رئيس وفد حكومة السودان المفاوض: الحرب الآن في نهاياتها وجيشنا يقلب الموازين
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
قال رئيس الوفد الحكومي السوداني للمشاورات مع الجانب الأمريكي، الوزير محمد بشير أبو نمو، إن "الحرب الآن في نهاياتها وخواتيمها، وستقف عاجلا بإنهاء أي دور لقوات الدعم السريع سواء كان عسكريا أو سياسيا"، مشيرا إلى أن "الجيش يقلب الموازين الآن ويأخذ زمام المبادرة على الأرض".
وشدّد أبو نمو، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، على أن "كل معسكرات (الدعم السريع) الآن تحت سيطرة الجيش، والعمل جارى الآن في نظافة العاصمة الخرطوم من بقايا المليشيا المتمردة، وحالما تُنظف العاصمة بإخراج المتبقين من أفراد (الدعم السريع) من بيوت المواطنين، سيعود بقية الناس إلى بيوتهم".
وأكد أن "الجيش السوداني خاض ما يشبه حرب كونية محدودة ضد فصائل بمئات الآلاف من أكثر من 17 دولة كلهم مرتزقة مجندون بأموال سائبة من دولة مارقة في المنطقة، وبعد تدمير طال كل مناحي الحياة، تمكن جيشنا من كسر شوكة المليشيا المرتزقة، وبدأ في تنظيف العاصمة والزحف على الولايات التي دنستها المليشيا لاستعادة السيطرة عليها".
ولفت رئيس الوفد الحكومي السوداني للمشاورات مع الجانب الأمريكي، إلى أن "هناك نية معقودة لتكوين حكومة تكنوقراط غير حزبية في المدى الزمنى المنظور، لكن لم يتم تحديد الموعد ولا المرشح لرئاستها بعد".
وفي 24 آب/ أغسطس الماضي، أعلن قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، عن اعتزامه تشكيل "حكومة حرب مدينة" من التكنوقراط خلال الفترة المقبلة للاضطلاع بإدارة العمل التنفيذي.
وانتقد أبو نمو، تعدد المنابر والتدخلات الخارجية لمحاولة إنهاء الأزمة السودانية، قائلا: "نحن ضد تعدد المنابر، وضد التدخلات الخارجية؛ لأنها مضرة بالعملية التفاوضية".
وتابع: "أخطر ما في هذا الصراع هو دخول بعض الدول لمساندة ودعم وإمداد المليشيا بالسلاح والمرتزقة لإطالة أمد الحرب"، مؤكدا أن "دور الإمارات كان، وما زال، دورا عدائيا مساندا للمليشيا، وبل داعما لها عتادا وتمويلا، والدور الأمريكي كوسيط كان أيضا دور سلبي لعدم حياديته".
وتاليا نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف ترون واقع المشهد العام في السودان اليوم بعد مرور أكثر من 500 يوما على اندلاع الحرب؟
المشهد العام بعد كل هذه المدة، وبعد خوض الجيش السوداني ما يشبه "حرب كونية محدودة" ضد فصائل بمئات الآلاف من أكثر من 17 دولة كلهم مرتزقة مجندون بأموال سائبة من دولة مارقة في المنطقة، وبعد تدمير طال كل مناحي الحياة، من مرافق للدولة وبنيتها التحية، والأبراج، والمراكز التجارية، وبيوت المواطنين الذين هُجِّروا منها قسرا، تمكن جيشنا العظيم من كسر شوكة المليشيا المرتزقة واستعاد الآن زمام المبادرة على الأرض، وبدأ في تنظيف العاصمة الخرطوم والزحف على الولايات التي دنستها المليشيا لاستعادة السيطرة عليها.
هذه الحرب المُدمّرة خلقت وضعا إنسانيا مزريا غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث والقديم، والسبب في ذلك لأن المليشيا هدفها الأول هو المواطن في نفسه وعرضه وماله وممتلكاته، بغرض تهجيره وتوطين "عربان الشتات" بدلا عن المواطن السوداني، وهذا هو مشروع "الدعم السريع" المعلن.
