الشرعية والديمقراطية صراع غياب الفكر
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
أن شرعية أي نظام سياسي يستمدها من قبول و مشاركة أكبر قطاع اجتماعي في السلطة، هذه المشاركة الواسعة هي التي تحدد اتجاهات النظام القائم، و مادام هناك قبول بالمشاركة الواسعة، تأتي عملية تنظيم تداول السلطة بالطرق السلمية لكي يحافظ النظام على القبول الاجتماعي و توسيع دائرة المشاركة، و تبدأ بانتخابات منتظمة بمواقيت محددة لمجالس الأحياء لأنها تعتبر القاعدة الأساسية للنظام، من خلال المشاركة الواسعة للجماهير في انتخابات، و انتخابات الأحياء هي الأصل لأن التنافس و الدعاية و الالتزام بقوانين العمل هي التي ترسخ ثقافة الديمقراطية في المجتمع، ثم تتصاعد الانتخابات "الأحياء و المحليات و الولايات و المركز" و كلما تقدمت الانتخابات درجة تقل دائرة المشاركة ما بين انتخابات الأحياء و المركز.
أن عملية التغيير السياسي، خاصة من نظام شمولي إلي نظام ديمقراطي، لا تعتمد على الشعارات التي درجت الأحزاب على إطلاقها، فقط لكي ترددها الجماهير دون منتج على الواقع.. لابد للجماهير أن تستوعب عملية التغيير، و مطلوباتها، و الثقافة التي تحكمها.. و كان على الأحزاب السياسية أن تقوم بهذا الدور لتثقيف الجماهير، و اتضح من خلال التجربة أن فاقد الشيء لا يعطيه، و لابد أن تدرك الجماهير أن هناك فرقا نوعيا و ثقافيا بين النظام الشمولي و الديمقراطي.. و أن الرأي الأخر يمثل حجر الزاوية في النظام الديمقراطي، و ليس كل من يخالفك الرآي هو عدو يجب إقصائه.. و قبول و احترام الرآي الأخر هو الذي يفسح الطريق للحوار بين تيارات الفكر المختلفة، و في نفس الوقت يقلل فرص بروز العنف في المجتمع بكل أنواعه.. لكن مشكلة السياسة الأن، أصبحت الأحزاب نفسها في تعاملاتها و خطاباتها و ممارساتها تنتج ثقافة شمولية، و تعتقد أنها تمارس الديمقراطية.. أن فرض الشروط على الآخرين و دعوات الإقصاء و مواجهة الرأي الأخر بتوصيفات عدائية كلها تنتمي للثقافة الشمولية.. قال تعالى عن رؤية فرعون في علاقته مع قومه " قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى و ما أهديكم إلا سبيل الرشاد" هي رؤية الديكتاتور..
أن الأحزاب التي تحاول أن تفرض ثقافة الأستاذية على الآخرين، هي أحزاب لن تكون مفيدة لعملية التحول الديمقراطي في البلاد، فالديمقراطية تشيد قواعدها في المجتمع من خلال الحوارات التي بين المختلفين في الرآي، لآن الحوار يهدئ النفوس و يعيد بناء الثقة بين الكل، و تتحول إلي ممارسة دائمة، بمعنى أصح تنتج الثقافة الديمقراطية، و من خلال الممارسة تتحول لسلوك تلقائي يمارسه أي فرد في المجتمع... و كما يقول جورج طرابيشي في كتابه " ثقافة الديمقراطية" يقول ( أن الديمقراطية في العالم العربي هي موضع طلب أيديولوجي شديد، و لكن بدون عرض على صعيد الواقع الفعلي، و بدون تأسيس نظري على صعيد المفهوم) و هذا بالفعل الذي يعاني منه السودان، أن الأحزاب السياسية السودانية جميعها دون استثناء غير منتجة للفكر و لا منتجة للثقافة الديمقراطية، بل تتعامل بالثقافة الشمولية باعتبار أنها ثقافة ديمقراطية، إذا كانت الأحزاب جميعها ترفع شعار الديمقراطية و تمارس غيرها داخل تنظيماتها، بالضرورة تشكل عقبة في نمو و تطور الديمقراطية في البلاد، حتى خطابها يصبح مغايرا لشعاراتها، وأي أختلاف في الرآي يحصل الانقسام ..
