#نحو_النهضة -3
د. #هاشم_غرايبه
المعيق الثالث لنهضتا فكري، ومثلما أن لدينا استنساخيين في فكرنا الديني، يرون ضرورة استنساخ التجربة الأولى للأمة بحرفيتها وبمفرداتها ذاتها، من غير مراعاة لمقتضيات التطور والتجارب الإنسانية، كذلك يوجد في الفكر المضاد، حيث يرى العلمانيون العرب ضرورة استنساخ التجربة الأوروبية التي أخرجتها من عصور الإنحطاط الى النهضة، تتجمد عقولهم عن ابتداع تجربة موازية، فيصرون على النسخ الحرفي من غير اعتبار للفوارق الموضوعية والظرفية والتطبيقية بيننا وبينهم.
أبسط الفوارق هي التباين الهائل في ظروف التطور، ففي العصور الوسطى كانوا في غياهب الظلمة والإنحطاط، في المقابل كنا في ذروة التنور والتقدم الحضاري، كان العلماء عندهم يُحرقون أو يسجنون بتهمة التجديف، في الوقت الذي كانوا يكافأون في الدولة الإسلامية بوزن كتبهم ذهبا.
كان العلم عندهم رهينة للاهوت الكنيسة، من يخالفه يصدر بحقه صك حرمان، لكن الحضارة الإسلامية كانت منفتحة على علوم الآخرين وفلسفاتهم، وكان العالِم في الكيمياء أو الفيزياء أديبا أو شاعرا، وفقيها أيضا، وقد يكون له آراء مغايرة لأئمة المذاهب.
في القرن السابع عشر بدأت عندهم النهضة في الصعود، وعندنا في النزول، ولم يكن للتدين دور في الحالتين كعامل أساسي، إنما كان للكنيسة دور في معاكسة حركة الصعود وتأخيرها، بسبب من أنها مؤسسة مستقلة منتفعة من تحالفها مع طبقتي الإقطاعيين والعائلات المالكة على احتكار السلطة والإقتصاد.
كان الطريق الوحيد للتخلص منها شعار فصل الدين عن الدولة، صحيح أن العَلمانية قضت على تسلط الكنيسة، لكنهم لم تحررهم من سيطرة الإقطاع، لأنه تحول الى الرأسمالية، فتغير جلد تلك الطبقة ولم يتغير جوهرها البرجوازي.
بالطبع لم يكن للتمسك بالدين أو تركه أي دور في النهضة الأوروبية فسبب التقدم الأوروبي هو الثورة الصناعية التي قامت بسبب الحاجة الى المكننة لتخفيض كلف الأيدي العاملة وزيادة الإنتاج، وصاحبتها الإستكشافات، والتي لم تكن دوافعها جغرافية علمية كما يدّعون، بل التحكم في طرق المواصلات التجارية، واستعمار الشعوب الفقيرة والمتخلفة، لأجل الاستيلاء على مواردها الإقتصادية، ومنع تقدمها لابقاء شعوبها مستهلكين لانتاجهم.
نحن لسنا بحاجة الى العلمانية، لأن فصل الدين عن الدولة بمعناه الإيجابي مطبق في الإسلام، فليس هنالك سلطة تسمى رجال الدين، وليست هنالك مؤسسة دينية تحدد قبول الناس في الإسلام أو رفضهم، أو تعيق التقدم والبحث العلمي، بل على العكس فتعاليم الدين تحث على طلب العلم، ولا تضع مقولات علمية جامدة لا يجوز تجاوزها.
كما أنه لا نص شرعي على اسلوب الحكم، وشروط اجتياز الحاكم امتحانا فقهيا أو تسلسلا كهنوتيا، وأعلى منصب ديني هو القاضي، وهو يفصل في النزاعات وليس في السياسة.
نحن وضعنا مختلف فحتى لو ألغينا الدين وليس حيدناه فقط، سنبقى بلدانا متخلفة، لأن البلدان المتقدمة لا تسمح لنا بالخروج من دائرة التبعية، لذا ليس لنا الا كسر هذا الحصار عنوة وليس بالاستجداء، ولما كان ذلك يحتاج الى الإرادة الصلبة أولا ثم بناء الوسيلة لذلك، لهذا ليس لنا الا الاعتماد على مقومات قوتنا الذاتية، وأهمها الوحدة.
ومهما بحثنا في رصيدنا عن عناصر قوة وتفوق حضاري، فلن نجد إلا الاسلام، فهو أفضل رافعة للوحدة.
صحيح ان هنالك كثير من الأمم نهضت بغير اسلام ولا تدين، لكن بتشخيص دقيق للحالة الخاصة الآنية لأمتنا، نجد أن الوحدة هي الوسيلة الأساسية للتحرر من التبعية، ولا شيء يحققها أفضل من الإسلام، فهو الرابط الأوثق، والجامع الوحيد الذي تلتقي عليه كل مكونات الأمة.
لذلك من يدعونا الى التخلي عنه أو تحييد دوره هو واحد من اثنين: إما جاهل بأهم وسائل وعناصر تحرر الشعوب وهي الإنطلاق من العقيدة الصلبة الجامعة، وإما هو عميل للقوى المتحكمة فيسعى الى افراغ الأمة من أهم عناصر منعتها ومقوماتها الحضارية، وإلحاقها بالغرب تحت وهم سراب تقليده.
