الضفة الغربية تتقدم إلى المرتبة الثانية في قائمة الأخطار المحدقة بـ «إسرائيل»
تاريخ النشر: 8th, September 2024 GMT
باحثون: التراكم هي المعادلة القائمة في الضفة والهاجس الأكبر الذي تخشاه إسرائيل المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» العبرية: «تهديد العبوات بات مقلقاً جدًا للجيش، ويعيد للأذهان ذكريات جنوب لبنان» باحث ومسؤول أمنى سابق: «قد لا ينتبه الجيش هذه المرة للمفاجأة الاستراتيجية التي قد تتطور تحت أنفه في الضفة الغربية» الإعلام الصهيوني: المقاومون في المخيمات وبأعمار صغيرة يتعلمون إعداد عبوات ناسفة بأوزان مختلفة قد تصل إلى 50 كيلوغراماً
الثورة / تقرير / إبراهيم الوادعي
كشف الرئيس السابق للشاباك نداف أرغمان أن الأولوية يجب أن تكون لإعادة المختطفين ووقف الحرب ونقل الثقل إلى الشمال والضفة الغربية.
وقال: “مشكلتنا الرئيسية هي مع إيران، وكل ما تبقى هو مشاكل يجب الاهتمام بها لاحقاً.. الأمر الثاني هو قضية يهودا والسامرة (التسمية العبرية للضفة الغربية)، التي بدأت تغلي، وقد يكون أمامنا وضع صعب للغاية، وطبعا تحييد حزب الله في لبنان، هذه أمور تهددنا بشكل مباشر.
والسؤال: ما الذي اكتشفه الكيان الإسرائيلي ومسئولوه الأمنيون عقب عملية عسكرية عُدت الأعنف في الضفة منذ 2002م لتصبح الضفة الخطر الثاني على الكيان و خطر حزب الله إلى المرتبة الثالثة وفق ترتيب الرئيس السابق للشاباك .
خطر حزب الله على الكيان الإسرائيلي، لا يحتاج إلى الكثير من الحديث حوله ، سماحة السيد حسن نصر الله واضح في خطاباته حول قدرة الحزب على زعزعة وجود إسرائيل، واحتلال الجليل شمال فلسطين المحتلة، وكل ما ينتظره حزب الله وقيادته ومجاهديه الشرفاء هو نضوج الظروف المحيطة ليكون جهده مثمراً في اقتلاع الكيان وليس زعزعته فقط بالنظر إلى الرعاية الغربية التي بدت واضحة خلال ال11 عشر شهراً الماضية منذ السابع من أكتوبر، وبشكل جلي في التصدي للرد الإيراني على الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق، وحالياً نشر المنظومات الغربية وحشد الحلفاء الغرب والعرب للدفاع عن إسرائيل، وتلك عقدة لا تخفيها اليمن .
السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي تحدث في أكثر من خطاب أن الرد اليمني على اعتداء الكيان الإسرائيلي على الحديدة يستلزمه الانتصار وتجاوز 5 منظومات تصد للصواريخ للأسف 3 منها عربية وهي السعودية والأردن ومصر، يتبقى منظومتي الدفاع الأمريكية في شمال البحر الأحمر ومنظومة الدفاع الإسرائيلية، وعند الحديث عن كل منظومة بتفصيل فسيكون الحديث حينها عن طبقات متعددة لكل منظومة لدى كل دولة.
وبالعودة إلى تصريحات رئيس الشاباك حول الضفة الغربية، فهي أتت بعد 48 ساعة فقط من انتهاء العملية العسكرية الإسرائيلية على مناطق شمال الضفة الغربية جنين ومخيمها طولكرم ومخيميها، نابلس طوباس والأغوار، وهي مناطق هاجمها الجيش الإسرائيلي بعدد من الكتائب وحاصر جنين وطولكرم ودمر ما يزيد عن 80 في المائة من البنية لتحتية في المدينتين والمخيمات، ما استدعى فلسطينياً إعلان جنين ومخيمها وطولكرم ومخيمها منطقة منكوبة.
نجح الجيش الصهيوني في قتل عدد من المقاومين وبينهم قائدين في السرايا والقدس وأبرزهم محمد جابر أبو شجاع القيادي في كتيبة سرايا القدس مخيم نورشمس والذي ظل ملاحقاً من قبل قوات العدو لما يزيد عن 10 أعوام .
