لجريدة عمان:
2024-09-16@16:47:15 GMT

دلالات احتدام الصراع بين السياسة والتقنية

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

كشفت لنا قنوات الإعلام المرئية والمكتوبة عن عمق الأزمة المحتدمة بين بعض المؤسسات السياسية الغربية وبين المؤسسات الرقمية الكبرى التي أظهرت خفايا العلاقة بين هاتين المؤسستين العالقة في وحل المصلحة المتبادلة التي إن ارتفعت عند جهة واحدة انتفضت الجهة الأخرى وكشّرت عن أنيابها؛ فتنفض غبار المساوئ المخفية وتنثرها للجميع؛ لتتعرى أزمات تتعلق بالديمقراطية وخصوصية البيانات والتحالفات السرية بين الساسة وملاّك التقنية وقادتها؛ فمن بين المناكفات الأخيرة التي أذاعتها الصحف العالمية -على سبيل المثال وليس الحصر- تصريح مالك مجموعة «ميتا» «زوكربيرغ» -عبر رسالة أرسلها إلى رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي- أن شركته تتعرض لضغوطات من إدارة «بايدن» بشأن الضغط على فرض رقابة على المحتوى، وبلغة واضحة الضغط عليه لممارسة المزيد من النشاطات التجسسية، وكذلك تصريح مؤسس «تلجرام» في إحدى المقابلات المرئية بأن الحكومة الأمريكية حاولت إقناعه بالسماح لها بالتجسس على بيانات المستخدمين، ولعلّ ما كشف عنه في هذه المقابلة هو السبب الرئيس الذي قاده إلى الاعتقال في فرنسا، وليست التهم التي أُعلنَ عنها.

