ترجمة: أحمد شافعي -

هل تقترب جائزة نوبل السلام من كير ستارمر قبل الأوان؟ هل بوسع رئيس الوزراء البريطاني الجديد أن يتجاوز إنجاز باراك أوباما الذي اقتنص الجائزة ولم يمض على توليه السلطة 10 شهور؟ يثار هذا السؤال لأن حكومة حزب العمال نجحت في مهمة ظن الكثيرون أنها مستحيلة، وهي توحيد الجانبين فيما قد يكون أكثر صراعات العالم مرارة.

إذ استطاعت حكومة العمال هذا الأسبوع أن تقود أجهر أنصار إسرائيل صوتا وأبرز المدافعين عن الفلسطينيين إلى موقف اتفاق نادر. لولا مشكلة واحدة، هي أن المشترك بين الفريقين لم يكن إلا غضبهما المشترك على حكومة المملكة المتحدة.

حدثت نقطة التلاقي بسب تعليق بريطانيا ثلاثين من تراخيص تصدير الأسلحة لإسرائيل، وهو قرار اتخذته الحكومة بعد أن رأت «خطرا واضحا» من احتمال أن تستعمل المعدات المبيعة ـ وهي طائرات حربية ومروحيات ومسيرات ومعدات استهداف ـ في انتهاكات للقانون الإنساني الدولي.

بالنسبة لأحد الجانبين كان التوقيت من العوامل التي أدت إلى تعميق الإساءة. ففي اللحظة التي صدر فيها الإعلان عن مجلس العموم البريطاني، كانوا يدفنون موتاهم في القدس. وحينما كان وزير الخارجية واقفا على قدميه، كان والدان ـ على بعد آلاف قليلة من الأميال ـ يودعان ابنهما الشاب البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما، مع خمس رهائن آخرين، قُتلوا في نفق بغزة قبل أيام قليلة.

ذلك التزامن وحده، الذي تجسد في الشاشة المنقسمة، هو السبب فيما تعرضت له حكومة حزب العمال من هجوم. إذ وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي الخطوة بـ«المخزية»، وقال كبير الحاخامات في بريطانيا إنها خطوة «تستعصي على التصديق». وانتهز رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الفرصة فتساءل إن كان لامي وستارمر «يريدان أن تنتصر حماس».

افترض كثير من أولئك المنتقدين أن حكومة العمال تتصرف بوازع من حسابات سياسية، غايتها هي استمالة اليسار الذي أغضبته حرب إسرائيل على حماس طوال قرابة العام، بعد أن أظهر اليسار عضلاته في الانتخابات العامة، إذ استولى المرشحون المستقلون الموالون لغزة على حفنة مقاعد من حزب العمال واقتربوا من ذلك في العديد من المقاعد الأخرى. ولو أن ذلك كان الهدف، فقد فشل فشلا ذريعا. لأن ذلك المعسكر بلغ من لذوعة الإدانة مثل ما بلغه المعسكر المناظر في الجانب الآخر، إذ أدان الحكومة لأنها بهذه الخطوة لم تفعل غير أقل القليل، تاركة نحو ثلاثمائة وعشرين ترخيصا دونما مساس بها. ووصفت منظمة العفو الدولية قرار السماح باستمرار إمداد إسرائيل بقطع غيار طائرات إف 35 المقاتلة ـ ولو بشكل غير مباشر ـ بـ«القرار الكارثي»، في حين وصفت «حملة مناهضة تجارة الأسلحة» القرار بـ«الشائن وغير المبرر».

كيف انتهت هذه الحكومة إلى هذه النقطة، ملومة من الطرفين؟ تنبئنا الإجابة بشيء مهم عن كل من هذه الحكومة الجديدة وكيف أن أمثالها من الإدارات في العالم مما يتألف من أحزاب يسار الوسط تجاهد بمشقة غير مسبوقة النظير للتحرك عبر تضاريس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دائمة الخطورة في هذا الطور الأخير من حكم نتنياهو.

سيجد من يتحدث إلى المقربين من عملية صنع القرار في الحكومة أنهم مصرون على أن كل الحديث عن الإشارات والتبادلات السياسية إنما هو حديث في غير موضعه، وإن الأمر لا يتعلق بالفاعلين السياسيين إذ يلتقون ويدبرون كيفية إدارة حزب العمال لائتلاف انتخابي، ولكنه أمر أكثر مباشرة من ذلك، فهو بالأساس عملية قانونية يقودها مسؤولون ويديرونها على النحو الصحيح.