لكن بالنظر إلى واقع العملية الصهيونية برمتها فهي لم تختلف عن العمليات الأمنية والاقتحامات المحدودة بالنظر إلى تفاصيل سير العملية العسكرية ومجريات أيامها الـ 10، وكل ذلك ترافق مع تهديدات رغم التجييش والتحريض السياسي المتزامن مع العملية وبينها تهجير الفلسطينيين كخيار حاسم للتعامل مع خطر الضفة، ولا تمثل إضافة ذات قيمة في تاريخ الجهود الإسرائيلية منذ الثمانينات في العمل داخل الضفة مع نهضة العمل الإسلامي لتصدر المشهد المقاوم في فلسطين.
خلال العملية العسكرية على شمال الضفة فاجات المقاومة الفلسطينية العدو بعمليات نوعيه جنوب الضفة، وبينها عمليتان استشهاديتان، ما أجبر العدو على لملمة أوراق وأيام العملية ليعلن عن اختتامها مؤقتاً، ويبدأ التقييم من جديد لواقع الضفة ، ويبدو أن تصريحات رئيس الشاباك تكشف سلبية التقييم الصهيوني للضفة وبأن واقع المجموعات المقاومة تجاوز قدرة الحسم الصهيوني ، وإن كانت العملية العسكرية الإسرائيلية مسّت بنية بعض المجموعات المسلحة إلا أن التاريخ الفلسطيني أثبت أنها سريعاً ما تتعافى وتعود ، وخلال العملية العسكرية الأخيرة عاودت كتيبة نورشمس شن عملياتها بعد ساعات من مقتل قائدها أبو شجاع، بمعنى أننا لن نكون أمام وقت طويل للانتظار لتعود شرارة المواجهات قوية في شمال الضفة .
قضبة التراكم هي المعادلة القائمة في الضفة والهاجس الأكبر الذي تخشاه إسرائيل ولذا تتعامل عقب كل حدث مقاوم بمنتهى الغلظة معتمدة سياسة جز العشب في ملاحقة المقاومين وقتلهم، إضافة إلى ترهيب المجتمع لإبقائه بعيداً عن احتضان الفعل المقاومة وتشكيل رئة للمجموعات المقاومة التي تكاثرت فعليا، وهذا العنصر لم يعد لصالح الكيان ذ أشار استطلاع نشره المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، في يونيو 2023، أن 71%من الفلسطينيين يؤيدون تشكيل المجموعات كعرين الأسود وكتيبة جنين.
• تحولات نوعية
وتشير ورقة عمل فلسطينية حول العمل المقاوم في الضفة الغربية إلى تحولات شهدها العمل المقاوم في الضفة الغربية خصوصاً بين عامي 2022م و2024م
– ثمة تحول وقع خصوصاً في الأشهر الأخيرة أبان طوفان الأقصى بدا ملموساً
1- التطور في صناعة العبوات الناسفة والمتفجرات والتي بدأت توقع قتلى وإصابات بليغة بالآليات العسكرية للاحتلال، لا سيما في جنين وطولكرم وطوباس شمال الضفة الغربية.
ويورد الإعلام الصهيوني هنا أن المقاومين في المخيمات وبأعمار صغيرة يتعلمون إعداد عبوات ناسفة بأوزان مختلفة قد تصل إلى 50 كيلوغراماً، بكلفة لا تتجاوز 1000 شيكل (أي نحو 300 دولار)، وتنجح بإصابة أو قتل جندي أحياناً، لكنها غالباً ما توقع خسائر مادية في آليات الاحتلال المصفحة سواء الجرافة المعروفة»D9» أو آلية «النمر» التي يُقدر ثمنها بأكثر من ثلاثة ملايين دولار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن صناعة هذه العبوات في تطور مستمر.
2- عودة العمليات الاستشهادية داخل أراضي الـ 48 عملية تل أبيب الأخير مثال، أو في الضفة عمليتي الخليل جنوب الضفة ضد مستوطنات غوش عتصيون، وعكستا حرفية المنفذين.
– طرأ تحول في إطار عمل مجموعات المقاومة عبر وجود تنسيق بين المجموعات القائمة، ويمكن التمييز بين ثلاثة مستويات من التنسيق:
1 – داخل المنطقة الواحدة، مثل التنسيق بين العرين وكتائب بلاطة وكتيبة نابلس أثناء اقتحامات قبر يوسف وفي جنين التنسيق منظم أكثر بين الكتائب، وهناك غرفة عمليات مشتركة بين لواء الشهداء وكتيبة جنين والقسام.
2 – التنسيق التنظيمي، بين أذرعة التنظيم الواحد، كما في حالة كتيبة جنين – سرايا القدس، وكتيبة طوباس – سرايا القدس، ويظهر التنسيق من خلال البيانات المشتركة والميدان.