في مظهر آخر لهذا الصراع، أعلنت البرازيل حظر منصة «أكس» بسبب ما وصفته بـ«التضليل الإعلامي» الذي تتهم فيه السلطات البرازيلية «إيلون ماسك» شخصيًا بدعم حسابات معارضة للحكومة البرازيلية وداعمة لحركة الانقلاب الفاشلة، وكذلك وجّهت أستراليا تعنيفها لـ«إيلون ماسك» بسبب رفض منصة «أكس» إزالة مقاطع مرئية لحادثة الطعن في الكنيسة الأرثوذكسية، ووصف رئيسُ الوزراء الأسترالي «ماسك» بـ«الملياردير المتغطرس»، واتُهِمَ «إيلون ماسك» بتأجيجه لأعمال العنف في بريطانيا التي قادها اليمين المتطرف وتدخله فيها. ترشدنا هذه الأخبار التي تعكس حجم الصراع بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الرقمية عن أزمة افتراق المصالح التي تؤكد وجود فساد عميق في هذه المؤسسات تؤذي المجتمعات الإنسانية التي لم تعد بياناتها الشخصية وخصوصياتها في مأمن، وهذه من الحقائق الموثّقة غير الجديدة؛ ففضيحة «كامبريدج أناليتيكا» في عام 2018م التي اُتهمت فيها شركة «فيسبوك» -ميتا حاليا- بتسريب بيانات ملايين المستخدمين لأغراض سياسية تؤكد قدم هذا التحالف وخفاياه الذي لا يطفو على السطح إلا ما ندر منه؛ فما خفي أعظم، والحديث يمكن أن يمتد إلى أحداث ما يُعرف بـ«الربيع العربي» الذي تبيّن دور الشركات الرقمية وتفاعلها مع أحداثه مدعومة بأجندة سياسة غربية تهدف إلى إحداث تغييرات سياسية جديدة تخدم مصالحهم مستغلة أوضاع تلك الدول وتذمّر شعوبها. سبق أن تحدثتُ في مقالات سابقة عن خطر هذه التحالفات التي لا تفضحها وتكشف خفاياها إلا الاختلافات؛ فتظل المنصات -رغم ما صاحبها من طفرة اتصالية واجتماعية فريدة من نوعها لم تشهد البشرية ديناميكية تواصلية مثلها قبل عشرات السنوات - سلاحا رقميا يتحكم بواسطته الساسة المتنفّذون بالعالم وشعوبه عبر عدة أساليب منها فرض الهيمنة الرقمية على المجتمعات التي يسمح لها بشكل مجاني -في ظاهره- في استعمال هذه المنصات؛ لتكون الحصيلة -التي يدفعها كل المستخدمين- تسليم بياناتهم الشخصية التي يحرص هؤلاء الساسة وأجهزتهم الاستخباراتية في تحليلها وتحليل نمط حياة أفرادها وجماعتها؛ فتؤدي غرضها في إعادة تشكيل الأفكار الجمعية وتحديد بُوصلةٍ منتقاةٍ للثقافة المجتمعية، وهذا ما يسهّل الغزو الرقمي -الذي يماثل الغزو الفكري، والذي حلّ محلَ النشاطات الاستشراقية- الذي يمكن بواسطته صناعة العقل الجمعي العالمي الذي يمكن أن نرى «العولمة الرقمية» جزءا من منظومتها. لا أطرح هذه السردية من منطلق العاطفة؛ فالدراسات العلمية والشهادات التي تخرج من أفواه صنّاع القرار من الساسة وعملاقة الصناعة الرقمية شاهدة على هذا، وأدفع بالقارئ الاطلاع على كتاب «تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا» من تأليف «سوزان غرينفيلد» ليدرك عمق التأثير بجميع أنواعه الذي يمكن للأنظمة الرقمية ومنصاتها أن تحدثه في العقل البشري على الصعيد الفردي والجمعي.نعود إلى محور حديثنا الرئيس المعني بتصاعد الصراع بين الحلفاء (الساسة والرقميون)؛ فنجد أن المؤسسات الرقمية الكبرى لم تعد تحتمل تدخلات الساسة التي تجاوزت الحد المسموح به؛ فثمّة صراع بين هذه القوى، يحاول أحدها أن يفرض هيمنته على الطرف الآخر؛ فنرى هذا في عدة صور منها سحب المؤسسات الرقمية البساط من بعض الساسة غير المرغوب في بقائهم عن طريق التضليل الإعلامي بنشر كل ما يسيء إلى هؤلاء الساسة، ولإحداث ضغوطات شعبية تدفع الناس إلى الفوضى الداخلية، وفي مضايقة الساسة لرؤساء الشركات الرقمية وملاّكها واعتقالهم مثل ما حدث لمؤسس منصة «تلجرام». وهنا لا يمكن أن ندّعي براءة أيّ من هذه الأطراف؛ فالجميع متحالف -في حدود ما- في وقت سابق على تحقيق أهداف تسير في تحقيق مصالح الطرفين، وساهم كلاهما في الإضرار بالمصالح الخاصة والعامة لكثير من دول العالم، واشتركوا في جرم انتهاك خصوصية الأفراد واستغلال بياناتهم الشخصية لأغراض تخدم الأهداف السياسية للدول الكبرى التي ليست حكرا على منصات التواصل الاجتماعي بل تمتد إلى هواتفنا الذكية التي نتعرض بواسطتها لانتهاك الخصوصية عبر التجسس على محادثتنا وجمع بياناتنا الصوتية التي تُنقل عبر شركات تسويق -مثل شركة «كوكس ميديا» استنادًا إلى تقرير أمريكي كُشفَ عنه مؤخرا- إلى أطراف أخرى منها شركات تقنية كبرى تستعملها لأهداف إعلانية تجارية. ولا نستبعد أن تصل أيضا بكل يسر إلى مؤسسات أمنية وسياسية أمريكية. لا تخضع هذه العلاقة المضطربة إلى أسس أخلاقية واعية؛ إذ أنها من السهل أن تفترق عند تضارب المصالح؛ فنجد مثلا «إيلون ماسك» يبحث عن حليف سياسي جديد يطمح بواسطته إعادة المياه إلى مجاريها وتخفيف حدة الصراع؛ فنراه يعلن عن تأييده للمرشح الأمريكي «دونالد ترامب» الذي أكد تأييده في لقاء مباشر مع «ترامب» عبر منصته «أكس»، وهذا ما يطرح تساؤلات عن طبيعة التحالف الجديد الذي سيقوم بين منصة «أكس» وإدارة «ترامب» -حال فوزه-، وما المشروعات «الرقمي-سياسية» القادمة التي يمكن أن تنتج من هذا التحالف المحتمل -إن لم تعكّره خلافات جديدة-، وأين تتجه البشرية وخصوصياتها وأمنها في ظل هذه الفوضى التي تُفرض عليها باسم التقنية المختطفة من قبل ساسة متعطشين لنهب ثروات العالم وتدمير حضارته الثقافية؟ والسؤال الأهم: ما البدائل التي يمكن أن نطرحها لمقاومة هذه الأزمة الرقمية دون التخلي عن التقدم التقني ومواكبته؟ لا أظن أننا نملك إجابات مطلقة ونهائية؛ فنحن بحاجة إلى منظومة قانونية صارمة وشاملة تضمن التشغيل الأخلاقي للمنصات الرقمية بما في ذلك فصل السياسة عن القطاع العلمي بشكل عام والرقمي بشكل خاص، وتأمين البيانات الشخصية للمستخدمين من أي تسريب أو استغلال.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الرقمیة إیلون ماسک یمکن أن

