الجزيرة نت تروي شهادات صادمة لغزيين نجوا من الموت
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
غزة- بينما كان جسده عالقا في غياهب السجن، كان ذهنه حبيس الأسقف الإسمنتية التي تُطبق على جسد ابنته الشهيدة منذ 11 شهرا. متكورا على نفسه بزاوية الزنزانة، معصوبة عيناه، لا يرى نورا بهذه الظلمة إلا وجه ابنته رغد.
يناجي رغد (16 عاما) "هل تشعرين بالألم يا بابا؟" تبتسم ويروح وجهها، ثم تجيء دموعه، تتسلل من أسفل الضمادة وتشق الطريق على وجنتيه، دون مراعاة لعمره الذي تجاوز الـ40.
منذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي وحتى اليوم ورغم أنه مكبل اليدين والقدمين، ما زال صالح فروانة يركض في دهاليز الذاكرة دون توقف، من اللحظة التي وقعت فيها غارة الموت التي اختطفت 15 فردا من عائلته، وحتى اليوم الذي لم يتمكنوا فيه بعد من انتشال جثامين 3 منهم وأشلاء من شهداء آخرين، "ضايل أشلاء ما وجدناها وباقي جسد إمي ما دفنّاها كاملة"، يقول.
يتذكر صالح مع الجزيرة نت العناق الأخير لوالديه وأخواته وابنته التي أصرت على البقاء في بيت جدها، حين قطع احتضانهم له بقوله "أكره الوداع سأراكم غدا إن شاء الله"، ليتلقى خبر استهدافهم بعد مغادرته بساعات، خبر نزل "كصاعقة وجرعة ثقيلة" ملخصها "الدار راحت بمن فيها".
مع مرور 3 أيام على قصف منزل العائلة، تم استخراج 12 شهيدا، واعتذار طواقم الدفاع المدني عن عدم قدرتهم على انتشال الباقين لغياب المعدات الثقيلة اللازمة لرفع الأسقف الإسمنتية، لم ييأس صالح وحفر بأظافره لاستخراجهم، لكن دون جدوى.
فقد صالح أسرته وبيته وعمله الذي بناه بشق الأنفس ونجا من الموت 3 مرات، ليُعتقل بعدها من مجمع الشفاء حين كان مرافقا لأحد أقاربه الجرحى داخله، ثم يفرج عنه الاحتلال ويبعده عن مدينة غزة إلى جنوب القطاع، بعد شهر ونصف الشهر قضاها في الزنزانة، ابتزوه فيها بباقي أبنائه.
"أنا في غربة، أنا لستُ أنا، ولا الوطن هو وطني، كل شيء بنيته خلال 40 عاما تبخر، لم يبق لي إلا الحسرة والعجز"، كما يقول.
عجزٌ يكبل يديه لعدم قدرته على الوصول إليهم، وفقدٌ يضاعف ألمه بعدم تكفينهم ووداعهم والصلاة عليهم وإكرامهم بالدفن، وأمنيةٌ بأن يعود إلى ركام بيته وأن يظل ينقب في أحشائه عن أحبته ولو بأصابعه.
هي أمنية صالح التي تَحول الحدود والحواجز دون تحقيقها، ويحول خوف أم عبد الرحمن من الإقدام عليها، فمنذ 10 شهور لم تتجرأ هذه السيدة على الذهاب إلى منزلها أو ما وصفته بـ"المقبرة" التي تحتضن تحت أسقفها الـ7 أجساد أفراد عائلتها.
تواصلت الجزيرة نت مع أم عبد الرحمن، وكنا أول من اصطحبها إليه، وقفت من بعيد ثم تجمدت مكانها وكأن شريطا من الذكريات مر من أمامها، انهارت باكية وهي تروي "المعجزة" التي صارت معها ومع اثنين من عائلتها كُتبت لهما النجاة.
وتقول "خرجنا أحياء بعد 8 أيام من تحت الأنقاض، بقينا من الجمعة إلى الجمعة نغيب عن الوعي ونصحو، إلى أن تتبعنا الهواء المتسلل إلينا فوجدنا ثغرة صغيرة وزحفنا إليها".
