بلا شك إن انضباط المشهد الإعلامي، سيكون له أفضل الأثر في تقويم المجتمع وبناء مجتمع قوي متماسك، يصعب اختراقه وتفتيته وتقسيمه، فضلا عن أن ثقة المشاهد في المنظومة الإعلامية، وعدم اتجاهه إلى مشاهدة القنوات المعادية.
ويجب قياس ذلك على جميع المحتويات التي تقدمها وسائل الإعلام، سواء سياسية أو رياضية أو اجتماعية أو دينية، ليتحقق الانضباط الذي تنشده الدولة من خلال الهيئة الوطنية للإعلام، ولكن هذا يبدو بعيد المنال، فبين الفينة والأخرى، لا بد أن تخرج علينا قناة ما ببرنامج حواري قائم على الإثارة والتجاوز في موضوعات دينية شائكة تفقتد فيها أبسط معايير الموضوعية والانضباط، من أجل مشاهدات كثيرة يريدها القائم على القناة، غير مكترث معها بتأثير تلك التجاوزات على نسيج المجتمع، وما تحدثه من صدع وهدم لقيم وثوابت دينية وأخلاقية واجتماعية.
على شاشة إحدى القنوات الخاصة، التي تغرد خارج السرب على ما يبدو (تغريد سخيف)، عُرضت حلقة نقاشية حول مسألة دينية نتيجة تصريح من الفنانة إلهام شاهين على مخرج كان يترك لوكيشن التصوير ليؤدي الصلاة على وقتها، وبعيدا عن تلك القضية التي تعد جلية وواضحة وضوح الشمس في حكم أن يؤدي المخرج الصلاة في وقتها، إلا أن البرنامج أتى بضيف يقول إنه يعمل محاميا، ليتحدث في حكم الصلاة في وقتها وتأخيرها وأسباب تأخيرها، ولا أدري ما علاقة أن يفتي شخص بفتاوى دينية مهمة وهو غير أهل للفتوى، ولماذا اختاره البرنامج ليتحدث إلى الناس بما ليس من اختصاصه.
المحامي أخذ يتحدث هنا وهنا وتركت له المساحة ليفتي بغير علم في كلام لا يفهمه، ويبدوا أنه جاء على هواه فكرة عدم أداء الصلاة في وقتها ولديه رأي مسبق في فكرة عدم الصلاة أصلا ضاربا عرض الحائط بالآيات القرآنية الصريحة التي تنص على وجوب أداء الصلاة في وقتها مثل (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) والآية التي تنص على تجريم التهاون في أداء الصلاة على وقتها مثل (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)، وكذلك الأحاديث النبوية الصريحة التي توضح وجوب الصلاة على وقتها مثل ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله، وكذلك الأحاديث التي تفسر الأحوال التي يجوز فيها تأخير الصلاة ومنها مثلا المطر والخوف والسفر وفيها تفسيرات جاءت بها أحاديث نبوية صريحة.
وما زاد الطين بلة، أن استضاف البرنامج شيوخا وقامات دينية -مع كل الاحترام لها- لتوضح حكم تأخير الصلاة، وتفند ادعاءات المحامي، ولكن لم تكن ردود معظمهم كافية، إما لشوشرة المحامي الدائمة وتشتيته للمتحدثين عبر الهاتف، وإما لعدم إعطائهم المساحات الكافية في الرد، وهنا لي أن أسأل كيف لبرنامج يناقش قضية دينية حتى ولو كانت معروفة أحكامها في أبسط الأمور للعامة، أن يأتي بشخص غير متفقه في الدين ليفتي للناس؟ ولماذا -ومع احترامي لكل الشيوخ والقامات التي تحدثت هاتفيا إلى البرنامج- لم يستعن القائمون على الإعداد بشيوخ الأزهر المختصين بالرد على مثل تلك القضايا؟
كما أتسائل، ما الهدف من تلك المناقشات أصلا في ذلك الوقت؟ ولصالح من أن تثير بلبلة يمكن أن تتنهي بتوجيه سؤال إلى الجهة المخولة بالفتوى مثل الأزهر الشريف أو دار الإفتاء لتوضيح قضية ما، بدلا أن نترك المساحة إلى من هم غير مؤهلين للحديث في أمور دينية؟
إن الصورة التي عرضت بها الحلقة قميئة جدا، تجعل المشاهد يشعر بالغثيان، لعدة أسباب: إدارة الحوار من المذيع الذي أراه ضعيفا جدا غير كفء لإدارة الحوار، وتركه الفرصة للمحامي ليشتت المتحدث ويقطع عليه الكلام، ويُشعّب الموضوعات ليظهر كأنه انتصر، لعدم استطاعة المتصل الرد على أكثر من موضوع.