إقرأ أيضاً:

السياسة الصناعية ورداؤها الجديد الخادع

على الرغم من كل الفيلة البيضاء المتناثرة في عالم اليوم والتي تُـذَكِّـرُنا بفشل السياسة الصناعية في الماضي، تستأنف الحكومات مرة أخرى تقديم إعانات الدعم، وفرض القيود التنظيمية وتدابير الحماية لضمان سيطرة الشركات المحلية التي توجد الوظائف المحلية على مفاتيح اقتصاداتها الأساسية.

استحضارًا لروح نجاح مهمة الصعود إلى القمر الأمريكية في ستينيات القرن العشرين، قرر المبشرون الجدد بالسياسة الصناعية، وقد وضعوا نصب أعينهم طموحات أعظم، إعادة تسميتها لتصبح «الإستراتيجية الصناعية». ما يُـنـسَـب إلى الإستراتيجية الصناعية من فضل، باعتبارها وسيلة لإدارة الحكومة في المجالات التي تعمل فيها الحكومة على أفضل وجه، أنها تطبق أفكارًا معقولة. فبدءا بأحد التحديات الـمُـلِـحّـة مثل خفض الانبعاثات الغازية الضارة التي تطلقها إحدى الدول إلى النصف بحلول عام 2035، تُـقَـسَّـم المهمة إلى «مهام» محددة تحمل أهدافًا عريضة لكنها قابلة للقياس، مع إشراك القوى المناسبة في الدولة في اتخاذ القرار. تتمثل رؤية أقل إقناعا في بيروقراطية جديدة كبيرة، يقودها مجلس مركزي يستمد المشورة من خبراء (يجد الأكاديميون دائمًا مكانا لأنفسهم!) ويتولى تنسيق جميع المهام (كل منها بمجلس خاص بها). وبإفراطهم في الثقة في التنسيق من أعلى إلى أسفل عبر الوزارات، والقطاع الخاص، والنقابات، ومنظمات المجتمع المدني، يبدو المبشرون في بعض الأحيان متفائلين إلى حد السذاجة بشأن القدرة البيروقراطية أو غياب معارك النفوذ. وفي التعبير عن حلمهم الدولاني الجديد، يمنحون الترخيص للغريزة الفطرية من جانب كل الحكومات للتدخل والتوسع.

مع ذلك، ما دامت الإستراتيجية الصناعية الجديدة تقدم أفكارا لتحسين الحكم العام، فإنها مفيدة في المجمل، لكنها تصبح خطيرة بشكل إيجابي عندما تدعو إلى التدخل في القطاع الخاص، فبفضل الدعم الذي توفره الإعانات، والقروض، والإعفاءات الضريبية، والرسوم الجمركية، والمشتريات الحكومية، وما إلى ذلك، سَـيُـجَـنَّـد مشاركون مختارون في السوق لملاحقة ليس فقط النتائج الاقتصادية، بل وأيضا الاجتماعية والبيئية. مثله مثل السياسة الصناعية من الماضي، يقود هذا النهج المنافسة، ويعطل إشارات الأسعار، ويصر على الحكم على أداء الشركات وفقا لمعايير أخرى غير الربحية، بما في ذلك المصالح الوطنية الضيقة. لهذه الأسباب، تعمل الإستراتيجية الصناعية دوما ــ حتى لو أُطلِـقَت بأفضل النوايا ــ على استنزاف حيوية الجهود الاقتصادية الخاصة. وإذا أضفنا إلى ذلك الضغوط، والمحسوبية، والفساد الذي يحيط بأي مبادرة حكومية تُعرض فيها مليارات الدولارات، يتبين لنا أنه من الصعب أن نصدق أن هذا النهج قد يكون الحل الأمثل لأكبر التحديات التي يواجهها العالم.

ولأن السياسة الصناعية -عُـذرا، أقصد الاستراتيجية الصناعية- تنفذها حكومة، فإنها تعكس المصالح الوطنية المتصورة، وليس الاحتياجات العالمية أو الفردية؛ لكي نفهم لماذا يفرض هذه مشكلة، يكفي أن ننظر إلى تصنيع الرقائق الإلكترونية. كل دولة ذات حجم اقتصادي معقول تريد الآن مصنعًا محليًا لتصنيعها كحماية من النقص العالمي، ودعم الإنتاج العسكري في حالة الحرب.

لكن فوائد التأمين الذاتي مبالغ في تقديرها على الدوام، فبما أن أي دولة لا يمكنها تصنيع كل الرقائق التي تحتاجها صناعتها، فإن أي شركة مُـصَـنِّـعة محلية لا تضمن الحماية من كل حالات النقص. علاوة على ذلك، إذا كان النقص عالميًا، فلا بد أن يكون السبب وراء ذلك عالميًا، مثل الجائحة. فما الذي قد يجعل الشركة المصنعة المحلية للرقائق محصنة؟ عندما تكون تجارة الرقائق الإلكترونية حرة ــ مدفوعة بأسعار السوق وحافز الربح ــ فسوف يكون تخصيص العرض حيث الحاجة أعظم. أما إذا كانت الحكومات تسيطر على الناتج لأنها دعمت مصنعي الرقائق المحليين، فقد تنتهي الحال بالجميع إلى وضع أسوأ.

وأنا أقول «قد»؛ لأن دافع الربح يصعب قمعه بالكامل. ولن يتسنى لكل دولة توجيه استخدام الرقائق التي تصنعها إلا إذا لم يدخل التهريب في المعادلة، ولكن إذا كانت دول مستخدمة عديدة تعاني من نقص حاد (وبالتالي أسعار مرتفعة)، فما الذي قد يمنع تهريب الرقائق من الدول التي لديها وفرة إلى تلك التي لا تملكها؟ نحن نقترب من نتائج السوق ولكن بتكاليف أعلى. يعاني مبرر الأمن القومي من ذات المشكلة. فعلى الرغم من العقوبات الشديدة التي تفرضها أغلب دول العالم المنتجة للرقائق على روسيا، فقد تمكنت من شن حرب شاملة باستخدام أسلحة حديثة تحوي عددا كبيرا من الرقائق الإلكترونية وبدون وجود شركة محلية كبرى تصنع هذه الرقائق. في كل الأحوال، وجود مصنع للرقائق في أي بلد لن يضمن له المرونة والقدرة على الصمود؛ لأن سلسلة توريد الرقائق تمر عبر بلدان أخرى. على سبيل المثال، تُـنتَـج الآلات التي تصنع أكثر الرقائق تقدما بواسطة شركة ASML في هولندا، والتي يمكنها إيقاف تشغيل هذه الآلات عن بعد باستخدام مفاتيح «القتل». وإذا كان من الضروري إنتاج التصاميم، والرقائق، والآلات، والمواد الكيميائية الأساسية داخل نفس البلد لتحقيق الأمن الحقيقي، فإن اقتصادا قاريا ضخما فقط مثل اقتصاد الولايات المتحدة ــ وربما الصين والاتحاد الأوروبي ــ يمكنه اكتساب استقلال تصنيعي حقيقي، وبتكلفة هائلة. يتمثل جزء من التكلفة في الدعم اللازم لنقل الشركات المصنعة المحلية غير القادرة على المنافسة إلى مسافة أقرب من الحدود التكنولوجية.

ومن خلال قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم، تصب الولايات المتحدة إعانات دعم ضخمة في شركة إنتل (Intel)، التي تخلت عن الزعامة العالمية في تصنيع الرقائق قبل فترة. وهذه الأموال، باعتبارها جزءا من إستراتيجية صناعية، مرتبطة بشروط، بما في ذلك القيود المفروضة على استخدام المواهب الأجنبية والمشتريات، والمتطلبات اللازمة لتعزيز أهداف اجتماعية وأخلاقية عديدة ــ مثل إيجاد وظائف فنية ماهرة لا تتطلب درجة البكالوريوس.

