ليس من المألوف أن يسارع مجلس الشورى الإيراني إلى الموافقة على جميع أعضاء الحكومة الجديدة لرئيس الجمهورية الجديد، ولا شيء أصعب من مرور حكومة يعينها رئيس إصلاحي أو معتدل في برلمان يسيطر عليه غلاة المحافظين الأصوليين. لكن “المعجزة” حدثت مع حكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان، وتلك ليست صدفة، فلا شيء يحدث هناك إلا بقرار أو إشارة من بيت المرشد الأعلى علي خامنئي، ولا أحد يجهل أن مجلس صيانة الدستور الذي رفض ترشح شخصيات معتدلة وإصلاحية وازنة وحتى شخصية محافظة قوية مثل لاريجاني، كان يمكن ألا يمر بزشكيان في غرباله، وسر السماح له ثم نجاحه في منافسة مع المتشدد سعيد جليلي المقرب من خامنئي هو حاجة إيران إلى “فسحة” في فضاء شديد التوتر.
فالمرشد الأعلى اعترف بأن الوضع الاقتصادي هو “نقطة الضعف الرئيسة”، ولا انفراجة اقتصادية من دون رفع العقوبات الأميركية عن طهران، ولا رفع عقوبات من دون العودة للاتفاق النووي الذي خرجت منه أميركا خلال رئاسة دونالد ترمب، ولا عودة إذا رجع ترمب إلى البيت الأبيض في انتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ولا عودة حتى مع إدارة الرئيس جو بايدن من دون الحاجة إلى “تحديث” نقاط في الاتفاق ومعالجة نقاط استجدت من خارجه، كما يقول مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفاييل غروسي. فما العمل؟.
خامنئي الذي استشاره بزشكيان في كل أعضاء الحكومة، لا فقط في المرشحين لوزارات الدفاع والخارجية والاستخبارات والقضاء بحسب العادة، أعطى إشارات معبرة خلال استقباله للحكومة. قال “لا قيود وعوائق أمام التعامل مع العدو عند اللزوم حين يكون ذلك مفيداً، من دون الثقة به”، وأوحى أن الملف النووي على الطاولة، وكان بين الحاضرين محمد جواد ظريف نائب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية السابق في عهد الرئيس حسن روحاني الذي قاد المفاوضات على الاتفاق النووي قبل أعوام والذي استقال احتجاجاً على تشكيل حكومة لا تمثل ناخبي بزشكيان، ثم عاد عن الاستقالة، وهو أيضاً الذي احتج في حديث مسجل للأرشيف على ممارسات “الحرس الثوري” في جعل “الدبلوماسية” في خدمة “الميدان” بدلاً من أن يكون الميدان في خدمة الدبلوماسية.
ولم يتأخر وزير الخارجية الجديد عباس عراقجي، وكان معاوناً لظريف خلال المفاوضات، في تحديد سياسة الحكومة بأنها “إدارة الصراع” مع الولايات المتحدة ضمن “اتفاق الطرفين على مصالحهما”، وبكلام آخر فإن إيران جاهزة للتفاوض، لكن السؤال هو هل أميركا جاهزة؟.
خلال ولاية الرئيس جو بايدن كانت واشنطن جاهزة، لكن طهران لم تكُن كذلك عملياً. والوقت اليوم ضاغط على مسافة أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأميركية، فلا بايدن قادر على عقد صفقة لا أحد يعرف تأثيرها في التصويت، ولا ترمب في وارد الاتفاق الذي خرج منه إذا عاد للبيت الأبيض، ولا كامالا هاريس نائبة بايدن على عجلة من أمرها لأنها في حاجة إلى تركيب إدارة وترتيب سياسات على مدى أشهر بعد نجاحها المفترض، فضلاً عن أن طهران تراهن على صفقة أوسع من الاتفاق النووي، بعدما كانت في الماضي تصر على حصر التفاوض بالموضوع النووي، والسبب هو الرهان على مرحلة ما بعد حرب غزة.
فإيران التي تقود “محور المقاومة” وتدير حرب “الإسناد” لحركة “حماس” في حرب غزة عبر “وحدة الساحات” تتحدث عن متغيرات جيوسياسية واستراتيجية في المنطقة بعد حرب غزة وبسببها، وهي تتصور أن دورها في الحرب ولو بالوكالة يقدم لها فرصة تفاوض “نداً بندّ” مع أميركا على مستقبل “غرب آسيا” ودور طهران الإقليمي والتسليم بـ”شرعية” دولية له.
ولكن ذلك ليس مضموناً، فإعادة تشكيل الشرق الأوسط تحتاج إلى حرب شاملة أوسع بكثير من حرب غزة، ودور إيران في الحرب الأخيرة على أهميته لا يعطيها وحدانية الدور الإقليمي باعتراف أميركي، على افتراض أن روسيا ليست ضد تكبير الدور الإيراني والدور التركي والدور الإسرائيلي، وأيضاً على افتراض أن الدور العربي غائب والدور الصيني يكتفي بمشروع “الحزام والطريق”.
