لجريدة عمان:
2025-03-10@13:16:52 GMT

خطاب نتانياهو البائس

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

وسط موجة من الغضب الشعبي ليس في تل أبيب فقط، وإنما في كثير من دول العالم، راح رئيس وزراء إسرائيل (نتانياهو) يتحدث إلى العالم مساء ٢ سبتمبر ٢٠٢٤، من خلال خطاب يتسم بالغطرسة والاستعلاء ، بينما تل أبيب تموج بموجة عارمة من الغضب الشعبي باستثناء التيارات الصهيونية المتعصبة، التي تلقت هذا الخطاب بقدر هائل من الدعم، بينما تواصل إسرائيل عدوانها الغاشم ليس على قطاع غزة فقط وإنما على الضفة الغربية بقراها ومدنها، ومواصلة الاعتداءات التي يقوم بها المستوطنون الإسرائيليون، وبدعم من الجيش الإسرائيلي، كل ذلك يحدث وسط صمت العالم وتوقف الجامعة العربية عن أداء دورها، بل وربما برضى بعض ساستنا وبعض إعلامنا العربي.

لعل ما نلاحظه على خطاب نتانياهو مجموعة من النقاط المهمة: أولها، محاولة إلقاء التهم على وزير دفاعه ومعاونيه وأجهزة أمنه، محملا إياهم المسؤولية عما حدث في السابع من أكتوبر، وما حدث بعدها من ضربات موجعة لإسرائيل، وراح في محاولة بائسة لكسب تعاطف الإسرائيليين يعلن وبإصرار واضح عن مواصلة اجتياح غزة والضفة الغربية، غير عابئ بالرأي العام العالمي.

ثانيهما، ما يزال نتانياهو مصرا على أن السبيل الوحيد لاستعادة الأسرى هو مواصلة الحرب دون هوادة، وقال مضيفا إنه كان على وشك الوصول إلى الأسرى الستة الذين قضوا حتفهم لولا ضعف وتراجع أجهزته الأمنية ووزير دفاعه، بينما الحقيقة أن المقاومة كان قد أصدرت أوامر إلى حراس الأسرى بأنه في حالة استمرار الهجوم بهدف استخلاصهم بالقوة المسلحة فعلى الحراس أن يواصلوا مهمتهم، وقد علق أبا عبيدة عقب انتهاء نتانياهو من خطابه بأنه في حالة استمرار العدوان فعلى إسرائيل أن تستقبل كل أسراها في توابيت، وهي رسالة وصلت إلى الشعب الإسرائيلي، بينما نتانياهو لا يعبأ بحياة الأسرى، على الرغم من أن قادة جيشه وأجهزته الأمنية قد واجهوه بالحقيقة مؤكدين بأن استعادة الأسرى لا يمكن أن تتم إلا بالتفاوض.

ثالثا، لم يعترف رئيس وزراء إسرائيل في خطابه أو في كل التصريحات التي يصرح بها بتحمله أية مسؤولية، سواء فيما حدث في ٧ أكتوبر أو قبله أو بعده، حتى ولو كانت مجرد مسؤولية سياسية، وفي استعراض مسرحي واضح راح يتفاخر بأنه نصح (شارون) عند الانسحاب من غزة والقطاع بعدم التخلي عن معبر فلاديلفيا منذ عام ٢٠٠٥، وقد مضى على هذا الانسحاب ما يقرب من عشرين عاما، ولم يصرح ولو مرة واحدة ولا أجهزته الأمنية بأن معبر فيلادلفيا يشكل خطرا على إسرائيل، باعتباره المنفذ الآمن لتهريب الأسلحة للفلسطينيين، وهي التهمة التي راح يلقي المسؤولية بشأنها على الجانب المصري بطريقة استعراضية مستفزة، خصوصا وأننا نشهد صباح مساء شكل الأسلحة التقليدية البدائية التي تستخدمها المقاومة، وهي عبارة عن صواريخ صناعة يدوية ومتفجرات أعدها الفلسطينيون بأنفسهم، إلا أن نتانياهو ربما لا يعرف بأن الأرض الفلسطينية تقاتل مع أصحابها، وهي العامل الأكثر تأثيرا، فالفلسطينيون على بينة من كل شارع وحارة، وهو أمر يصعب على نتانياهو استيعابه.

رابعا، يؤكد نتانياهو بأن الحرب على غزة لن تتوقف طالما بقي السنوار وحماس في واجهة المشهد، دون أن يقتنع بأن ما تقوم به إسرائيل جعل الفلسطينيين جميعا ينضوون تحت لواء المقاومة، وعندما سئل نتانياهو من أحد الصحفيين عن مصير غزة في اليوم التالي لوقف الحرب، تلعثم الرجل وأجاب بكلام مرسل خاليا من أية معلومات، ويبدو أنه على ثقة بأن المقاومين لن يرحلوا من أرضهم، وأنهم هم وحدهم من يختارون قيادتهم، وعلى إسرائيل أن تغير من سياستها العدوانية والاعتراف بحقوق الفلسطينيين بإقامة دولتهم على حدود ٤ يونيو ١٩٦٧، إذا كانت راغبة في حياة شعبها والحفاظ على أمنه واستقرار حياته، لكن من الواضح أن نتانياهو يخوض الحرب من أجل مصلحته فقط، حرصا على مستقبله السياسي.