"قدرةٌ إلهية" كما وصفتها أم عبد الرحمن منحها الله لزوج ابنتها (أبو كمال) الذي "لان له الحديد" فباعد بينه لتتسع الثغرة ويتمكنوا من الخروج.
يقول الناجي أبو كمال "فخخ الاحتلال المبنى الذي كنا فيه، انهار بنا وخر علينا السقف، سمعت صوت الموت حين لفظ أطفالي أنفاسهم، ثم غبت عن الوعي 7 أيام إلى أن عادت إليّ الحياة بعد موتي، لأتتبع الضوء والهواء المتسللين وأُخرج والدة زوجتي وابنتها الصغيرة".
من خلال الساعة المضيئة في يد ابنتها تأكدت أم عبد الرحمن من استشهاد زوجها وابنتيها وأطفالهن، ومن خلالها أيضا كانت تبحث عن طعام وتعطيه لابنتها لتزحف على أربع في مساحة لا تتجاوز 4 أمتار، للبحث عن أي شيء يأكلونه.
"شربتُ البول وقبل خروجنا بأقل من يومين وجدنا حلوى قديمة جدا وذائبة كنا نقسمها بيننا،" كما يضيف.
تزامن خروج الثلاثة مع انسحاب الاحتلال من حي الرمال، ومنذ ذلك الحين ظلت أذهانهم عالقة بين الأنقاض حيث مكان الموت والنجاة.
"في البداية كان جسد ابنتي شيماء ظاهرا من بعيد، وهو عالق بين سقفين إسمنتيين وكان أخوها يتردد إليها ليرى جسدها، لكنّ شيئا ذاب ولم يبق منه إلا العظم" وتنهي مقابلتها "هل من قهر أكبر من هذا؟!".
هو القهر ذاته الذي يحترق بداخل أم حذيفة لولو، حين تقف على أنقاض بيتها الذي فقدت فيه 20 فردا من عائلتها جملة واحدة، جثامين 5 منهم لا تزال عالقة تحت الركام وهم زوجها وعائلة ابنها البكر حذيفة.
في مقابلة مع الجزيرة نت، تتذكر أم حذيفة السؤال الأخير -قبل الاستهداف بساعات- من زوجة ابنها الحامل بطفلين "هل هذه الغرفة أمان يا خالتو؟"، ردّت عليها "قبر كبير لا شباك فيه ولا باب".
لم تكن تعلم أن إجابتها ستكون بهذا الصدق، "قبر كبير" سيحوي أجسادهم حتى الذوبان إلى يومنا هذا. كانت مع الذين انهار عليهم السقف، غابت عن الحياة أكثر من ساعة.
عاد الإدراك لأم حذيفة، لكنها لم تكن ترى شيئا فالتراب يملأ عينيها وفمها، لكن أصواتا في الخارج تصرخ "في أحد عايش؟".
هذا هو العجز بعينه، حيّ أنت لكن صوتك كما جسدك مقبور، دل صوت أنينها المنقذين الذين تتبعوه حتى وصلوا لطرف حجابها واستكملوا الحفر بأظافرهم حتى انتشلوها، تعتقل أم حذيفة الدموع في عينيها دون الإفراج عنها، ويرتجف صوتها وهي تتذكر هذه التفاصيل حين انتزعوا حياتها من بين أنياب الموت.
وتقول "لقد سمعوا أنيني فأخرجوني، هل أن أحدهم استغاث ولم يسمعه المنقذون؟ هل قُتلت عائلتي مرتين؟ من الصاروخ مرة، ومن قلة ما في يد المنقذين مرة ثانية؟". كان أول تساؤل فكرت به أم حذيفة حين تلقت خبر استشهاد أسرتها هو "لماذا نجوت وحدي؟".
