البحر الأحمر… مطامع متعددة وصراعات متجددة!
تاريخ النشر: 11th, August 2023 GMT
يمانيون – متابعات
البحر الأحمر كان وما يزال إلى اليوم بما يمتاز من خصائص استراتيجية وجيوبوليتيكية أخطر محاور الصراع الدولي وملتقى أهم نقاط التحكم الاستراتيجي بوصفه حاملا للنفط وممرا للتجارة.
وهذا ما نشاهد اليوم من التحركات الأمريكية بأساطيلها وحشد مزيد من القوات إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.
تكمن أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية في مجاورته لمناطق حساسة ذات تأثير حيوي على مصير عدد من الدول.
فالبحار المفتوحة تتحكم في البحار الداخلية أو الضيقة لذا فالمحيط الهندي يتحكم في البحر الأحمر بشكل مباشر وهذا يفسر لنا النشاط الدولي الاستعماري في المحيط الهندي لقربه من مدخل البحر الأحمر الذي يشهد حالة صراع وتنافس بين القوى الكبرى لسيطرة عليه.
مطامع تاريخية
لم تكن أهمية البحر الأحمر في العصور القديمة والوسطى أقل أهمية بالنسبة للعالم في التاريخ الحديث والمعاصر فقد كان البحر الأحمر يمثل طريق مهم للتجارة العالمية في تلك العصور.
ومنذ زمن قديم ونتيجة لأهميته التجارية وقع البحر الأحمر وعرب شبه الجزيرة العربية تحت تأثير الصراع بين القوى العظمى حينذاك. والمتمثلة بالإسكندر في روما وبيزنطة والإمبراطورية الفارسية.
وفي مطلع العصر الحديث كان ساحة للصراع البرتغالي والعثماني لتحقيق أهداف تجارية واستعمارية، وفي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي كان محط أنظار نابليون الذي فكر باتخاذه قاعدة لضرب المصالح البريطانية في المحيط الهندي.
وبعد فتح قناة السويس عام 1869م أصبح البحر الأحمر ذات أهمية استراتيجية كبرى ودخلت الدول الكبرى يومها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في صراع فيما بينها في منطقة البحر الأحمر من أجل تحقيق أهداف تجارية واستعمارية توسعية في المنطقة.
وبعد بروز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي قوتين كبريتين بعد الحرب العالمية الثانية 1939-1945م حلت محل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا في دخول البحر الأحمر وقاد ذلك إلى حدوث صراع بين الطرفين من أجل تحقيق مصالحها في البحر الأحمر والاستفادة من مزاياه الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والجغرافية.
منطقة صراع
تكمن أهمية البحر الأحمر بموقعه الجغرافي المؤثر على العلاقات الإقليمية والدولية فهو يتوسط قارات العالم القديم الثلاث (آسيا، أفريقيا، أوروبا) وهو من أهم الطرق البحرية العالمية لأنه يوفر لقوى إقليمية ودولية إمكانية الوصول إلى البحر المتوسط والمحيط الهندي والمحيط الأطلسي، ومما زاد من أهميته في التاريخ الحديث والمعاصر افتتاح قناة السويس واكتشاف منابع النفط في الخليج العربي والمناطق العربية الأخرى. ومما أضفى أهمية استراتيجية للبحر الأحمر كونه يشكل حلقة وصل بين منطقتي الصراع الإقليمي والدولي وهما الشرق العربي والقرن الأفريقي.
فضلا على أن البحر الأحمر يشكل حلقة الوصل بين الخليج العربي من جهة والبحر المتوسط وأوروبا من جهة أخرى، ومما زاد من أهميته الاستراتيجية هو طول السواحل المطلة عليه حيث أكسبه ذلك إمكانية السيطرة على المجرى المائي من خلال المواقع الساحلية المطلة عليه ومنها الجزر والمواني ذات الأهمية الاستراتيجية.
