لجريدة عمان:
2025-03-10@08:20:42 GMT

دلالات احتدام الصراع بين السياسة والتقنية

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

كشفت لنا قنوات الإعلام المرئية والمكتوبة عن عمق الأزمة المحتدمة بين بعض المؤسسات السياسية الغربية وبين المؤسسات الرقمية الكبرى التي أظهرت خفايا العلاقة بين هاتين المؤسستين العالقة في وحل المصلحة المتبادلة التي إن ارتفعت عند جهة واحدة انتفضت الجهة الأخرى وكشّرت عن أنيابها؛ فتنفض غبار المساوئ المخفية وتنثرها للجميع؛ لتتعرى أزمات تتعلق بالديمقراطية وخصوصية البيانات والتحالفات السرية بين الساسة وملاّك التقنية وقادتها؛ فمن بين المناكفات الأخيرة التي أذاعتها الصحف العالمية -على سبيل المثال وليس الحصر- تصريح مالك مجموعة «ميتا» «زوكربيرغ» -عبر رسالة أرسلها إلى رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي- أن شركته تتعرض لضغوطات من إدارة «بايدن» بشأن الضغط على فرض رقابة على المحتوى، وبلغة واضحة الضغط عليه لممارسة المزيد من النشاطات التجسسية، وكذلك تصريح مؤسس «تلجرام» في إحدى المقابلات المرئية بأن الحكومة الأمريكية حاولت إقناعه بالسماح لها بالتجسس على بيانات المستخدمين، ولعلّ ما كشف عنه في هذه المقابلة هو السبب الرئيس الذي قاده إلى الاعتقال في فرنسا، وليست التهم التي أُعلنَ عنها.