مع فرض كل هذا القدر من الأعباء الإضافية على شركة مصنعة متعثرة بالفعل، فضلا عن نقص جوهري في الولايات المتحدة في ذلك النوع من الموظفين الذين تحتاج إليهم مصانع الرقائق المتطورة، فلا عجب أن تكون مصانع إنتل وحتى مصانع شركة TSMC الرائدة في الصناعة الجديدة في الولايات المتحدة متأخرة كثيرا عن الجدول الزمني. وهذه ليست تكاليف لمرة واحدة. فعندما تكون كل دولة كبيرة على استعداد لصب إعانات الدعم في صناعة ما، فإن الصناعة بأكملها ستصبح معتمدة على دعم الدولة. ولن تكون الاستثمارات مدفوعة بالأرباح والمنافسة، بل بإعانات الدعم، وسياسات الأمن القومي، والبيروقراطيين، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تُـخَـم وخسائر دورية. وقد يعاني الإبداع أيضا، على الرغم من إعانات دعم البحوث؛ لأن المتخلفين المدعومين سوف يدفعون الأرباح في مختلف أنحاء الصناعة إلى الانخفاض، وهذا من شأنه أن يجعل الفوائض المتاحة للاستثمار في البحث والتطوير أصغر. من المنطقي أن تمتنع الاقتصادات متوسطة الحجم عن المشاركة في هذا الجنون، لكن الإستراتيجية الصناعية ــ وخاصة عندما تحظى بموافقة الاقتصادات الرائدة ــ مغرية للغاية في نظر الزعماء السياسيين الذين يريدون أن يُـنسَـب إليهم الفضل في إيجاد صناعات جديدة براقة.

وعلى هذا، فبعد أن وعدت الهند بتقديم 10 مليارات دولار في هيئة إعانات دعم للرقائق الإلكترونية، ولم تنجح إلا في تأمين الوعد بتوفير قِـلة من الوظائف والمرافق التي تنتج الرقائق الإلكترونية من الجيل الأقدم، نجد أنها تضاعف جهودها على المسار ذاته بتقديم 15 مليار دولار أخرى من إعانات الدعم التي لا يمكنها تحملها. ألا يكون من الأفضل إنفاق هذه الأموال على افتتاح عشرات الآلاف من المدارس الابتدائية عالية الجودة، وآلاف المدارس الثانوية العالية الجودة، ومئات الجامعات الممتازة؟ مع تسبب الإستراتيجية الصناعية في الصين في دفع تحركات مماثلة من جانب الديموقراطيات المتقدمة، اجتاحت ذات الاتجاهات المركبات الكهربائية، والخلايا الشمسية، والبطاريات. وبدلا من السماح للأسواق التنافسية بدفع الابتكار في مجال التكنولوجيا الخضراء والإنتاج الرخيص لصالح العالم، فإننا نعمل على تفتيت وإضعاف هذه القطاعات الـحَـرِجة بالرسوم الجمركية، وإعانات الدعم، والشركات الميتة الحية المدعومة من الحكومة. وبهذا نفوز بمعركة الإنتاج المحلي في حين نخسر الأرض في الحرب ضد تغير المناخ. نحن في احتياج إلى حوار عالمي بشأن المكان المناسب للاستراتيجية الصناعية، وإلا فإننا يجب أن نتوقع عددا أكبر كثيرا من الفيلة البيضاء باهظة الثمن.

راغورام ج. راجان، محافظ سابق لبنك الاحتياطي الهندي وكبير خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي، وأستاذ في المالية العامة في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاجو

بروجيكت سنديكيت

مقالات مشابهة

  • السياسة الصناعية ورداؤها الجديد الخادع
  • من خاشقجي إلى التطبيع: الأجندة الخفية التي تحرك السياسة الأمريكية
  • السعودية.. استنكار حقوقي بعد القبض على مواطن نشر محتوى ذات دلالات جنسية
  • بوشكيان هنأ بالمولد النبوي: له دلالات خاصة
  • خبير إيراني يعلق على دلالات استهداف الحوثيين لإسرائيل بصاروخ فرط صوتي
  • القبض على شخص نشر محتوى ذا دلالات جنسية.. فيديو
  • السعودية: القبض على مواطن نشر محتوى ذات دلالات جنسية ”فيديو”
  • دلالات رسالة الشعب اليمني يوم احتفاله بالمولد النبوي
  • سجال السياسة في اليمن يصيب الرياضة بعدواه
  • أسواق الأسهم «تعزف» على أوتار السياسة