صحيح أن “محور المقاومة هو أهم مكون لقوة إيران”، كما قال عباس عراقجي، لكن الصحيح أيضاً أن هذه القوة قائمة على فصائل أيديولوجية مسلحة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان جرى تأسيسها على حساب الشرعية العربية لبلدانها، وهي تتبادل القصف مع إسرائيل وتوحي أن ورقة القضية الفلسطينية صارت في يد طهران وحدها، غير أن ذلك مجرد هدف على الطريق إلى الدفاع عن النظام الإيراني والعمل للمشروع الإقليمي الفارسي.
الكل يعرف أن إيران تعمل بدهاء على المدى الطويل، فلا هي تريد الصدام العسكري مع أميركا التي تسميها “الشيطان الأكبر”، كما تؤكد بعد الحشد العسكري الأميركي في المنطقة خلال حرب غزة ودور “محور المقاومة”، ولا هي تجهل أن تحرير فلسطين من البحر إلى النهر يعني صداماً مع أميركا وأوروبا وخلافاً مع روسيا والصين، بصرف النظر عن الإفادة من رفع شعار التحرير. لكن العامل الإيراني في الصراع مع إسرائيل له وجه سلبي إلى جانب الوجه الإيجابي، استخدامه من قبل المتطرفين في الحكومة والكنيست كعذر إضافي لرفض “حل الدولتين” بحجة أن أية دولة فلسطينية ستصبح قاعدة لإيران.
والمفارقة أن طموح إيران إلى دور كبير في المنطقة يرافقه هاجس القلق من محاولات لإسقاط النظام، وما يبحث عنه خصوم النظام هو نقطة الضعف، وهل هي في القلب أم في الأطراف، في طهران أم في الأذرع الميليشياوية التي هي “أهم مكوّن لقوة الجمهورية”؟، واللعبة طويلة بمقدار ما هي خطرة.
*نشر أولاً في “اندبندنت عربية “
يمن مونيتور8 سبتمبر، 2024 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام إقصاء منتخبنا للناشئين من التأهل لنصف نهائي بطولة اتحاد غرب آسيا دوري الأمم الأوروبية.. ثنائية إنجلترا ضد إيرلندا وألمانيا تدك شباك المجر وهولندا تقسو على البوسنة مقالات ذات صلة
دوري الأمم الأوروبية.. ثنائية إنجلترا ضد إيرلندا وألمانيا تدك شباك المجر وهولندا تقسو على البوسنة 8 سبتمبر، 2024
إقصاء منتخبنا للناشئين من التأهل لنصف نهائي بطولة اتحاد غرب آسيا 8 سبتمبر، 2024
الحوثيون يعلنون إسقاط طائرة “مسيّرة” أمريكية 8 سبتمبر، 2024 التمكين السياسي للشباب 8 سبتمبر، 2024 اترك تعليقاً إلغاء الرد
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفيا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
أريد تفسير للمقطع من اغنيه شل صوتك وأحكم المغنى ماذا يقصد ون...
المنتخب اليمني ............. لماذا لم يكن زي منتخب اليمن الف...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: دوری الأمم الأوروبیة غرب آسیا فی الیمن حرب غزة من دون
إقرأ أيضاً:
الحزب الشيوعي السوداني: وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة ولا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
الحزب الشيوعي السوداني يكرر ويجدد موقفه الثابت والرافض لمحاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبدالفتاح البرهان لتكوين حكومة فترة انتقالية مع الموالين له من فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول. كذلك يرفض الحزب محاولات مجموعة نيروبي بقيادة محمد حمدان دقلو التي تسعي لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها
بيان من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
#وحدة السودان وسلامة أراضيه واجب الساعة
#لا شرعية لحكومات نتجت عن الانقلاب وحرب ابريل 2023
الحزب الشيوعي السوداني يكرر ويجدد موقفه الثابت والرافض لمحاولات حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بقيادة عبدالفتاح البرهان لتكوين حكومة فترة انتقالية مع الموالين له من فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول. كذلك يرفض الحزب محاولات مجموعة نيروبي بقيادة محمد حمدان دقلو التي تسعي لتشكيل حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.
يؤكد الحزب الشيوعي ان الجهتين المذكورتين تفتقران للتفويض الجماهيري المطلوب من قبل الشعب كضرورة اساسية للحصول علي الشرعية الدستورية.
يعتبر الحزب ان طرفي النزاع هما وجهان لعملة واحدة. وانهما مسؤولان بالتضامن والانفراد عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في دارفور وهما مسؤولان عن تفجر الكارثة الإنسانية هناك في العام 2003 التي نتجت عنها جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب الي جانب ارتكاب الانتهاكات الواسعة والممنهجة في بقية أنحاء البلاد من بينها مجزرة القيادة العامة في الخرطوم.