ومن الواضح أن نتانياهو لا يرى نهاية لهذه الحرب إلا بمزيد من الحرب، بينما حماس وكل قادتها يرون نهاية الحرب بالتفاوض، وهو موقف حضاري وسياسي ينم عن قدر كبير من الوعي بطبيعة الأزمة بكل تعقيداتها. القضية الأكثر وضوحا في الصراع العربي الإسرائيلي منذ بدايته أن الولايات المتحدة الأمريكية تقف وراء هذه الحرب داعمة لإسرائيل منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وما بعدها، مرورا بحرب ١٩٦٧، ثم حرب ١٩٧٣، التي فوجئ بها الرئيس الأمريكي (نيكسون) ووزير خارجيته (هنري كيسنجر) ، وقد فوجئا بعبور الجيش المصري إلى سيناء، وتقدم القوات السورية في طريقها إلى تل أبيب، وكانت صدمة كبيرة لأمريكا، وبداية لظهور كيسنجر، وهو المهندس الأهم في هذا الصراع، حينما راح يتواصل مع السوڤييت طالبا منهم القيام بدور ما، ومع الرئيس السادات ملوحا له بأنه آن الأوان لإنهاء هذا الصراع، بحل سياسي مقبول من الطرفين، في الوقت الذي كانت مطارات إسرائيل تتلقى أحدث المعدات العسكرية والطائرات من الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة لاستعادة الثقة في الجيش الإسرائيلي الذي انهار بشهادة رئيس وزرائه (جولدا مائير)، وبدخول الولايات المتحدة الأمريكية على المشهد دخل الصراع في أتون المفاوضات التي عوّل عليها الرئيس السادات، والذي أعلن في خطاب شهير بأن ٩٩٪؜ من اللعبة في يد الولايات المتحدة الأمريكية، وبرحيل الرئيس نيكسون (٩ أغسطس ١٩٧٤)، ومجيء الرئيس (فورد) قاد كيسنجر ما يمكن تسميته بالدبلوماسية الناعمة، وقد تمخض عنها إبرام اتفاقية صلح بين مصر وإسرائيل ١٩٧٩، وما نجم عنها من انقسام العرب، الذين اكتفوا بإبراء ذمتهم من خلال دعم مالي كبير لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحال رئيس المنظمة إلى أن يتقمص دور رئيس دولة كاملة السيادة.

اليوم وبعد مرور ستة وسبعين عاما على مأساة الفلسطينيين لم يستطع حكامنا أن يوحدوا كلمتهم، ولا أن يتخذوا موقفا مسؤولا يسألون فيه أمام الله وأمام التاريخ، حتى أن أشلاء الأطفال والنساء التي نشاهدها على مدار ما يقرب من عام، وقد وصل عدد الشهداء إلى أكثر من أربعين ألف شهيد، وضعفهم من العجزة والمشوهين، حتى كل هذه المآسي لم تحرك شيئا في ضمائرنا، بل راح البعض من قادتنا يواصلون دعم علاقاتهم مع إسرائيل، وقد صُدمت حينما شاهدت على أحد القنوات الفضائية ما كانت تقدمه إحدى المذيعات من برنامج، تسأل فيه بعض من حاورتهم، وكان السؤال صادما: هل الخطر على العرب من إسرائيل أكثر أو من الإيرانيين؟ وكانت بعض الإجابات فاجعة! فقد قال البعض بأن الخطر من إسرائيل هو وهمٌ بينما الخطر الحقيقي من إيران، فإسرائيل يمكن التعامل معها بينما إيران تخترق بلادنا وتغير هويتنا، لا أجد تعليقا على هذه الإجابات، ولكن يمكن العودة إلى سياسة نتانياهو وحكومته، وقد راهنوا على إبادة الفلسطينيين وإخراجهم من أرضهم، ولم يلتفت البعض إلى مشروع إسرائيل الكبرى.. لله الأمر من قبل ومن بعد، وحتى كتابة هذا المقال فلا يزال الفلسطينيون يستشهدون وهم متمسكون بأرضهم، وما تزال المفاوضات تجري بقيادة العدو الحقيقي وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

د. محمد صابر عرب أكاديمي وكاتب مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الأمریکیة

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تصعّد حصارها على غزة بقطع الكهرباء وسط تفاقم الأزمة الإنسانية

في خطوة تصعيدية جديدة، ضمن الحرب المستمرة في قطاع غزة، قررت إسرائيل قطع التيار الكهربائي بالكامل عن القطاع، وذلك في محاولة لزيادة الضغط على حركة حماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لديها. 

يأتي القرار الذي أعلنه وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين، في سياق تشديد الحصار الإسرائيلي على غزة، بعد قطع الإمدادات الإنسانية عن أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في القطاع.  