3 – تنسيق متعدد المناطق، ويكون بين مجموعات ليست ضمن المناطق نفسها، مثل مجموعات سرايا القدس ولواء الشهداء في جنين والعرين في نابلس وكتيبة طوباس وكتيبة طولكرم
• تحذيرات متتالية
آفي أشكنازي المراسل العسكري لصحيفة «معاريف» العبرية، ذكر أن «الأيام الأخيرة شهدت سقوط العديد من الجنود والضباط بمناطق مختلفة من الضفة، عبر إطلاق نار أو تفجير عبوات ناسفة، خاصة جنين ومخيم نور الشمس قرب طولكرم، ما يعني أن تهديد العبوات بات مقلقاً جدًا للجيش، ويعيد لأذهانه تلك الفترة العصيبة التي تواجد فيها الجيش في جنوب لبنان في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات، حيث درّب الإيرانيون حزب الله على استخدام العبوات الناسفة لإلحاق الأذى بقوات الاحتلال، والتسبّب في سقوط العديد من الخسائر البشرية في صفوفه».
وزعم أن «البصمة الإيرانية تظهر بوضوح في الضفة الغربية، سواء في تدفق الوسائل أو التدريب.
ونختم مع أفنير بارنياع الباحث في مركز أبحاث الأمن القومي بجامعة حيفا، ومسؤول سابق في جهاز الشاباك، والذي كان أكثر خوفاً وحذّر «من تكرار مفاجأة اندلاع انتفاضة الحجارة الأولى أواخر 1987، وقال : قد لا ينتبه الجيش هذه المرة للمفاجأة الاستراتيجية التي قد تتطور تحت أنفه في الضفة الغربية، لأن إحدى سمات الفشل في السابع من أكتوبر أنه رغم وجود معلومات استخباراتية جيدة في ما يتعلق بنوايا حماس للقيام بغزو واسع النطاق للمستوطنات المحيطة بغزة وخارجها، فإن الافتراض الأساسي للمؤسسة الأمنية ظل كما هو، أنه لن يحدث ذلك، ولم نتصور احتلال واستيلاء حماس على مناطق في الداخل المحتل من خلال هجوم متزامن».
وفي الخلاصات.. من شأن اشتعال الضفة الغربية تغيير توازنات المعركة ليس على مستوى غزة فقط وإنما أحداث مفاجأة كبرى على مستوى المنطقة، تغير معادلات المواجهة بين المحور الأمريكي ومحور الجهاد والمقاومة، ولذا تتوالى تحذيرات القادة الأمنيين الصهاينة لرئيس الحكومة المجرم نتنياهو بالموافقة على صفقة إنهاء القتال في غزة ونقل الثقل إلى الضفة الغربية والشمال.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
في محاضرته الرمضانية الأولى: قائدالثورة: أهمية التقوى تحتل المرتبة الثانية بعد الإيمان باعتبارها صفة أساسية لعباد الله
الثورة /
أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ جَمِيعِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين. الَّلهُمَّ اهْدِنَا، وَتَقَبَّل مِنَّا، إنَّكَ أنتَ السَّمِيعُ العَلِيم، وَتُبْ عَليَنَا، إنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمْ. أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات: السَّـلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛ في هذا الشهر المبارك، عادةً ما نبدأ حديثنا بالتركيز على أهمية التقوى؛ باعتبار ذلك من الأهداف الأساسية لفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك، وباعتبار هذا العنوان من أهم العناوين، التي أخذت مساحةً كبيرةً في القرآن الكريم؛ باعتبار أهميتها للإنسان نفسه، لنا نحن، نحن بحاجةٍ كبيرةٍ إلى أن نستوعب هذا المفهوم، وأن نسعى للعناية به في واقع حياتنا. لأهمية التقوى، احتل هذا العنوان، كصفة أساسية بارزة لعباد الله المؤمنين، المرتبة الثانية بعد الإيمان؛ ولـذلك يصف الله عبادَهُ الَّذين استجابُوا لرسالته ودعوته واتَّبعوا هديه بالمؤمنين، ثم تأتي في سياق المواصفات البارزة للمؤمنين صفة المتقين، وأتى الوعد الإلهي بالجنة، والمغفرة، والرضوان، والتوفيق، والهداية، وكثير من الوعود الإلهية أتت في القرآن الكريم مبنيةً على أساس التقوى: • ففي الوعد بالجنة، النعيم العظيم، والسعادة الأبدية، والفوز العظيم، أتى التركيز على عنوان التقوى، يقول الله «جَلَّ شَأنُهُ»: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا}[مريم:63]. كذلك الكثير من الوعود الإلهية: • سواءً ما يتعلق منها