طرفا الحرب أيضا شريكان في إجهاض وتقويض العدالة بتقاعسهما عن ملاحقة المتورطين في ارتكاب المجازر والانتهاكات واسعة النطاق ولجوئهما الي تكوين لجان تحقيق صورية عديمة الصلاحية والقدرة علي الوصول الي نتائج وتوصيات من شأنها تحقيق العدالة بهدف تضليل الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي وتضليل الضحايا وذويهم وكذلك بهدف قطع الطريق أمام اللجان الدولية المحايدة.
يحذر الحزب ان محاولات الطرفين واعوانهما في الداخل والخارج في تشكيل الحكومتين ستقود الي تعقيدات لا حصر لها وستفاقم من خطورة الوضع الراهن من بينها زيادة الاستقطابات علي أسس قبلية وجهوية في بلد تعاني فيها المؤسسات الإدارية وهياكل الحكم من الهشاشة بسبب الفساد. كما تحمل الكثير من مجتمعاتها ارثا ثقيلا بسبب الصراعات القبلية والجهوية.
سكان المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع مضطرون للتعايش مع سلطات الدعم السريع ولكنهم ليسوا خاضعين لها بكل تأكيد حيث لا يزال الملايين من ضحايا الجنجويد والدعم السريع يعانون من مهانة اللجوء والنزوح وهم ينتظرون تحقيق العدالة والانصاف.
من الجانب الاخر فإن حكومة البرهان المرتقبة والتي ستتشكل من خصوم واعداء الشعب؛ فلول نظام المؤتمر الوطني المحلول والموالين لهم الذين قطعوا الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة وظلوا يخططون لتقسيم السودان تارة ب( مثلث حمدي) و( دولة البحر والنهر) وتارة بضم ولايات سودانية الى مصر ! هؤلاء لن تقبل بهم جماهير الشعب السوداني وقواه الحية خاصة في ظل استمرار جذوة الثورة التي لا تزال متقدة رغم العثرات.
اصرار طرفي الحرب علي رفض الجلوس حول طاولة المفاوضات للوصول الي اتفاق بوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية عبر المعابر الحدودية والداخلية يعرض حياة اكثر من خمس وعشرين مليون شخص لخطر الموت جوعا بسبب حرمانهم من الحصول علي معينات الحياة الضرورية من الغذاء والدواء. كما يزيد من معاناة اكثر من عشرة مليون سوداني من العالقين في مخيمات النزوح واللجوء.
الحزب الشيوعي السوداني يحمل البرهان والمليشيات التي تحارب معه من انصار النظام المباد بمختلف مسمياتها
كما يحمل الحزب مجموعة
نيروبي الموالية للجنجويد المعروفة باسم مجموعة التاسيس مسؤولية الانتهاكات التي ستشهدها مناطق سيطرة الدعم السريع واي مناطق اخري في البلاد باعتبارهم شركاء لمليشيا الجنجويد.
الحزب الشيوعي يتابع مبادرات المؤسسات الإقليمية والدولية من بينها مجلس الأمن و الاتحاد الافريقي و الاتحاد الأوروبي ومجلس حقوق الإنسان التي صدرت مع بداية هذا العام بخصوص الوضع في السودان خاصة فيما يتعلق بعدم الاعتراف بحكومة بورتسودان ورفض قيام اي حكومة في الأراضي التي تسيطر عليها الدعم السريع. ومع ذلك فالحزب يطالب بعدم الاكتفاء بإصدار البيانات وتكرار التصريحات المصحوبة بالقلق.بدلا عن ادانة والزام القوى الدولية والاقليمية الكف عن مد طرفي الحرب بالسلاح والعتاد والمعلومات اللوجستية. والمطلوب هو المضي قدما في تطبيق وتنفيذ القرارات التي صدرت من المؤسسات المذكورة بشأن الوضع الكارثي في السودان خاصة حول وقف الحرب واتخاذ تدابير ملموسة بشأن حماية المدنيين ومعالجة الوضع الإنساني المتدهور وتطبيق العدالة.
يتحمل مكتب مدعي المحكمة الجنائية الدولية مسؤوليته في الشروع في اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في مواجهة عناصر حكومة الأمر الواقع في بورتسودان كذلك في مواجهة عناصر الدعم السريع وحلفائهم الجدد في مجموعة التاسيس التي انضمت لمليشيا الجنجويد في نيروبي.
يدعو الحزب الشيوعي السوداني جماهير الشعب السوداني وقواه الحية للتصدي لمحاولات طرفي الحرب وحلفائهم في الداخل والخارج والتي تسعي لقطع الطريق أمام ثورة ديسمبر المجيدة وتفتيت وحدة البلاد.
عاش نضال الشعب السوداني من أجل الحرية والعدالة والاستقلال ومن اجل وحدة البلاد.
المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني
٣/مارس/٢٠٢٥