وفقا لهذه الرواية، لم يكن هناك قرار أصلا ليتخذ. ثمة سياسة قائمة، سياسة أسبق من هذه الحكومة، والوزراء مرغمون على اتباعها. وفي جوهر هذه السياسة «تحليل قانوني محض» هو الذي يؤدي ـ في حالة إشارته الواضحة إلى مخاطرة جلية باستعمال هذا العنصر أو ذلك في انتهاك القانون الإنساني الدولي ـ إلى ألا يبقى أمام الوزراء خيار إلا تعليق ترخيص بيع ذلك العنصر.

وفقا لهذه الرواية، كان عدد التراخيص المعلقة مسألة تقنية أيضا. فهو لم يكن نتيجة لاختيار لامي رقما عشوائيا، مرتفعا بالقدر الذي ينبه إسرائيل، ومنخفضا بالقدر الذي يجتنب صدعا دبلوماسيا. ولكنه رقم توصل إليه تقدير المسؤولين للأجزاء الدقيقة من المعدات التي قد تتصادم مع القانون الإنساني الدولي ولا تشملها أي استثناءات قائمة. أما عن التوقيت، فالحكومة تقول إن ذلك لم يكن أكثر من مسألة تتعلق باتباع القواعد: ففور اتخاذ القرار، كان لا بد من إعلام البرلمان به عند أول فرصة تسنح لذلك، أي يوم الاثنين. والنتيجة غضب في كل اتجاه.

وحتى الذين يدعمون القرار يسلّمون بأن التوقيت كان شنيعا. صحيح أنه ما من يوم مناسب لإعلان كذلك، فمنذ السابع من أكتوبر لم تمض إلا أيام قليلة دون أن يدفن أب ـ إسرائيلي أو فلسطيني ـ ابنا له فيها. لكن جنائز يوم الاثنين كانت لحظة توتر خاص، وذلك جزئيا لأن أحد الذين لقوا مصرعهم، وهو هيرش جولدبرج بولين، صار له موضع خاص لا بالنسبة لإسرائيل وحدها وإنما بالنسبة لليهود في العالم كله.

ويرجع بعض أسباب هذا إلى أن والدي هيرش أقاما حملتهما العالمية من أجل إنقاذه باللغة الإنجليزية، ويرجع أيضا إلى أن الأبوين أصرا دائما، وبصورة استثنائية، على ألا يقصرا حديثهما على ألمهما، وإنما شملا آلام الثكلى من الفلسطينيين في غزة أيضا. وقد تكلم والد هيرش في مؤتمر الحزب الديمقراطي الأمريكي بشيكاغو الشهر الماضي عن «فائض الألم» لدى الإسرائيليين والفلسطينيين قائلا إن المتاح منه يكفي الجميع.

ولذلك كان إعلان هذه الإجراءات بينما يسجى جثمان هيرش تحت التراب أمرا لا يمكن أن يمر مرور الكرام، شأنه شأن غضب الغاضبين لمقتل أربعين ألفا في غزة الذي ما كان له أبدا أن يهدأ بتعليق محض عُشر تراخيص الأسلحة البريطانية لإسرائيل. صحيح أنه كان ثمة داع إضافي للعجلة يتمثل في أن نظام مبيعات الأسلحة البريطانية لإسرائيل كان مقررا أن تنظره المحكمة في يوم الثلاثاء التالي مباشرة، وهي مواجهة قانونية كان يرجح أن تخسرها الحكومة ما لم تسبق المحكمة بالتحرك. لكن من المؤكد أنه كان يمكن القيام بذلك في ساعة مختلفة.

ومع ذلك، لا ينبغي لشيء من ذلك كله أن يلهينا عن النقطة الرئيسية في الموضوع. لدينا الآن حكومة تتعامل مع القانون بجدية، ولا تمن على نفسها ـ شأن الحكومة السابقة ـ بمساحة للمناورة حين تنعدم المساحة للمناورة. ولا شك أن هذا الأمر يتم تحديده من القمة، على يد قانوني جاد يؤمن بأن سيادة القانون تعلو على ما عداها. وهذا جدير بالإعجاب.

غير أنه لم يؤد إلى كثير من الإعجاب. وذلك أحدث دليل على مدى الصعوبة التي باتت تواجه ساسة يسار الوسط من أمثال لامي وستارمر حيال التعامل مع القضية الإسرائيلية الفلسطينية التي لم تكن يسيرة قط. واقرأوا خطاب وزير الخارجية أمام مجلس العموم لتروا بأعينكم كفاحه لكي يؤكد أنه يريد الخير للشعبين. فقد قال إن الهدف هو «الأمن، والسلامة، والسيادة لكل من إسرائيل ودولة فلسطينية». ووجهت كامالا هاريس رسالة مماثلة في شيكاغو: دعم لا يتزعزع لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها مع مطالبة «بأن يتسنى للشعب الفلسطيني أن يدرك حقه في الكرامة والأمن والحرية وتقرير المصير».

