اتفاق غزة العالق بين نتانياهو والسنوار
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
تُخرِج الإدارة الأميركية من جعبتها مقترحاً جديداً لـ "جسر الهوة" بين إسرائيل وحماس، وتسهيل إبرام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. فهل نحن أمام مقترح آخر ضمن الإطار العام لاتفاق وقف النار، أم أمام "مقترح الفرصة الأخيرة" كما أسماه البعض؟
ديفيد شنكر وخليل جهشان ناقشا هذا الموضوع في برنامج" عاصمة القرار" على قناة الحرّة.
شنكر، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الأدنى، وكبير باحثين في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى".
خليل جهشان هو المدير التنفيذي لـ "المركز العربي في واشنطن". ومن القاهرة، شارك في جزء من الحوار، أشرف أبو الهول، مدير تحرير صحيفة الأهرام المصرية.
أفكارٌ جديدة وعتب أميركي على نتانياهوأبدى الرئيس جو بايدن عتبه على صديقه بنيامين نتانياهو الذي "لا يفعل ما يكفي للتوصل إلى اتفاق وقف النار" في غزة. اتفاقٌ يقول بايدن أنه بات قريب المنال. لذلك "نحن نواصل المفاوضات مع فريق نتانياهو، وليس مع نتانياهو شخصياً"، كما قال الرئيس الأميركي.
الإدارة الأميركية أبدت عتبها على حليفها نتانياهو، لكن ملامتها دائماً تقع على يحيى السنوار وحماس، الحركة "الإرهابية" في التصنيف الأميركي والتي وجهت واشنطن لقادتها تهمة "تمويل وإدارة عمليات قتل مواطنين أميركيين وتهديد أمن الولايات المتحدة على مدى عقود".
المشرعون الجمهوريون في الكونغرس انتقدوا الرئيس بايدن لعتبه على نتانياهو. يقول النائب الجمهوري دان كرينشاو:"لا يعي بايدن الصراع بين إسرائيل وحماس. والحقيقة المرة هي أن ما يقوم به بايدن من تقويض لعمل نتانياهو والحكومة الإسرائيلية ليس خاطئا فحسب، بل خطير، لكونه يقوي دعاية حماس ويؤخر التوصل لأي اتفاق سلام".
وفي المقابل، يتمنى السناتور الديمقراطي كريس فان هولين أن يكون هناك بصيص أمل للخروج من هذا النفق المظلم، حل فيه "المزيد من الأمن لإسرائيل، وضمان ألّا يكون لحماس حضور في غزة، وجلب السعودية إلى طاولة المفاوضات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، في الوقت الذي نقيم فيه دولة فلسطينية. الوسيلة التي يمكن من خلالها إنهاء هذه الحرب هي القبول بالمقترح الذي عرضه الرئيس بايدن".
اتفاق شبه جاهز.. ومستحيليؤكد وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن، أن "الطرفين وافقا على تسعين بالمئة من الاتفاق، ولكن بعض القضايا الحرجة لا تزال عالقة، وقد تمّت مناقشة معظمها مؤخراً، بما في ذلك ممر فيلادلفيا، وبعض التفاصيل الدقيقة حول كيفية تبادل الرهائن والسجناء".
ومع تفاؤله الحذر، ذكَّر بلينكن إسرائيل وحماس بمسؤولياتهما، لا سيما أنه "يقع على عاتق كلا الطرفين مسؤولية التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا المتبقية. ونحن في مناقشات نشطة للغاية مع شركائنا في هذا الجهد، مصر وقطر. وقريباً، سنشارك مع إسرائيل وحماس أفكارنا حول كيفية حل القضايا العالقة المتبقية. وبعد ذلك سيكون الوقت مناسباً حقاً للطرفين لاتخاذ قرار بنعم أو لا".
الولايات المتحدة منخرطة في مشاروات مستمرة من أجل التوصل إلى اتفاق وقف نار نهائي. تقدم واشنطن وشركاؤها مصر وقطر، مقترحات جديدة، وتقترح نقاطاً وطرقاً للتوافق بين إسرائيل وحماس، تتضمن انسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في المرحلة الأولى، وهذا يشمل تلك المناطق الواقعة على طول محور فيلادلفي وما حوله، و"هذا هو الاقتراح الذي وافقت عليه إسرائيل"، كما يقول جون كيربي، مستشار الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي.
محور فيلاديلفيا... عقدة نتانياهوجعل نتانياهو من محور فيلاديلفيا عقدة الاتفاق. فما هي الأفكار الأميركية الجديدة لحلّها؟
يتم التركيز الآن على مشكلة واحدة، يقول شنكر، وهي الجدل بشأن محور فيلادلفيا. "إسرائيل تقول، وأنا متأكد أنهم قدموا الدليل للولايات المتحدة، أنه لا تزال هناك أنفاق ما بين غزة وسيناء. مصر قالت إنها دمرت أنفاقاً في 2015، والإسرائيليون وجدوا عشرات الأنفاق الجاهزة. لا فائدة لهذه الحرب إن تمكنت حماس من الاستمرار في التسلح، وتجهيز نفسها بالأسلحة والصواريخ والمواد الحربية. تحاول الولايات المتحدة الوصول إلى حلول توافقية لهذه النقطة الشائكة. ربما وضع قوات دولية على الجانب المصري. ولكن هذا لا يزال موضوعاً شائكاً بالنسبة لإسرائيل".
لا يعتقد خليل جهشان أن "التأخر والتمويه والتأجيل يخدم مصلحة أي طرف سوى طرف واحد هو نتانياهو. سياسياً وشخصياً، نتانياهو غير معني بهذا الاتفاق لأسباب شخصية. وقد حاول منذ البداية أن يجد عذراً لهذا التمويه ولهذا التأخير. محور فيلادلفيا لم يُذكر أبداً من قبل. فمنذ بداية الجولات الأولى من هذه المفاوضات، لم نسمع أي شيء عن هذا المحور، ولم يكن محور فيلادلفيا مهما لإسرائيل، لكن فجأة بدأ الحديث عن ضرورة وجود وبقاء قوات إسرائيلية في محور فيلادلفيا، رغم تعهدات الطرفين المصري والأميركي، وأطراف عربية أخرى عربية بضمان سلامة هذا المحور.
اعتقد أن التمسك بهذا الموضوع هو "عذر أقبح من ذنب"، يحاول نتانياهو أن يخفي به عدم الالتزام بما تعهد به للرئيس بايدن. ومحاولة الانسحاب مما تعهد به في الماضي لوزير الخارجية الأميركي. ومن هنا كان جواب بايدن واضحاً بأن نتانياهو لا يقدم التعاون الكافي للمضي قدماً في هذا الاتفاق. فنتانياهو هو العائق في التوصل إلى اتفاق".
يؤيد بريت ستيفنز، الكاتب في نيويورك تايمز، موقف نتانياهو الرافض للاستجابة لمطلب حماس بانسحاب إسرائيل من محور فيلاديلفيا في إطار أي صفقة بشأن الرهائن، معتبرا أن "حماس نجحت في شن هذه الحرب وما خلفته من قتلى في صفوف الإسرائيليين والفلسطينيين بسبب حفاظها على خط تدفق للإمدادات اللوجستية عبر الحدود مع مصر".
ويضيف ستيفنز أن التخلي عن المحور يعني عودة سيطرة حماس على الغزاويين، وتكرارِ الحرب. فالاتفاق بشأن الرهائن هو "حبة سم لإسرائيل" حسب تعبير الكاتب الأميركي بريت ستيفنز.
من القاهرة، قال أشرف أبو الهول، إنه بعد أن سيطرت حماس على السلطة في غزة، حفرت أنفاقاً في محور فيلاديلفيا. ومصر تضررت من هذه الأنفاق بعد ثوره 25 يناير. حيث تم تهريب السلاح والإرهابيين عبر الأنفاق. ولكن الدولة المصرية قامت بجرف المنطقة المجاورة للحدود لمسافه ثلاث كيلومترات. وأقامت منطقة عازلة، وأغلقت فتحات الأنفاق في الجانب المصري. كل هذا، يضيف أشرف أبو الهول، وما "زال نتانياهو مصراً على أن أنفاق محور فيلادلفيا ما زالت تعمل، رغم نفي قادة الجيش الإسرائيلي لذلك. فمبررات نتانياهو سياسية، كي يبرر للإسرائيليين فشله في حرب غزة".
هناك الآن بعض الحلول ومنها أن تنسحب القوات الإسرائيلية، وتقام مجسات وأماكن لرصد أي حفر جديد في المحور. لكن "نتانياهو يحاول أن يضخم من وضع المحور لتعطيل المفاوضات وتعطيل الاتفاق. الكل يعرف أنه من أجل الوصول إلى حلّ لا يمكن أن تبقى إسرائيل في محور فيلاديلفيا" برأي أشرف أبو الهول، مدير تحرير الأهرام المصرية.
استمرار الحرب ينقذ نتانياهو والسنوارشنكر وجهشان اتفقا على أن محور فيلاديلفيا لم يكن محط اهتمام كبيرا من قبل إسرائيل، ونتانياهو تحديداً. ولم نسمع عن هذا الموضوع سابقاً. لا أعرف حوافز رئيس الوزراء الإسرائيلي، يقول شنكر، وبالتأكيد فإن "إطالة أمد هذه الحرب، والتأخير في الانتخابات الإسرائيلية يجعل رئيس الوزراء يبقى في السلطة، ولا يواجه احتمال ذهاب نتانياهو إلى السجن. السنوار أيضا لديه مصلحة في تمديد أمد الحرب. فكلما طالت الحرب، كلما كانت هناك فرصه لتوسيع النزاع ورد إيراني انتقامي على مقتل هنية، الذي اغتيل في طهران. وأيضا تصعيد بين إسرائيل وحزب الله. الحقيقة أننا لا نعرف لماذا أثير موضوع محور فيلاديلفيا الآن. أو هل أثير في مناقشات سابقة. لكنه لم يكن موجوداً في الاتفاق".
لا يعتقد خليل جهشان أن "هناك أفكاراً أميركية جديدة فيما يتعلق بالاتفاق. بل هناك اجترار لنفس الأفكار التي تحدثنا عنها منذ أسابيع ومنذ أشهر. نعم هناك محاولة دبلوماسية أميركية لجسر الهوة بين تفسير الطرفين للاتفاق المعروض، لا سيما التغيير في مواقف الطرفين. لذلك تحاول الآن الإدارة الأميركية أن تتغلب على المشكلة التي خلقتها لنفسها عبر التساهل مع إسرائيل منذ البداية. مما سمح لنتانياهو بأن يُجيّر المشروع لصالحه".
يستبعد الكاتب الأميركي زاك بيشامب سقوط الائتلاف الذي يقوده نتانياهو ما لم تحدث داخله انشقاقات. رغم رغبة سبعين في المئة من الشارع الإسرائيلي في استقالة نتانياهو، والمظاهرات المناوئة له ولحكومته. ويضيف بيشامب أن "اليمين المتطرف في حكومة نتانياهو يضغط من أجل مواصلة الحرب مهما كلّف الثمن، وهو ما ينصاع له نتانياهو. في المقابل، لا تبدو المعارضة الإسرائيلية، ممثلة بأحزاب الوسط واليسار والعرب الإسرائيليين، قادرة أو راغبة في توظيف الزخم الشعبي إلى أقصى حد للإطاحة بحكومة نتانياهو. فإسقاط الائتلاف الحاكم يتطلب من المعارضة التحلي بالشجاعة السياسية، وهو ما ينقصهم لحد الآن".
يتجاهل نتانياهو الاحتجاجات الكبيرة من أجل التوصل لوقف إطلاق النار في غزة ما سيسمح بالإفراج عن الرهائن وهم أحياء. لأن "ما يريده نتانياهو هو حرب بلا نهاية لكي يستمر في السلطة". حسب تعبير كينيث روث، المدير التنفيذي السابق لمنظمة "هيومن رايتس واتش".
إلى ذلك يضيف الباحث الأميركي مات داس، أن الأمر كان واضحاً منذ أشهر أن نتانياهو سيواصل عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن إذا لم يتعرض لأي عواقب، وهو ما يرفض بايدن فرضه. إن "مشروع قانون السناتور ساندرز لحظر السلاح لإسرائيل قد يفرض أخيرا كلفة على نتانياهو، وقد يكون هو أفضل فرصة لدينا لإنهاء الكارثة في غزة".
بايدن والضغط على نتانياهو وحماسيجزم خبراء في واشنطن أن بايدن يتعمد عدم توظيف أوراق الضغط الكثيرة التي لديه على نتانياهو. وبالمقابل، ينتقد الجمهوريون "تساهل بايدن مع حماس مقابل قساوته تجاه إسرائيل". فهل ما زال بالإمكان، وهل هناك أدوات لم تستخدم من قبل إدارة بايدن حتى الآن مع إسرائيل أو مع حماس؟
يقول ديفيد شنكر إن أدوات التأثير الأميركي على حماس محدودة. كان "هناك حديث سابقاً عن الضغط على قطر لطرد قيادة حماس من الدوحة. لا أعرف إن كانت الأمور ستتحسن في التعامل مع حماس لو كانت قيادتها في طهران. ربما هذا أسهل على إسرائيل أن تقتلهم في طهران. ولكن هناك فائدة محدودة من إرغام قيادة حماس على الخروج من قطر".
بالنسبة للضغط على إسرائيل يضيف شنكر، "كل شيء أو لا شيء، هناك في نهاية المطاف نوع من الحدود على مبيعات الأسلحة، أو تقديم المساعدات، أو التعاون، أو عدم جلب سفن بحريه أميركية إلى المتوسط. ولكن هذا آخر ملجأ."
يعتقد خليل جهشان أن هناك أدوات كثيرة متاحة أمام بايدن للضغط على إسرائيل ـ لكن الرئيس الأميركي "لم يستعمل منها سوى بعض الانتقادات العلنية، من هنا وهناك، وهذا غير معهود بسبب طبيعة العلاقة الخاصة بين واشنطن وإسرائيل. ولكن منذ البداية اعترف مساعدو الرئيس بايدن بأنه مُزمع أن لا يضغط على إسرائيل، لأنه يتبنى الموقف الأميركي التقليدي، وهو أن الولايات المتحدة لا تعترف بأن لديها القدرة للضغط على إسرائيل".
يجادل مارك بين، المستشار السابق للرئيس كلينتون، بأن إسرائيل قبلَت مرتين بالشروط الأميركية بينما رفضتها حماس. من "المشين أن يعتبر الرئيس بايدن أن إسرائيل لا تقوم بما يكفي للتوصل إلى وقف إطلاق النار. إن بايدن هو من لا يقوم بما يكفي لثني ثعابين حماس الشريرة التي تختبئ في الأنفاق عن تصفية الرهائن".
إعادة السلام لغزة... قوات عربية؟يناقش الكاتب في فورين أفيرز جوناثان لينكولن، سيناريو نشر قوات دولية لضمان الالتزام بوقف إطلاق النار، وسبل تفادي اندلاعه من جديد. ويعتبر أن هذا الخيار يبدو بعيداً، لكن "المؤشرات تدل على أن إسرائيل والسلطة الفلسطينية ودولا عربية باتت متقبلة للفكرة".
ويرى الكاتب أن غزة "بحاجة إلى قوات حفظ سلام مثل كوسوفو أو تيمور الشرقية، بحيث يتم انخراط طيف واسع من الوكالات الدولية. وتوكل لها مهام عدة مثل حفظ الأمن والإدارة، وتقديم الخدمات الضرورية وغيرها". ويقول لنكولن إنه سيتعين على واشنطن إعادة مد جسور التواصل بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية والوكالات الأممية لتسهيل تدفق التمويل وتقديم المساعدات للمدنيين.
يطرح ديفيد شنكر السؤال حول كيفية جعل السلطة الفلسطينية تعود وتحكم غزة من جديد في خضم ما يمكن أن يكون عشرات الآلاف من أعضاء حماس المسلحين الذين لا يريدون التخلي عن حكم غزة منذ سيطرتهم عليها بالقوة في عام 2007 ولا يرغبون في مغادرتها. والأمر "سيكون حافلا بالتحدي وسيتطلب فترة طويلة من الالتزام من جانب المجتمع الدولي لإنجاح هذه التجربة"، برأي مساعد وزير الخارجية السابق.
من جهته، يعتقد خليل جهشان، أنه ليس هناك إجابة واضحة حول مستقبل قطاع غزة. لأن هذه الحرب إذا استمرت ستكلف الجميع مليارات الدولارات. فطبعا من مصلحة الجميع أن يتم التوصل إلى اتفاق. وبإمكاننا التفاؤل "لو كان هناك نيات حسنة من جميع الأطراف، بمن فيهم الطرف الأميركي. حتى الآن ليس هناك وضوح رؤية بالنسبة لما هو مطلوب من الأطراف وما هو ممكن وغير ممكن" فعله هناك.