وكذلك اختيار البرنامج لشخص المحامي الذي بدى من كلامه أنه يرفض أصلا فكرة الصلاة، فهو يتمسك دائما بكلمة (أصل دا عقد عمل وصاحب العمل اللي يحدد الصلاة جائرة ولا لأ، ولازم تؤدي العمل كله وبعد كدا تصلي أو متصليش)، فضلا عن إثارته الجدل في فقرة أخرى من البرنامج بالحديث عن المساكنة وعدم ممانعته أن تدخل ابنته في علاقة مساكنة مع شخص آخر ما دام تتوافق مع الحداثة وما إلى ذلك.
تلك القناة ليس الوحيدة التي تسير في هذا الطريق، بفتح موضوعات جدلية، لا جدوى من النقاش فيها إلا مضيعة الوقت وزيادة الانقسام من أجل الحصول على الترافيك الملعون، فهناك ثلة من القنوات التي تلهث وراء التريند التي تتعمد الخوض في الأمور الشائكة مثل الحجاب والميراث والناسخ والمنسوخ والمساكنة وإرضاع الكبير وصحة أحاديث البخاري ومسلم، وكأن تقدم الدولة تعيقه تلك الموضوعات، وليس هذا فقط، بل تمتد المناقشات إلى الرياضة في قصة الأهلي وزمالك وبيراميدز، وغيرها من المجالات الأخرى.
وأخاطب الهيئة الوطنية للإعلام: المشهد لا يحتمل كل هذه الشروخ التي تحدثها تلك البرامج التي تلهث خلف التريند والسوشيال ميديا لتحقيق مشاهدات وأرباح على حساب أمن ووحدة وسلامة المجتمع، الأمر يتطلب الضرب بيد من حديد على تلك البرامج ولو لمرة واحدة حتى يخاف أرباب الترافيك والتريند.
كما أن حديثي أيضًا موجه للأزهر ولدار الإفتاء: لا تتركوا المجتمع فريسة لكل ذي غرض مسموم يسعى للحصول على موطئ قدم ليبث سمومه بين الناس، يستغل جهل البسطاء لسيطر على عقولهم ويبعدهم -أكثر مما هم عليه- عن دينهم.
لا بد من إنشاء وحدة جديدة، أو تكليف الجهة المنوط بها في المؤسستين الدينيتين الكبريين في مصر (الأزهر والإفتاء)، للرد على كل ما يثار من شبهات ومنها بالطبع قضية تأخير الصلاة التي طرحتها الفنانة إلهام شاهين، وقطع الطريق على المتربصين وذوي القلوب المريضة الذين يفضحهم رأيهم ويكشف عن كرههم للدين.
الأمر ناقوس خطر، يشير بما لا يدع مجالا للشك أننا ممقبلون على انهيار كبير وتصدع في نسيج المجتمع، الذي تتطلب اللحظة الراهنة تماسك أطيافه كافة، خلف الدولة وقيادتها لمواجهة التحديات المحيطة بنا، وتجاوز الأوضاع الاقتصادية التي نعاني منها.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: المشهد الإعلامي وسائل الإعلام الإثارة المساكنة بيراميدز زمالك الأهلي الصلاة على وقتها الصلاة فی وقتها
إقرأ أيضاً:
خسائر لواء جولاني تدق ناقوس الخطر بجيش الاحتلال
#سواليف
قالت صحيفة معاريف العبرية إن #لواء_جولاني، الذي يضم نخبة #جنود #جيش_الاحتلال، خسر 110 من عناصره منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى الآن، وهي الحصيلة الأعلى ضمن ألوية المشاة.
وجاء في تقرير أعده المراسل العسكري للصحيفة غابي أشكنازي، الذي سلط الضوء على #الخسائر الفادحة التي تكبدها لواء جولاني خلال #الحرب، أن الخسائر تعد نتيجة مباشرة للفوضى العسكرية وانعدام الانضباط داخل اللواء، مما أثر على قدرته على تنفيذ مهامه القتالية بشكل فعال.
وفي مقابلات المراسل مع عدد من الضباط الذين شاركوا في العمليات القتالية في الجبهة الشمالية وفي قطاع غزة، أشاروا إلى أن هناك إخلالات كبيرة تتعلق بانعدام الانضباط والافتقار للتنسيق الجيّد في صفوف لواء جولاني.