فرض السيطرة
ومن جانب آخر تكمن أهمية البحر الأحمر الاستراتيجية في مجاورته لمناطق حساسة ذات تأثير حيوي على مصير عدد من الدول فمن المعروف أن البحار المفتوحة تتحكم في البحار الداخلية أو الضيقة لذا فالمحيط الهندي يتحكم في البحر الأحمر بشكل مباشر وهذا يفسر لنا النشاط الدولي الاستعماري في المحيط الهندي لقربه من مدخل البحر الأحمر الذي شهد حالة صراع وتنافس بين القوى الكبرى لسيطرة عليه وهذا ما نشاهد اليوم من التحركات الأمريكية بأساطيلها وحشد مزيد من القوات إلى البحر الأحمر والمحيط الهندي.
وتتركز الأهمية الاستراتيجية للبحر الأحمر في المضايق والخلجان والتي يعد البعض منها مراكز استراتيجية للسيطرة على الملاحة الدولية ومنها مضيق باب المندب.
أضافه أن البحر الأحمر يشكل طريق الاتصال بين الأساطيل البحرية في البحر المتوسط والمحيط الهندي.
ويعد البحر الأحمر من الناحية الجيوبوليتيكية أكثر اتساعا من البحر الأحمر من الناحية الجغرافية إذ لا يقتصر تأثيره على الدول التي تطل عليه مباشرة بل يتعدى ذلك ليشمل الدول والقوى التي ترتبط سياسيا واقتصاديا وعسكريا واستراتيجيا بالبحر الأحمر.
أطماع دولية
ووفقا لذلك فإن البحر الأحمر يعد منطقة ضعف عسكري وتخلخل سكاني واضطراب اجتماعي وبؤرة للأطماع الدولية سياسيا واقتصاديا، فضلا عن أن منطقة البحر الأحمر لا تتوقف على إرادة الأطراف الإقليمية القائمة فيها وإنما يتعدى ذلك إلى استراتيجيات القوى الكبرى التي تسعى لضمان مصالحها في المنطقة وعلى هذا الأساس فإن منطقة القرن الأفريقي تدخل في نطاق البحر الأحمر الجيوبوليتيكية لأنها تتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر حيث تمر الصادرات النفطية الخليجية من خلاله إلى أوروبا وأمريكا،
كما أن منطقة الخليج العربي يمكن أن تدخل في الحيز الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر لأن معظم صادراتها النفطية تمر عبر البحر الأحمر.
فنفط الخليج العربي الذي تحتكر معظم إنتاجه وتجارته الشركات الأمريكية في الوقت الحاضر يعتمد اعتمادا كبيرا على البحر الأحمر بوصفه المجال الحيوي لصادراته.
لذلك أن أمريكا ودول غرب أوروبا الصناعية لها مطالب جيوبوليتيكية في البحر الأحمر لأنها تعتمد على نفط الخليج العربي اعتمادا رئيسيا لتلبية حاجاتها من الطاقة كما أد دول مثال الاتحاد السوفيتي سابقا وروسيا اليوم لها اهتمام بالنطاق الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر الذي يعد أقصر طريق يربط موانيها على البحر الأسود وأسطولها في المحيط الهندي الذي يمثل أهمية بارزة في الاستراتيجية البحرية الدولية.
كذلك مع ظهور الصين كقوى اقتصادية وعسكرية تنافس أمريكا في البحر الأحمر والمحيط الهندي ومطامع الكيان الصهيوني بتحويل البحر الأحمر إلى بحيرة يهودية بمساندة واضحة من أمريكا وما توجد القوات الأمريكية اليوم في البحر الأحمر إلا تحقيق لاستراتيجياتها وأهدافها ومنها تمكين الكيان الصهيوني وأسطوله من التواجد بالبحر الأحمر وجزره والتحكم بممراته ومنها مضيق باب المندب للعبور إلى المحيط الهندي بسفنها وغواصاتها.
أضافه إلى قطع لسفن حربية فرنسية وبريطانيا وقطع لحلف الناتو التي شرعتها الأمم المتحدة بقرارات عام 2008م تحت ذريعة محاربة القرصنة.