إعلان قطع الكهرباء وتأثيره على المدنيين

صرح وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين مساء الأحد، في بيان متلفز، قائلاً: “سوف نستخدم كل الأدوات المتاحة لدينا لإعادة الرهائن، وضمان عدم وجود حماس في غزة في 'اليوم التالي' بعد انتهاء الحرب”. 

ويأتي هذا القرار بعد أسبوع من وقف إسرائيل جميع المساعدات الإنسانية عن القطاع، مما يزيد من حدة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها السكان.  

من المتوقع أن يؤدي انقطاع التيار الكهربائي إلى تفاقم الأوضاع المعيشية، خاصة فيما يتعلق بتشغيل محطات تحلية المياه الضرورية لإنتاج مياه الشرب النظيفة، وهو ما قد يؤدي إلى أزمة صحية كارثية. 

كما لم تستبعد الحكومة الإسرائيلية قطع إمدادات المياه عن القطاع، ما يهدد بزيادة معاناة السكان.  

ردود الفعل الفلسطينية والدولية  

أدانت حركة حماس القرار الإسرائيلي، واعتبرته جزءًا من سياسة العقاب الجماعي المفروضة على غزة منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023. 

وقال عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحماس: "إعلان قطع الكهرباء عن غزة هو إمعان في ممارسة سياسة العقاب الجماعي بحق أهلنا في القطاع، التي بدأها الاحتلال منذ اليوم الأول لعدوانه على غزة".  

وأضاف الرشق أن هذه القرارات الإسرائيلية، التي تشمل “قطع الكهرباء، إغلاق المعابر، وقف المساعدات والإغاثة والوقود، وتجويع شعبنا”، تمثل "جريمة حرب مكتملة الأركان".  

من جهته، انتقد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، يوم الجمعة الماضي، الإجراءات الإسرائيلية، معتبرًا أن “أي منع لدخول الإمدادات الضرورية للمدنيين قد يرقى إلى مستوى العقاب الجماعي”.  

تداعيات الحرب واستمرار المفاوضات 

يأتي هذا التصعيد الإسرائيلي في وقتٍ تتواصل فيه الجهود الدبلوماسية لمحاولة التوصل إلى هدنة جديدة. 

وكانت حماس قد اختتمت جولة من المحادثات مع الوسطاء المصريين دون التوصل إلى اتفاق، لكنها أكدت استعدادها لبدء المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والتي تتضمن:  

- إطلاق سراح بقية الرهائن الإسرائيليين.  

- انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع.  

- التوصل إلى اتفاق دائم ينهي الحرب بشكل نهائي.  

وبحسب تقارير، تحتجز حماس 24 رهينة على قيد الحياة، إلى جانب جثث 35 رهينة آخرين. وتتهم الحركة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “بتعطيل الاتفاق الذي شهد عليه العالم، محاولاً فرض خارطة طريق جديدة تخدم مصالحه الشخصية” على حساب حياة الرهائن، ودون اكتراث بمطالب عائلاتهم.  

مستقبل غزة بعد الحرب 

في سياق البحث عن حلول مستقبلية، جددت حركة حماس دعمها لمقترح تشكيل لجنة مستقلة من التكنوقراط لإدارة قطاع غزة، لحين إجراء الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية. 

ومن المقرر أن تعمل هذه اللجنة تحت مظلة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.  

إلا أن إسرائيل رفضت أي دور للسلطة الفلسطينية في غزة، ولم تطرح حتى الآن بديلاً واضحًا لكيفية إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب، مما يترك مستقبل الحكم في غزة مجهولًا وسط تصاعد التوترات والمخاوف من استمرار المعاناة الإنسانية لسكان القطاع.

مقالات مشابهة

  • مقررة أممية: قطع إسرائيل الكهرباء عن غزة يتسبب في إبادة جماعية
  • إسرائيل تصعّد حصارها على غزة بقطع الكهرباء وسط تفاقم الأزمة الإنسانية
  • رمضان يخفف من قساوة التحديات التي يواجهها رواد الأعمال السودانيون
  • فضيحة رقمية.. الحكومة اليمنية تستخدم نطاقات تجارية بينما الحوثيون يسيطرون على الدومين الرسمي
  • مسؤول سوداني: النساء يمثلن 98% من الأسر التي تعاني أوضاعًا قاسية
  • رهائن مُفرج عنهم يوجهون رسالة إلى نتانياهو
  • أرض الصومال قاعدة إسرائيل في الحرب ضد اليمن
  • صحيفة أميركية: إسرائيل رسمت مسارا إلى حد غزو آخر لقطاع غزة
  • الرئيس السيسي: مصر خيارها السلام.. والأموال التي تنفق في الحروب يجب أن تنفق فى التعمير والتنمية
  • العقيد حسن عبد الغني المتحدث باسم وزارة الدفاع: حققت قوات وزارة الدفاع تقدماً ميدانياً سريعاً، وأعادت فرض السيطرة على المناطق التي شهدت اعتداءات غادرة ضد رجال الأمن العام