مقالات ذات صلة الرشق: إنكار واشنطن للإبادة في غزة يجعلها شريكة بالجريمة 2024/11/22وطالب ضابط شارك في المعارك الأخيرة قائد القيادة الشمالية بأن يتخذ إجراء حازما ضد قائد لواء جولاني، لأن اللواء تكبد خسائر ضخمة، بما في ذلك مقتل 110 من عناصره، مثيرا العديد من الأسئلة حول مدى فعالية القيادة والتدريب داخل هذا اللواء.
وأشار الضابط إلى أن هذه الخسائر غير مبررة، وأن هناك شيئا “غير صحيح” في طريقة تعامل قيادة اللواء مع العمليات العسكرية، مستندا إلى #كمين #حزب_الله الأخير الذي قتل فيه جندي في حين أصيب قائد سرية بجروح بالغة، ورئيس أركان اللواء برتبة عقيد بجروح متوسطة.
ومن أبرز الأخطاء التي أشار إليها التقرير هو قرار رئيس أركان اللواء بشن عملية عسكرية لاستكشاف “قلعة” في منطقة القتال من دون الحصول على تصريح من القيادة العسكرية، إذ اعتبر الكاتب أن “هذا القرار لم يكن مدروسا وأدى إلى تعرض الجنود للقتل في ظروف غير مأمونة. هذه الأخطاء العملياتية تكشف عن مشكلة هيكلية في لواء دولاني، وهي أن هناك غيابا للانضباط في اتخاذ القرارات العسكرية”.
ناقوس الخطر
ويشير تقرير المراسل العسكري إلى أن أكثر ما يثير القلق هو العدد الكبير من الضحايا الذي تكبده لواء جولاني في هذه الحرب مقارنة مع ألوية المشاة الأخرى (المظليين، وناحال، وغفعاتي، وكفير)، معتبرا إياها “إشارة حمراء يجب أن تستدعي اهتمام القيادة العليا في الجيش”.
وتجاهل الكاتب في الوقت نفسه الأسباب المهمة لفداحة خسائر هذا اللواء وهو شراسة المقاومة في غزة ولبنان، واتباعها تكتيكات تجر الجنود إلى فخاخ معدة سلفا، وذلك حسب شهادات محللين عسكريين.
وتساءل الضابط الذي شارك في القتال قائلا “هل يتساءل قائد القيادة الشمالية، أو قائد الفرقة، أو رئيس الأركان عن أسباب هذه الفجوة في الإصابات”، وأكد أن كل الألوية تقاتل في الظروف نفسها، لكن هذا العدد الكبير من الضحايا يثير الشكوك حول وجود خلل في قيادة اللواء أو في طريقة تنفيذ العمليات.
“غير مفهوم”
وفي سياق متصل، تطرق التقرير إلى حادث آخر وصفه بـ”غير المفهوم” وقع في منطقة قتال، حيث تم إدخال مدني (عالم آثار إسرائيلي) إلى المنطقة في وقت كان يجب على الجيش تجنب أي وجود غير عسكري.
وتساءل التقرير إذا كان هذا التدخل المدني قد يكون جزءا من عملية سياسية تهدف إلى تعزيز الاستيطان في جنوب لبنان. هذه الفرضية أثارت الشكوك حول إذا ما كانت هناك دوافع سياسية وراء بعض التحركات العسكرية، وهو ما يتطلب تحقيقا دقيقا.
ويرى معد التقرير أن المسؤولية لا تقع فقط على عاتق قائد لواء غولاني، بل تمتد لتشمل قيادة الجيش العليا، وعلى رأسها رئيس الأركان هرتسي هاليفي، وقائد القيادة الشمالية أوري غوردين، حيث كان “من المفترض أن يتخذ هؤلاء القادة خطوات سريعة للحفاظ على الانضباط داخل اللواء، وضمان التنسيق بين جميع الوحدات. وكان يجب عليهم أيضًا اتخاذ تدابير عاجلة لتجنب مزيد من الخسائر المدمرة”.
وأضاف التقرير أن مسألة الانضباط العسكري لا ينبغي أن تقتصر على تصحيح الأخطاء الصغيرة، بل يجب أن تشمل مراجعة شاملة لكيفية اتخاذ القرارات في ظل الحروب الكبرى، وضمان عدم تكرار الأخطاء الميدانية التي أودت بحياة عديد من الجنود.
وفي الختام، دعا التقرير إلى إجراء تحقيقات فورية لمعرفة أسباب الفوضى في لواء غولاني، والبحث في دور القيادة العسكرية في تدهور الوضع داخل اللواء.