انتهاك للسيادة
وبذلك يتضح أن النطاق الجيوبوليتيكي للبحر الأحمر هائل الاتساع بحيث يمكن أن يشمل خارطة العالم مما يؤدي إلى تجدد الصراعات بسبب تعدد مطامع الدول الكبرى الاستعمارية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال تحركاتها الأخيرة في البحر الأحمر فمصالح الدول الأجنبية الموجودة في البحر الأحمر لا تطابق مصالح الدول المطلة عليه التي قد تفقد سيادتها ليس على البحر الأحمر بل على جزرها وموانيها ومياهها الإقليمية وإنما تسعى إلى تحقيق مصالحها وأهدافها الخاصة وأن لذلك الوجود الأجنبي تأثيره المباشر على ما يجرى في البحر الأحمر وله تأثيره على توازن القوى الكبرى مع القوى الإقليمية حيث أدى ويؤدى ذلك إلى بروز قضايا بدول المنطقة قادت إلى صراع بين القوى الإقليمية مما يخدم أهداف القوى الاستعمارية الطامعة بالسيطرة على البحر الأحمر تحت ذرائع مختلفة.
فإن الأهمية الاستراتيجية لأي موقع جغرافي تعني في جانب آخر أهمية ذلك الموقع في الاستراتيجية العسكرية فالبحر الأحمر كمعبر إلى المحيط الهندي من ناحية ولأهمية المنطقة التي يمر فيها من ناحية ثانية فكان مجالا لتدفق القوى العسكرية ما بين البحر المتوسط والمحيط الهندي وهذا قاد إلى تنافس القوى الكبرى فيما بينهما من أجل فرض السيطرة على مداخله وإقامة قواعد عسكرية فيه تشرف منها على مصالحها.
26 سبتمبر نت: علي الشراعي
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی المحیط الهندی فی البحر الأحمر البحر المتوسط الخلیج العربی للبحر الأحمر بین القوى على البحر
إقرأ أيضاً:
أمريكا تجرب المجرب.. واليمن يؤكد جهوزيته
يمانيون/ تقارير
ارتفعت وتيرة الاعتداءات الأميركية البريطانية على اليمن في الآونة الأخيرة بعد أن استعانت واشنطن بأحدث قاذفاتها الاستراتيجية، “B-2 الشبحية” والهدف لم يتبدل أو يتغير، “تقويض القدرات اليمنية وحماية أمن الملاحة الإسرائيلية” ولا نتائج ملموسة لناحية فك الحظر البحري عن موانئ فلسطين المحتلة, أو التهدئة من روع ومخاوف الصهاينة الذين يتزاحمون بمئات الآلاف أمام الملاجئ مع كل صاروخ يطلق من اليمن, مع تكرار السيناريو في حال الضربات المسددة من حزب الله.
بعد إخفاق حاملة الطائرات الأميركية ” يو إس إس إيزنهاور” وانكشاف مواطن ضعفها في المواجهة المباشرة، وتحاشي إقحام الحاملة “جيرالد فورد” الميدان البحري الساخن في البحر الأحمر، تحاول الولايات المتحدة تجريب الحاملة “إبراهام لينكولن” لاستعادة زمام المبادرة في البحر وتغيير قواعد الاشتباك بما يضمن حماية أمن الصهاينة والمصالح الأميركية.
لم تكن الحاملة الجديدة وما يرافقها من تشكيل بحري مكون من عدد من المدمرات والفرقاطات والغواصات وسفن الإمداد اللوجستي بعيدة عن رادار القوات اليمنية، رغم تموضعها البعيد في المحيط الهندي والبحر العربي، وهي كغيرها من القطع البحرية المعادية لا تملك حصانة تمنع اليمن عن استهدافها, رغم ما تمثله من أهمية استراتيجية لاستخدامها في العديد من الأنشطة, بما في ذلك الدعم الجوي, والعمليات البحرية وكونها من أكبر القطع البحرية الأميركية, وطاقمها يزيد عن خمسة آلاف فرد بما في ذلك الطيارين والفنيين, كما أنها تلعب دورًا مهمًا في ما يوصف بقوة الردع الأميركية.
