خُطة سَلام السودان ..(الدخول عبر بوّابة الخُروج)…!
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
أهم أربعة عناصر أسهمت في اندلاع الحريق ونشوب الحرب في بلدنا هي:
أولاً: توغُّل الأصابع الأجنبية في التعامل مع الشأن السُّوداني دون معرفة كافية بطبيعة تعقيداته وكيمياء المزاج العام.
ثانياً: الطموح السلطوي لآل دقلو والوضع الشاذ للدعم السريع كقوة موازية للجيش تعمل لأن تكون بديلة له، والأهم من ذلك استسهال إنجاز المهمة بانقلاب سريع وخاطف والاستهوان بالجيش كمؤسسة وقيادة قادرة على مُواجهة ذلك السيناريو.
ثالثاً: دور الحرية والتغيير “قحت” في تحميل الفترة الانتقالية أوزاناً وأثقالاً أكبر من طاقة احتمالها، والاحتكار الحصري لوصف المكون المدني وهم أقصر من قامة تحديات الانتقال، وأضيق سعةً في التعبير عن جموع السُّودانيين.
رابعاً: تهاون مؤسسة الجيش في التعامل مع مخاطر الأمن القومي، وعدم اتخاذ خطوات استباقية ما قبل وقوع الكارثة، وبطء ردود فعلها ما بعد وقوعها.
وكذلك إسراف قيادة الجيش في التكتيكات السياسية دون رؤية استراتيجية حاكمة وناظمة.
بعد كل الضحايا والخسائر المترتبة على هذه الحرب الكارثيّة، تنحصر مجهودات القوى الدولية في السعي لإعادة الوضع على ما كان عليه ما قبل قرارات 25 أكتوبر.
القراءة السياسية لتلك القوى لما حدث في 25 أكتوبر، أنّ ذلك الموقف مترتبٌ على اتحاد البندقيتين (الجيش والدعم السريع) تحت مشروع واحد.
كان مشروع فولكر مع “قحت” في ذلك الوقت، المسارعة بدقِّ إسفين داخل المكون العسكري عبر تقديم مقترح الاتفاق الإطاري الذي وصفته حينها بأنه خارطة طريق للوصول إلى حرب..!
فكانت الزيارة المُريبة للمبعوث الأممي فولكر إلى حميدتي في الجنينة بصحبة الطاهر حجر والهادي إدريس..!
وعندما اندلعت المعارك، ظلت القوى الدولية تُردِّد مقولة واحدة وهي أنّ هذه الحرب ليس فيها منتصرٌ.
بمعنى أوضح أنّ من سينتصر عسكرياً سيُجرّد من الامتيازات السياسية المُترتِّبة على الانتصار بالمُلاحقة الجنائية الدولية.
حينذاك ستسقط تفاحة سلطة الحكم الانتقالي المُستدام إلى أجل غير مسمى في أيدي قلة سياسية انتهازية (متغربة)، عارية من الرصيد الشعبي، تمثل الوكيل الحصري المحلي المُعتمد لتنفيذ وتطبيق الرؤية الغربية في السُّودان..!
ولكن…..!
توقُّف العمليات القتالية مع الاحتفاظ بالدعم السريع في المُعادلة السياسية وداخل المنظومة العسكرية، بإعادة إنتاج الاتّفاق الإطاري تحت مُسمّى جديد مثل استبدال “قحت” بـ”تقدُّم”، وهذا من الواضح خيار حمدوك ورهطه والمليشيا والرُّعاة الدوليين والإقليميين أجمعين، لا يعني عملياً تحقيق سَلامٍ مُستدامٍ في السُّودان.
بل ذلك لا يتجاوز ترحيل الحرب والخيارات الانقلابية من الحاضر اللحظي إلى المُستقبل المفتوح.
وهذه الصيغة الملغومة لن تبث الطمأنينة في قلوب المُواطنين حتى يكون خيارهم المُفضّل العودة إلى منازلهم.
كما أنّها ستكون مانعاً طبيعيّاً من أن ينفق رجل أعمال أو مُستثمر أجنبي دولاراً واحداً في سياق مشروع سلام وهمي قابل للانفجار في أيّة لحظة مثل ما حَدَثَ في 15 أبريل..!
يقول أينشتاين: «الجنون هو أن تفعل نفس الشيء مرَّةً بعد أُخرى وتتوقَّع نتائج مُختلفة».
المعنى: لا يُمكننا حلُّ المُشكلات المُستعصية، إذا ظللنا نُفكِّر بنفس العقلية التي أوجدتها..!
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
رائحة الموت تنبعث من أحد أحياء الخرطوم على وقْع المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»
الخرطوم: «الشرق الأوسط» تنبعث رائحة كريهة من حفرة للصرف الصحي في حي دمّرته الحرب في الخرطوم، بينما ينهمك عناصر «الهلال الأحمر» في انتشال جثة منتفخة من تحت الأرض. ويقول المتطوعون إن 14 جثة أخرى لا تزال تحت الأرض، وقال مدير الطب العدلي بولاية الخرطوم هشام زين العابدين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في الموقع، إن بعض الجثث «عليها آثار إطلاق نار على رؤوسها وهي مهشّمة الجماجم».
وأضاف أن الضحايا إما أُطلق عليهم الرصاص أو ضُربوا حتى الموت قبل إلقائهم في الحفرة.
وخلفه كان صندوق شاحنة يمتلئ بالجثث المُنتشَلة من حفرة الصرف الصحي في منطقة شرق النيل، إحدى المناطق الشرقية للخرطوم، والتي باتت، الآن، أنقاضاً.