بعاجل الدنيا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (3) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق:2-3]. • أو ما يتعلق أيضاً بالآخرة، في الحساب وتيسيره، في الجنة، في الفوز العظيم… إلى غير ذلك. • فيما يتعلق أيضاً بالارتقاء الإيماني والهداية الإلهية: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}[الأنفال:29]. وهكذا الكثير من الآيات تركز على عنوان التقوى، فعنوان التقوى هو عنوانٌ مهمٌ جداً، فعندما قال الله «جَلَّ شَأنُهُ» عن فريضة الصيام في شهر رمضان: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:183]، ندرك أهمية التقوى فيما تعنيه لنا، مما يترتب عليها من نتائج لنا نحن، نحن في أمسِّ الحاجة إلى تلك النتائج والآثار المترتبة على التقوى. الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» هدانا في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم»، إلى ما تتحقق لنا به التقوى، ما يقينا، ما يقينا من المخاطر، من الشرور؛ ولـذلك فأوامر الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» ونواهيه، ومن خلال الالتزام بها، تحقق لنا كل هذه النتائج؛ لأن التقوى هي تتمحور حول الالتزام بأوامر الله ونواهيه، هي- في واقع الحال- حالة نفسية تدفع الإنسان إلى الالتزام؛ لأنه يعي المسؤولية تجاه ما يعمل، يدرك أهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج. فالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهو الذي خلقنا وأنعم علينا، ويريد لنا الخير، ويريد لنا الفوز العظيم والسعادة الأبدية، لذلك نجد أنه لم يتركنا لنكون في حالة تخبط في هذه الحياة، فنتَّجه على أساس ونحن نبني نحن بأنفسنا في رؤانا، في تصوراتنا، في أفكارنا، ونرسم لأنفسنا الأعمال التي نتصور أنها تحقق لنا الخير، لم يتركنا الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في حالة فراغٍ من هدايته، بل هو ربنا، المالك لنا، المنعم علينا، ولي نعمتنا، ونحن عبيده، في مقام المسؤولية أمامه؛ ولـذلك فهو «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» ابتدأنا هو بالهداية إلى ما فيه الخير لنا، وما فيه الوقاية لنا، ليس فقط على مستوى ما يقينا من العواقب السيئة للأعمال السيئة، والتفريط في المسؤوليات الكبيرة، بما ينتج عن ذلك من عواقب خطيرة على الإنسان في الدنيا، والعواقب الخطيرة الكبرى في الآخرة، بل أيضاً يدلنا على الأعمال العظيمة، التي تتحقق بها النتائج الكبيرة لنا نحن، من حياةٍ طيبةٍ في هذه الدنيا، كما وعد الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومن سعادةٍ أبديةٍ (للأبد) في النعيم العظيم، فيما وعد الله به في الآخرة. لذلك فمن أهم ما يساعد الإنسان على الاهتمام بالتقوى، والالتزام بالتقوى، هو: وعيه بأهمية الأعمال، وما يترتب عليها من نتائج، وإيمانه بوعد الله ووعيده، هذه مسألة مهمة جداً. عندما نلتفت إلى واقع حياتنا، فنرى من الظواهر المنتشرة في أوساط الكثير من الناس هي: عدم تفاعلهم مع أعمال ذات أهمية كبيرة جداً، أعمال عظيمة، أعمال كبيرة، يسمِّي الله بعضها بالتجارة، مثل: الجهاد في سبيل الله، أعمال يتحقق من خلالها الخير الكبير للإنسان، وكذلك التهاون عند الكثير من الناس تجاه أعمال سيئة، أعمال خطيرة، أعمال يترتب عليها نتائج وخيمة للإنسان في الدنيا، وفي الآخرة بشكلٍ رهيبٍ جداً، هذا كله من نقص التقوى، ونحن قلنا: أن الذي ينقصنا كأمةٍ مسلمة، وعالمٍ إسلامي، ومنتمين لهذا الإسلام، تنقصنا التقوى، النقص هنا في موضوع التقوى. نعمة الإسلام والانتماء للإسلام هي نعمةٌ عظيمة، تهيئ لنا الفرصة لأن نتَّجه في مسيرة حياتنا على أساس هدى الله، على أساس تعليماته، على أساس توجيهاته، وهنا كل الخير؛ لأن انتماءنا للإسلام: أننا نؤمن بالله، نؤمن باليوم الآخر، نؤمن بكتب الله ورسله، وهذا يهيئ لنا أن تكون انطلاقتنا في مسيرة حياتنا، في أعمالنا، مبنيةً