لم تتوقف محاولات أبناء العائلة عن انتشال الجثامين العالقة حتى اليوم، يحفرون بأظافرهم وينقبون بمعدات بسيطة عن بقايا أجساد مهشمة بين السطوح. وتضيف أم حذيفة "مؤلم جدا أن يتحول البيت الذي كان سكينة العائلة وذكرياتها المقدسة إلى مقبرة تحوي أجساد أغلى الناس على قلبي".
"هل يؤذيكِ وجودهم تحت الأنقاض حتى اللحظة؟" سألتها الجزيرة نت، فأجابت "وجودهم في مكانهم كان أهون عليّ من أن يدفنوا في الشوارع والطرقات، لكنني كنت أتمنى لو أكرمناهم ودفناهم في مكان نتردد عليه لزيارتهم". وتستطرد "لكن ما يهدّئ من روعي أنني أعلم أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
اختارت أم حذيفة البقاء في غزة مدينتها التي تحب، ورفضت النزوح مطلقا رغم تدمير الاحتلال منزلها وابنها ووالدها، ورغم أنها دفعت ضريبة البقاء فإن أكثر ما تخشاه هو التهجير الذي رفضوه فاختاروا الموت في أحشاء بيوتهم في سبيل عدم الرحيل.
حرب أخرى تعيشها عوائل أكثر من 10 آلاف مفقود تحت الأنقاض، ستشتد رحاها حين انتهاء العدوان من لحظة رفع الأنقاض مرورا بالبحث عن فتات ورفات، وانتهاء بدفن وجنازة وعزاء لعظام أحبة قضوا قبل قرابة العام.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أم عبد الرحمن تحت الأنقاض الجزیرة نت أم حذیفة
إقرأ أيضاً:
اجتماع عاجل في المركزي الخميس المقبل.. ما أثر القرار المنتظر على شهادات الادخار داخل بنكي «مصر والأهلي»؟
ازدادت أصوات الاقتصاديين المنادين بضرورة تخفيض أسعار الفائدة في البنك المركزي المصري الخميس المقبل، حيث رجحت الأصوات خفضاً بنسبة 1% مع إمكانية المد لـ 2%
تأتي التكهنات بعد صدور أرقام التضخم عن شهر يناير الماضي، والتي رصدت تباطؤ المعدلات إلى 24% من 24.2% في ديسمبر الماضي حسبما أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وأيضًا هبط معدل التضخم الأساسي الذي يعده البنك المركزي نحو 22.6% مقابل 23.2% في ديسمبر 2024.
يسجل سعر الإيداع المعلن من قبل البنك المركزي المصري في الوقت الحالي نسبة 27.25%، وسعر الإقراض بنسبة 28.25%
هذا ولا تزال البنوك العاملة بالقطاع المصرفي المصري تواصل طرح شهادات الادخار ذات العائد المرتفع، ويتصدر بنكي «الأهلي ومصر» القائمة بطرح شهادات ادخار بأجل سنة واحدة.
يطرح بنك مصر شهادات ادخار بأجل سنة تحت سعر شراء يبدأ من 1000 جنيه، تسمى شهادات طلعت حرب، بعائد شهري يصل سعر الفائدة فيها إلى 23.5%، وأيضًا بعائد سنوي يتم صرفه عند الاستحقاق بنهاية الأجل تحت سعر فائدة 27%
كما يطرح بنك مصر لعملائه شهادات ادخار ثلاثية بعوائد متناقصة، تسمى شهادات ابن مصر، بحد أدنى للشراء 1000 جنيه، يصرف عائدها شهريا تحت سعر 26% بالسنة الأولى، 22.5% بالسنة الثانية، 19% في السنة الثالثة.
أيضًا يوفر بنك مصر دورية صرف ثانية لشهادات ادخار ابن مصر المتناقصة، ربع سنوي بسعر فائدة 27% خلال أول سنة، 23% بالسنة الثانية، 19% خلال السنة الثالثة.
تتيح شهادات ادخار بنك مصر «ابن مصر الثلاثية المتناقصة» دورية صرف سنوي تحت سعر فائدة 30% بالسنة الأولى، 25% السنة الثانية، 20% السنة الثالثة.
