَ أمامي تأمَلتُه مِن أُخْمَصٍ قدَمَيهِ حتّى قِمّة رأسِه ثُمَ
......... صَفَعتُه بِملءِ كَفِّي على خَدِّه الأيّسَر . عِندَها سَمِعتُ رَدَّة فِعل الباقِين : أووووووو ! بِاستِغرَابٍ شَدِيد ! أمَرْتُ الوَلدَ بِالرُّجُوع إلى مَقْعَدِه فَفَعلَ طائِعاً . نَعَم واللهِ هذا ما حَدَث بالضَّبْط . وكانَتْ النَّتائِجُ إيجابِيَّةً مِائة بالمِائة .وبعدَ تلك الحِصّة الأُيقُونة صارَ الأولادٌ يَركضٌونَ نحو الفصلِ رَكضَاً عِندما يَرَوْنَني قادِماً مِن المَكتبِ إلى الفَصل . وطبعاً أمْليْتُ عَليهِم شُرُوطَ الفَاتِحين مُنذُ تلك الصَّفعة في ذلك اليومِ المَشهُود . وقد انتَهجتُ هذه السِّياسَة في كُلِّ المَدَارسِ التي عَمِلتُ بها بعد ذلك - لكِنْ في الفُصولِ المَوبُوءةِ فقط ! بعد يَومَين اسْتَدعَاني المُديرُ وقالَ لي : " ماذا فعلتَ للصَّف إيَّاه حتّى تَغيَّر ۱۸۰ درجة " . فَحَكَيتُ له القِصّة كُلَّها مُنذُ لحْظةِ التًّخطِيط وحتّى لحظةِ التَّنفِيذ ، ثُمَّ الشُّرُوط التي فَرَضْتُها عَليهِم . فَسُّرَّ سُرُوراً عَظيماً وصارَ يٌردِّد : " كَفُو كَفُو الله يَعطِيك العَافِية " . وأصْبَح صَدِيقاً لي حتّى بعدَ أنْ
فارقتُ مدرسَتَه . الطَّرِيفُ في الأمْرِ أنَّ الطَّالبَ الذي صَفَعتُه في المَدرَسةِ قابَلنِي بعدَ خَمسِ سَنَواتٍ في إحدى مَحَطاتِ البَنزِين على طرِيق الدّمام الرِّياض السَّرِيع ، ولمْ أعَرِفه - فقد صارَ نَحِيفاً - وناداني بصوتٍ عالٍ بإسمي : " يا اُستَاذ مُحمد عُمر ما عَرَفْتَنِي ! أنا " فُلان " اللي عَطَيتَه كَفّ في مَدرَسة المُعتصِم بِالله المُتوَسِّطة " !
وصافََحَني بِكُلِّ احْتٍرَام . واللهُ على ما أقُولٌ شَهِيدْ .
------------------
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
عبد الله أبو قردة: لا يحق لأي شخص أخذ القانون بيده أو الاعتداء على الآخرين
قال عبد الله أبو قردة رئيس تجمع روابط دارفور بالمملكة المتحدة وإيرلندا الشمالية إنه لا يحق لأي شخص أخذ القانون بيده أو الاعتداء على الآخرين.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب