جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-10@20:12:20 GMT

أخطر الحروب!

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

أخطر الحروب!

حاتم الطائي

الحروب النفسية أشد وطأة من معارك البارود والدبابات

نشر السلبية والتشاؤم لن يخدم سوى أعداء الوطن.. وعلينا التصدِّي لكل المخاطر

الحفاظ على اللُحمة الوطنية والاستقرار المجتمعي فرض عين على كل مُواطن

يُخطئ من يظن أنَّه بمنأى أو معزلٍ عمّا يدور من صراعات فكرية وسياسية وعسكرية واقتصادية وعلمية واجتماعية وثقافية حول العالم، فكُل ما يحدث في أي بقعة بالمعمورة، نتأثر به ويؤثِّر فينا، بطريقة أو أخرى، وما نظرية "تأثير الفراشة" سوى تفسير علمي لما قد تُحدثه أمور نعتقد أنَّها ليست ذات تأثير، في حين يتضح لاحقًا أنها أحدثت تأثيرًا كبيرًا، وغيّرت النتائج النهائية!

ومع انتشار استخدامات التقنيات المُتطوِّرة وصعوبة التمييز بين الحقيقي والمُزيَّف، بات استهداف الشعوب وضرب استقرارها وتفتيتها من الداخل، هدفًا استراتيجيًا لقوى الشر، وهذه القوى لم تعد محل شك أو استهزاء؛ بل صارت حقيقة ماثلة، نرى تأثيراتها في الكثير من الدول من حولنا؛ سواء كانت هذه القوى منظمات عابرة للحدود تعمل في السر أو العلانية تحت أي ستار، أو كانت حكومات دول وأجهزة استخباراتية وأمنية تنخُر في صلب المُجتمعات، وتسعى لإلحاق الضرر بها، عبر عدة أدوات ووسائل قد لا ينتبه إليها البعض، لكنها- بكل أسف- فاعلة في تحقيق مآربهم الخبيثة.

وتندرج هذه المُخططات ضمن مفهوم "حروب الجيل الرابع"؛ أي الحروب القائمة على الاختراق المُجتمعي وتشتيت الصفوف وإنشاء جبهات داخلية مُتناحرة، وتوظيف الفضاء الإلكتروني ليكون ساحة لا محدودة لإنهاك المجتمعات.

ونحن في سلطنة عُمان، لسنا بعيدين عن أيادي المُخرِّبين والساعين لنشر الفتن والأحقاد بين فئات المجتمع، وفي ظل ما يموج به العالم ومنطقتنا من صراعات غير مسبوقة وحروب نفسية، لا يُمكن لعاقل أن يغفُل التهديدات الحقيقية لسلامة المجتمعات واستقرارها وتماسكها، ونحن من بين هذه المجتمعات. فقد انتشرت خلال الفترة الأخيرة روح تشاؤمية بين بعض المُواطنين، الذين أصابتهم نظرة سوداوية إلى محيطهم، وباتوا غير قادرين على رؤية أي نقطة إيجابية، بل لديهم قدرة عجيبة على تحويل الإيجابيات إلى سلبيات، لدرجة أنَّ قرارًا بتخصيص دعم حكومي لفئات بعينها في إطار جهود تحقيق العدالة الاجتماعية، يتحوَّل فجأة- لدى هؤلاء المُتشائمين- إلى دلالة على الظُلم الاجتماعي! في حين أنَّ الأولى بهم على الأقل إبراز إيجابيات هذا القرار الذي لم يكن معمولًا به من قبل، رغم التحديات المالية التي ما زالت تمر بها الدولة. وقس على ذلك أمورًا عدة، يتناولها البعض في مجتمعنا من زاوية ضيقة للغاية، رغم رحابة التطبيق، وسعة التنفيذ، لكن بسبب سيطرة النزعة السلبية على تفكير البعض، وكذلك انقياد آخرين لهم، باتت كل نقطة إيجابية في المُجتمع كتلة سلبية.

البعض يقول إنَّ هذه هي حرية الرأي والتعبير التي يكفلها القانون، ونقول لهم إن الرأي غير المُستند إلى دلائل لا قيمة له؛ بل هو افتراء ينبغي التصدي له، بالتثقيف والتوعية وتبصير النَّاس بحقائق الأمور.