رسائل عملية الثلاثاءوفي اشتباك بحري هو الأطول مقارنة بما سبقه من اشتباكات بحرية بين اليمن والتحالف الأميركي أعلنت القوات المسلحة تنفيذها عمليتين نوعيتين، استمرتا ثمان ساعات في البحرين الأحمر والعربي.
العملية الأولى استهدفت حاملة الطائرات الأميركية “أبراهام لينكولن” في البحر العربي بعدد من الصواريخ المجنحة والطائرات المسيّرة” والأخرى استهدفت مدمرتين أميركيتين في البحر الأحمر بعدد من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، وذلك ردًا على “العدوان الأميركي البريطاني” المستمر على اليمن، وتضامنًا مع الشعبين الفلسطيني واللبناني.
في الرسالة المباشرة والتي تدور حولها رحى العمليات اليمنية، اليمن لن يتخلى عن دعم وإسناد غزة ولبنان, وسيستخدم كل ما يملك من قدرات لإجبار العدو الإسرائيلي وداعميه على وقف العدوان وجرائم حرب الإبادة الجماعية، وهنا على أميركا أن تتعلم من التجارب والدروس الماضية، وتدرك أنها المسؤولة عن تحويل منطقة البحر الأحمر إلى “منطقة توتر عسكري” وتبعات ذلك على الملاحة البحرية.
البنتاغون أقر بتعرض قطع بحرية تابعة له لهجوم من اليمن, وكالعادة توعد بعواقب لهذه الضربات التي وصفها بالمتهورة وغير القانونية، مع أن القانون الدولي يجيز للدول أن تدافع عن أمنها واستقرارها, ويجرِّم ما يمارسه كيان العدو في غزة ولبنان بدعم أميركي أوروبي، ليبدو أن القرارات لا قيمة ولا وزن لها إذا كان الأمر يمس بالولايات المتحدة أو ربيبتها “إسرائيل”.
المواجهة تعد الأولى بعد انسحاب أيزنهاور, وتأتي في ذروة التحريض الأميركي ضد اليمن عبر الأدوات المحلية والإقليمية, وبعد أسابيع من تعزيز واشنطن – وفق تقارير أميركية- تموضعها العسكري في المنطقة بعدة مدمرات وصواريخ موجهة إضافية, ومجموعة للإنزال البرمائي, ووحدة استكشافية بحرية, ومجموعة واسعة من الطائرات المقاتلة والهجومية, أملًا في تلافي نقاط الضعف التي انكشفت سابقًا لاستخدام اليمن المسيرات وصواريخ مجنحة وأخرى باليستية تستخدم لأول مرة في تاريخ الحروب في استهداف السفن المتحركة.
تعود الولايات المتحدة إلى المنطقة مرة أخرى باستعداد يبدو في ظاهره أكبر من الجولة الأولى, وبقدرات متطورة منها القاذفة الشبحية، والمسألة مسألة وقت حتى تتكشف الحقائق, ويظهر أن التصدي للهجمات المتتابعة والمستمرة مرهق, ومكلف, ويسبب استنزافًا للموارد والقدرات الدفاعية لأي قوة كانت.
التحالفات الأمريكية والأوروبية فشلت في حماية كيان العدو الإسرائيلي، وهو فشل تجاوز الكيان المحتل إلى النفوذ الأميركي والبريطاني على المنطقة البحرية الواقعة في نطاق الأسطول الخامس, حتى مع محاولات التموضع بعيدًا عن الساحل الغربي, فاليمن يملك بفضل الله من القدرات ما يجعله يستهدف السفن المعادية من البر أو البحر ومن أي مسافة كانت, وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط.
وللهروب من الفشل العسكري المتكامل يواصل ثلاثي الشر شن غارات جوية تستهدف مدنًا يمنية لكنها تنتهي دون نتائج، وردع اليمن ووقف عملياته المساندة يظل هدفًا بعيد المنال.