يمن مونيتور/ضفة ثالثة
أو تدركون معنى الغربة وقسوتها؟
القسوة في أن تعيش خارج الوطن الّذي تتمنّى أن تتنفّس رحيق هوائه، وأن تلفحك شمسه النّاعمة، وتلتحفك سماؤه بنجومها اللّامعة، وتفترش الأرض سجّادة خضراء تزرع فيها جسدك، وتنتشي بعطر الصّنوبر والزّيتون والزّيزفون.
الأقسى من ذلك ألّا تستلقي على تلك السّجادة المزركشة بكل ألوان الحياة ليلًا، يداعبك الهواء الحنون عليك، تطوي رجليك، وتنظر إلى السّماء، وتروح تعدّ النّجوم، تلك الأمّ، وذاك الأب والأولاد يسيرون خلفهما في خطّ مستقيم.
غدرت به الحياة كما غدرت بالكثيرين من الشّعب الفلسطيني الّذي ترك أرضه مرغمًا تحت خطّ النّار والموت والدّمار والإكراه، وعاش لاجئًا بعيدًا عن بيته وأرضه، لكنّه ظلّ مصمّمًا على التّشبّث بالوطن، بالأرض، بالحرّيّة. قاوم وحارب واعتقل، وعاد من جديد إلى الوطن بعد غربة طويلة عاشها في اللّجوء، وكأنّه شعر بأنّه سيكون بمأمنٍ حينما يلفّ تراب الوطن جسده، فاستُشهد، ضحك، ابتسم، وكأنّ عصفورة الحلم أخبرته بذلك.
نحن البعيدون نقول: من سيعيد رفاتنا إلى أرض الوطن؟ من سيحمل نعوشنا، ويلف بها الطّرقات حتّى نستنشق لآخر مرّة هواء الوطن؟
أبو علي مصطفى حقّق حلمه بعودته إلى الوطن، واستُشهد فيه، ولُفّ نعشه بعلم الوطن، وجال محمولًا على الأكف تعانق روحه السّماء، ويستنشق عطر الوطن، ونعم بدفء ترابه.
قد يعتقد كثيرون بأننا نحسده على استشهاده ذلك، نعم، نحن نحلم بمثل تلك الشّهادة، نروي تراب وطننا بدمائنا، يهتف لنا الهاتفون، نُلف بعلم الوطن، ويحتضننا ترابه.
كيف سنقول له وداعًا ذلك الوطن القريب البعيد؟ ونحن نعيش في الغربة الّتي تستقبلنا ونعيشها بمرارةٍ قاسية، كيف سيضم رفاتنا والأرض مغروسة بقنابل وألغامٍ بعدوٍّ يقطع المسافة بيننا بسور شائك مدبّب. ننظر إليه من ذاك الجنوب المجبول بدمنا ودم أهله. يقتلنا الحنين، والعجز في بلاد اللّجوء، تكبّلنا المسافات والشّرائط الشّائكة، ونحن ننتظر، نعدّ الدّقائق والسّاعات وحتّى الشّهور والسّنوات الطّوال الّتي تحملنا على أجنحة الرّيح نتهادى عليها، على أمل العودة، لكن ما تلبث أن تسقطنا في وكرنا المليء بكلّ أصناف الهموم والعذاب، لنستقرّ بين أسنان منشار يحزّ رقابنا. لا نموت، ولا نعيش، لكنّه يجعلنا ننتظر ببطء موتنا المنتظر، ونحن نقول: “من يعيد رفاتنا إلى الوطن؟”.
من عاشوا في الوطن وغادروه يدركون أنّ الوطن يسكننا ونحن على بعد مسافة منه، وأعيننا شاخصة في تلك الأماكن الّتي عرفناها ولم نرها.
أتخيّل طرقاته مع كلّ طلعة شمس، أحسب نفسي أسير على طرقاته، أداعب الهواء، وأمتشق الرّيح، وألقي التّحيّة على الشّمس النّاعسة، وعلى الباعة والأطفال والرّجال والعاملين، وعلى كلّ من تدب فيه الحياة بعد نومٍ طويلٍ. وفجأةً يوشوش في أُذْني عُصفورٌ صغير، فأصحو من حلمي وأدرك أنّني ما زلت أعيش في بلاد اللّجوء الّتي تلوكني بأسنانها الهمجيّة، تطحنني حتّى لا ترسو سفني في الوطن، وأتساءل بغُصّة تقتلني: “متى سأعود إلى أرض الوطن؟ متى سينتهي هذا الكابوس؟ متى سأصير إنسانةً كاملةً؟”.
أوليس البعد عن الوطن يسقط عنّا إنسانيتنا؟
المصدر: يمن مونيتور
إقرأ أيضاً:
زعيم الأغلبية يوافق على اتفاقية حصول المالية على قرض 2 مليار دولار
قال الدكتور عبدالهادي القصبي زعيم الأغلبية البرلمانية إن كافة أعضاء مجلس النواب يعملون من أجل استقرار وأمن وسلامة مصر والارتقاء بمستوي معيشة المواطن المصري ولكن هذا لن يأتي الا من خلال سياسة مالية واقتصادية رشيدة .
جاء ذلك خلال الجلسة العامة لمجلس النواب والمنعقدة الآن برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي رئيس المجلس والتي تناقش قرار رئيس الجمهورية رقم 574 لسنة 2024 بشأن اتفاقيات حصول وزارة المالية على تسهيلات تجارية بقيمة 2 مليار دولار أمريكي من خلال بنك الإمارات دبي الوطني كابيتال ليمتد، وبنك ستاندرد تشارترد، وبنك الإمارات دبي الوطني ش. م. ع، وآخرون.
و تابع القصبي أن تخفيض الدين العام للدولة وتخفيض خدمة الدين العام أمر محمود ويؤكد أننا نسير في الاتجاه الصحيح ووزير المالية تعهد أمام الجميع بمجابهة الدين العام وتخفيضه .
و لفت القصبي إلى أننا لابد أن نذكر الجميع بأن مجلس النواب وافق علي قانون المالية الموحد رقم 6 لسنة 2022 ومن خلاله تم وضع سقف للدين العام ونحن كممثلين للشعب نراقب ونتابع ما يحدث، ولكن علينا أن نرى ما يحدث في العالم أجمع من ارتفاع التضخم وارتفاع الأسعار ،وهناك دول تنهار اقتصاديا ونحن نعترف بأن لدينا صعوبات مثل كل دول العالم ،ولكننا نسير في الاتجاه الصحيح وكافة القروض تتجه الي زيادة الإنتاج، خاصة و أن الدولة المصرية ارتفع تصنيفها الائتماني من سالب بي إلى موجب بي، وتقوم بسداد ما عليها بالكامل وفي المواعيد المحددة ولذلك أعلن باسمي واسم الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن موافقتي على الاتفاقية.