على أساس هذا الإيمان، وهذا الانتماء؛ لكن يحصل الخلل مع غفلة الناس، مع اتِّباع الكثير لأهواء أنفسهم، عندما يتَّجه الإنسان في أعماله وتصرفاته اتِّجاهاً غريزياً، بناءً على الغريزة، على هوى النفس، على رغبات النفس، على شهوات النفس: • سواءً فيما يعود إلى رغبة لشهوة. • أو فيما يعود إلى حالة انفعال وغضب، ينتج عنها رغبة لتصرف معين، أو فعل معين، أو ردة فعل معينة. • أو فيما يترتب على حالة المخاوف أحياناً لدى الكثير من الناس، التي تؤثِّر عليهم في مسألة التقوى نفسها. فوعينا من خلال القرآن الكريم، من خلال هدى الله وتعليماته، وما أرشدنا إليه رسوله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ»، وعينا بأهمية الأعمال، وعدم التهاون تجاه ما نعمل، ما نقوله، ما نتصرف فيه من تصرفات، ما هي مسؤولياتنا في هذه الحياة، هذا الوعي مهم لنا في تحقيق التقوى. إيماننا بوعد الله ووعيده، والوعد والوعيد أخذ مساحةً كبيرةً جداً في القرآن الكريم؛ لأن من المهام الأساسية لكتب الله ورسل الله هو الإنذار والتبشير: • الإنذار بالتنبيه والتحذير من العواقب السيئة للأعمال السيئة، وما يترتب عليها من العقوبات في الدنيا والآخرة. • الإنذار أيضاً بالآخرة وما فيها من الجزاء. • وكذلك التبشير على الأعمال الصالحة. ولذلك خلال شهر رمضان، والإنسان يتلو كتاب الله، عليه أن يتدبر، أن يتأمل، أن يركز على الوعد والوعيد في القرآن الكريم، وعلى ما في القرآن من هدايةٍ مهمةٍ وعظيمة. من المبادئ الأساسية في الوعد والوعيد هو: مبدأ الجزاء، ما نعمله نجازى عليه، هذا مبدأٌ مهمٌ، الله يقول عن كل نفسٍ بشرية في مقام المسؤولية والتكليف، {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة:286]، هذا المبدأ المهم يجب أن يُرَسِّخه الإنسان في نفسه، وأن يستحضره في ذهنه، في كل مواقع الحياة، في كل مقامات الحياة، في كل ظروف الحياة؛ لأن غفلة الإنسان عن ذلك تجعله يستهتر تجاه ما يعمل، وكأنه لا يجازى عليه، ولا يعاقب عليه، أو لا يتفاعل مع أعمال ذات أهمية كبيرة، جزاؤها عظيم، من ورائها خيرٌ كبيرٌ لهُ. ولأهمية هذا المبدأ، أتى الحديث عنه كثيراً في القرآن الكريم؛ باعتباره من المبادئ الأساسية، التي ترتبط بعدل الله، وبحكمته أيضاً؛ لأن هذا من عدل الله ومن حكمته، وأيضاً ترتبط بملكه؛ لأنه هو الملك، ملك السماوات والأرض، وملك الناس، لم يخلقنا عبثاً في هذه الحياة لنتصرف كيفما نشاء ونريد، ونعمل كما تهواه أنفسنا، وبما تهواه أنفسنا، ومن دون أن نجازى على ذلك. الإنسان كلما استحضر هذا المبدأ ورسَّخه في نفسه، كلما التزم بالتقوى؛ لأنه يدرك أنه يجازى على كل ما يعمل، إن خيراً فخيرٌ، وإن شراً فشر، ليست المسألة عبث، ليست عبثاً، ليس الوضع بالنسبة للإنسان مهدوراً؛ ولهـذا يقول الله في القرآن الكريم: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[الجاثية:22]، فمسألة الخلق بنفسها مبنيةٌ على هذا المبدأ العظيم، خلق السماوات والأرض، وخلق الإنسان، خلق الكائنات التي هي في مقام المسؤولية، مبنيٌ كله على هذا المبدأ المهم، لابدَّ من الجزاء، الإنسان سيجازى. كذلك الآخرة، اليوم الآخر، يقول الله: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ}[طه:15]، هي آتية الساعة، ونحن آخر الأمم، ومسيرة الحياة البشرية قريبة من النهاية، والقيامة قريبة، {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ}[القمر:1]، {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى}[طه:15]. يقول الله أيضاً: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم: 39]، فمصيرك أنت هو مرتبطٌ بسعيك، بعملك، مسألة مصير، العمل ليس مسألة عادية، مصيرك الأبدي متوقفٌ على أعمالك، مرتبطٌ بها، {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}[النجم:40-41]، فنتائج الأعمال وتبعاتها بحسبها، يعني: إن كان اتِّجاه الإنسان قائماً على الإيمان، والعمل الصالح، والاستجابة