لجريدة عمان:
2024-09-16@16:27:25 GMT

السياسة الخارجية الأمريكية في عام 2025

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، يتساءل كثيرون كيف قد تؤثر نتائجها على السياسة الخارجية الأمريكية؟ الإجابة على هذا السؤال محاطة بالشكوك.

أولا، من سيفوز في الانتخابات؟ في بداية الصيف، أظهرت استطلاعات الرأي تقدم دونالد ترامب بفارق كبير على الرئيس جو بايدن. ولكن الآن وقد أصبحت نائبة الرئيس كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي، تُـظهِـر استطلاعات الرأي أنها متقدمة بفارق طفيف.

المشكلة بطبيعة الحال هي أنه إذا كانت مشاعر الناخبين من الممكن أن تنقلب بهذه السرعة، فإن التنبؤ بالاتجاه الذي ستكون عليه في الخامس من نوفمبر يكاد يكون مستحيلا. ورغم أن هاريس أظهرت مهارة سياسية مُـبـهِـرة، فإن السياسة الديمقراطية عامرة بالمفاجآت.

ثانيا، للقادة الأجانب والقوى الأجنبية أيضا «صوت» في الأمر، بمعنى أن سلوكهم قد يغير فجأة أجندة الولايات المتحدة واحتمالات النتائج المختلفة. لم تكن السياسة الخارجية المتواضعة التي أوجزها جورج دبليو بوش خلال حملته الانتخابية في عام 2000 تشبه بأي حال من الأحوال السياسة التي انتهجها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 الإرهابية. ومن يدري أي نوع من المفاجآت قد يكون في جُـعبة فلاديمير بوتين أو شي جين بينج.

تزودنا تصريحات الحملة الانتخابية ببعض اللمحات حول السياسة، بطبيعة الحال. فإذا فازت هاريس، يستطيع المرء أن يتوقع استمرار سياسة بايدن، وإن كان مع بعض التعديلات. يبدو أنها تركز بدرجة أقل على الترويج للديمقراطية -أحد أكبر موضوعات بايدن - وهي تتحدث في مناسبات أكثر بعض الشيء عن حقوق الفلسطينيين. لكنها في عموم الأمر ستلاحق السياسة ذاتها المتمثلة في تعزيز التحالفات الأمريكية والترويج للتعددية.

أما ترامب فهو أكثر استعصاء على التكهنات. ففي حين يَـمُـط كل الساسة الحقائق، فإن ترامب يحظى بسمعة سيئة حقا في هذا الصدد. فمن الصعب معرفة أي من تصريحاته قد يتحول إلى سياسة. ينبئنا خطابه حول الأحادية واستخفافه بالتحالفات والمؤسسات المتعددة الأطراف بشيء عن نبرة سياسته الخارجية، لكنه لا يجيب على تساؤلات حول قضايا بعينها.

في كثير من الأحيان، يحاول المراقبون تحسين توقعاتهم من خلال النظر إلى مستشاري المرشحين. كبير مساعدي هاريس لشؤون السياسة الخارجية هو فيليب جوردون، الوسطي البراجماتي الذي يحظى بقدر كبير من الاحترام، والذي تولى شؤون أوروبا والشرق الأوسط في الإدارات الديمقراطية السابقة قبل أن يصبح كبير مستشاري نائب الرئيس لشؤون السياسة الخارجية.

على النقيض من ذلك، من الصعب تحديد شخصية مماثلة في معسكر ترامب ــ وإن كانت الصحافة تذكر أحيانا روبرت أوبراين، آخر مستشاري الأمن القومي من عهد ترامب. ما نعرفه حقا هو أن ترامب يندم على تعيين جمهوريين تقليديين في أدوار رئيسية أثناء ولايته السابقة، لأنهم عملوا، كما كان ينبغي لهم، على الحد من حريته في العمل وجعلوا سياساته أكثر اعتدالا مما كان يبتغي.

من الجدير بالملاحظة أيضا بعض أوجه التشابه بين المرشحين. وأكثرها أهمية مواقفهما بشأن الصين. فالآن أصبحنا إزاء إجماع عريض من الحزبين على أن الصين لم تلعب بنزاهة في القضايا المتعلقة بالتجارة والملكية الفكرية، وأن سلوكها العدواني في بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي يهدد حلفاء أمريكا مثل اليابان والفلبين. صَـرَّحَت الصين على نحو متكرر بأنها لن تستبعد استخدام القوة في الاستيلاء على تايوان، التي تعتبرها مقاطعة مارقة. لقد واصَل بايدن، على أكثر من نحو، سياسة ترامب تجاه الصين، ومن المرجح أن تفعل هاريس الشيء ذاته، مع بعض التعديلات.

يتمثل تشابه ثان بين المرشحين في رفضهما للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية. أثناء رئاسة ترامب، تخلت الولايات المتحدة عن النهج الجمهوري التقليدي (من عهد ريجان) في التعامل مع التجارة، وزادت الرسوم الجمركية، وخفضت مستوى المشاركة في منظمة التجارة العالمية. وقد حدث كل هذا تحت إشراف وتوجيه الممثل التجاري الأمريكي روبرت لايتهايزر، الذي لا يزال مؤثرا في دائرة ترامب.