معلوم أن الديمقراطية أدواتها الأحزاب السياسية، و منظمات المجتمع المدني و في نفس الوقت الأحزاب نفسها تعتبر هي معامل لإنتاج الثقافة الديمقراطية، و إذا رجعنا إلي الأحزاب الكبيرة منها، و التي يجب أن تكون سندا لعملية التحول الديمقراطي نجدها لا تملك الأدوات الفاعلة التي تساعد على بناء صروح الديمقراطية " الاتحادي – الأمة – الإسلاميين – الشيوعي" الحزب الاتحادي أصبح أحزاب متعددة " الاتحادي الديمقراطي – ألاتحادي الأصل – الوطني الاتحادي – الحركة الاتحادية – التجمع الاتحادي و غيرها" حزب الأمة " الأمة القومي – مبارك المهدي – عبد الله مسار – و غيرهم" الإسلاميين " المؤتمر الشعبي السنوسي – المؤتمر الشعبي على الحاج – المؤتمر الوطني – الإصلاح الآن – حركة المستقبل – الإصلاح و التنمية – الأخوان المسلمين – انصار السنة" و الحزب الشيوعي " الحزب الشيوعي – حركة حق – حشود و غيرها" كل هذه التقسيمات و التفرعات نتجت بسبب رئيس هو انعدام الممارسة الديمقراطية داخل الآربعة أحزاب الكبيرة، و ليس هناك أي أمل أن ترجع تلك التفرعات إلي الأصل، لآن الاصل نفسه يعاني من إشكاليات فكرية و تنظيمية و حتى قيادات تكون مقبولة تلتف حول المجموعات المختلفة مرة أخرى.
هناك بالفعل معضلة أساسية في قضية الديمقراطية في السودان، و لابد التعامل معها بوعي سياسي ينطلق من أفكار و ليس شعارات، و كما ذكرت كثيرا؛ ليس تعدد الشعارات دلالة على القناعة بالديمقراطية، و لكن دلالة على غياب العناصر التي تشتغل بالفكر، الإزمة الحقيقة أزمة فكرية داخل الأحزاب.. و كما يقول المفكر البناني على حرب في كتابه " اوهام النخبة" يقول ( فمن لا ينتج معرفة بالمجتمع لا يستطيع المساهمة في تغييره، و من لا يبدع فكرا هو اعجز من أن يؤثر في مجرى الأحداث، و تطور الأفكار، هذا هو المأزق الذي يمسك بخناق المثقف العربي) أن أحزابنا لا تنتج معرفة و لا ثقافة ديمقراطية، و الشعارات التي ترفعها هي هزيمة لها، و تفضح تواضع قدرات قياداتها.. فالجماهير تدفع مهرا غاليا للتغيير، و لكنها لا تحظى بتغيير يعبر عن تلك التضحيات التي دفعتها.. نسأل الله حسن البصيرة..
zainsalih@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ثقافة الدیمقراطیة الدیمقراطیة فی فی المجتمع من خلال
إقرأ أيضاً:
سفير بلجيكا: دور حيوي لمراكز الفكر في استشراف المستقبل
أبوظبي (الاتحاد)
أخبار ذات صلة «تنمية المجتمع بأبوظبي» تدشن منتدى القطاع الثالث مذكرة تفاهم بين «زايد العليا» وهيئة أبوظبي للدعم الاجتماعياستضاف مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بمقره في أبوظبي، أنطوان ديلكور، سفير مملكة بلجيكا لدى دولة الإمارات العربية المتحدة في حلقة نقاشية، تركزت حول أهمية المراكز البحثية والفكرية في تحليل القضايا العالمية المعاصرة، واستشراف مستقبلها، ودوره المحوري في دفع عجلة التنمية المستدامة.
وأكد السفير ديلكور، في بداية الحلقة، أن التعاون في مجال البحث العلمي يمثل أحد أهم أركان الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات ومملكة بلجيكا.
وأوضح أن بلاده تمتلك بنية تحتية بحثية متطورة ومراكز أبحاث عالمية المستوى، ما يجعلها شريكاً مثالياً في هذا المجال.
وشدد على أن الاستثمار في البحث العلمي هو استثمار في المستقبل.
وتطرق السفير ديلكور إلى أهمية التعاون الدولي في البحث العلمي، ووضع رؤى وتصورات علمية تسهم في مواجهة التحديات، وتعزيز التطور واستشراف الأحداث.
وقد أثنى سفير بلجيكا على جهود تريندز البحثية وإصداراته المعرفية، إضافة إلى حضوره الدولي الفاعل.
وكان الدكتور محمد عبد الله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز، قد رحب في بداية الحلقة، بالسفير ديلكور، وقدّم نبذة مختصرة حول طبيعة عمل تريندز وقطاعاته، والقضايا التي يهتم بها، وأكد أهمية الدور الذي تؤديه مراكز الأبحاث في صياغة السياسات، وتقديم الحلول المبتكرة للتحديات.
وأشار إلى أن التعاون بين مراكز الأبحاث المختلفة يساهم في تبادل المعرفة والخبرات، ويؤدي إلى نتائج بحثية ذات جودة عالية.
وفي ختام الحلقة، شدد الجانبان على ضرورة تكثيف الجهود، واستمرار التواصل، بما يعزز ويؤطر التعاون بينهما في مجال البحث العلمي.