لقد مر وقت كان بوسع الحكومات الإسرائيلية فيه أن توافق على مثل هذه التصريحات المتوازنة. وبرغم كل الإدانات الصادرة عن مؤسسات رسمية لا يزال كثير إن لم يكن جميع يهود الشتات في بريطانيا وغيرها يتبنون هذه التصريحات. حتى نتنياهو نفسه كان في وقت ما يتقبلها على مضض، وذلك قديما حينما كان يشعر أنه مضطر لادعاء دعم حل الدولتين. لكن قلب حكومته النابض اليوم هما اليمينيان المتطرفان الوحشيان إيتامار بن جيفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذان يريان أن الدور الوحيد للفلسطينيين هو أن ينزاحوا من طريقهما. وفي هذا الواقع، يكون أي تنازل لاحتياجات الطرف الآخر، حتى حينما يفرضه القانون، بمثابة الخطر أو التهديد، بل والخيانة.

وهذا لا يمثل صعوبة كبيرة للساسة اليمينيين القوميين. فبوسع دونالد ترامب أن يميل بثقله إلى أحد الجانبين، أي إسرائيل، ويتظاهر أن الطرف الآخر ليس له وجود. أما أمثال ستارمر وهاريس، فالأمر أصعب بلا حدود، ومؤلم ألما لا نظير له.

جوناثان فريدلاند من كتاب الرأي في جارديان.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: حزب العمال لم یکن

إقرأ أيضاً:

أبو الغيط: إسرائيل تزرع الكراهية وتقوض هيكل السلام الذي استقر لعقود

استقبل أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، اليوم 16 الجاري "تور وينسلاند" المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط، وذلك بمقر الأمانة العامة بالقاهرة.

وقال جمال رشدي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام إن اللقاء تناول تطورات الأوضاع في قطاع غزة والضفة الغربية، ومخاطر استمرار الحرب العدوانية على قطاع غزة على الاستقرار الإقليمي، خاصة في ضوء الأصوات الإسرائيلية التي تُنادي بالتصعيد على جبهة جنوب لبنان.

ونقل المتحدث عن أبو الغيط تأكيده أن تسامح القوى الكبرى والعالم الغربي مع استمرار هذه الحرب لعامٍ كامل سيكون له ثمن باهظ على الاستقرار الإقليمي، مؤكداً أن الكراهية التي تزرعها إسرائيل بارتكابها المذابح تعوق أي أفق للسلام الشامل في المستقبل، وتسهم في تقويض الهيكل المستقر للسلام في المنقطة خلال ما يربو على أربعة عقود.

وأوضح رشدي أن أبو الغيط استمع لرؤية المنسق الأممي حول كيفية الحفاظ على إطار حل الدولتين ومشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، حيث اتفق الجانبان على أن العمل الإنساني، على أهميته الشديدة في المرحلة المقبلة، لابد أن يتوازى معه مسار سياسي يُعالج القضية الأساسية وهي استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.

وأضاف المتحدث أن اللقاء تطرق إلى الخطوات الدبلوماسية المرتقبة في الفترة القادمة من أجل الانتقال بحل الدولتين من إطار الخطاب والنوايا إلى مجال الفعل والتطبيق، مشيراً إلى أن أبو الغيط أكد خلال اللقاء على أن العمل السياسي يتعين أن يتواصل في كافة المحافل وبخاصة في الأمم المتحدة ومجلس الأمن من أجل الحفاظ على رؤية الدولتين وتجسيدها على الأرض، وأن توسيع رقعة الاعتراف بالدولة الفلسطينية يُمثل خطوة مهمة على هذا الطريق لأنه يمهد السبيل لتفاوض بين دولتين على قدم المساواة ومن موقع الندية على المستوى القانوني.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الإيراني: لا نملك الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على إسرائيل
  • أبو الغيط: إسرائيل تزرع الكراهية وتقوض هيكل السلام الذي استقر لعقود
  • ماذا قال بزشكيان عن صاروخ اليمن الذي استهدف إسرائيل؟
  • الرئيس الإيراني: لا نمتلك نوعية الصاروخ الذي أطلقه الحوثيون على إسرائيل
  • السفير الأمريكي في إسرائيل: لا نعرف ما الذي ترغب حماس في قبوله
  • أسرع من الصوت بأضعاف.. ماذا تعرف عن "صاوخ الفرط صوتي" الذي ضرب عمق إسرائيل؟
  • الكشف عن ابرز الملفات التي حسمها وفد الحكومة الاتحادية خلال زيارة الإقليم - عاجل
  • ناطق الحكومة: ملايين اليمنيين يحتفلون بالمولد النبوي بينما الإسرائيليين في الملاجئ
  • معلومات عن الصاروخ الذي أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل
  • البيت الأبيض: بايدن وكير ستارمر أدانا الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي الإرهابية على ممرات الشحن التجاري في البحر الأحمر