"وقولوا للناس حُسنًا"
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
د. سالم عبدالله العامري
إنَّ من أجلِّ النِعم التي أنعم الله بها على الإنسان، نعمة الإفصاح والبيان، وقد حَثَّ الشرع الحنيف النَّاس على انتقاء الألفاظ الطيبة التي تُدخل السرور على النَّاس، وقد أمر الله تعالى عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها، ومن الكلمات أجملها عند حديث بعضهم لبعض حتى تشيع الألفة والمودة، وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة، قال الله تعالى: "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا" (الإسراء: 53).
ومن القول الحسن، تعليم الناس العلم، وبذل النصيحة، والسلام مع البشاشة، وطريقة التخاطب والحديث الطيب بين الناس، وغير ذلك من كل كلام حسن، فكم من كلمة طيبة دفعت أذىً، ونصرت مظلومًا، وفرجت كربةً، وهدت ضالًا، وأطفئت فتنةً، وكم من كلمة خبيثة مزقت بين القلوب، وفرقت بين الصفوف، وزرعت الأحقاد والضغائن في النفوس، وخربت كثيرًا من البيوت، لذلك ينبغي علينا أن نفكر بكلامنا قبل أن يخرج من أفواهنا، فإذا خرج الكلام فلا نستطيع أن نرده مرة أخرى؛ فلسان المرء سلاح ذو حدين إما أن يستعمله في ما يرضي الله وما طاب من الأقوال، فيغرس شجرة تؤتي ثمارها كل حين بإذن ربها، وإما أن يستعمله فيما يورث سَخطَ الله فيكون سبب في هلاكه ودخوله النار. عَن عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاص-رضي الله عنه- أنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ". وقال يحيى بن معاذ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين، إحداها: إن لم تنفعه فلا تضره، والثانية: إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة: إن لم تمدحه فلا تذمه.. حتى إن كنت تدافع عن دينك فلا ينبغي أن تنفعل وتستعمل الغلظة في القول والتهجم بل بالطيب من القول وخفض الجناح والخُلق الحسن "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125).
ومع تنوع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي انتشرت ظاهرة السب والشتم والتشهير بشكل واسع في هذه المواقع من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة لتفريغ عقدهم وضغوطاتهم النفسية غير آبهين بما سيترتب عن ذلك من أذى نفسي لمن يقصدون تجريحه بكلامهم اعتقادًا منهم بأن العالم الافتراضي يمنحهم حرية تعبير غير مشروطة؛ فيعطون أنفسهم الحق بقول كل ما يجول في خواطرهم دون التزام وأدب أو تقدير لشعور من يوجهون له الكلام، فمن لطَّخَ لسانه بقبح الكلام من زور وفُحش وكَذِب وبهتان هوى به الشيطان إلى دركات النار «وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.
الواجب على المسلم إنكار ما يراه مما يخالف الشرع من خلال إنتقاء الكلام اللين والألفاظ الحسنة؛ فالكلام الليّن يغسل الضغائن المستكنّة في النفوس، ويحول العدو اللدود إلى حميم ودود. وإنّ صمت المرء أحيانًا أسلم من أن يتفوه بكلمة تقع كالرصاصة في قلب الآخر، قال عليه الصلاة والسلام: "من كان يؤمن بالله واليوم فليقل خيرًا أو ليصمت".
فلنرطِّب ألسنتنا بالكلمة الطيبة التي تزيل الجفاء، وتذهب البغضاء والشحناء، وتدخل إلى النفوس السرور والهناء، والمحبة والوئام، نتفيأ ظلالها الوارفة، ونقطف ثمارها اليانعة، ولتكن كلماتنا مفتاحًا للخير، مغلاقًا للشر، مستجيبين لنداء رب العالمين: "وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة: 83).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الإمام الطيب : حفظ الله يشمل كل الناس المطيعين والعصاة
قال فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إن حفظ الله لعباده، المستمد من اسمه "الحفيظ"، يشمل كل الناس، مطيعون لله كانوا أو عصاة، فالإنسان وهو يعصي الله محفوظ، وعادة ما تجد أن العصاة أو الخارجين على حدود الله لديهم نعم أكثر، مما يدل على أن هذه النعم ليست شيئا في الحسبان الإلهي، وأن الدنيا للمطيع وللعاصي، فالله تعالى يمهل العاصي، ليس تربصا به ولكن لعله يتوب أو يرجع، وفي كل شيء تجد تطبيقا عمليا لقوله تعالى في الحديث القدسي: " إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبي".
وبيِن الإمام الطيب، خلال حديثه اليوم بثامن حلقات برنامجه الرمضاني «الإمام الطيب» لعام ٢٠٢٥، أن لاسم الله "الحفيظ" معنيان، الأول هو الضبط، ومعناه ضد النسيان أو السهو، فيقال "فلان حافظ للقرآن عن ظهر قلب"، أي لا يمكن أن يخطئ في كلمة من كلماته، والمعنى الثاني هو "الحراسة"، من الضياع، ولا يكون ذلك إلا بحفظ من الله، لافتا أن حفظ الله للأرض والسماء يعني الإمساك والتسخير، فهو تعالى يمسك السماء أن تقع على الأرض رحمة بعباده وحتى يتحقق لهم التسخير بالصورة الكاملة التي تفيد الإنسان وتعينه على أداء رسالته في هذه الحياة.
وأضاف شيخ الأزهر أن حفظ الله تعالى يشمل كذلك القرآن الكريم، فهو سبحانه وتعالى الحافظ للقرآن الكريم من التحريف والتبديل والضياع، مصداقا لقوله تعالى: " إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وهو القرآن وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ "، وهذا هو التأكيد الأكبر بأن القرآن لم يعبث به في حرف واحد، فقد وصلنا كما بلغه النبي "صلى الله عليه وسلم"، وهو بين يدينا كما قرئ بين يديه "صلى الله عليه وسلم" دون أي تحريف أو تغيير.
واختتم فضيلته أن الإنسان مطالب، بجانب حفظ الله تعالى له، أن يعمل هو على حفظ نفسه وعقله، فهما أهم ما لديه من نعم الله تعالى، فهو مطالب بحفظ نفسه من المعاصي ومن تصلب الشهوات، ومطالب أيضا بحفظ عقله من المعلومات والمحتويات الضارة، والتي منها على سبيل المثال، ما قد ينتج عنه التشكيك في الدين أو العقيدة، وبهذا يكون بإمكان الإنسان أن يحفظ نفسه وعقله.