كيف تقيم الدور الذي تلعبه القوات المسلحة السودانية في المشهد السياسي الحالي؟ وهل الجيش في موقف أفضل أم أسوأ اليوم؟
الجيش مهموم بردع العدوان وتحرير البلاد من الغزو، ونحن نؤكد اليوم أن الجيش الآن في موقف أفضل وفي أحسن حالاته منذ اندلاع الحرب.
هل تعتقدون أن هذه الحرب يمكن أن تُحسم عسكريا في مرحلة من المراحل؟
في أي صراع مسلح أصعب الأمور وأكثرها تعقيدا وتكلفة هو الحسم العسكري، وبالتالي الحسم العسكري هو خيار عسكري أخير وهو ما يُعرف بـ last military resort ، واللجوء إليه دائما للاضطرار، ونأمل ألا نلجأ إليه؛ لأن الأفضلية دائما للحوار والتفاوض للوصول إلى سلام، ونحن لا خيار لنا سوى ردع العدوان، وإفشال مشاريع التقسيم وتوطين "عربان الشتات"، والحفاظ على وحدة البلاد.
لكن لماذا فشل الجيش في حسم الصراع حتى الآن؟
يمكن أن يطرح مثل هذا السؤال على روسيا في حربها مع أوكرانيا، أليس كذلك؟، رغم أن روسيا دولة عظمى ولا مقارنة بينها وبين السودان، وحربها الآن تجاوزت السنتين والنصف ولم تُحسم عسكريا حتى الآن، والسبب لأن هنالك تحالفا غربيا بقيادة دولة عظمى أخرى تقود هذه الحرب ضد روسيا، فما بال السودان الذي تكالبت عليه مرتزقة من أكثر من سبعة عشرة دولة بينما صمد جيشنا طوال أكثر من 16 شهرا دون مساعدة تُذكر من الأصدقاء، حتى استطاع أن يقلب الموازين الآن وأخذ زمام المبادرة، والحرب في خواتيمها الآن إن شاء الله.
هل الجيش السوداني لديه رغبة حقيقية في وقف القتال الدائر؟ وهل المعركة مع "الدعم السريع" صفرية أم لا؟
الجيش السوداني يرغب في إنهاء الحرب بشكل كامل، لكن "الدعم السريع" يسعى إلى وقف مؤقت لإطلاق النار حتى يلتقط الأنفاس، ويعيد تنظيم صفوفه، ويربط خطوط إمداده المتقطعة بفعل الأمطار ونشاط القوة المشتركة في دارفور، والتي استطاعت أن تقفل الكثير من خطوط الإمداد من تشاد وليبيا.
إنهاء الحرب يبدأ من التنفيذ الفوري لمقررات "اتفاق جدة"، ومن ثم التقدم في المفاوضات لحسم أي قضايا عالقة، وهذا ما يرفضه "الدعم السريع".
متى يمكن أن تعودوا إلى العاصمة الخرطوم مرة أخرى؟
كل معسكرات "الدعم السريع" الآن تحت سيطرة الجيش، والعمل جارى الآن في نظافة العاصمة من بقايا المليشيا المتمردة، وحالما تُنظف العاصمة بإخراج المتبقين من أفراد "الدعم السريع" من بيوت المواطنين، سيعود بقية الناس إلى بيوتهم إن شاء الله.
ما هو موقفكم من مطالب بعض القوى السياسية بضرورة العودة إلى "الحكم المدني" مع إبعاد الجيش و"الدعم السريع" عن السلطة؟
لا أحد يرغب غير الحكم المدني بما في ذلك الجيش نفسه، ولكن هل هذا التوقيت الآن مناسب للتحدث عن نظام الحكم أيّا كان نهجه مدني أو عسكري؟، كل الشعب السوداني في الوقت الحالي مُصطف مع الجيش والقوة المشتركة والمقاومة الشعبية لدحر الغزاة المرتزقة، وعندما تتحرر البلاد من هؤلاء، سوف يجلس الناس للتحاور حول النظام الأمثل لحكم البلاد، وهو بالتأكيد سيكون نظام حكم مدني.
البعض يرى أن استمرار الحرب في السودان مرهون فقط بالطموحات السياسية للبرهان وحميدتي. ما تعقيبكم؟
للأسف مثل هذا الحديث هو تبسيط مخل لطبيعة الحرب الجارية الآن في السودان، وربما الأسوأ مثل هذا الحديث يطلقه بعض أنصار التمرد كنوع من التمويه، والتمويه الذي أقصده هو أن مليشيا "آل دقلو" الإرهابية جنّدت مئات الآلاف من المرتزقة من دول الجوار وما بعد الجوار من غرب أفريقيا لغزو السودان، وطرد سكانه الأصليين، وتوطين ما يسمونهم بـ "عربان الشتات"، وهذا الهدف مُعلن في أدبيات المليشيا بسعيهم لإقامة دولة "العطاوة"، والذي يفترض أن تكون سكانها عرب بالضرورة من غير الآخرين.
إذن البرهان يقاتل، ومن ورائه الشعب السوداني كله، لمنع إقامة مثل هذه الدولة العنصرية، وحميدتي يقاتل من أجل إقامة هذه الدولة، وعليه مَن يطرح مثل هذا السؤال عليه أن يبحث عن الإجابة الصحيحة من ثنايا هذا الشرح.
حميدتي أصدر مؤخرا قرارا بتوجيه قواته بحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين بالحرب في السودان.. إلى أي مدى ستنفذ قوات "الدعم السريع" هذا القرار؟
السؤال الأهم: أين هو حميدتي الآن؟، دعك من تلك القرارات "المنسوبة" إليه، والتي يمكن أن يكتبها أي ناشط محسوب عليه وينشرها؟، مَن يحمي المدنيين لا يمكنه أن يحاصر القرى ويجلي سكانها عنوة، ومن ثم ينهب كل ممتلكات المواطنين، بما في ذلك المؤن الغذائية، كيف تقوم قوات حميدتي بإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين وهم الذين تسبّبوا في قتل المواطنين ونهبهم؟، وكيف تحمي قوات حميدتى المدنيين وقد نشروا أبشع صورة لهم قبل يومين لمجموعة من قواته وهم يتناوبون على جلد طفلة لا تتجاوز عمرها الثمانية سنوات؛ لأنها أخفت حليها بالدفن عندما شعرت أن "الدعم السريع" قد دخلت القرية للنهب والقتل؟
هذا قرار لا وجود له في الأساس، ولا يوجد مَن يطبق مثل هذا القرار من قوات حميدتي؛ لأنها فاقدة للسيطرة والتوجيه، مثله مثل ما قيل من بعض مستشاري حميدتى من أنهم يجهزون بعض المطارات لإنزال الإغاثة.
بالطبع يقصدون إنزال دعم لوجستي عسكري لصالح "الدعم السريع"، مثل هذه الدعاوى تعتبر أحلام لا يمكن تحقيقها، وإلا كيف تدير مليشيا متمردة مطارات بلد أجوائها مقفولة بقرار سيادي؟
متى سيتم الإعلان عن تشكيل «حكومة حرب مدينة» من التكنوقراط، والتي تحدث عنها الفريق البرهان قبل أيام؟ ومَن الشخص الأقرب لرئاستها؟
كل ما أعلمه أن هناك نية معقودة لتكوين حكومة تكنوقراط غير حزبية في المدى الزمنى المنظور، ولم يتم تحديد الموعد ولا المرشح لرئاستها بعد.
لكن ماذا لو أقدم "حميدتي" على تشكيل سلطة في مناطق سيطرته على أن تكون الخرطوم عاصمة لها لحكومته، كما هدّد سابقا؟
الغرض الأساسي لأي حكومة هو لتنظيم إدارة مدنية أو عسكرية لإدارة الناس في الدولة، أي أناس يرغب "الدعم السريع" في حكمهم؟ لا يوجد سوداني واحد يقبل أن يعيش تحت حكومة على رأسها مَن ينتسبون إلى الدعم السريع؛ فعندما يدخل "الدعم السريع" إلى المدن يهرب الناس منهم كجري النوق السليمة من الأجرب؟، كيف تحكم شعب كله يجري منك من مخافة الجلد والقتل والسحل والنهب؟، كيف تدير حكومة من مدينة (الخرطوم) ولا تملك سيطرة على أجوائها أو أرضها؟، هذا هراء.
هؤلاء لا يستطيعون إعلان حكومة في قرية "الزُرق" المُحتلة، وهي بادية في أطراف وادي هور في حاكورة قبيلة الزغاوة، التي احتلوها قبل سنوات وسكنوا فيها جمعة دقلو، عم حميدتى، وأقاموا حامية عسكرية هناك، لكنه الآن هرب منها بأهله ونوقه خوفا من القوة المشتركة التي آلت على عاتقها تحرير دارفور والسودان من المليشيا بالتلاحم مع قوات الشعب المسلحة، وأخيرا: كيف يعلن "الدعم السريع" حكومة في الخرطوم وكل قيادات الصف الأول إما قُتلوا أو هربوا خارج السودان؟
على صعيد آخر، ما الأسباب التي أدت لتحويل "منبر جدة" إلى جنيف؟
أولا نحن لسنا مصرون على "منبر جدة" لموقعه الجغرافي، ولكن ما يهمنا هو تنفيذ ما تم توقيعه في هذه المدينة من اتفاق، أما عن أسباب تحويل "منبر جدة" إلى جنيف فلا علم لنا بذلك، ولم يتم استشارتنا وعندما سألنا عن الأسباب لم نجد الإجابة المقنعة.
مَن المسؤول عن فشل مفاوضات جنيف من وجهة نظركم؟
نحن لا نسميها مفاوضات؛ لأننا قلنا رأينا في مشاورات جدة مع الطرف الأمريكي بأننا لن نذهب إلى هناك؛ لأن المبعوث الوسيط الأوحد في المنبر الجديد (في إشارة للمبعوث الخاص الأمريكي للسودان توم بيرييلو) رفض مطالبنا، ولذلك قررنا ألا نذهب، وبالتالي لا يمكن تسمية ما تم وفضَّ في جنيف بمفاوضات، لأن للمفاوضات طرفين على الأقل، بينما مَن ذهب إلى هناك كان طرف واحد، وهو "الدعم السريع" فقط.
ولماذا ترفضون توسعة "منبر جدة"؟
في الأساس لم تتم مناقشتنا في موضوع التوسعة، ولماذا لم تتم التوسعة في جدة ذاتها إذا كانت مطلوبة؟، والسؤال الآخر: التوسعة لاستيعاب مَن من الأطراف؟، وما دورها في المفاوضات؟، وهل هناك إجماع بين الطرفين (الجيش والدعم السريع) في الأساس على ذلك؟، وفي ظل غياب أجوبة لمثل هذه التساؤلات لا يجب تحميلنا فشل توسعة "منبر جدة".
هل يبدو التناقض واضحا بين توالي المؤتمرات الخاصة بسلام السودان واستمرار المعارك على الأرض؟
لا أرى أن هناك تناقضا؛ لأن الغرض من المفاوضات هو الاتفاق على وقف أو إنهاء الحرب، ويتأتى ذلك بعد التوقيع على اتفاق وتنفيذ بنوده، وهذا ما فشل فيه "الدعم السريع" والوسطاء لفشلهم للضغط على "الدعم السريع" لغرض الانصياع وتنفيذ مقررات جدة.
كيف تنظرون لتعدد المنابر والتدخلات الخارجية لمحاولة إنهاء الأزمة السودانية؟ وهل أنتم مع أم ضد ذلك؟
نحن ضد تعدد المنابر، وضد التدخلات الخارجية؛ لأنها مضرة بالعملية التفاوضية.
ما أبعاد مجمل التدخلات الإقليمية والدولية اليوم في السودان؟ وكيف تأثرتم بها؟
أخطر ما في هذا الصراع هو دخول بعض الدول لمساندة ودعم وإمداد المليشيا بالسلاح والمرتزقة لإطالة أمد الحرب، أما التدخلات الدولية والإقليمية، والتي يفترض أنها تكون لصالح إيقاف الحرب أو إنهائها؛ فمعظمها كانت سلبية، بما في ذلك أدوار بعض الوسطاء لعدم حيادتها.
كيف تقيمون الدور الأمريكي والإماراتي تحديدا في السودان؟
إذا القصد من السؤال هو دورهما في الحرب، فإن دور الإمارات كان، وما زال، دورا عدائيا مساندا للمليشيا، وبل داعما لها عتادا وتمويلا، أما الدور الأمريكي كوسيط كان أيضا دور سلبي لعدم حياديته.
هل هناك أي تحركات جديدة في الوقت الحالي للوساطة ومحاولة إنهاء الأزمة السودانية؟
لا نرى ولم نسمع حتى الآن.
