باريس- يوم الخميس الماضي في تمام الساعة السابعة والنصف صباحا، وصل 10 من ضباط مكافحة الإرهاب إلى منزل الممرضة الفرنسية إيمان معرفي في باريس، حيث فتشوا المنزل واقتادوا معرفي إلى مركز الشرطة أمام أنظار أطفالها وزوجها.

مشهد تستعيد معرفي تفاصيله بحرقة واضحة في صوتها ونوم فارق عينيها منذ أكثر من 24 ساعة في مقابلة خاصة مع الجزيرة نت، بعد اتهامها من قبل السلطات بتهمة "التهديد بالقتل بسبب العرق أو الدين".

يذكر أن الممرضة الفرنسية كانت ضمن أول وفد طبي من جمعية "بالمد أوروبا" يذهب إلى قطاع غزة لعلاج ومساعدة الضحايا الفلسطينيين بمستشفى خان يونس. وفور عودتها إلى فرنسا، أدلت بشهادتها حول الفظائع التي تدمر أهالي القطاع المحاصر نفسيا وصحيا على وسائل الإعلام وخلال جلسة داخل الجمعية الوطنية.

إيمان معرفي: آمل أن تقف الحكومة الفرنسية ووسائل الإعلام المحلية في الجانب الصحيح من التاريخ (مواقع التواصل) قبل الاعتقال

اتصلت إيمان معرفي بصالون "هوش"، وهو عبارة عن قاعات استقبال خاصة تقع في شارع هوش بالقرب من جادة الشانزليزيه، الذي يستضيف، اليوم الأحد، المعرض العقاري الإسرائيلي في العاصمة باريس.

وفي أثناء المكالمة الهاتفية، تحدثت مع مديرة القاعة للتأكد من أنها تعلم جدية وفظاعة ما تفعله من خلال تأجيرها الصالون لتنظيم هذا المعرض الإسرائيلي ولإعلامها أيضا أنها ستكون متورطة في أمر خطير، وهو بيع الأراضي الفلسطينية المحتلة، مذكرة إياها بأن فرنسا وقفت إلى جانب القانون الدولي الصادر في 19 يوليو/تموز.

لكن المديرة لم تتعامل بشكل لائق، تقول معرفي "أخبرتني صراحة أن هذا الأمر لا يقع ضمن اختصاصها ولن تغير قرارها قبل أن تغلق الخط في وجهي".

وتعتقد الممرضة الفرنسية أن مديرة القاعة تلقت مكالمات كثيرة بشأن الموضوع نفسه، لكنها سجلت رقمها بين أشخاص آخرين، واتصلت بالشرطة لأنها تلقت تهديدات بإحداث شغب في مكان عملها يشبه ما حدث في "هجوم باتاكلان".

وتجدر الإشارة إلى أن هجوم باتاكلان وقع في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وأودى بحياة 130 شخصا في مسرح ومقاهي مسرح باتاكلان في الدائرة الأولى بالعاصمة الفرنسية، وخلف 350 جريحا.

وتعليقا على هذه الاتهامات، قالت معرفي "قبلت الشرطة الشكوى يوم الثلاثاء، وأهنئ العدالة الفرنسية على الاستجابة السريعة، لأنهم تحركوا بسرعة فائقة، وكنا رهن الاحتجاز منذ صباح الخميس. وفور إخلاء سبيلي تمنيت لو كانت العدالة متساوية للجميع، لأنها كانت فعالة جدا عندما تعلق الأمر بمصلحة الإسرائيليين".

تفاصيل التحقيق

وعند بداية التحقيق، أخبرتهم الناشطة الفرنسية أنها سجلت المكالمة "لقد فهموا حينها أنني ربما أكون بريئة من التهم الموجهة إليّ، لكن سلوك الضباط اختلف عندما توصلوا إلى معلومات تفيد بأن النائب عن حزب فرنسا الأبية توماس بورت وصل إلى المركز لدعمي، مما أدى إلى تغير سلوكهم معي طوال اليوم".

وأضافت معرفي "لقد أخذوا هاتفي وفتشوا صوري والمحادثات على واتساب وإنستغرام وسناب شات وفيسبوك، وسألوني عن مدى التزامي بدعم القضية الفلسطينية ومنذ متى، ولماذا كنت أحتفظ بالعلم الفلسطيني في منزلي، لأنهم عثروا على قميص ودبوس مكتوب عليهما (وقف إطلاق النار) عند تفتيشهم منزلي".

ومن بين الأسئلة الأخرى التي وجهت إلى إيمان معرفي في أثناء التحقيق، كانت عن المنظمة غير الحكومية التي شاركت من خلالها في وفد الأطباء الأول الذي تمكن من دخول قطاع غزة، وركز أفراد الشرطة في استفساراتهم على المدة التي أمضتها هناك وسبب مغادرتها، لكن أكثر ما صدمها ـوفق تعبيرهاـ كانت الأسئلة الكثيرة حول أطفالها.

