يريد اللبنانيون أن يصدّقوا أنهم يعيشون في بلد متكامل المواصفات كبقية بلاد العالم، حيث إن لا أحد فوق القانون، من كبير القوم حتى صغيرهم. ويريدون أن يكون لأولادهم مستقبل آمن غير الماضي المتوتر الذي حرمهم هناءة العيش على مدى ما يقرب الخمسين عامًا لم تكن فيها الحياة سهلة، بل محفوفة بكل أنواع الأخطار والحروب على مختلف أشكالها.
ويريدون أن يحلموا ببناء دولة يتساوى فيها الجميع بحقوقهم وواجباتهم، فلا يكون فيها ابن ست وابن جارية أو مواطن درجة أولى وآخر درجة ثانية وثالثة ورابعة. ويريدون أن يمارسوا حقّهم الطبيعي في انتخاب ممثليهم في الندوة البرلمانية ليقوموا بواجباتهم الدستورية، ومن بين أهم هذه الواجبات انتخاب رئيس للجمهورية. من حقّهم أن يجلس على كرسي بعبدا رئيس انقاذي، وأن يحكم بالعدل والحكمة، وأن يكون جامعًا لا مفرّقًا. من حقّ كل لبناني أن يصل إلى عمله بأمان وسلام ومن دون "سمّات بدن". من حقّهم الطبيعي أن تؤّمن له مؤسسة الكهرباء التيار 24 ساعة على 24. من حقّ كل لبناني ألا ينافسه في مجال عمله أي انسان لا يحمل الهوية اللبنانية، أو على الأقل أن تكون إقامته شرعية، وأن يستحصل على إجازة عمل من وزارة العمل. من أبسط الحقوق المفترض أن تكون طبيعية ألا يحمي حدود الوطن بجهاته الثلاث سوى جيشه الوطني. هي خواطر خطرت على بالي على أثر محادثة شيقة مع أحد الأصدقاء،
الذين زاروا كندا، أجرينا معًا مقارنة بين
لبنان والبلاد التي استقبلت آلاف اللبنانيين، الذين اندمجوا في المجتمع الكندي بسرعة وتأقلموا مع ما تفرضه السلطات الكندية من قوانين وتشريعات، فكانوا السبّاقين في الالتزام بتطبيقها، بل أصبحوا مثالًا يحتذي به حتى الكنديون أنفسهم. هي مقارنة لم تكن متكافئة ولا موضوعية. وقد أقرّ الرأي بأن أي بلد في العالم لو مرّ عليه ما مرّ على لبنان من حروب ومآسٍ وويلات وظروف صعبة لما استطاع أن يصمد في وجه كل تلك العواصف الهوجاء سنة واحدة وليس خمسين سنة كما فعل اللبنانيون، الذين جالدوا وصبروا وعضّوا على الجراح والجروح. ومن بين الأمور التي توافقنا عليها هي أن "العيشة" في لبنان، على رغم كل ما فيه من نواقص، "غير شكل". فلبنان بمساحته الجغرافية الصغيرة، وهو بحجم مدينة مونتريال وضواحيها، لا يحتاج إلى الكثير من الجهد لكي يصبح من بين أهم دول العالم تقدّمًا وازدهارًا ورقّيًا. فلا ينقصه أي شيء مما هو متوافر في غيره من البلدان باستثناء أن فيه من توالى على المسؤولية العامة لم يكن همّهم بناء دولة، بل بناء ما يثبّت زعاماتهم العشائرية، والقبلية، والعائلية، والاقطاعية. اتفقنا أنا صاحبي الذي يشاطرني الكثير من الأفكار والقناعات على أن مصيبة لبنان الكبرى، إضافة إلى قلة مسؤولية من تولوا المسؤولية على مدى سنوات طويلة، هي موقعه الجغرافي المحاذية حدوده الجنوبية لدولة عدّوة طامعة بأراضيه ومياهه، ودولة شقيقة على حدوده الشمالية والشرقية اعتبرت قيادته لبنان في فترة من الفترات خطأ جغرافيًا وتاريخيًا. وكما أن حدوده الجنوبية هي عرضة لتهديدات عدوانية يومية، فإن حدوده الشرقية والشمالية مشرّعة أمام كل أنواع التهريب من خلال معابر غير شرعية وغير خاضعة لرقابة القوى العسكرية اللبنانية المكفوفة اليد. ما ينقص لبنان لكي يكون في مصاف الدول المتقدمة والمتطورة قليل، ولكنه في الوقت ذاته كثير. وهذا القليل – الكثير يتطلب أولًا وآخرًا إرادة وعزم لدى مسؤولي الأحزاب والطوائف، الذين يختلفون على "جنس الملائكة" فيما أسوار وطنهم مهدّدة بالسقوط في كل لحظة. هذا ما يصدّقه اللبنانيون. وهذا ما لا يصدّقونه أيضًا.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
مذكرة من وزير المالية... هذا ما جاء فيها
أصدر وزير المالية يوسف الخليل، مذكرة طلب فيها من مديرية الصرفيات ومديرية الخزينة كل في نطاق إختصاصه العمل على إنجاز معاملات الصرف والدفع للمخصصات والرواتب الشهرية الملحقة والمتممة لها عن شهر كانون الثاني 2025 وكذلك أجور الأجراء والمتعاقدين وسائر الأجور التي تستحق آخر شهر كانون الاول 2024، وذلك فقط بالنسبة لمستندات التصفية المسلمة الى مديرية الصرفيات لغاية تاريخ 11/12/2024 كحد أقصى، على أن تكون جاهزة للدفع مع معاشات التقاعد قبل 24/12/2024. وأشارت المذكرة الى أن أي مستندات ترد بعد تاريخ 11/12/2024 سوف تنجز في نهاية شهر كانون الثاني 2025 من دون أي إستثناءات".