وفي البنك الأهلي المصري، يتميز البنك بوجود قاعدة عريضة من شهادات الادخار ذات العوائد المتنوعة المتاحة أمام شرائح العملاء لديه، حيث يطرح شهادات ادخار «البلاتينية» بأجل سنة بسعر عائد يومي ثابت 23%، وعائد شهري ثابت 23.5%، وسنوي يصرف بنهاية المدة تحت سعر 27%
البنك الأهلي المصري يوفر شهادات ادخار ثلاثية متدرجة العائد تحت مسمي «البلاتينية ذات العائد المتدرج»، بسعر شراء يبدأ من 1000 جنيه، وبدوريتي صرف
- دورية صرف العائد شهريا: سعر فائدة 26% في السنة الأولى، 22% بالسنة الثانية، 18% خلال السنة الثالثة.
- دورية صرف العائد سنويا: سعر فائدة 30% بنهاية السنة الأولى، 25% السنة الثانية، 20% السنة الثالثة.
من المقرر أن يظهر التأثير المباشر عند تبني البنك المركزي لسياسة تخفيض الفائدة على شهادات الادخار المتغيرة والتي يتم ربطها في البنوك بسعر الإيداع في «المركزي».
عند تخفيض سعر الفائدة في البنك المركزي ستشهد شهادات الادخار ذات العائد المتغير داخل البنك الأهلي المصري تناقص آلي، حيث يربط البنك شهادات الادخار البلاتينية ذات العائد الربع سنوي المتغير بزيادة 0.25% عن سعر الإيداع المعلن في «المركزي»، كذلك شهادات الادخار متغيرة العائد في بنك مصر.
أما عن شهادات الادخار بعائد ثابت، يسري عليها نتائج اجتماع لجان الأصول والخصوم «الاليكو» في البنوك، والتي تبحث قرارات البنك المركزي بعد خروجها مع تقدير تكاليف أموال المودعين لديها.
تعتقد لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري أولى اجتماعاتها هذا العام يوم الخميس المقبل، حيث تطلع على آخر التطورات المحلية والعالمية للوقوف على مسار التضخم في مصر مستقبلاً ونصب أعينها مستهدفاتها في المرحلة القادمة.
يعقد صناع السياسة النقدية بالبنك المركزي أنهم قادرون على خفض التضخم إلى 7% (± 2 نقطة مئوية) عند الوصول للربع الرابع من عام 2026.
توقعات سعر الفائدة
- تتوقع سهر الدماطي، الخبيرة المصرفية، أن يخفض البنك المركزي المصري سعر الفائدة بنسبة 1 إلى 2%
- يتوقع هاني جنينة، الخبير الاقتصادي، تخفيضاً في البنك المركزي بمقدار 200 إلى 300 نقطة أساس في اجتماع الخميس أو 17 أبريل المقبل.
- يميل الاقتصاديين في بنك الكويت نحو تخفيض بنسبة 2% إلى 3% في أحد الاجتماعين المقبلين.
- يري محللو وحدة بحوث فيتش سوليوشنز أن البنك المركزي المصري على أعتاب تخفيض الفائدة، بنسبة تراكمية 9% خلال كامل اجتماعات البنك في 2025.
- يميل بنك الاستثمار "مورجان ستانلي" إلى تخفيض سعر الفائدة في «المركزي المصري» بنسبة 10% خلال عام 2025.
- توقعات جولدمان ساكس تشير إلى خفض مرتقب في الفائدة داخل البنك المركزي المصري بأكثر من 14% خلال العام الحالي.
اقرأ أيضاً«فائدة متناقصة».. أعلى عائد على شهادات الادخار من بنك مصر يصل لـ 30%
بعد تخفيض عوائد شهادات الادخار.. البنك التجاري الدولي يغير الفائدة على الودائع
قبل اجتماع المركزي المصري.. تفاصيل أعلى عائد على شهادات الادخار من «البنك الأهلي»
البنك الدولى: استمرار النمو بوتيرة متفاوتة فى منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا