لجريدة عمان:
2025-03-04@06:15:33 GMT

صون التراث النقدي حول نجيب محفوظ!

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

صون التراث النقدي حول نجيب محفوظ!

(1)

في 12 أكتوبر من عام 1994 تعرض نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال آثمة على أيدي متطرفين "إرهابيين" متأسلمين. اهتز الرأي العام المصري والعربي كله لهذه الجريمة الوحشية، وقدَّم كامل تعاطفه ودعمه للكاتب الكبير صاحب نوبل.

كان من بين تلك المبادرات العديدة التي قدمت آنذاك لإعلان الدعم والمساندة للكاتب الكبير مبادرة الهيئة المصرية العامة للكتاب برئاسة المرحوم سمير سرحان.

وذلك بإعلانه إعادة نشر مجموعة منتقاة من أبرز الكتب والدراسات التي تناولت أعمال نجيب محفوظ بالتحليل والدراسة والنقد.

كان من بين أبرز هذه الكتب والأعمال النقدية المجلد الرائع، باذخ الثراء وفائض المعرفة ومحكم التخطيط والتبويب «الرجل والقمة ـ دراسات وبحوث» الذي صدرت طبعته الأولى عن الهيئة العامة للكتاب سنة 1989، من جمع وإعداد وتصنيف الباحث المصري والناقد الراحل فاضل الأسود؛ ذلك المثقف المصري النبيل والفريد تكوينا وسلوكا وإنتاجا ومعرفة.

جمع هذا المجلد الضخم الذي تجاوز الخمسمائة صفحة من القطع الكبير طائفة ممتازة من المقالات والدراسات النقدية التي دارت وتمحورت حول أدب نجيب محفوظ الروائي. لكن مهلا.. وماذا في ذلك؟ كثير من الكتب جمعت مقالات ورتبتها كيفما اتفق ونشرت ضمن العشرات من الكتب التي جمعت مادة نقدية حول أديب نوبل الكبير.. فماذا ميز هذا الكتاب عن غيره؟

في تقديري -وأنا دائما ما أحترز من أفعل التفضيل ومن الإطلاق والتعميم- فإن هذا الكتاب يمثل أول ذخيرة نقدية من العيار الثقيل والرصين والممتاز حول خطاب نجيب محفوظ الروائي، غطى إنتاج محفوظ الروائي منذ بواكير رواياته الفرعونية الأولى وحتى نهايات مرحلته الواقعية وما بعدها.

(2)

ونظرة على تبويب الكتاب وفهرس فصوله، وترتيب مقالاته تؤكد أن وراء هذا التبويب وهذه الفهرسة جهد مسحي ونقدي وتصنيفي وتحليلي مذهل. هنا يبرز اسم معد الكتاب وصاحب فكرته وكاتب مقدمته الناقد الراحل الكبير فاضل الأسود، الذي قدم للثقافة العربية وللنقد الروائي ولعشاق أدب نجيب محفوظ خدمة جليلة لا تقدر بمال، ذلك أنه بتجرد مذهل وزهد وموضوعية لا نظير لها قد تصدى لعمل ضخم ينوء به أولو العزم من الرجال..

فمن بين مئات (ولن أقول الآلاف) من المقالات المنشورة في الصحف والدوريات منذ بدأ نجيب محفوظ نشر إبداعه الروائي في مطالع أربعينيات القرن الماضي، وحتى تكليل مشواره الطويل والباذخ بجائزة نوبل في الآداب 1988، انتقى فاضل الأسود هذه الطائفة الممتازة من المقالات والدراسات ورتبها وبوبها وصنفها كي ترسم في النهاية بانوراما نقدية لا مثيل لها لما كتب عن نجيب محفوظ منذ بدء مشواره مع الإبداع والنشر وحتى آخر رواياته صدورا قشتمر في السنة التي حاز فيها نوبل، 1988.

قرأ فاضل الأسود هذا الركام بأكمله، ومن قبله قرأ إبداع محفوظ كله، والقارئ الحصيف للمجلد يدرك تماما أن الرجل لم يكن يختار المقالات كيفما اتفق بل بوعي نقدي شديد الرهافة والتمثيل والقدرة على ملء جزء من الصورة البانورامية النقدية التي أراد رسمها لإبداع نجيب محفوظ الروائي.

غطى إبداعه زمنيا، كما غطاه فنيا وموضوعيا، وسجل تطوره الفني والجمالي كما رصد تطور لغته السردية والروائية، واقتنص محطات تحولاته الأسلوبية، ومع كل مقال أو دراسة اختارها وسكنها في موضعها من البناء المحكم لمجلد الرجل والقمة، لم يكن هناك أفضل من هذا المقال أو هذه الدراسة لتقدم معرفتها الوافية بهذا الموضوع أو ذاك.. في ضوء هذه الفكرة يمكننا أن ندرك ما قصد إليه المرحوم فاضل الأسود من اختيار وتصنيف وترتيب هذه الطائفة الهائلة من البحوث والدراسات؛ يقول رحمه الله:

"هو تجميع، وليس بتأليف، وهو أصوات متعددة، وليس بصوت منفرد". وكأنه كان يطبق حرفيا ما قصد إليه باختين من نظريته حول تعدد الأصوات واللغات في الرواية، لكنه هنا طبقها على المواد والخطابات النقدية أيضا!

(3)

«الرجل والقمة»، في نظري، يعتلي قمة الكتب النقدية عن نجيب محفوظ، لأنه كما قال عنه صاحبه، يحتوي على بحوث ودراسات، البعض منها توشي أفكاره الصِبَغ العلمية والمنحى الأكاديمي، وتحمل عباراته النيرة الهادئة الرصينة، إلى جانب مقالاتٍ فيها غَلَبة الطابع الصحفي وسرعة إيقاع الدوريات والمجلات وضغط المساحة. وقد وضع فاضل الأسود حدودًا ومعايير صارمة لترتيب الأولويات، أهمها:

1- إبراز دور الطليعة النقدية من جيل الرواد، التي حملت عبء إضاءة الطريق أمام إبداع محفوظ.

2- العطاء النقدي للنقاد الذين رحلوا وانقطع عطاؤهم.

3- النقاد الذين جعلوا نجيب محفوظ أحد محاور اهتماماتهم الرئيسية.

4- الدراسات والرسائل الجامعية الخاصة التي تعرضت بالدراسة لفن محفوظ الروائي.

5- الكتابات الصحفية في الدوريات والمجلات.

وهنا يعلق الناقد والكاتب الراحل لمعي المطيعي على هذا الجهد، وهذه المنهجية الصارمة، بقوله:

"إلا أننا بمطالعة هذه الأعمال كافة نقف على مدى اهتمام النقاد والكتاب والمثقفين بأدب نجيب محفوظ من زوايا مختلفة، ومنذ وقتٍ مبكر، وفي فترات زمنية متصلة؛ مما يدفع إلى الخلف العتاب الذي طرحه البعض، عندما أقبل الكثيرون يحتفون بنجيب محفوظ بعد فوزه بجائزة نوبل قائلين: "أين هذه الموجة، وقد كان نجيب محفوظ بيننا منذ نصف قرن؟

وكتاب فاضل الأسود يرد على هذا العتاب بالفيض الغزير الذي جمعه، والذي بدأ منذ عام 1944".

(4)

بنائيا وهيكليا، ينقسم الكتاب إلى ستة أبواب كبرى، يندرج تحت كل باب منها عدد من المقالات والدراسات المصنفة وفق معيار محدد يثبته فاضل الأسود في صدارة الباب، ويحقق كل مقال أو دراسة تندرج تحته هذا المعيار بعدل وإنصاف مجردين تماما من أي شائبة أو مجاملة، فمن ذا الذي يمكن أن يختلف حول أنور المعداوي أو محمد مندور أو عبد القادر القط أو رجاء النقاش.. إلخ، كل هؤلاء قدموا رؤاهم ونقدهم حول نجيب محفوظ وفق منظوره الخاص وزاوية النظر والتأمل لهذه الرواية أو تلك..

جاءت الأبواب الستة المكونة للكتاب على النحو التالي، ووفق هذا الترتيب:

الباب الأول: صورة قلمية (بورتريه) لنجيب محفوظ،

ثم الكتابات الأولى التي بدأت منذ عام 1944 حول أعمال محفوظ.

الباب الثاني: دراسة كلية وشاملة للأستاذ يحيى حقي بعنوان "الاستاتيكية والديناميكية في أدب نجيب محفوظ"، والثانية للدكتور لويس عوض "كيف نقرأ نجيب محفوظ؟" وهي التي قال فيها عبارته المشهورة عن نجيب محفوظ بوصفه "بات مؤسسة يرضى عنها اليمين واليسار والوسط ويجيء بالسياح لزيارتها والتعرف إليها مثل الأهرامات"

الباب الثالث: مقالات تحت "مقولات" مختلفة.

الباب الرابع: مقالات نقدية عن أعمال روائية مفردة بذاتها، أو تعرض رؤية واحدة لعددٍ من الأعمال.

الباب الخامس: وقفات لعدد من النقاد قبل أن نصل إلى الباب الأخير.

الباب السادس والأخير: أسماه "فاضل الأسود": الشكليَّة الجماليَّة والتحليليَّة الحضاريَّة. وأعقب هذا التبويب المحكم والتأطير الصارم بخريطة مفصلة للقاهرة المعزية أو القاهرة الفاطمية جنبا إلى جنب القاهرة الجديدة التي شملت العباسية شمالا لتكون شاهد عيان على فضاء المكان الذي دارت فيه أغلب روايات نجيب محفوظ، وهي خريطة كبيرة جدًا، طولها 50 سم، وعرضها 40 سم.

الوجه الأول منها للقاهرة المُعزِّيَّة، والوجه الثاني للقاهرة الجديدة. قام بتنفيذها مهندس الديكور "صلاح مرعي"، وأعدتها مصلحة المساحة، ومقياس الرسم 5000:1.