في مظهر آخر لهذا الصراع، أعلنت البرازيل حظر منصة «أكس» بسبب ما وصفته بـ«التضليل الإعلامي» الذي تتهم فيه السلطات البرازيلية «إيلون ماسك» شخصيًا بدعم حسابات معارضة للحكومة البرازيلية وداعمة لحركة الانقلاب الفاشلة، وكذلك وجّهت أستراليا تعنيفها لـ«إيلون ماسك» بسبب رفض منصة «أكس» إزالة مقاطع مرئية لحادثة الطعن في الكنيسة الأرثوذكسية، ووصف رئيسُ الوزراء الأسترالي «ماسك» بـ«الملياردير المتغطرس»، واتُهِمَ «إيلون ماسك» بتأجيجه لأعمال العنف في بريطانيا التي قادها اليمين المتطرف وتدخله فيها. ترشدنا هذه الأخبار التي تعكس حجم الصراع بين المؤسسات السياسية والمؤسسات الرقمية عن أزمة افتراق المصالح التي تؤكد وجود فساد عميق في هذه المؤسسات تؤذي المجتمعات الإنسانية التي لم تعد بياناتها الشخصية وخصوصياتها في مأمن، وهذه من الحقائق الموثّقة غير الجديدة؛ ففضيحة «كامبريدج أناليتيكا» في عام 2018م التي اُتهمت فيها شركة «فيسبوك» -ميتا حاليا- بتسريب بيانات ملايين المستخدمين لأغراض سياسية تؤكد قدم هذا التحالف وخفاياه الذي لا يطفو على السطح إلا ما ندر منه؛ فما خفي أعظم، والحديث يمكن أن يمتد إلى أحداث ما يُعرف بـ«الربيع العربي» الذي تبيّن دور الشركات الرقمية وتفاعلها مع أحداثه مدعومة بأجندة سياسة غربية تهدف إلى إحداث تغييرات سياسية جديدة تخدم مصالحهم مستغلة أوضاع تلك الدول وتذمّر شعوبها. سبق أن تحدثتُ في مقالات سابقة عن خطر هذه التحالفات التي لا تفضحها وتكشف خفاياها إلا الاختلافات؛ فتظل المنصات -رغم ما صاحبها من طفرة اتصالية واجتماعية فريدة من نوعها لم تشهد البشرية ديناميكية تواصلية مثلها قبل عشرات السنوات - سلاحا رقميا يتحكم بواسطته الساسة المتنفّذون بالعالم وشعوبه عبر عدة أساليب منها فرض الهيمنة الرقمية على المجتمعات التي يسمح لها بشكل مجاني -في ظاهره- في استعمال هذه المنصات؛ لتكون الحصيلة -التي يدفعها كل المستخدمين- تسليم بياناتهم الشخصية التي يحرص هؤلاء الساسة وأجهزتهم الاستخباراتية في تحليلها وتحليل نمط حياة أفرادها وجماعتها؛ فتؤدي غرضها في إعادة تشكيل الأفكار الجمعية وتحديد بُوصلةٍ منتقاةٍ للثقافة المجتمعية، وهذا ما يسهّل الغزو الرقمي -الذي يماثل الغزو الفكري، والذي حلّ محلَ النشاطات الاستشراقية- الذي يمكن بواسطته صناعة العقل الجمعي العالمي الذي يمكن أن نرى «العولمة الرقمية» جزءا من منظومتها. لا أطرح هذه السردية من منطلق العاطفة؛ فالدراسات العلمية والشهادات التي تخرج من أفواه صنّاع القرار من الساسة وعملاقة الصناعة الرقمية شاهدة على هذا، وأدفع بالقارئ الاطلاع على كتاب «تغيّر العقل: كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا» من تأليف «سوزان غرينفيلد» ليدرك عمق التأثير بجميع أنواعه الذي يمكن للأنظمة الرقمية ومنصاتها أن تحدثه في العقل البشري على الصعيد الفردي والجمعي.نعود إلى محور حديثنا الرئيس المعني بتصاعد الصراع بين الحلفاء (الساسة والرقميون)؛ فنجد أن المؤسسات الرقمية الكبرى لم تعد تحتمل تدخلات الساسة التي تجاوزت الحد المسموح به؛ فثمّة صراع بين هذه القوى، يحاول أحدها أن يفرض هيمنته على الطرف الآخر؛ فنرى هذا في عدة صور منها سحب المؤسسات الرقمية البساط من بعض الساسة غير المرغوب في بقائهم عن طريق التضليل الإعلامي بنشر كل ما يسيء إلى هؤلاء الساسة، ولإحداث ضغوطات شعبية تدفع الناس إلى الفوضى الداخلية، وفي مضايقة الساسة لرؤساء الشركات الرقمية وملاّكها واعتقالهم مثل ما حدث لمؤسس منصة «تلجرام». وهنا لا يمكن أن ندّعي براءة أيّ من هذه الأطراف؛ فالجميع متحالف -في حدود ما- في وقت سابق على تحقيق أهداف تسير في تحقيق مصالح الطرفين، وساهم كلاهما في الإضرار بالمصالح الخاصة والعامة لكثير من دول العالم، واشتركوا في جرم انتهاك خصوصية الأفراد واستغلال بياناتهم الشخصية لأغراض تخدم الأهداف السياسية للدول الكبرى التي ليست حكرا على منصات التواصل الاجتماعي بل تمتد إلى هواتفنا الذكية التي نتعرض بواسطتها لانتهاك الخصوصية عبر التجسس على محادثتنا وجمع بياناتنا الصوتية التي تُنقل عبر شركات تسويق -مثل شركة «كوكس ميديا» استنادًا إلى تقرير أمريكي كُشفَ عنه مؤخرا- إلى أطراف أخرى منها شركات تقنية كبرى تستعملها لأهداف إعلانية تجارية. ولا نستبعد أن تصل أيضا بكل يسر إلى مؤسسات أمنية وسياسية أمريكية. لا تخضع هذه العلاقة المضطربة إلى أسس أخلاقية واعية؛ إذ أنها من السهل أن تفترق عند تضارب المصالح؛ فنجد مثلا «إيلون ماسك» يبحث عن حليف سياسي جديد يطمح بواسطته إعادة المياه إلى مجاريها وتخفيف حدة الصراع؛ فنراه يعلن عن تأييده للمرشح الأمريكي «دونالد ترامب» الذي أكد تأييده في لقاء مباشر مع «ترامب» عبر منصته «أكس»، وهذا ما يطرح تساؤلات عن طبيعة التحالف الجديد الذي سيقوم بين منصة «أكس» وإدارة «ترامب» -حال فوزه-، وما المشروعات «الرقمي-سياسية» القادمة التي يمكن أن تنتج من هذا التحالف المحتمل -إن لم تعكّره خلافات جديدة-، وأين تتجه البشرية وخصوصياتها وأمنها في ظل هذه الفوضى التي تُفرض عليها باسم التقنية المختطفة من قبل ساسة متعطشين لنهب ثروات العالم وتدمير حضارته الثقافية؟ والسؤال الأهم: ما البدائل التي يمكن أن نطرحها لمقاومة هذه الأزمة الرقمية دون التخلي عن التقدم التقني ومواكبته؟ لا أظن أننا نملك إجابات مطلقة ونهائية؛ فنحن بحاجة إلى منظومة قانونية صارمة وشاملة تضمن التشغيل الأخلاقي للمنصات الرقمية بما في ذلك فصل السياسة عن القطاع العلمي بشكل عام والرقمي بشكل خاص، وتأمين البيانات الشخصية للمستخدمين من أي تسريب أو استغلال.