وفي الزنزانة نفسها التي مكثت فيها الممرضة، كانت هناك ناشطة أخرى. ومن الوارد أنه تم اعتقال أشخاص آخرين لنفس التهم "مما فهمته، تم تسجيل أرقام أكثر من 20 شخصا ممن اتصلوا"، وفق معرفي.

وبحضور محاميها الخاص وقبل إرسال ملفها إلى مكتب المدعي العام، أكدت معرفي لرجال الأمن أنها ممرضة إنسانية وناشطة تشارك في المظاهرات التي تسمح بها المحافظة، وتقوم بحملة من أجل وقف إطلاق النار والسلام وإطلاق سراح الرهائن، وأنها بعيدة عن خطاب الكراهية أو الدعوة للتمرد أو أي شيء من هذا القبيل.

وفي حوالي الساعة الخامسة والنصف مساء، أُطلق سراحها من دون اتخاذ مزيد من الإجراءات "لن تكون هناك متابعة قضائية، ولحسن الحظ أنني فكرت في تسجيل المكالمة، ولا أستطيع تخيل ما كان سيحدث لي لو لم أسجلها، وأفضل صراحة عدم التخيل".

أداة ترهيب

من جهته، تابع عن كثب النائب بورت عن حزب "فرنسا الأبية" اعتقال إيمان معرفي، ونشر تغريدة عبر حسابه على منصة إكس فور الإفراج عنها، معتبرا أن "تفتيش المنزل أمام العائلة لا يدع مجالا للشك في الرغبة في ترهيب الأصوات التي ترتفع لدعم الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار".

وقبل إصدار قرار الإفراج، ذكرت معرفي أنها انتظرت طوال فترة ما بعد ظهر يوم الخميس داخل زنزانة "كانوا أحيانا يطفئون الأنوار ونبقى في ظلام دامس، ثم يضيؤونها بشكل خافت، وفي بعض الأحيان يكون الضوء عاليا جدا ومزعجا، وبعد ذلك نجد أنفسنا مرة أخرى في الظلام".

وفي تفاصيل ما روته، أشارت الممرضة إلى أن عناصر الشرطة سألوها عما تقوله بالضبط لأطفالها بشأن ما يحدث في فلسطين وكيف يجدون التزامها بالقضية ونشاطها الداعم لغزة. ومعربة عن انزعاجها الشديد، تعتبر معرفي أن ذلك لا علاقة له مع الاتهامات الموجهة إليها.

وفي السياق ذاته، وصفت المتحدثة هذا النوع من الأسئلة بـ"التطفلية" رغم أنهم سيقولون إنها تقع ضمن نطاق التحقيق، وأضافت "لقد كان لدي انطباع ـولكن ربما أكون مخطئةـ أن ذلك كان نوعا من الترهيب، لأنني لا أرى لماذا يمكن لأي شخص أن يذكر أطفالي بخلاف ذلك".

وأضافت معرفي "لا علاقة لأطفالي بالرسالة التي أحملها، باستثناء طلب السلام ورغبتي في أن يكبر أطفالي في عالم لا يُقتل فيه الأطفال، وهي أشياء شهدتها بنفسي عندما عملت بالمستشفى الأوروبي في خان يونس، لقد رأيت الأطفال يموتون كل يوم، وما زلت أذكِّر بالأرقام، فنحن نقترب من 20 ألف طفل شهيد في غزة، مشوهين أو تحت الأنقاض".

وختمت الممرضة إيمان معرفي حديثها مع الجزيرة نت بقولها: "أشعر بالخوف قليلا مما قد يحدث لي، لكن هذا لن يؤثر بأي حال من الأحوال على رغبتي في الاستمرار في حمل صوت فلسطين، وآمل أن تقف الحكومة الفرنسية ووسائل الإعلام المحلية في الجانب الصحيح من التاريخ، وأن يتم التعامل بشكل أفضل مع الناشطين المؤيدين لفلسطين، لأن قمع هذه الأصوات يمثل أمرا خطيرا للغاية في بلد حقوق الإنسان وبلد التنوير وحرية التعبير".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات

إقرأ أيضاً:

نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"

في تطور سياسي وقانوني لافت داخل إسرائيل، دعا الرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ إلى دراسة إمكانية إبرام صفقة "إقرار بالذنب" مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه تهمًا بالفساد قد تضع مستقبله السياسي والشخصي في مهب الريح. هذه المبادرة تعيد إلى الواجهة تساؤلات كبيرة حول مصير نتنياهو وحجم التحديات السياسية والقانونية التي تواجهها إسرائيل في ظل أوضاع داخلية وإقليمية متأزمة.

خلفية القضية: نتنياهو في قفص الاتهام


يُحاكم نتنياهو منذ سنوات بتهم تتعلق بالرشوة وخيانة الأمانة والاحتيال في عدة ملفات فساد معروفة في الأوساط الإسرائيلية. رغم محاولات مستمرة للطعن في الاتهامات واللجوء إلى الاستراتيجيات السياسية للبقاء في الحكم، إلا أن الضغوط القضائية تزايدت مع الوقت.