لله تعالى، والاستقامة، والتقوى، كان هذا المسار مساراً عظيماً، وفق وعد الله «جَلَّ شَأنُهُ»، أنت تحصل على الجزاء من الله، لن تُظْلَم، لن يضيع عليك من عملك الصالح ولا مثقال ذرة، ولا أي شيء أبداً. يقول الله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}؛ ولــذلك عندما يُدعى الإنسان إلى ما هو عملٌ صالح، فيتصور المسألة وكأنها عبءٌ إضافيٌ، كأنه شيءٌ لا يعنيه، وحملٌ وعبءٌ عليه، هذا نقص في استيعاب هذا المفهوم، أنه لنفسك أنت، أنت المستفيد من ذلك، لهذا نتائج لك أنت، منها ما يأتيك في هذه الدنيا، ومنها ما يأتيك في الآخرة، في مستقبلك الأبدي والدائم، وعلى مستوى عظيم جداً، على مستوىً عظيم من النعيم، من التكريم، من الجزاء العظيم. لو استوعب الإنسان ورسَّخ في نفسه هذا المبدأ المهم، لما كانت نظرته أبداً إلى الأعمال الصالحة، إلى الأعمال العظيمة، إلى ما يدعونا الله إليه، وكأنه عبء، وكأنه حِمْل، وكأنه مشكلة يسعى للخلاص منها، أو كأنه شيءٌ ثانوي لا يعنيه وليس له صلةٌ به. {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، كذلك جرأة الإنسان في الأعمال السيئة، والتصرفات السيئة، والأفعال والأقوال السيئة، هذه الجرأة هي ناتجةٌ عن غفلة، أو عدم إيمان؛ إمَّا أن الإنسان يتناسى ويتغافل أنه يسيء على نفسه، يُحَمِّل نفسه الأوزار على مستوى ما يقوله من الأقوال السيئة، كل كلمة سيئة يترتب عليها نتائج تعود عليك أنت، وكذلك الأفعال والتصرفات، التي قد ينطلق الإنسان فيها كما قلنا: • إما بشهوة، اتِّباعاً للشهوات والأهواء. • وإمَّا في إطار الغضب والانفعال، وهي كذلك رغبة مبنية على حالة غضب. • أو في إطار المخاوف. أي حالة من الدوافع التي تؤثِّر على الكثير من الناس، لكن عندما يدرك الإنسان أنه يسيء على نفسه، يتحمل هو التبعات والعواقب لتلك الإساءة، سواءً كانت بشكل عمل، أو موقف، أو كلام… أو غير ذلك، {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}. عِظم الجزاء يدل على عظيم المسؤولية بالنسبة للإنسان، يعني: ليست المسألة حتى في مسألة الجزاء أنه جزاء عادي، هناك جزاء يحصل في الدنيا، جزءٌ منه فيما وعد الله به في الدنيا، وهو شيءٌ له أهميته بالنسبة للإنسان، وعد الله المؤمنين المتقين بالحياة الطيِّبة، بالعزَّة، بالنصر، بأشياء كثيرة وعدهم بها في الدنيا، بالخير، بالبركات… كلها ذات أهمية، وتمثل حاجةً كبيرةً للإنسان، على المستوى الشخصي، وعلى المستوى الاجتماعي كمجتمع. ولكن ليس هذا فحسب، هناك أيضاً الآخرة، ما يأتي في الدنيا هو شيءٌ من الجزاء، نسبة محدودة من الجزاء، لكن يوفَّى الإنسان جزاءه في الآخرة، الآخرة التي هي مصيرٌ أبديٌ خيرها خالصٌ عظيمٌ جداً جداً على أرقى مستوى، فيما يتعلق بالتكريم المعنوي، فيما يتعلق بالنعيم المادي، والإمكانات المادية، والحياة المادية، والتكريم فيما هو في مرحلة الحساب، في ساحة القيامة، وفيما هو في الجنة، الجنة التي قال الله عنها: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}[آل عمران:133]، الجنة التي فيها كل أنواع النعيم المادي الذي يشتهيه الإنسان، {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ}[الزخرف:71]، ولكن على أرقى مستوى، بما عَبَّر عنه رسول الله «صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم»: ((فِيْهَا مَا لَا عَينٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَت، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلبِ بَشْر))، أرقى نعيم، يعني: جزاء عظيم جداً، وللأبد {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، {لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا}[الكهف:108]، يستقرون للأبد، بسعادة دائمة، بنعيمٍ عظيمٍ مستمرٍ، ليس فيه هرم، ولا مرض، ولا هم، ولا غم، ولا أي منغصات أبداً. والشر في الآخرة كذلك شرٌ خالص، ليس معه أي لحظة من الراحة، أو لحظة يُفْرَج عن الإنسان ما هو فيه من