وعندما نتأمل في أسباب تبني البعض للتشاؤم لا التفاؤل، والميل نحو السلبية لا الإيجابية، نُدرك عدة حقائق نوضحها كما يلي:

أولًا: أن الاستخدام المُفرِط لوسائل التواصل الاجتماعي تسبب في بناء قناعة زائفة لدى البعض بأنَّ ما يدور من نقاشات عبر هذه المنصات يعكس آراء المُجتمع وتوجهاته، وللأسف الشديد أن هناك مؤسسات رسمية ربما تتراجع عن قرار أو تتخذ قرارًا لمجرد أنَّ أحد مُستخدمي منصات التواصل الاجتماعي انتقدوا هذا أو طالبوا بذاك! وهذا ما يُمكن أن نُطلق عليه "إرهاب السوشال ميديا"؛ إذ تحوَّل الأمر إلى ساحة مفتوحة للعراك والنزاع وربما السب والقذف والتطاوُل، فقط إذا قرر البعض شن هجوم ضد فكرة أو ضد قرار أو ضد توجُّه. بينما لو أُجري استطلاع علمي مُجتمعي حول مسألة من المسائل لاختلفت النتائج عمّا نشاهده على منصات التواصل. وهذا يؤكد أنَّ تلك المنصات لا تعكس بالضرورة رأي الأغلبية من المجتمع، لكنها من المؤكد تعكس رأي أصحاب الصوت العالي وإن كانوا قِلة، وصاحب الصوت العالي ليس بالضرورة صاحب حق.

ثانيًا: أن هناك أطرافًا من مصلحتها بث السموم وإشعال الحرب النفسية، مُستغلين بعض التحديات أو حتى الأخطاء التي تحدث في كل دول العالم، فنجد تغريدة لأحدهم يُدلي برأيه في قضية بعينها، ورغم سطحية الرأي وعدم منطقيته في أحيان كثيرة، إلّا أن جموعًا كبيرة من المتابعين ينساقون وراء هذا الرأي ويتبنونه، ويعيدون نشره، حتى تترسخ قناعة بأنَّ هذا الرأي صواب، مع أنَّ حقيقة الأمر غير ذلك. وفي هذه الأثناء، تندسُ أطرافٌ لا نعلم حقيقتها ولا مصدرها، فتؤكد على هذا الرأي وتنشره كالنَّار في الهشيم مستغلين نظرية "الترند" أو الأكثر رواجًا، بهدف تأليب الرأي العام وزعزعة الاستقرار المجتمعي حيال قضية من القضايا. وعادة ما يُركزون على القضايا الحسّاسة، لا سيما إذا تعلقت بجريمة، أو بفئة مُجتمعية، أو قطاع حيوي مثل الصحة أو التعليم، ويكون الهدف الأساسي والرئيس تأليب الرأي العام، وبناء حالة من الجدل العقيم التي تصرف الأنظار عمّا هو مُهم وضروري لمواصلة مسيرة التنمية والتقدم.

ثالثًا: الاستهداف المُمنهج للدول والحكومات والشخصيات؛ حيث بات هذا النوع من الاستهداف مُنتشرًا عبر الفضاء الإلكتروني، مستغلين تقنيات حديثة تقوم على توظيف الذكاء الاصطناعي لإحداث ما يُعرف بـ"التزييف العميق"، فينتشر مثلًا مقطع فيديو يُسبِّب حالةً من البلبلة والارتباك المُجتمعي، ولا يُدرك الكثيرون أن هذا المقطع ليس حقيقيًا بكامله، وإنما أُجريت عليه تعديلات مُتعمَّدة بتقنيات عالية الدقة. وكذلك الحال مع الصور والأخبار المُزيَّفة، فتقرأ بيانًا صادراً عن جهة ما، لا يستطيع المواطن العادي أن يُميِّز صحته، في حين أن حقيقة الأمر أنه بيان مُزيَّف. ومن هنا تُصبح الدول والحكومات والشخصيات بمن فيهم الزعماء والقادة، في مرمى نيران المعلومات المُزيفة، فتقرأ أن مسؤولًا اختلس الملايين، أو أنَّ مؤسسة ما ينخر فيها الفساد؛ بل ووصل الأمر إلى إلحاق تهم العمالة والخيانة ببعض القادة والشخصيات في عدة دول، في إطار حملات استهداف مُمنهجة.

وكل ما سبق يؤكد أنَّ الحروب النفسية أشد خطرًا من حروب البارود والدبابات، لأنَّ الأخيرة هذه العدو فيها واضح ولا يمكن تجاهله، بينما الحروب النفسية العدو فيها خفي، أشبه بالشبح الذي لا نراه، يتلاعب بالعقول والناس، بكلمة أو صورة أو فيديو، يمارس الخداع والتضليل اعتمادًا على ضعف المنظومات أو عدم كفاءتها، يتعمّد التشويه وإطلاق التهم جزافًا لغياب الشفافية في كثير من الدول.

لقد بات العمل على صناعة الإحباط وتثبيط الهمم ونشر السلبيات والهدم من الداخل والتشكيك في مؤسسات الدولة وأداء الحكومات والمسؤولين، خطرًا داهمًا، تؤججه أيادٍ خفية تستغل بعض الإخفاقات هنا أو هناك والتي لا تخلو منها أي دولة، في إطار مُخطط مُنظَّم لتفكيك المجتمعات بعد هدم أعمدة الثقة، ومن ثم زيادة الفجوة بين الحاكم والمحكومين، ونشر التشكيك والتذمُّر والعدوانية على مراحل مُتدرِّجة، بما يُفضي في نهاية الأمر إلى الوصول إلى الدولة الفاشلة "Failed State"، مثل دُول عدة في منطقتنا منها ما يقع في جوارنا الإقليمي، ونسأل الله لهذه الدول النهوض من كبوتها.

ويبقى القول.. إنَّ الظرفية التاريخية التي تمر بها المنطقة والعالم من حولنا، ومخاطر الحروب النفسية وشق صفوف المجتمعات، وتعمُّد تعمية الرأي العام ونشر الأكاذيب والضلالات، كل ذلك يدفعُنا إلى حتمية التحلي بالحذر والحيطة والانتباه الشديد لكل ما يُراد لنا من أخطار، وليس بالضرورة أن يأتينا هذا الخطر من الخارج، فقد يأتي من أنفسنا، نتيجة انسياقنا الأعمى وراء فُقَّاعات هوائية لا تلبث أن تنفجر؛ ما يستدعي مِنَّا الحذر الشديد من الانجرار وراء صراعات وهمية وقضايا عبثية تُبعدنا عن مسارات التنمية الحقيقة، وأن يكون هدفنا الأسمى الحفاظ على لُحمتنا الوطنية، وترسيخ الاستقرار الاجتماعي، وتقوية التماسك المُجتمعي، لنظل أُمَّةً واحدةً صلبة، في مواجهة الريح العاتية التي تهُب علينا من كل اتجاه.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: الحروب النفسیة م جتمعی قرار ا

إقرأ أيضاً:

سياسيون ونشطاء يطلقون حملة إلكترونية للإفراج عن معتقلي الرأي في الأردن

شارك نواب، ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، وأهالي معتقلين سياسيين في السجون الأردنية، في حملة إلكترونية واسعة، ليلة السبت، للمطالبة بالإفراج عن جميع معتقلي الرأي، والتأكيد على دعم المقاومة، بحسب موقع "البوصلة" المحلي.

وشهدت الحملة تفاعلًا من قبل المغردين والناشطين الذين عبروا عن رفضهم لنهج الاعتقالات السياسية، مطالبين بالإفراج الفوري عن المعتقلين وإنهاء الممارسات التي تقيد حرية التعبير.

ورفع المشاركون في الحملة شعارات تؤكد أن دعم المقاومة هو شرف وليس جريمة، مشددين أن الاعتقالات التعسفية لن تثني الأحرار عن مواقفهم.

ودعا منظمو الحملة جميع الأحرار إلى مواصلة التفاعل والتضامن لإيصال رسالة واضحة بأن الاعتقال بسبب الرأي مرفوض، وأن الحرية حق لا يمكن التنازل عنه. 