وألحقت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، أضراراً كبيرة بمساحات واسعة من الأراضي.
ومنذ اندلاع الحرب، فرَّ أكثر من 3.5 مليون شخص من سكان الخرطوم، التي كانت، ذات يوم، مدينة تنبض بالحياة، وفق الأمم المتحدة.
ويعيش ملايين آخرون ممن هم غير قادرين أو غير راغبين في المغادرة، بين مبان مهجورة وهياكل سيارات وما يطلق عليه الجيش مقابر جماعية مخفية.
مدينة مدمَّرة
تتواصل الحرب بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه السابق قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، منذ أبريل (نيسان) 2023.
وأسفرت المعارك عن مقتل عشرات الآلاف، وتهجير أكثر من 12 مليون شخص، وفق أرقام الأمم المتحدة، يعيش كثيرون منهم في مخيمات مؤقتة، بينما فرّ أكثر من 3.5 مليون شخص عبر الحدود.
واستولت قوات «الدعم السريع»، في البداية، على الخرطوم، لكن، في الأشهر الأخيرة، استعاد الجيش السيطرة على مناطق؛ من بينها بحري، المعروفة بالخرطوم شمال، ومنطقة شرق النيل الواقعة شرقاً.
وحالياً لا تفصل وحدات الجيش في وسط الخرطوم عن القصر الرئاسي الذي سيطرت عليه قوات «الدعم السريع» في بداية الحرب، سوى أقل من كيلومتر واحد.
ورغم تلك المكاسب، لا يزال دقلو على تحديه، إذ توعَّد بألا تنسحب قواته من العاصمة. وتعهّد، في كلمة عبر تطبيق «تلغرام»، بأن قواته «لن تخرج من القصر الجمهوري». وأضاف: «نحن قادمون إلى بورتسودان» الواقعة على البحر الأحمر، وحيث تتمركز الحكومة منذ سقوط الخرطوم.
وعَبَر فريق من «وكالة الصحافة الفرنسية»، بمواكبة عسكرية، من أم درمان، المدينة التوأم للخرطوم، والتي استعادها الجيش، العام الماضي، إلى بحري وضواحيها التي مزّقتها الحرب.
ومرّ الموكب في أحياء مهجورة ومُوحشة؛ بما فيها حي الحاج يوسف، حيث تمتد هياكل المتاجر المغلقة والأرصفة المتداعية على طول الشوارع.
وتنتشر الأنقاض والحطام والإطارات المتروكة في الشوارع.
وتجلس مجموعات صغيرة من الناس بين كل بضعة شوارع أمام مبانٍ ومتاجر فارغة منخورة بالرصاص.
وتوقفت المستشفيات والمدارس عن العمل. ويقول الجيش إنه عثر على عدد من المقابر الجماعية، إحداها في محكمة أم درمان.
وتبدو على المدنيين الذين ما زالوا في المدينة، صدمة الحرب.
وقالت صلحة شمس الدين، التي تسكن قرب الحفرة؛ حيث ألقت قوات «الدعم السريع» جثثاً: «سمعت أصوات الرصاص، ليلاً، عدة مرات كما شاهدتهم يُلقون جثثاً في البئر».
جوع
وبالنسبة لمن نجوا وشاهدوا استعادة الجيش للمنطقة، مطلع الشهر، لا تزال الحياة تطرح صعوبات مستمرة. فالكهرباء مقطوعة، والمياه النظيفة والطعام شحيحان.
في شارع هادئ في بحري، يجلس نحو 40 امرأة تحت خيمة مؤقتة يُحضّرن وجبات الإفطار في مطبخ مجتمعي، وهو واحد من عدد من المطابخ التي عانت في ظل سيطرة قوات «الدعم السريع».
وتقوم النسوة بتحضير العصيدة والعدس في أوان كبيرة على نار الحطب.
والغاز لم يعد متوافراً، وشاحنات المياه تأتي، الآن، من أم درمان، وهو تحسُّن ملحوظ، مقارنة بالفترة عندما كان السكان يخاطرون تحت نيران القناصة للوصول إلى نهر النيل، الذي بدوره يمثل مخاطر صحية في ظل غياب خدمات الصرف الصحي.
وأصبحت المطابخ المجتمعية خط الدفاع الأخير للمدنيين الذين يعانون الجوع، وفقاً للأمم المتحدة. لكنها عانت صعوبات طوال الحرب للصمود.
ومع قطع طرق وتدمير أسواق وسلب مقاتلي قوات «الدعم السريع» للمتطوعين تحت تهديد السلاح، أصبح إطعام المحتاجين شبه مستحيل.
وقال مؤيد الحاج، أحد المتطوعين في مطبخ مجتمعي بحي شمبات: «أيام سيطرة (الدعم السريع)، كانت لدينا مشكلة في التمويل لأنهم يصادرون الأموال التي يجري تحويلها عبر التطبيقات البنكية». وأضاف: «لكن، الآن، الوضع اختلف، شبكات الهواتف تعمل، كما أننا، كل أسبوعين، نذهب إلى أم درمان لجلب احتياجات المطبخ».
وما بدأ نزاعاً على السلطة بين البرهان ودقلو، تحوّل إلى أكبر أزمة نزوح وجوع في العالم.
وأدت الحرب إلى تدمير البنية التحتية للسودان، وانهيار اقتصاده الضعيف أصلاً، ودفعت بالملايين إلى حافة الجوع.
وأُعلنت المجاعة في ثلاثة مخيمات للنازحين، وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي المدعوم من الأمم المتحدة.
وفي الخرطوم وحدها، يعاني ما لا يقل عن 100 ألف شخص ظروف مجاعة، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل.