ماذا لو لم أشاهد مسلسلات سورية في صباي؟!
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
لا أدرك مدى ارتباطي الثقافي والعاطفي بالدراما السورية إلا حين أتوقف لأسأل نفسي بجدية إن كنت أنا من أنا الآن، وبلا مبالغة، لو لم يكن بسَّام كوسا أول شخصية تخرج من تلفزيون الصالة العائلية لتنطبع في طفولتي كشخصية حية في دور «نصَّار بن عريبي»؟ كان جلال مشهده وهو يرتل سورة الضحى في زنزانته عشية تنفيذ حكم الإعدام أحد أهم المشاهد في تاريخ علاقتي بالسينما.
أما الدراما السورية التاريخية فهي تحيلني لمراجعة الصورة الأولى التي تكونت في وعيي عن ملامح تاريخنا العربي كما صوَّرته ونطقت به تلك الدراما الفصيحة. كيف كنت سأصغي لنبر الشعرِ الجاهلي في كتب المعلقات لاحقا لو لم أستفق مبكرا في طفولتي على مرثيات الزير سالم لأخيه كُليب بصوت سلوم حداد في رائعة حاتم علي وممدوح عدوان؟ كيف ستتجاسر مخيلتي على تكوين ملامح بصرية أولية عن صورة حياة العرب قبل الإسلام وعن مآثرهم في العشق والفروسية لو لم أكن قد شاهدت «الزير سالم» لمرات ومرات منذ أن كنت في السادسة من عمري؟
بصرف النظر عن نمطية تلك الصورة غالبا، وبتجاوز السؤال عن مدى سلامتها الموضوعية واختلاط الأسطوري بالتاريخي فيها، لا بدَّ من القول إن العمل التاريخي الذي قدَّمه لنا الممثلون السوريون، رغم ما نعلمه من تواضع التقنيات والميزانيات الإنتاجية، قد فتح لنا نافذة للتواصل التخييلي مع تاريخنا العربي القديم ورموزه الأسطوريين الذين نقرأ عنهم في كتب التاريخ المغبرَّة على رفوف المكتبات. تلك الأعمال الرائعة التي صوَّرت لنا فصولا حاسمة من تاريخ الصراع السياسي بين الدولة الأموية والدولة العباسية نجحت -على الأقل- في إنقاذ وعي شريحة واسعة من متابعيها من فداحة النظرة الأيديولوجية التعميمية لمبدأ الصراع التاريخي بين الأمم، تماما كما فعل السوريون في الأعمال الملحمية التي روت لنا قصة الحجاج بن يوسف الثقفي وقصة عبدالرحمن الداخل وقصة صلاح الدين الأيوبي وغيرهم؛ حين تمكنت الكتابة الدرامية من إعادة بناء الشخصية التاريخية الجدلية بأسلوب نفسي مركَّب تتحاور فيه كل التناقضات البشرية في الذات الواحدة، متجاوزا النمطية الأسيرةَ لثنائية الخير المطلق أو الشر المطلق كما في مرويات الناس.
هذا البناء النفسي العميق المركَّب للشخصية الدرامية في المسلسل السوري قد بلغ أعلى مستويات نضجه في روائع الثنائي حاتم علي ووليد سيف، كما في الثلاثية الأندلسية. يستوقفني هذان الاسمان، المخرج والمؤلف، لمساءلة نفسي، في هذه المرحلة من العمر ومن السياق السياسي تحديدا، إن كانت علاقتي الشخصية بالقضية الفلسطينية وتفاعلي السياسي والثقافي معها ستبدو بذات القوة والوضوح -كما هي الآن- لو لم أشاهد «التغريبة الفلسطينية» في صباي؟ أكان بوسعي أن أستوعب تراجيديا الشعب الفلسطيني لو لم يكن القائد أبو صالح والأستاذ علي وأخوهما مسعود الذي يقطع الصحراء نحو الكويت ثلاثةَ أبطال أساسيين كثَّفوا في ذاكرتي المعاني المتعددة للنكبة؟ أستطيع الادعاء أنني شاهدت العمل كاملا لخمس مرات منذ أول مرة، هذا فضلا عن الزيارات المتفرقة التي أقصد فيها مشهدا بعينه؛ وبالتالي فإنني أستطيع التأكيد على المقولة التي ترى بأن الواقع هو من يحاكي فن، وليس العكس كما درجنا على القول.
وبالعودة إلى بسَّام كوسا فإن «باب الحارة» لم يكن من المسلسلات السورية الأثيرة عندي رغم النجاح الجماهيري الكاسح الذي بدا واضحا منذ ظهوره الرمضاني الأول عام 2006. فحتى وهو يؤدي دوره ببراعة في الجزء الأول، لم أجدني قادرا على التفاعل الكامل مع بطل طفولتي في صورة اللص الفقير الذي يحلف على المصحف كذبا، مُفضلا، ولأسباب شخصية بحتة، الحفاظ عليه في الصورة التي استقبلتُه بها لأول مرة في «الخوالي» كبطلٍ من أبطال التحرر العربي ضد الاستعمار العثماني. لم تكن ذائقتي الطفولية يومها مدرَّبة على قبول مشاهدة الممثلين وهم يخلعون جلد شخصياتهم السابقة منتمين إلى دور جديد تماما قد يتناقض أحيانا مع دورهم السابق.
بعد مرور أكثر من عشر سنوات على ذلك المسلسل، وحينما اندلعت أغنيته الشهيرة من رنين هاتف رجل كبير في سن كان يجلس إلى جانبي في صالة الانتظار بأحد المراكز الصحية، استعدت حينها بوضوح تلك الحالة الشعبية المثيرة التي خلقتها أجواء «باب الحارة» بين طلبة المدارس وفي أوساط المجتمع الصغير. بوسعي أن أتذكر حميمية التواصل العائلي الذي كان يسود صالة البيت بمجرد أن يحين موعد الحلقة. أما إن حان موعدها وصادف أنك خارج البيت في تلك الأمسية الرمضانية فليس عليك سوى أن تدلف إلى أقرب حلاقٍ لتتفرَّج على الحلقة مع المنتظرين أدوارهم.
لقد أدخلت الدراما السورية عشاقها من مختلف أقطار العالم العربي إلى ساحة البيت الشامي، حيث الماء والياسمين، قبل أن يتحول هذا النوع من المسلسلات إلى ظاهرة تستنسخ نفسها في أجزاء متلاحقة أو حتى في أعمال أخرى تتوسل النجاح نفسه بالاستنساخ التجاري للتجربة. ولكن من يستطيع أن يكتب بصدق عن الدراما السورية اليوم، أي بعد 2011، بلا نبرة رثائية تطال في الواقع كل ما هو سوري؟ لعل الدراما السورية التي أعرفها والتي أنتمي إليها هي كل ما ادخرته منها في ذاكرتي قبل ذلك العام الفاصل. ويكفي أن تكون شخصياتها مدارا لأحلام الطفولة والمراهقة واحتياطا عاطفيا لا ينضب حتى أعترف بأثرها على تكويني.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدراما السوریة
إقرأ أيضاً:
مسلسل "لام شمسية" يحلق عالميًا: عرض خاص في مهرجان SeriesFest واحتفاء جماهيري بنجاحه الاجتماعي
يواصل مسلسل "لام شمسية" رحلته المضيئة نحو العالمية، بعد أن حقق نجاحًا كبيرًا خلال موسم دراما رمضان 2025، فبالتزامن مع هذا الإنجاز، يستعد المسلسل لخوض تجربة دولية جديدة من خلال عرضه المرتقب في مهرجان SeriesFest بولاية كولورادو الأمريكية، أحد أبرز المهرجانات العالمية المتخصصة في الأعمال التلفزيونية، مما يعكس حجم التقدير الذي حظي به العمل سواء محليًا أو عالميًا.
عرض عالمي للحلقة الأولى في كولورادويستضيف مهرجان SeriesFest عرض الحلقة الأولى من مسلسل "لام شمسية" يوم 4 مايو المقبل، ضمن فعاليات دورته الجديدة.
ويعد المهرجان منصة دولية مرموقة تحتفي بأفضل الإنتاجات التلفزيونية من مختلف أنحاء العالم، ما يجعل مشاركة "لام شمسية" شهادة جديدة على تميز الدراما العربية وقدرتها على المنافسة عالميًا.
ندوة خاصة مع صناع العمل بعد العرضيعقب عرض الحلقة الأولى ندوة حوارية مميزة بحضور مؤلفة العمل الكاتبة مريم نعوم والمخرج كريم الشناوي.
سيتناول اللقاء مناقشة تفاصيل المسلسل، ورصد كواليس صناعته، إضافة إلى تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية التي طرحها العمل، والتي أثارت تفاعلًا واسعًا بين الجمهور خلال عرضه في رمضان.
أبطال "لام شمسية" وخلف الكواليسيجمع المسلسل كوكبة من نجوم الدراما العربية، في مقدمتهم أمينة خليل، أحمد السعدني، محمد شاهين، يسرا اللوزي، أسيل عمران، ثراء جبيل، صفاء الطوخي، وياسمينا العبد.
ويشارك الطفل علي البيلي في دور محوري، إلى جانب حضور لافت لكل من فاتن سعيد ويارا جبران ومصطفى عسكر، بالإضافة إلى ظهور خاص لضيوف الشرف: علي قاسم، كمال أبو رية، محمد عبده، وإسماعيل شرف.
ويُعد العمل ثمرة تعاون ناجح بين ورشة "سرد" للتأليف وشركة ميديا هب - سعدي وجوهر للإنتاج الفني.
تكريم رسمي لصناع العملفي خطوة تعكس تأثير المسلسل على المستوى الاجتماعي، نظمت وزارة التضامن الاجتماعي احتفالية خاصة لتكريم فريق "لام شمسية"، بحضور وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة مايا مرسي، وعدد كبير من المسؤولين وصناع الدراما. وأشادت الوزارة بالدور الكبير الذي لعبه المسلسل في تسليط الضوء على قضايا إنسانية شائكة، مما ساهم في رفع مستوى الوعي المجتمعي.
لوسي: "لام شمسية" ناقش قضية مهمة بشجاعةفي سياق متصل، أعربت الفنانة لوسي عن إعجابها الشديد بمسلسل "لام شمسية"، مشيدة برسالته العميقة. وخلال ندوة صحفية مع "صدى البلد"، أكدت لوسي أن الفن الحقيقي لا يكتمل دون مناقشة القضايا الاجتماعية المهمة، مشيرة إلى أن العمل تناول قضية التحرش بالأطفال بجرأة ووعي.
وأضافت لوسي: "مسلسل 'لام شمسية' نجح في تقديم رسالة تربوية هادفة للأسر المصرية، وشجع على ضرورة توعية الأطفال بالمخاطر التي قد تواجههم، وهو ما أعتبره من أدوار الفن النبيلة التي يجب أن تتكرر في أعمالنا الدرامية."
"لام شمسية": دراما تنبض بقضايا المجتمعلم يكن "لام شمسية" مجرد عمل درامي اعتيادي، بل تحول إلى منصة لعرض قضايا اجتماعية مؤثرة، ليؤكد أن الدراما يمكن أن تكون أداة قوية للتغيير والتوعية.
ومع احتفائه عالميًا ومحليًا، يرسخ المسلسل مكانته كأحد أبرز إنتاجات دراما رمضان الأخيرة، ويرسم طريقًا جديدًا للدراما العربية نحو منصات التقدير الدولي.