يضع حادث قتل حماس لست رهائن، إدارة بايدن أمام ضرورة إبرام اتفاق وقف إطلاق النار، خاصة وأن الحرب الإقليمية وإن تم تفاديها، فخطر اندلاعها ما يزال قائماً. فرغم ضبابية المشهد بخصوص التوصل لاتفاق، لكن كبير المفاوضين الأميركيين في الاتفاق ويليام بيرنز، كشف على إن العمل جار على تقديم مقترح "أكثر تفصيلا" بشأن وقف إطلاق النار في غزة خلال الأيام المقبلة. وأضاف مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، أن واشنطن "تأمل أن يتم ذلك في الأيام المقبلة وهذه مسألة إرادة سياسية".
فأي إرادة سياسية ستنتصر على أعتاب انتخابات رئاسية فائقة الأهمية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة التوصل إلى اتفاق محور فیلادیلفیا وقف إطلاق النار محور فیلادلفیا أشرف أبو الهول إسرائیل وحماس على نتانیاهو الرئیس بایدن على إسرائیل بین إسرائیل مع إسرائیل اتفاق وقف هذه الحرب فی غزة من أجل
إقرأ أيضاً:
نتنياهو يعترف : محور الجهاد والمقاومة هاجس إسرائيل الوجودي وليس غزة
الحرب الأمريكية على اليمن لا تنفصل عن هدف تفكيك وحدة الساحات الذي تحدث عنه نتنياهو
تقرير / إبراهيم الوادعي
في خطاب المواقف الساخن الذي ألقاه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو مساء الاثنين الماضي بعد عام من الحرب على قطاع غزة وفتح جبهة أخرى من الحرب على لبنان، كشف نتنياهو عن استراتيجية الكيان الأساسية وأهدافه من الحرب .
وقال إن هدف الحرب المستمرة في غزة هو تفكيك محور الجهاد والمقاومة، معترفا بأن هذا المحور عمل ويعمل على تطويق الكيان بحلقة من نار تمتد من غزة إلى لبنان إلى سوريا وأماكن أخرى ..
يتحدث نتنياهو عن أن الكيان يسعى لتحقيق هذا الهدف، بينما تجاهل الحديث عن الجبهة اليمنية، مع إيراده إياها في خطابه كتهديد جديد، وفي ذلك إشارة إلى أن الطرف الأمريكي هو من سيتولى التعامل مع هذه الجبهة ..
خلال الأسبوع المنصرم أكدت صنعاء إحباطها هجوما أمريكيا كبيرا كاد يستهدف العاصمة صنعاء بنحو 185 غارة- وفق مصدر عسكري محلي- وأجبرت المواجهة التي امتدت ثماني ساعات حاملة الطائرات إبراهام لنكولن على الابتعاد عن بحر العرب، ومن ثم اعلن الأمريكيون بالأمس مغادرتها منطقة القيادة المركزية الأمريكية في الشرق الأوسط متوجهة نحو شرق المحيط الهادئ.
وأشار المصدر إلى أن الولايات المتحدة كانت تنوي بدء عمل عسكري ضد صنعاء على خلفية الموقف المساند لغزة ورفضها الإغراءات الأمريكية والسعودية لتسوية ملف العدوان الممتد منذ مارس 2015م مقابل التخلي عن غزة، وربط توقيت الهجوم أيضا بالصدام الحاصل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري على خلفية فوز ترامب بالانتخابات، ومحاولة الديمقراطيين كسب ورقة على حساب ترامب الذي سيدخل البيت الأبيض في 12 يناير المقبل .
وأيا يكن، فالهجوم الأمريكي على اليمن حصل قبلا أو بعد أسابيع كما هو متوقع ما لم تحصل متغيرات أخرى فهو يرتبط بالهدف الأمريكي الإسرائيلي وهو تفكيك ساحات المحور وإنهاء ما عرف بوحدة الساحات التي يعمل في إطارها المحور من اليمن إلى العراق، فلبنان وغزة.
المواجهة القائمة في المنطقة هي مواجهة أمريكية بامتياز، « إسرائيل « ذاتها احدى أدواتها، وبالعودة إلى خطاب نتنياهو يمكن تلمس تلك الحقيقة بوضوح ، وإن كان الرجل يتهكم على العلاقة معها ويحاول أن يظهر كيانه بشكل مستقل في أجزاء من الحرب عند الحديث عن اغتيال سماحة الأمين العام لحزب الله السابق السيد القائد حسن نصر الله، أو الدخول إلى غزة بريا ، لكن نتنياهو يعترف بأن كل الجوانب الأخرى يحضر الأمريكي فيها بالتفاصيل ..