د. معمر بن علي التوبي أكاديمي وباحث عُماني

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: المؤسسات الرقمیة إیلون ماسک یمکن أن

إقرأ أيضاً:

إطلاق «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»

أبوظبي (وام)
أطلقت وزارة الثقافة «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»، خلال حفل أُقيم بالمسرح الوطني التابع للوزارة في أبوظبي، بمشاركة عدد من المسؤولين والخبراء والمهتمين بالشأن الثقافي والتراثي بدولة الإمارات.  
وتهدف هذه السياسة إلى وضع رؤية وتوجهات وطنية شاملة تُعنى بالتراث المعماري الحديث، تحقيقاً لاستراتيجية الوزارة نحو تعزيز الهوية الوطنية وترويج التراث الثقافي، وترسيخ القيم التاريخية والثقافية لهذا التراث، ودعم الابتكار والإبداع في هذا المجال، حيث تُشكل المعالم المعمارية جزءاً أساسياً من الهوية الوطنية وعناصر التراث الثقافي المادي للدولة، كما تعكس قيماً ثقافية متعددة تُسهم في تعزيز التلاحم الوطني والتكاتف المجتمعي.
وتضمنت فعالية إطلاق السياسة الوطنية، الاجتماع الاستثنائي الأول مع الجهات الاتحادية والمحلية المعنية، لاستعراض جهودها في مجال التراث المعماري الحديث، ومناقشة سبل التعاون على تنفيذ السياسة، إضافةً إلى تحديد الأولويات للمبادرات المزمع تنفيذها خلال السنوات القادمة.

  أخبار ذات صلة «الحلم».. عرض سينمائي يضيء على تجربة الفنان محمد الأستاد برنامج الشراكات الاقتصادية الشاملة للإمارات يصل إلى محطته الـ20

وأكد مبارك الناخي، وكيل وزارة الثقافة، في كلمته، أن السياسة تأتي في إطار الجهود المستمرة للوزارة للحفاظ على المعالم الحضارية والتاريخية التي تعكس عراقة الهوية الوطنية لدولة الإمارات.
وقال إن العمارة الحديثة ليست مجرد مبانٍ، بل هي جزء لا يتجزأ من سردية المكان وهوية الفرد، تعكس قصة تطور دولتنا ونهضتها، مؤكداً أن حماية التراث المعماري الحديث مسؤولية جماعية تتطلب تنسيق الجهود بين مختلف الجهات المعنية، للحفاظ على هذا الإرث الحيوي وضمان استمراريته للأجيال القادمة.