#الحرية_للمعتقلين_لدى_دائرة_المخابرات #دعم_المقاومة_شرف#الحرية_لعبدالعزيز_هارون #رمضان_شهر_الاحرار pic.twitter.com/znvJGMrIcm

— ishraq shabaneh (@IshraqShabaneh) March 7, 2025

#الحرية_للمعتقلين_لدى_دائرة_المخابرات #دعم_المقاومة_شرف#رمضان_شهر_الأحرار pic.twitter.com/xb314Wh3MC

— سجى عدوان ???? (@AdwanSaja) March 7, 2025

كيف لأهل الخير أن يعتقلوا في شهر الخير
الإفراج الفوري عنهم قوة للأردن وقوة للصف الداخلي

هؤلاء الشباب هم عماد الأمة ونهضتها
اعتقالهم لن يزيدهم إلا همة وعزة وقوة#الحرية_للمعتقلين_لدى_دائرة_المخابرات #دعم_المقاومة_شرف#رمضان_شهر_الأحرار pic.twitter.com/nX7jPT4ckO

— ???? Mahmoud saadeh ???? (@mahmoudsaadeh93) March 7, 2025

والأربعاء، نظم أهالي المعتقلين على خلفية دعمهم للمقاومة في غزة، وقفة احتجاجية بمشاركة نواب ومتضامنين، أمام مجلس النواب للمطالبة بالإفراج الفوري عنهم.

ورفع المشاركون في الوقفة، صورا للمعتقلين مع عبارات مثل "نعم لتمتين الجبهة الداخلية، الحرية للمعتقلين" و"أفرجوا عن أبي نريده أن يفطر رمضان معنا".

وتأتي هذه الوقفة مع دخول بعض الشبان المعتقلين شهرهم الثالث لدى المخابرات الأردنية على خلفية دعمهم لقطاع غزة دون وجود تهم واضحة، وفقا لأهاليهم.

وفي بيان صادر عن أهالي المعتقلين، عبروا عن استيائهم مما وصفوه بـ"الاحتجاز التعسفي" لأبنائهم، مشيرين إلى أن بعض المعتقلين تجاوزت مدة احتجازهم 60 يوما دون توجيه تهم محددة أو تقديمهم لمحاكمة عادلة.

بدوره، كشف المحامي بسام فريحات، رئيس لجنة الحريات في حزب جبهة العمل الإسلامي، عن توثيق اللجنة لأكثر من 40 حالة اعتقال خلال الفترة الأخيرة، مشيرا إلى أن هذه الاعتقالات جاءت دون مسوغ قانوني واضح.

وأوضح أن عمليات التوقيف شملت مداهمات لمنازل المعتقلين، ومصادرة هواتف ذويهم، ومنع المحامين من الاطلاع على ملفات التحقيق ووجودهم في ظروف اعتقال صعبة جدا في زنازين انفرادية.

وأكد فريحات أن الاعتقالات جاءت في سياق دعم المقاومة الفلسطينية، وهو ما يتناقض وفقا له مع الموقف الرسمي الأردني الداعم للقضية الفلسطينية، لافتا إلى أهمية استقرار الجبهة الداخلية ووحدة الموقف الشعبي في ظل الظروف الإقليمية المتوترة.

مقالات مشابهة

  • قطط تتجول في فنادق بغداد !؟
  • احتجاز فنانة شهيرة لدى جارتها يثير الرأي العام في الجزائر
  • ايها الجنوبيون اتحدوا واتركوا الحروب خلفكم.. ولكم محبة لا تغيب ولا تنطفئ
  • أول رد من الزاملي على اتهامات سعد قيس: البعض أصبح يتحسس من أي عتب
  • عزة مجاهد: الفن مفيهوش واسطة ووالدتي عمرها ما رشحتني
  • توكل كرمان تدعو في مؤتمر دولي إلى إنهاء الحروب المنسية في اليمن والسودان ومحاسبة مجرمي الحرب
  • مؤسسة حقوقية:واقع المرأة الفلسطينية مأساوي ومرير بسبب المعاناة الناجمة عن الحروب على غزة
  • الترند في العراق.. أداة ترويج أم سلاح لتهييج الرأي العام
  • الثامن من مارس: والجالسات على أرصفة العدالة في السودان
  • سياسيون ونشطاء يطلقون حملة إلكترونية للإفراج عن معتقلي الرأي في الأردن