وفي الجبهة اللبنانية أقر رئيس حكومة العدو بأن حزب الله كان على وشك كشف مخططات « إسرائيل» ما أضطر حكومة العدو ومجلس حربه المصغر إلى تقديم موعد العملية من أكتوبر إلى سبتمبر .
وهنا تصدق المعطيات التي تحدثت أن الحزب كان على بعد خطوة واحدة من كشف اختراق أجهزة البيجر واللا سلكي، فعمدت إسرائيل إلى تفجيرها قبل ساعة الصفر التي كانت تخطط لها ، وهي تفجيرها عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله وسلسلة القيادة ، ما كان سيحدث تأثيراً اعظم مما حدث في ظل وجود السيد نصر الله الذي نجح بحكمته وخبرته وقيادته والثقة التي يوليها المجتمع له في احتواء ضربة كتلك التي بإمكانها أن تقصم ظهر جيوش وليس مقاومة .
وفي هذه النقطة تتجلى رعاية الله للمجاهدين الصادقين، وتؤكد حقيقة أن دخول الحزب معركة طوفان الأقصى كان بمثابة وقاية له من التدمير الشامل، وينافي القول إن المقاومة ورطت لبنان في حرب ليست حربه، كما روجت لذلك اطراف لبنانية للأسف ثبت ارتباطها بالسفارة الأمريكي في عوكر والمشروع الأمريكي في المنطقة للتطبيع .
ونتيجة لهذا الإرباك في الخطة الصهيونية «ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» استطاع حزب الله امتصاص الضربة الإسرائيلية وفي اقل وقت مما كان الوضع عليه لو جرت عقب اغتيالات القادة ، وهو اليوم يمتلك عزيمة اقوى مما كانت، ويعكس ذلك تنامي عملياته في الميدان وعجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق هدف الاجتياح البري، رغم مرور ما يقرب من 4 أسابيع على بدء ما سماها العدو المناورة البرية .
في المفاوضات التي يجريها الأمريكي، وصل مبعوثه أموس هوكشتاين الى لبنان بالأمس لإجراء جولة جديدة من التفاوض، وبالمناسبة فـ «هوكشتاين» ضابط سابق في الجيش الإسرائيلي وشارك في اجتياح لبنان عام 1982م، يضغط الأمريكيون لوقف اطلاق نار منفصل عن غزة وتصر المقاومة على مواصلة عمليات الإسناد، ما يجعل نجاح الأمريكان في الضغط صفرياً ..
وفي هذا الشأن فإن ثبات حزب الله الذي فاجأ الصديق قبل العدو أجبر الأمريكيين على تعديل مسودة خطتهم اكثر من مرة مقارنة بالمسودة الأولى والتي قدمت لرئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ، وتضمنت حرية العمل للجيش الصهيوني داخل لبنان.
خلال إلقاء الخطاب وجلسة الكنيست العاصفة التي شهدت طرد ما يقرب من ثلث أعضاء الكنيست، جرى تبادل الشتائم، وحذرت المعارضة من أن نتنياهو يقود الكيان الإسرائيلي نحو النهاية بإشعال المنطقة من حول الكيان ظنا منه انه يستطيع إخمادها، ووصفه زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد بزعيم الخراب وليس زعيم النهضة كما يروّج لحربه التي يخوضها منذ أكثر من عام وفق توصيفه.
في خطابه يعترف بنيامين نتنياهو- رئيس حكومة العدو ضمنياً بأن الكيان الإسرائيلي كان يعد للحرب الشاملة في المنطقة وتصفية القضية الفلسطينية على اعتبار أن ذلك هو المسار الوحيد أمام المضي في مسار التطبيع والسلام مع جيران « إسرائيل « وفق زعمه.
لم تنجح إدارة ترامب الأولى في تمرير صفقة القرن بالوسائل الناعمة، فكان لا بد من استخدام الوسائل الخشنة، وهذه الحرب هي أبرز تجلياتها، وفي هذه النقطة فإن تحميل طوفان الأقصى وحركة خماس المسؤولية عن فتح معركة بهذا الحجم خطأ جسيم وتجاهل للحقائق والمعطيات، ناهيك عن معاناة الحصار على قطاع غزة منذ 27 عاما.
