"مسرحية بلا مسرح"..و"مفاوضات بلا أفق"
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
مرة بعد أخرى تعود مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة إلى نقطة الصفر، كأننا أمام عرض ارتجالي بلا نص معروف، أو أفق منظور.
بتعبير الدبلوماسي المصري العتيد الدكتور محمود فوزي: "أرى أمامي مسرحية بلا مسرح، أصوات وأضواء وحركة ممثلين دون أن يكون هناك نص يضبط الحركة، أو بوصلة تقول لنا ماذا يحدث؟.. ثم ماذا بعد؟".كان ذلك توصيفاً ساخراً من موقعه كنائب لرئيس الجمهورية عندما بدأت ما أُطلق عليها "عملية السلام" إثر حرب أكتوبر 1973، حسبما روى لي الأستاذ محمد حسنين هيكل.
الأجواء تتكرر على نحو هزلي هذه المرة.
الفارق بين الحالتين هو نفسه الفارق بين وزيري خارجية الولايات المتحدة الأمريكية هنري كيسنجر، وأنتوني بلينكن.
كلما بدا أن هناك تقدماً في المفاوضات تضع حداً للمأساة الإنسانية المروعة في غزة، تتبدى أسباب وذرائع جديدة لإفشالها جولة بعد أخرى.
في كل مرة تنسب الإدارة الأمريكية مسؤولية الإفشال إلى الجانب الفلسطيني، وتُعفي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو من أي مسؤولية رغم مواقفه المعلنة، التي تناهض التوصل إلى أي اتفاق.
حسب أنتوني بلينكن فإن هناك خطة جديدة لإنهاء الحرب بصفقة تبادل للأسرى والرهائن تحظى 90% من نصوصها بالتوافق عليها، قبل أن يضيف أن هناك نقطتين جوهريتين معلقتين في المفاوضات الدائرة حالياً، أولهما محور فيلادلفيا، والثانية الأسرى المشمولين بالصفقة حتى يكون بوسع إسرائيل ترتيب أولوية الإفراج عن رهائنها وأسراها والاعتراض في نفس الوقت على أي اسم في قوائم الإفراج الفلسطينية.
على مدى جولات تفاوض متعاقبة لم يتطرق نتانياهو إلى محور فيلادلفيا، وطالب بالسيطرة العسكرية الإسرائيلية عليه بذريعة منع تهريب السلاح من سيناء إلى غزة.
لماذا الآن؟، هذا سؤال ضروري.
إفشال المفاوضات داعٍ أول، وغياب الردع داعٍ ثانٍ.
إنه خرق صريح ومباشر لاتفاقية "كامب ديفيد" وبروتوكولاتها الأمنية، التي تمنع التمركز العسكري في ذلك المحور دون ترتيبات مسبقة، أو موافقة عليه من الطرف الآخر.
بقدر مماثل بدا الاحتلال الإسرائيلي لمعبر رفح البري من الناحية الفلسطينية خرقاً لاتفاقيات وتفاهمات دولية واعتداء سافراً على اتفاقيتين دوليتين، رغم وجود تحفظات جوهرية عليهما: «كامب ديفيد» و«أوسلو».
المعنى السياسي المباشر أن مصر لم تعد وسيطاً في المفاوضات، إذ أنها طرف مباشر وأمنها القومي على المحك.
في مؤتمرين صحافيين متتاليين، أولهما بالعبرية والآخر بالإنجليزية، بدا نتانياهو مأزوماً بفداحة إثر مقتل 6 من الأسرى الإسرائيليين.
لاحقته اتهامات واسعة حمّلته مسؤولية مقتلهم وجرت تظاهرات غاضبة في تل أبيب دعت إلى عقد صفقة تبادل للأسرى والرهائن دون إبطاء.
حاول دون جدوى إعادة صياغة أهدافه من الحرب، تقويض قدرات حماس أولاً، وعودة الرهائن ثانياً، وألا تعود غزة مرة أخرى مصدر تهديد للأمن الإسرائيلي ثالثاً.
تخلى واقعياً عن هدف إنهاء حماس بعدما ثبت استحالته، قلّص وعوده بإرجاع جميع الرهائن إلى بيوتهم بالضغط العسكري وحده. الأمن له الأولوية حتى لو عادوا جميعهم في توابيت.
ولمح مجدداً إلى إعادة احتلال غزة، دون أن يقولها مباشرة خشية رد الفعل الدولي.
لم يجد أمامه للدفاع عن نفسه غير اصطناع تناقض بين عودة الرهائن والأمن الإسرائيلي، والتحرش المتكرر بمصر، تجاوز كل حد واعتبار، وهو ما يستحق الرد عليه بالأفعال، لا بالأقوال وحدها.
أقل رد ممكن هو تعليق اتفاقية "كامب ديفيد" على ما لوّحت به مصر سابقاً.
بقوة الحقائق لا تحتمل إسرائيل ذلك، إذ يتم النظر إلى هذه الاتفاقية كأهم حدث في تاريخ الدولة العبرية بعد تأسيسها، كما قالت وقتها صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، ولا تحتمل مصر التجاوز بالإهانة والاستخفاف دون ردع مناسب.
بكل حساب جيواستراتيجي فإن الإدارة الأمريكية ليست بوارد أن تسمح بانهيار جوهري في استراتيجيتها بالشرق الأوسط.
لسنا في موقف ضعف، رغم كل الأزمات الداخلية والإقليمية.ولا إسرائيل المنهكة عسكرياً والمأزومة داخلياً في مركز قوة.
نتانياهو نفسه كشف منذ شهرين أنه سيعارض أي اتفاق، كان ذلك قبل طرح ذريعة "محور فيلادلفيا".