(5)

وكم كنت أتمنى وأنتظر المجلد الثاني الذي أعلن صاحبه عنه، ولم يسعفه القدر لإكماله، ولو كان أكمله لقدَّم لنا أضعاف ما قدَّم من أياد بيضاء وخدمات لا تقدر بمال لكل محبي نجيب محفوظ وعاشقي أدبه ومدركي قيمة هذا الأدب وموضعه من أعمال كبار الكتاب في التراث الإنساني.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: محفوظ الروائی من المقالات نجیب محفوظ

إقرأ أيضاً:

نوادر رمضان.. كيف ظهر الشهر الكريم في التراث العربي؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

 

منذ القدم، ارتبط شهر رمضان بمظاهر احتفالية فريدة، ولم تخلُ رؤية الهلال من القصص الطريفة والمواقف النادرة، حيث كانت تتم بالعين المجردة، مما جعلها مجالًا للكثير من النوادر والمواقف الغريبة التي سجلها الكاتب أحمد الصاوي في كتابه "رمضان زمان".

يروي الصاوي أن الصحابي أنس بن مالك، وكان قد قارب المائة عام، حضر مع جماعة لرؤية هلال رمضان، فأقسم أنه رآه وظل يشير إليه، بينما لم يره أحد سواه. وعندما فحصه القاضي إياس، المعروف بذكائه الحاد، لاحظ أن شعرة بيضاء من حاجب أنس قد انثنت فوق عينه، فقام بتسويتها، ثم طلب منه أن ينظر مرة أخرى، فقال أنس: "الآن لا أراه"!

وفي موقف آخر، اجتمع الناس لرؤية الهلال، وبينما لم يره أحد، صاح رجل مؤكدًا أنه رأى الهلال، فتعجب الحضور من حدة بصره. لكنهم فوجئوا به يضيف قائلاً: "وهناك هلال آخر بجواره!"، فضحكوا منه، وعرفوا أنه كان يبالغ في ادعائه.

كما يُروى أن صبيًّا هو أول من شاهد الهلال، وعندما أخبر الحاضرين، قال له أحدهم مازحًا: "بشّر أمك بالجوع المضني"، تعبيرًا عن بدء الصيام.

أما أحد الظرفاء، فقد سئل ذات مرة: "أما تنظر إلى هلال رمضان؟"، فأجاب ساخرًا: "وما حاجتي إليه؟! إنه مجرد مُحصّل ديون، ومُقرب للأحزان، ومؤذن بالجوع!".

لم يكن استطلاع الهلال مجرد حدث ديني، بل كان مناسبة احتفالية كبرى، خصوصًا خلال العصر الفاطمي. فقد بلغ اهتمام الحاكم بأمر الله بإنارة المساجد في رمضان أنه أمر بصناعة تنور ضخم من الفضة الخالصة لإضاءة محراب الجامع الأزهر، وكان ضخمًا لدرجة أن القائمين لم يتمكنوا من إخراجه بعد انتهاء الشهر إلا بعد هدم الحائط المجاور!

أما في عهد محمد علي باشا، وحتى أواخر القرن التاسع عشر، فقد كانت احتفالات رؤية الهلال مشهداً مهيباً. كان الموكب الرسمي ينطلق من محافظة القاهرة إلى المحكمة الشرعية، وسط عزف الموسيقى، وقرع الطبول، ومشاركة الجنود. وعند ثبوت رؤية الهلال، تُطلق المدافع، وتُضاء المآذن، وتُشعل الألعاب النارية، ثم يطوف الموكب في شوارع القاهرة ليعلن بداية الصيام وسط أجواء احتفالية رائعة.

لم يكن رمضان مجرد شهر صيام، بل كان مناسبة يعم فيها الفرح، حيث تتنوع الطقوس بين الجدية والطرافة، ويظل استطلاع الهلال لحظة مميزة تُحيط بها النوادر، التي جعلت من رمضان شهرًا له نكهته الخاصة في ذاكرة المصريين عبر العصور

مقالات مشابهة

  • بيان للمكتب الاعلامي للرئيس نجيب ميقاتي... هذا ما جاء فيه
  • ما قصة القفاز الأسود في يد مورغان فريمان في حفل الأوسكار؟
  • قرار جديد بشأن عاطل وربة منزل بتهمة السرقة في النزهة
  • مسلسل قلبي ومفتاحه الحلقة 2.. مى عز الدين تتشاجر مع آسر ياسين في أول لقاء
  • محافظ القاهرة يتفقد أعمال إخلاء شارعي الجوهري ويوسف نجيب بالموسكى من الباعة الجائلين
  • 3 حالات تتسبب في وقف الدعم النقدي عن المستفيدين .. احذرها
  • نوادر رمضان.. كيف ظهر الشهر الكريم في التراث العربي؟
  • في ذكرى رحيلها.. حكايات وأسرار من حياة زينات صدقي مع المثقفين والأدباء في جلسات المزاج
  • أسرار حياة زينات صدقي.. حكايات الفكاهة وجلسات المزاج مع المثقفين
  • إيقاف الدعم النقدي حال عدم تقديم الإقرار السنوي.. تفاصيل