يتحدث نتنياهو في خطابه أيضاً عن هدف أعلى وهو تدمير ايران، وهو يضع 3 ركائر للقوة الإيرانية في المنطقة، أولاها المحور وثانيها ترسانة الصواريخ لدى المحور، والأمر الثالث البرنامج النووي، وتحدث نتنياهو إن المواجهة الحالية التي يديرها ضباط أمريكيون يتواجدون في قواعد بفلسطين المحتلة تتولي مهمة ضرب هاتين الركيزتين .
كما حذر نتنياهو من عدم التعامل مع الركيزة الثالثة البرنامج النووي الإيراني ويقول: التعامل مع هذا البرنامج يأتي لاحقا، وإذا لم نفعل تجاهه شيئا فهذا الأمر سيعيدنا إلى نقطة الصفر، ويتحدث نتنياهو قائلاً: إن هناك عمليات نفذت بغرض عرقلة البرنامج النووي الإيراني، وفي ذلك إشارة إلى اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين والهجمات الإلكترونية ضد المواقع النووية الإيرانية .
هناك ثمة حقائق ودلالات ظهرت من وراء خطاب المواقف هذا والذي أجبر نتنياهو على تقديمه تحت ضغط المعارضة والانقسام الذي يتسع يوما بعد آخر داخل الكيان، تتمثل في الآتي.
أولاً : لو لم يكن طوفان الأقصى لكانت حرب السيوف الحديدة وهي المسمى الذي أطقته إسرائيل على حربها على قطاع غزة قد وقعت، ولولم يساند حزب الله غزة ، لم يكن الصمت على الحدود ليمنع عن لبنان العدوان الإسرائيلي وبشكل مفاجئ، ولو لم يساند اليمن قطاع غزة لكان الهجوم الأمريكي واقعا تحت أي مبرر، جميع من سبق يعيشون خارج الفلك الأمريكي الإسرائيلي ويعارضون صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وذلك غير مقبول في عرف أمريكا وإن صمتت عنه برهة من الزمن لترتب أوراقها ، وهي خاضت في سبيل ذلك تجارب مريرة كانت على المنطقة بدءا من حرب تموز 2006م والحرب الطائفية المدمرة على سوريا والعراق ، والعدوان السعودي الأمريكي على اليمن.
ثانيا: رغم الإنجازات التكتيكية التي حققها العدو في السنة الأولى للمواجهة، فإن الانقسام الحاد مؤشر على أزمة وجودية تتعاظم بوجه العدو وتوشك أن تنفجر آثارها داخليا، لا يمكن التصديق أو التفكير أن المعارضة الإسرائيلية تهتم لأمر الدم العربي، ذلك أخر ما يفكر به الإسرائيليون والصهاينة حول العالم.
ثالثا: في لحظات مفصلية من المواجهة، ظهرت أنظمة عربية مصطفة بشكل كامل إلى جانب العدو الإسرائيلي، ولعل مشهد العلمين المصري والإسرائيلي على المدمرة الإسرائيلية وهي تعبر قناة السويس أوضح صورة لهذا التحالف الذي بدأت مؤشراته من إغلاق بوابة رفح ومد الكيان بجسر بري عبر الأراضي الأردنية، تحالف ليس جديدا تحدث عنه الهالك جون ماكين السيناتور الأمريكي- مهندس ما عرف بالناتو العربي قبيل بدء «الحرب العربية» على سوريا في 2011م
ثالثا: محور الجهاد والمقاومة يمثل اليوم خط الدفاع عن فلسطين والأمة، وهو شكل منذ نشأته خطرا وجوديا على كيان العدو الإسرائيلي، وهو مطالب اليوم بالارتقاء إلى مستوى المعركة التي يخوضها ضد الكيان وهي الحرب الوجودية، ومستوى المواجهة المعلنة ضده بالأساس وقالها نتنياهو بوضوح « الحرب الوجودية لا تنتهي إلا ببقاء طرف واحد هو المنتصر، وحتى الآن لا تزال أوجه حرب الإسناد هي السائدة في مشهد المحور، ولا نعرف ما «إذا كان المحور يرتب أوراقه لجولة أخرى ويريد للجولة الحالية أن تهدأ، لكن المؤكد أنها حرب متصلة ستنتهي بزوال الطرف المهزوم « إسرائيل « وذلك وعد الله.