كما رفض ترامب الشراكة عبر المحيط الهادئ التي تفاوض عليها باراك أوباما، ولم يحرك بايدن ساكنا بعد ذلك للعودة إلى الانضمام إلى تلك الاتفاقية أو إزالة التعريفات التي فرضها ترامب على الواردات من الصين. في الواقع، ذهب بايدن إلى أبعد من ذلك بإدخال ضوابط تصدير جديدة تركز على التكنولوجيا ضد الصين (والتي جرى الترويج لها على أنها إقامة «سياج مرتفع حول ساحة صغيرة»). ونظرا لارتباطها بصناعة التكنولوجيا الأمريكية كمواطنة من كاليفورنيا، فمن غير المرجح أن تخفض هاريس السياج. أما ترامب، فسوف يعمل في الأغلب الأعم على توسيع الساحة.

علاوة على ذلك، تعهد كل من ترامب وهاريس بزيادة قوة أمريكا الصارمة ــ عسكريا واقتصاديا ــ من خلال الاستثمارات في ميزانية الدفاع والقاعدة الصناعية الدفاعية. من المتوقع أيضا أن يواصل كل منهما برنامج تحديث الأسلحة النووية الحالي، ودعم تطوير أسلحة جديدة تستخدم الذكاء الاصطناعي.

يتعلق أحد أكبر الاختلافات بين المرشحين بمواقفهما بشأن أوروبا. فقد أوضح ترامب وزميله في الترشح، جيمس ديفيد فانس، أنهما لا يهتمان كثيرا بدعم أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي. يزعم ترامب أنه سيعمل على إنهاء الحرب بسرعة من خلال المفاوضات، ومن الصعب أن نرى كيف قد يتسنى له هذا دون إضعاف أوكرانيا بشكل كبير.

وفي الشرق الأوسط، تعهد كل من المرشحين بالحفاظ على أمن إسرائيل وحقها في الدفاع عن النفس، وإن كانت هاريس تتحدث أيضا عن حق الفلسطينيين في تقرير المصير. ومن المرجح أن يحث كل منهما المملكة العربية السعودية على استئناف تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وكلاهما سيتخذان موقفا صارما في التعامل مع إيران. ولكن في حين يولي ترامب أولوية منخفضة لإفريقيا وأمريكا اللاتينية، فمن المتوقع أن تولي هاريس هاتين المنطقتين قدرا أكبر من الاهتمام.

يتعلق الاختلاف الأكثر درامية بالقوة الناعمة الأمريكية: القدرة على تأمين النتائج المرغوبة عن طريق الإقناع وليس الإكراه أو الرشوة. خلال فترة رئاسته، اختار ترامب التوجه الأحادي المتمثل في شعار «أمريكا أولا» والذي دفع الدول الأخرى إلى استنتاج مفاده أن مصالحها لم تكن موضع اعتبار. كما رفض التعددية صراحة، وبأكبر قدر من الإثارة الدرامية بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. ثم ألغى بايدن تلك التحركات، لكن ترامب سيعود إلى فرضها في الأرجح. في حين ستحافظ هاريس على المشاركة الأمريكية. وسوف تكون أيضا أكثر ميلا من ترامب إلى إصدار بيانات تروج لحقوق الإنسان والديمقراطية.

باختصار، سوف نشهد مجالات كبيرة من الاستمرارية في السياسة الخارجية الأمريكية بصرف النظر عن هوية الفائز في الانتخابات. لكن الاختلافات بين مواقف المرشحين تجاه التحالفات والتعددية كبيرة - وهذا في حد ذاته كفيل بإحداث كل الفارق.

جوزيف ناي سكرتير مساعد وزير الدفاع السابق، وأستاذ في جامعة هارفارد، مؤلف كتاب «القوة الناعمة» وكتاب «مستقبل القوة» وكتاب «هل انتهى القرن الأمريكي؟».

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: السیاسة الخارجیة

إقرأ أيضاً:

الغارديان: كابوس غزة بلا نهاية والسبب نتنياهو وعجز السياسة الأمريكية

نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، افتتاحية حول دولة الاحتلال الإسرائيلي وغزة، قالت فيها إنه "كابوس بلا نهاية؛ فبعد 11 شهرا على 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لا يزال الفلسطينيون والأسرى الإسرائيليون يتساقطون مع مخاطر توسع الحرب".

وأضافت الصحيفة، عبر مقال لها، ترجمته "عربي21" أن "السلطات الصحّية في غزة تقدر عدد المُتوفّين حتى الآن بأنه 41,118 فلسطينيا و 95,125 جريحا، عدد كبير منهم إصابتهم غيرت حياتهم". 