وظهرت فكرة صفقة الإقرار بالذنب عدة مرات في السنوات الأخيرة، لكنها كانت تصطدم برفض نتنياهو التام لأي تسوية تعني انسحابه من المشهد السياسي، الذي يعتبره خط دفاعه الأساسي. القبول بهذه الصفقة يعني الإقرار بوصمة عار قانونية تمنعه من تولي أي منصب رسمي مستقبلًا، وهي خطوة لم يكن مستعدًا لها حتى الآن.

تفاصيل صفقة الإقرار بالذنب

وفقًا لما نشرته صحيفتا "يديعوت أحرونوت" و"هآرتس"، تتضمن الصفقة خروج نتنياهو من الحياة السياسية مقابل عدم دخوله السجن. الصفقة تعتمد على إقرار نتنياهو جزئيًا أو كليًا ببعض المخالفات، بعد تعديل لائحة الاتهام لتقليل خطورة الجرائم المزعومة.

مقابل ذلك، ستسقط النيابة العامة بعض التهم أو تقبل بعقوبة مخففة، ما يجنبه المحاكمة الطويلة واحتمال السجن الفعلي. هذه الاستراتيجية القانونية، المعروفة عالميًا باسم "صفقة الإقرار بالذنب"، تتيح إنهاء القضايا الجنائية بسرعة لكنها غالبًا ما تكون محفوفة بالجدل السياسي والأخلاقي.

السياق الدولي: مذكرات اعتقال إضافية تلاحق نتنياهو

لا تقتصر التحديات القانونية لنتنياهو على المحاكم الإسرائيلية فقط. ففي نوفمبر 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.

وجاء في بيان المحكمة أن هناك أسبابًا منطقية للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات استهدفت السكان المدنيين واستخدما التجويع كسلاح حرب. كما أشارت المحكمة إلى أن الجرائم شملت القتل والاضطهاد وأفعالًا غير إنسانية أخرى.

الكشف هذه الأوامر ضاعف من الضغوط على نتنياهو داخليًا وخارجيًا، وساهم في تعقيد حساباته السياسية والقانونية.

احتمالات المستقبل: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي؟

دخول الرئيس هرتسوغ على خط الأزمة يعكس قلق المؤسسة السياسية من تداعيات استمرار محاكمة نتنياهو على استقرار الدولة. فالخيار بين محاكمة رئيس وزراء حالي أو سابق وسجنه، أو التوصل إلى تسوية سياسية قانونية تخرجه بهدوء من المشهد، يحمل في طياته آثارًا سياسية واجتماعية عميقة.

ورغم أن إبرام صفقة الإقرار بالذنب قد يبدو مخرجًا مناسبًا للعديد من الأطراف، إلا أن قبول نتنياهو بها لا يزال بعيد المنال. فنتنياهو، الذي يَعتبر نفسه ضحية ملاحقات سياسية، قد يفضِّل المضي قدمًا في المعركة القضائية حتى النهاية، آملًا في البراءة أو في انقلاب سياسي لصالحه.

أما إسرائيل، فهي تجد نفسها أمام مفترق طرق: هل تواصل السير في طريق المواجهة القانونية بكل تبعاته، أم تلجأ إلى تسوية مكلفة سياسيًا لكنها تتيح طي صفحة من أكثر الفصول إثارة للانقسام في تاريخها الحديث؟

تطرح مبادرة الرئيس هرتسوغ سؤالًا وجوديًا على إسرائيل: ما هو ثمن العدالة وما هو ثمن الاستقرار السياسي؟ بغض النظر عن النتيجة، فإن مصير بنيامين نتنياهو سيكون علامة فارقة في مسار السياسة الإسرائيلية للسنوات المقبلة.

 

مقالات مشابهة

  • السلطات بالخرطوم تشرع في إزالة ونظافة أكبر البؤر التي كانت تستخدمها المليشيا للمسروقات والظواهر السالبة
  • تحدي ممتع.. سلوى عثمان تكشف تفاصيل شخصيتها الصعيدية في حكيم باشا
  • كان خايف.. والدة الطفل ياسين تروي تفاصيل ما حدث داخل قاعة المحكمة
  • تفاصيل لقاء اللواء سلطان العرادة مع سفيرة مملكة هولندا وأهم الملفات التي تم عرضها
  • عاصفة رملية تعصف بغزة.. والغزاويون ما زالوا محاصرين بثلاثية الموت| تفاصيل
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • قرقاش: «أبوظبي للكتاب» يعكس مكانة الإمارات كمركز معرفي
  • كانت معدّة للتهريب.. شاهدوا كميات البنزين الكبيرة التي تم ضبطها في عكار (صورة)
  • نهاية أم مخرج سياسي.. ماذا حول صفقة "إقرار بالذنب" التي اقترحها الرئيس الإسرائيلي بشان نتنياهو؟ "تفاصيل"
  • عاجل. المتحدث باسم الحكومة الفرنسية: باريس تدعو تل أبيب إلى وقف "المذبحة" التي تجري اليوم في غزة