الشدة والعذاب، على المستوى النفسي، وعلى المستوى الجسدي، بدءاً من ساحة القيامة، في هول الحساب، في تشديد الحساب، في الخزي يوم الحساب، في الحسرات والندم الشديد جداً؛ ثم في الذهاب إلى جهنم، في الحشر إلى جهنم، في العذاب في النار والعياذ بالله، الاحتراق الدائم في نار جهنم، العذاب بكل ما فيها: بشرابها الحميم والصديد، بطعامها الزقوم، الذي {يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان:45-46]، بكل ما فيها من العذاب الشديد جداً، الذي لا ينفك عن الإنسان ولا لحظةً واحدة، ليس فيها ولا بمستوى ثانية واحدة، ما يعادل ثانية واحدة يمكن للإنسان أن يرتاح فيها، يطلبون يوماً واحداً يخفف عنهم فيه العذاب على مستوى التخفيف، ولا يستجاب لهم، يعني: شرٌ رهيب، في مقابل الخير الخالص، والسعادة الأبدية، وللأبد كذلك، {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}، {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة:167]. فالجزاء الكبير في الآخرة، الذي هو مصيرٌ أبدي، يدل على ماذا؟ على أهمية مسؤوليتنا في هذه الحياة، على الأهمية الكبيرة لأعمالنا، التي نعملها بدون مبالاة، أو اكتراث، أو لا ندرك أهميتها، فالإنسان بحاجة إلى أن يصحح نظرته تجاه الأعمال، في مجال الخير، وأهميتها الكبيرة، وما يترتب عليها، وفي مجال الشر كذلك، وما يترتب عليها. ولهـذا يقول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}[لقمان:8]، في مقابل الإيمان والعمل الصالح هناك هذا الفوز العظيم: {لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ}، فهي أعمال ذات قيمة كبيرة، لها أهميتها بالنسبة لمستقبلك الأبدي والدائم، لأن يكون في جنات النعيم، {خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}[لقمان:9]، فكيف لا ترغب؟ كيف لا تتوفر لديك الدوافع للعمل الصالح، للأعمال التي دعاك الله إليها، وهي أعمال عظيمة، أعمال هي شرفٌ لك في هذه الحياة، أعمال هي مُيَسَّرة في هذه الحياة، الله يسَّر للإنسان أعمال الخير، ليست في أصلها شاقّة، بالقدر الذي هناك في مقابلها من الأعمال السيئة مشاق أكبر، مشقتها قد تكون في المستوى المعتاد لظروف الحياة، ومع ذلك يأتي التيسير حتى في هذه النسبة من المشقة، التي هي في المستوى المعتاد في ظروف حياة الناس في سائر أعمالهم، حتى الأعمال العادية جداً، التي هي أعمال في معيشتهم وكسب حياتهم، وما يترتب على ذلك. فهذه الأعمال، التي لها أهمية كبيرة، كُلّ عمل تنجزه له مقابل عند الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في إطار هذا الوعد العظيم: الجنة، وما فيها من النعيم، فكل عمل من الأعمال الصالحة هو رصيدٌ لك، {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}[المزمل:20]، يعني: شيءٌ لك أنت، أنت المستفيد منه، لا تتصور وكأنك أسديت جميلاً لله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، هو غنيٌ عنك، غنيٌ عن أعمالك، أنت أنت المستفيد. يقول الله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ}[يونس:26]؛ لأن الله يزيدهم من فضله، هناك ما هو يقابل عملك من الجزاء العظيم والكبير والمهم في مقابل الأعمال الحسنة، أنت كنت محسناً في هذه الدنيا، تعمل الأعمال الحسنة، وتحسن إلى عباد الله؛ لأن عنوان الإحسان هو يشمل أن تكون أعمالنا أعمالاً حسنة، في مقابل الأعمال السيئة، ألَّا نسيء في تصرفاتنا، في أقوالنا، في أعمالنا، هذا يتحقق للإنسان بالتزامه بتوجيهات الله وتعليماته وأوامره، وانتهائه عن نواهيه، هذا يحقق لك أن تكون أعمالك أعمالاً حسنة، وأن تكون محسناً في أعمالك وتصرفاتك، وليس مسيئاً، وكذلك في قيمة الإحسان إلى عباد الله، في فعل الخير لهم، في فعل البر إليهم، في العطاء لهم… في كل أشكال الإحسان التي إليهم، (وَزِيَادَةٌ) من الله، زيادة واسعة وكبــــيرة من فضله العظيم، زيادة على ما يقابل جهدك وعملك، يكافئك الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى». مع