وتقول الصحيفة إن "وتيرة القتل ربّما تباطأت لكن الموت والمعاناة ليست أقل رعبا"، مشيرة إلى الغارة الإسرائيلية، الأربعاء الماضي، التي "قتلت 6 عمال إغاثة في الأمم المتحدة، الذين كانوا من بين 18 شخصا قتلوا بعد ضرب مدرسة بالنصيرات، وسط غزة، حيث لجأ إليها آلاف من النازحين. وقبل يوم قُتل 19 شخصا في منطقة يفترض أنها "أمان" بخان يونس".

وفي السياق نفسه، تابعت الصحيفة، أن "الصفقة التي تدعمها الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى، هي على طاولة المفاوضات منذ أيار/ مايو. ولكن ما كان واضحا قبل 11 شهرا أصبح أكثر وضوحا الآن: لا يوجد مخرج بدون استراتيجية واضحة، وبرئيس وزراء يطيل أمد الحرب خدمة للاعتبارات السياسية".

وأردفت، بأن "هذا هو الحكم على بنيامين نتنياهو، ليس من منافسيه السّياسيين، ولكن من مواطنيه ومن رئيس الأمن الداخلي السابق، ومن الرئيس الحليف المنافح عنه"؛ فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريش: "ما يحدث في غزة غير مقبول مطلقا".

وكتب الأمين العام للأمم المتحدة، بعد الهجوم على مدرسة تابعة لـ"الأونروا": "يجب أن تتوقف هذه الانتهاكات المأساوية للقانون الدولي الإنساني والآن"، فيما لم يرد نتنياهو، على مطالب غويتريش، بل تجاهلها. 


إلى ذلك، أخبر الأمين العام للأمم المتحدة، وكالة "رويترز" بأن "رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يرد على أي من مكالماته منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر". وربما عبر الرئيس جو بايدن عن إحباط من الإسرائيليين، حيث وصف مقتل الناشطة التركية- الأمريكية برصاص الجيش الإسرائيلي، الجمعة الماضية، قرب مدينة نابلس، بالضفة الغربية بأنه "غير مقبول بالمطلق"، لكنه لم يفعل أكثر لتحقيق العدالة للناشطة عائشة نور إيجي، ولم يدعُ بعد إلى تحقيق مستقل في القتل. 

وفي غضون ذلك، يتزايد أعداد الشهداء في غزة، حيث تقول جماعات الإغاثة أن "تدفّق الدعم الإنساني لا يزال غير كاف وأن مليون نسمة، أي نصف عدد السكان لن يحصلوا على الطعام الكافي هذا الشهر، حتى مع انتظار الشاحنات المحملة بالمساعدات عند نقاط التفتيش". 

ويكافح الناجون الذين يعانون من الصدمة، ومن الجراح للحصول على الإمدادات الأساسية، حيث باتت نسبة 90 في المئة من مساحة القطاع تحت أوامر الإخلاء، وتمّ تهجير العديد من السكان أكثر من مرة ولا بيوت لكي يعودوا إليها. ولو انتهت الحرب غدا، فإنه سوف يستمر الموت نظرا للظروف القاتمة، والأمراض التي تهدد حياة الناجين. 


وأوضحت الصحيفة، أن "النهاية لا تبدو قريبة. فلم تترك الاحتجاجات التي أعقبت مقتل الأسرى الستة تغيّرا في موقف نتنياهو، ويبدو أنه بانتظار عودة ترامب. ورغم النبرة المتعاطفة التي أظهرتها كامالا هاريس، تجاه الفلسطينيين، إلا أنها لم تقدم وصفة ناجعة لتخفيف معاناتهم لو فازت في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر".

واختتم المقال نفسه، بالقول: "يتّضح عجز السياسة الأمريكية الحالية أكثر بالوضع في الضفة الغربية المتدهور، والمخاوف المتزايدة من انزلاق إسرائيل وحزب الله نحو الحرب الشاملة، وعليه فإن الكابوس مستمر".

مقالات مشابهة

  • من خاشقجي إلى التطبيع: الأجندة الخفية التي تحرك السياسة الأمريكية
  • عاجل. ترامب: خطاب بايدن وكامالا هاريس وراء إطلاق النار علي
  • مناظرة هاريس - ترامب تكشف عن أهمية السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية
  • ما قصة المواجهة بين "قطار ترامب" وحافلة "هاريس- بايدن"؟
  • في جانب مهم.. هاريس تتبع استراتيجية حملة مختلفة عن بايدن
  • قبل الانتخابات الأمريكية.. مشاهير أعلنوا تأييد ترامب وآخرين دعموا كامالا هاريس
  • بابا الفاتيكان يصدم مرشحي الرئاسة الأمريكية «ترامب» و«هاريس».. ماذا قال؟
  • مناظرة هاريس وترامب.. مصير لقاء الحسم الجديد قبل انتخابات الرئاسة الأمريكية (تفاصيل)
  • من يتصدر استطلاعات الرأي الأمريكية.. هاريس أم ترامب ؟
  • الغارديان: كابوس غزة بلا نهاية والسبب نتنياهو وعجز السياسة الأمريكية