متى تتوقع أن تنتهي الحرب في السودان؟
وفق رأي العسكريين، الحرب الآن في نهاياتها، ولكن ما يشغلني على المستوى الشخصي، هو الشأن الإنساني الحرج جدا، والذي يزيد الأوضاع سوءا كل يوم هو الاعتداءات الوحشية من المليشيا على القرى والمدن بالعدوان الممنهج على المرافق العامة والمستشفيات والأسواق، وذلك استهدافا للمدنيين.
ما الذي ستتجه له الأوضاع مستقبلا في السودان؟
بعون الله ستقف الحرب عاجلا بإنهاء أي دور للدعم السريع سواء كان عسكريا أو سياسيا، ويتجه السودانيون لإعادة بناء وطنهم بمساعدة الأصدقاء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مقابلات السوداني البرهان الإمارات السودان الإمارات مفاوضات جنيف قوات الدعم السريع البرهان المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التدخلات الخارجیة الجیش السودانی الدعم السریع فی السودان منبر جدة الحرب فی أکثر من مثل هذا یمکن أن الآن فی فی ذلک
إقرأ أيضاً:
حكومة موازية في السودان… ما الموقف المصري؟
تشهد الساحة السودانية تصعيداً جديداً، يفاقم من أزمة الانقسام السياسي الداخلي، مع تحركات من قوى سياسية ومدنية وحركات مسلحة لإعلان تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة «قوات الدعم السريع»، وذلك على وقع الحرب الداخلية الممتدة منذ نحو 22 شهراً.
ومع تنديد الحكومة السودانية التي تتخذ من بورتسودان مقراً لها، بتلك الخطوة، والتحذيرات الأممية من تأثيرها على «تفاقم الأزمة الداخلية»، قال خبير ودبلوماسي سابق مصريان إن «القاهرة تتعامل مع (مجلس السيادة) السوداني باعتباره السلطة الرسمية المعترف بها دولياً، ومن المستبعد اعترافها بأي (حكومة موازية)»، في حين «لم تعلق مصر رسمياً على هذه التحركات».
وتسببت الحرب الداخلية في السودان التي اندلعت منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، في نزوح آلاف السودانيين داخل البلاد وخارجها، بينهم نحو مليون و200 ألف إلى مصر، حسب إحصاءات رسمية.
واستعاد الجيش السوداني، أخيراً، عدداً من المدن الرئيسية التي كانت تسيطر عليها «قوات الدعم السريع»، خصوصاً في العاصمة الخرطوم وولاية الجزيرة، غير أن هذا التقدم تزامن مع تحركات تشكيل «حكومة موازية» جديدة.
وبدأت قوى سودانية في مشاورات التوقيع على «وثيقة إعلان سياسي، ودستور مؤقت للحكومة الموازية»، في العاصمة الكينية نيروبي، الثلاثاء، بمشاركة ممثلين لـ«الدعم السريع»، وأحزاب مثل «الأمة، والاتحادي الديمقراطي (الأصل)»، وشخصيات سودانية، بينهم قائد «الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال» عبد العزيز الحلو، وعضوا «مجلس السيادة» السابقان الهادي إدريس، والطاهر حجر.
واستدعت «الخارجية السودانية» سفيرها لدى كينيا للتشاور، رداً على استضافة اجتماعات تشكيل «حكومة موازية»، ووعدت في إفادة، الخميس، باتخاذ «إجراءات لصون أمن السودان، وحماية سيادته ووحدة أراضيه». وسبق ذلك، إعلان «مجلس السيادة» السوداني، الأربعاء، «تشكيل حكومة انتقالية، يرأسها شخصية تكنوقراط، لا تنتمي لأي جهة سياسية».
وسعت «الشرق الأوسط» إلى الحصول على تعليقات رسمية من الجهات المصرية المعنية، على تحركات تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، لكن لم يتسنَّ ذلك. في حين جاء أحدث مواقف القاهرة الداعمة للسودان، في بيان مصري - إسباني، الخميس، خلال ختام زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمدريد، أكد «ضرورة احترام وحدة وسلامة أراضي السودان، والحفاظ على مؤسساته الوطنية». وشدد البيان على «أهمية العمل على إطلاق عملية سياسية شاملة بملكية وقيادة القوى السياسية والمدنية السودانية، دون إملاءات خارجية».