عرض تفصيلي
وقدمت شذى الملا، القائم بأعمال وكيل الوزارة المساعد لقطاع الهوية الوطنية والفنون، عرضاً تفصيلياً تناول أهداف «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»، مؤكدة أن هذه السياسة تهدف إلى الحماية والحفاظ على التراث المعماري الحديث، وتعزيز التعاون بين الجهات الحكومية، المؤسسات الأكاديمية، جمعيات النفع العام، والقطاع الخاص، ورفع مستوى الوعي المجتمعي، تعزيز الفخر بالهوية الوطنية، دعم جهود التعليم والبحث العلمي، وتعزيز المكانة العالمية لدولة الإمارات في مجال الحفاظ على التراث المعماري.
وأشارت إلى أن السياسة تسهم في تعزيز السياحة الثقافية من خلال إبراز القيمة المعمارية لهذه المباني وجذب الزوار والمهتمين بتاريخ العمارة، ودعم أجندة التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية، البيئية، والاجتماعية، محلياً وعالمياً، كما تركز السياسة على دعم الابتكار عبر تشجيع الفنانين والمهندسين المعماريين الشباب على استلهام التراث المعماري في تصاميمهم المستقبلية، بما يضمن استدامة هذا الإرث الثقافي.
وأدارت الملا جلسة نقاشية بعنوان «الذاكرة المعمارية.. الحفاظ على التراث الحديث في الإمارات»، بمشاركة نخبة من الخبراء والمتخصصين الذين ناقشوا مفهوم التراث المعماري الحديث في سياق دولة الإمارات، والتطرق للتحديات والفرص الموجودة في هذا المجال، كما استعرضوا الجهود الحكومية المبذولة للحفاظ على هذا التراث، وناقشوا آليات تعزيز مساهمة المجتمع في هذه الجهود.

اتفاقيات ومذكرات تفاهم 
وشهد الحفل توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، منها توقيع ميثاق الحفاظ على التراث الحديث بين الجهات المعنية في الدولة، الذي يؤكد التزامها بالحفاظ على المعالم المعمارية ذات القيمة الثقافية، كذلك توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة زايد لإطلاق برنامج تمويلي لدعم الأبحاث والدراسات في مجال التراث المعماري الحديث، الذي سيوفر فرصاً للطلاب والباحثين والأكاديميين المعماريين والفنانين والمهتمين بهذا المجال، وكذلك مع «مجرى» - الصندوق الوطني للمسؤولية المجتمعية، بالإضافة إلى دعم مشروع البرنامج الوطني لمنح الثقافة والفنون، ومشروع دعم وتمكين الحرفيين الذي يهدف إلى ربط الحرفيين الإماراتيين ودمجهم مع أصحاب المصلحة والمعنيين في القطاعات الصناعية لخلق فرص استثمارية، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم مع جمعية التراث المعماري، لتوثيق المباني ذات القيمة الوطنية في مختلف إمارات الدولة، مما سيسهم في إنشاء قاعدة بيانات شاملة تسلط الضوء على المباني ذات الأهمية التاريخية والثقافية.

ريادة عالمية في صون التراث
يأتي إطلاق السياسة في وقت تشهد فيه دولة الإمارات تطوراً متسارعاً في مختلف المجالات، حيث تعكس الجهود المبذولة في أبوظبي، ودبي، والشارقة لحماية التراث المعماري الحديث، والتي تعد نموذجاً يُحتذى به على المستوى الوطني.
ومن خلال هذه السياسة، تعزز الدولة التزامها بحماية هويتها الثقافية وتراثها الحضاري، انسجاماً مع رؤيتها الوطنية الطموحة و«مئوية الإمارات2071»، التي تهدف إلى ترسيخ مكانة الإمارات كدولة رائدة عالمياً في صون التراث وإثرائه للأجيال القادمة.

مقالات مشابهة

  • يمكن للمرأة السودانية أن تنجح في كل شيء ما عدا السياسة
  • 600 ألف هجوم سيبراني في 3 أشهر.. هل نحن جاهزون للعاصفة الرقمية؟
  • جهود واشنطن لإنهاء الصراع بين روسيا وأوكرانيا
  • السياسة وجهود التقارب بين المذاهب الإسلامية!
  • مصر والأزمة السودانية- دلالات تحرير الأسرى
  • المعادلة الطردية في الحرب و السياسة
  • كيف تؤثر أزمة الثقة بين الساسة والعسكر على مستقبل إسرائيل؟
  • دلالات تصعيدية خطيرة: 26 غارة اسرائيلية في نصف ساعة
  • إطلاق «السياسة الوطنية للحفاظ على التراث المعماري الحديث»
  • كيف يمكن احتواء المخاطر التي تتعرض لها سوريا؟.. محللون يجيبون