أن الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بكرمه العظيم، فيما قرره للإنسان في مقابل الأعمال، من البداية بنى المسألة على الزيادة: الحسنة بعشرة أمثالها، ثم هناك أبواب من الأعمال عليها مضاعفات كبيرة للثواب والأجر، في الإنفاق في سبيل الله الحد الأدنى هو سبعمائة ضعف، مواسم كما في شهر رمضان، الحد الأدنى من المضاعفة في شهر رمضان إلى سبعين ضعفاً، يعني: من البداية هناك زيادات، ثم فوق هذه الزيادات في الأجر، في الثواب، في الفضل، في مقابل الإحسان، هناك أيضاً ما هو زيادة على كل ذلك من فضل الله في الآخرة. {وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ}[يونس:26]، في ساحة الحساب، في ساحة القيامة، والمسيئون في وضعٍ رهيب جداً، لشدة ما هم فيه من الحزن، والندم، والأسف، والحسرات، والخوف، تظهر على وجوههم تلك الحالة، تلك الكآبة الشديدة في وجوههم، في ألوان وجوههم، سواداً وقتراً؛ لكن في واقع الآخرين المحسنين، الذين استجابوا لله، في ما هم فيه من الفرح، من السرور، وأدركوا قيمة أعمالهم، نتيجة جهودهم، النتيجة العظيمة وفق وعد الله لهم، الطمأنة من ملائكة الله، البشارات تلو البشارات، فهم في حالة فرح وسرور، يتجلى ذلك السرور على وجوههم، وعلى ألوانهم، فيما هم فيه من حالة الفرح. {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:26]، مصيرهم الجنة، في عالم الجنة، للخلود الأبدي والدائم، فكانت النتيجة هي هذه النتيجة: السعادة للأبد، والهناء بالحياة الأبدية. {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[يونس:27]، هذا هو المصير، مصيرك عندما تكسب في هذه الحياة السيئات، الأعمال السيئة، بتصرفاتك، بمخالفتك لأوامر الله ونواهيه؛ لأنك خضعت لأهواء النفس، لأماني النفس، تأثرت بوساوس الشيطان، اتَّجهت الاتِّجاه السيئ، فأنت كسبت على نفسك من الأعمال السيئة ما كان به مصيرك إلى جهنم والعياذ بالله، حسراتك يوم القيامة، أسفك وندمك، خوفك الشديد يتجلى على وجهك إلى هذه الدرجة: {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا}، قطعة من السواد، من سواد الليل على وجهك، تعبِّر عن حجم ما في نفسك من الهم، والغم، والحسرة، والندم، والخوف الشديد، ومع ذلك لا ترى لنفسك أي فرصة على الإطلاق لتلافي وضعك آنذاك؛ لأنك فوَّت الفرصة الوحيدة، وهي: حياتك في هذه الدنيا، ليس وراءها أي فرصة أبداً. والإنسان يدرك قيمة العمل وأهمية العمل حتى في لحظة الموت، {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون:99-100]، لكن لا يفيد الإنسان هذا أبداً، في الآخرة، في مواقف الحساب والقيامة كذلك. لـذلك من خلال تأملاتنا في القرآن الكريم، تلاوتنا لكتاب الله في هذا الشهر الكريم، علينا أن نعي جيداً أهمية الأعمال، أهمية التقوى فيما تعنيه لنا، فيما يترتب على أعمالنا من نتائج في الآخرة، أن نُرسِّخ إيماننا بوعد الله ووعيده، أن نتأمل ما ورد في القرآن الكريم من الوعد الإلهي والوعيد الإلهي، هذا شيءٌ مهمٌ جداً بالنسبة لنا؛ لكي ندرك أهمية التقوى، ونركز عليها في هذا الشهر، كحصيلة ومكتسب مهم وعظيم لنا، نستفيده من صيام شهر رمضان. نكتفي بهذا المقدار، وإن شاء الله نبدأ من محاضراتنا القادمة، من بعد هذه المحاضرة، لنستأنف ما كنا بدأناه في شهر رمضان من العام الماضي في القصص القرآني. نَسْألُ اللَّهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا وَمِنْكُمُ الصِّيَامَ وَالقِيامَ وَصَالِحَ الأَعْمَال، وَأَنْ يُوَفِّقَنَا لِنَكُونَ فِي عِدَادِ عِبَادِهِ المُتَّقِين. وَنَسْألُهُ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصْرِه، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهَدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسرَانَا، إِنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاء. وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