وبحسب عضو «المجلس المصري للشؤون الخارجية»، السفير صلاح حليمة، فإن «مصر تتعامل مع (مجلس السيادة) السوداني باعتباره النظام الرسمي الذي يمثل السودان دولياً»، مشيراً إلى أن «القاهرة تعترف بالحكومة السودانية، وتستقبل رئيس (مجلس السيادة) وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، باعتباره رئيس السلطة الحالية في السودان».
وترأس البرهان وفد السودان في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، في سبتمبر (أيلول) الماضي.
ويستبعد حليمة «اعتراف مصر بخطوة تشكيل (حكومة موازية)»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «رغم عدم اكتمال تشكيل القوى والأطراف لتلك الحكومة، فإنه لا يوجد اعتراف دولي بها، سوى من بعض الأطراف الإقليمية، منها كينيا التي تستضيف اجتماعات صياغة الإعلان السياسي لها»، لافتاً إلى أن «القاهرة تدعم مؤسسات السودان الوطنية».
الدعم المصري للحكومة السودانية، أكده وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، مجدداً خلال محادثات مع نظيره السوداني، علي يوسف الشريف، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن في 14 فبراير (شباط) الجاري، وشدد على «موقف بلاده الداعم للسودان، ومؤسساته الوطنية، وبذلها كافة الجهود لتعزيز سيادته ووحدته وسلامة أراضيه»، حسب «الخارجية المصرية».
ويرى حليمة افتقاد «الحكومة الموازية» للتأثير والدعم السياسي والشعبي بالمقارنة بتفاعل السودانيين داخلياً وخارجياً مع انتصارات الجيش الأخيرة، وأكد أن «هناك إدانات ورفضاً من أحزاب وقوى سياسية سودانية لهذه الحكومة»، لكنه لم يقلل من خطورتها حال اكتمالها، قائلاً إن «إعلان سلطة موازية سيضر بوحدة السودان، ويزيد من حالة الانقسام الداخلي، ويفاقم من صراع السلطة والنفوذ بين الأطراف السياسية».
و«تتابع القاهرة مساعي تشكيل حكومة سودانية موازية، لحين بحث الموقف مع أقرب محادثات مع مسؤولي الحكومة الشرعية في السودان»، وفق قنصل مصر السابق لدى السودان، اللواء حاتم باشات، الذي أشار إلى أن «مصر لا تستطيع أن تعلن موقفاً بشأن هذه التحركات؛ لكونها شأناً سودانياً داخلياً»، كما أن «موقفها ثابت بشأن دعم المؤسسات السودانية».
ويربط باشات بين خطوة الإعلان عن تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة «الدعم السريع»، وانتصارات الجيش السوداني الأخيرة، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «تأثير الجيش بات أقوى ميدانياً، وفي طريقه للسيطرة الكاملة على الأراضي السودانية»، وعدّ ذلك التقدم «يدفع معارضين للبحث عن دور في السلطة، ما بعد انتهاء الحرب».
وحذرت الأمم المتحدة من إعلان «قوات الدعم السريع» تشكيل «حكومة موازية»، وقال المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، الأربعاء، إن تلك الخطوة «تزيد الانقسام وتفاقم الأزمة في السودان».
وتتعارض خطوة تشكيل «حكومة موازية» مع مبادئ أساسية وثابتة في سياسة مصر الخارجية تجاه السودان، وفق الباحث السياسي السوداني المقيم في القاهرة، صلاح خليل، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «القاهرة تدفع نحو تدشين عملية سياسية شاملة، تشارك فيها الأطراف السودانية كافة، دون إملاءات خارجية».
ويرى خليل أن «تشكيل حكومة موازية يتعارض مع التحركات المصرية لحل الأزمة في السودان، ومنها استضافة مؤتمر القوى السياسية والمدنية السودانية، العام الماضي، لتوحيد جهودها، ووضع خريطة طريق لإنهاء الأزمة في البلاد ووقف الحرب الداخلية».
وجمعت القاهرة في يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، خلال مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاثة ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».
القاهرة : الشرق الأوسط: أحمد إمبابي