حسب مسودة الاتفاق المقترحة تبدت أفكار أمريكية غير مقنعة وغير متماسكة للالتفاف على تلك الذريعة، كالتفرقة بين الأجزاء المكتظة وغير المكتظة بالسكان في ذلك المحور، أو فكرة إنشاء قوات دولية لا تشارك فيها الولايات المتحدة.
في اللحظة الحالية تبدو الإدارة الأمريكية لأسباب انتخابية أكثر حماساً عن أي مرة سابقة للتوصل إلى اتفاق، لكنها لنفس الأسباب تبدو أضعف من أن تمارس ضغوطاً حقيقية على إسرائيل للتوصل إلى صفقة.
الحقائق تعلن عن نفسها والكلام التفاوضي يدور بنفس الدائرة، كأنه مقصود أن يقال إن هناك مفاوضات وهناك أمل في وقف الحرب وعدم تمددها إلى حرب إقليمية لا تقتضيها المصالح الأمريكية.
لا نتنياهو مستعد للمضي في أي تسوية، إذ إنها تعني مباشرة خسارة منصبه، ولا المقاومة الفلسطينية مستعدة بنفس الوقت أن تخسر كل شيء، أو أن تضفي شرعية على احتلال غزة مجدداً، أو أن يعود نتانياهو لمواصلة حرب الإبادة والتجويع بعد أن تكون قد تخلت عن أقوى أوراقها، ورقة الأسرى والرهائن.
ما يحدث بالضبط انفلات قوة تطلب إبادة شعب بأسره في غزة والضفة الغربية معاً، تتجاوز القانون الدولي، تدمر البني التحتية لجعل الحياة مستحيلة والتهجير القسري ممكناً.
التصعيد عنوان رئيسي لا يمكن تجاهل تبعاته رغم أجواء المسرحة في مفاوضات بلا أفق.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: الهجوم الإيراني على إسرائيل رفح أحداث السودان غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
كلب روبوت صيني على مسرح أمريكي
قفز روبوت Go2 من إنتاج Unitree إلى عروض التكنولوجيا على المسرح، حيث ظهر لأول مرة في مسرحية The Robot, the Spy, and the Love of AI التي عُرضت خارج برودواي، ويدمج هذا الإنتاج الغريب بين الروبوتات المتقدمة والأداء الحي، ويمزج بين الكوميديا والخيال العلمي الذي يستكشف عالم الذكاء الاصطناعي والتفاعل البشري.
والمسرحية، التي افتُتحت في مسرح Chain وتستمر حتى الأول من مارس (آذار)، كجزء من مهرجان Chain Winter One Act، نشأت من رؤية مبتكرة للكاتب المسرحي جون آرثر لونغ، بإلهام جاءه من مقطع فيديو على YouTube ، حيث يظهر روبوت Unitree Go2 Pro، الذي اشتراه لونغ وصاغ قصة تدمج قدراته بشكل مباشر في السرد. وفق "إنترستينغ إنجينيرينغ".
وقال لونغ، مؤكداً على حداثة نهجه: "لا أعتقد أنه كان هناك روبوت حقيقي على المسرح من قبل".
روح على صوت
ويُظهِر Go2 Pro مهارات متنوعة، من حركات الكلاب الأساسية مثل التمدد والجلوس إلى حركات أكثر تعقيداً مثل الشقلبة والرقص.
وأدى الممثل ديفيد راي صوت الروبوت بشكل مباشر، وتم دمج تفاعلاته بشكل ديناميكي في المسرحية.
وقال كيرك غوستكوفسكي، مخرج المسرحية والمدير الفني لمسرح تشين: "لقد أصبح ذلك ممكناً بفضل مهارات داريل جارسيا في تشغيل الروبوت وتنوع ديفيد راي كممثل لإضفاء روح على صوته".
و كان جوستكوفسكي يفكر في الأصل في تسجيل حوار الروبوت مسبقاً ولكنه قرر عدم القيام بذلك للحفاظ على العفوية والاستجابة التي يتطلبها المسرح الحي، وأشار إلى أن "هناك الكثير من الكوميديا في هذا، إذا كان هناك ضحك، فسيتعين على الممثل التوقف، يعرف الممثل كيفية التعامل مع الجمهور بطريقة مختلفة، هذه هي متعة المسرح الحي".
ما القصة؟
تستكشف قصة The Robot, the Spy, and the Love of AI موضوعات الخيال العلمي الكلاسيكية، وتتأمل طبيعة البشرية في عصر يهيمن عليه الذكاء الاصطناعي.
والحبكة هي استكشاف كوميدي لمصائد التكنولوجيا، وجاءت بأداء غابرييل ريسدال من The Better Sister، ومونيكا بارك من SIMPATICO، إلى جانب Unitree G2 Pro .
ولقد أثارت هذه التجربة الغامرة التي لم يسبق لها مثيل مع الممثلين والروبوتات التي تؤدي معاً على خشبة المسرح اهتمام الجماهير، حيث قدمت منظوراً جديداً لدمج الروبوتات المتقدمة في الأنشطة البشرية اليومية، بما في ذلك الفنون.
وأضاف غوستكوفسكي، مسلطاً الضوء على التفاعل المبتكر بين البشر والآلات الذي يحدد الإنتاج، "سيُذهَل الجمهور بما يمكن أن يفعله كلب Unitree G2 Pro الرباعي، سيترك بصمته على العالم المسرحي، إنه يمنحنا لمحة عن كيفية تأثير التكنولوجيا على الأداء الحي بطرق جديدة ومثيرة".
ويعد هذا العرض الأول خارج برودواي مجرد بداية لما يمكن أن يصبح اتجاها جديداً في صناعة الترفيه، حيث تعمل الروبوتات خلف الكواليس وتتقاسم الأضواء.