هكذا نرى أن الدين الإسلامي ليس هو العائق أمام التقدم، بل هو أكبر عامل مساعد له، فهو يحقق البنية الفكرية السليمة للنهضة، فنظام حكم ينتهج الإسلام حقا وليس تظاهرا، سيحقق العدالة الإجتماعية والتكافل والترابط المجتمعي والمساواة والتآخي بين أفراد المجتمع بلا تفريق في العرق واللون والمنابت، وتلك قاعدة صلبة يرتفع عليها البنيان المجتمعي، فتتحقق النهضة ويعم الرخاء. مقالات ذات صلة تعليقاتٌ إسرائيليةٌ على مؤتمري نتنياهو الصحفيين 2024/09/05
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: نحو النهضة هاشم غرايبه
إقرأ أيضاً:
تزييف التاريخ
#تزييف_التاريخ
د. #هاشم_غرايبه
لعل من أهم الكتب التي نشرت للدفاع عن الإسلام، هو كتاب “إظهار الحق” للعلامة الهندي “رحمت الله الكيرانوي”، جاء هذا الكتاب تصديا للجهود التنصيرية للبريطانيين إبان احتلالهم للهند، ولما كان مسلمو الهند هم أكبر تجمع للمسلمين، ورأس الحربة في المقاومة للاحتلال البريطاني، فقد شنوا عليهم أوسع حملة تنصيرية، مستغلين الفقر والجهل، وكان أكثر باب هاجموا فيه الإسلام، التعامل مع المرأة باعتباره وحشيا.
في الحرب على (الإرهاب)، استعاد الغرب من جديد هذه التهمة الباطلة، بحملة إعلامية انخرطت فيها وسائل الإعلام العالمية جميعها، نشرت فيها افتراءات وأكاذيب عن فظائع عن الإغتصاب منسوبة لأعضاء الجماعات الإسلامية، بهدف شيطنتهم لتبرير تلك الحملة، والهدف الأبعد كان الإسلام.
لذلك تحمس المنافقون من بيننا لترويج هذه القصص، مثل قصة جهاد النكاح التي تبين أنها من فبركة خيال مريض، وروايات اغتصاب اليزيديات التي كان أغلبها ملفق، نشروها لجهلهم بالإسلام، إذ أنهم لا يعرفون أن تدين المسلم يفرض عليه تحريم ممارسة الجنس مع أية امرأة غير زوجته أكانت مسلمة أم غير مسلمة.
يقول “جاكوب ل. شابیرو “في تحليله للأيديولوجيات: “والجمیع یخشون الإسلام المتطرف، الذي یشكل في الوقت الراھن أكثر الأیدیولوجیات السیاسیة وضوحاً، ولو أنھا الأیدیولوجیة الأكثر وحشیة أیضا”.
ترى على أي أساس اعتبر الإسلام الأكثر (وحشية)؟، لو راجعنا منتجات هذه (الوحشية) التي اكتوى بها الغرب خلال الفترة الداعشية لوجدنا أنها تمثلت بإعدام عدد من الرهائن الغربيين، وبضعة حالات من اغتصاب اليزيديات، ولو صدقنا بصحة نسبتها الى مسلمين، فهي لن تصل جميعها الى عشرة.
لنرصد بالمقابل ما هو بعرف الغرب أرقى الأيديولوجيات، ولنتناول الأوروبية منها، التي يعتبرها هذا المحلل الأقل وحشية:
لن نتعرض الى مئات الملايين من الهنود الحمر والعبيد الأفارقة، ولا لخمسين مليونا حصيلة التطهير الشيوعي، ولا مئات الألوف من اليابانيين الذي ذهبوا ضحية لتجربة القنابل النووية ولم يكن من حاجة الى قتلهم بعد انتهاء الحرب العالمية، ولن نتذكر الملايين من ضحايا نزاعات شرق آسيا، فذلك لا يعتبر في نظر الغرب وحشية، بل مجرد أعمال مؤسفة!.
سنستعيد فقط بعض مجريات الأحداث في حالة واحدة وثقها مؤرخوهم، وجرت بعد انتصار الحلفاء على ألمانيا ..وكلا الطرفين ينتميان الى عقيدة واحدة هي المسيحية.
في كتاب “عندما أتى الجنود” للمؤرخة الألمانية “مريام غيرهارد” تقول حرفياً:
“جنود الحلفاء الذين دخلوا ألمانيا بعد هزيمة النازية لم يدخلوها فقط كمحررين، فالكثيرون استغلوا قوتهم لإذلال النساء الألمانيات، في وقت كان فيه مئات الآلاف من رجالهن في سجون الحلفاء، فاقترفوا أيضًا حتى أوائل الخمسينات أبشع جريمة يمكن للرجل اقترافها وهي الاغتصاب، حتى أنهم اغتصبوا أطفالا ورجالا ومسنات، ونتيجة الاغتصابات يوجد اليوم في ألمانيا أكثر من نصف مليون من غير الشرعيين، أي غير معروفي الأب.
وحسب المؤرخة لا يوجد عدد محدد لحالات الاغتصاب لكنها وثقت نحو مليون اعتداء جنسي منها 190 ألفا قام بها جنود أميركيون.
وبتقديرها فإنه من 4 إلى 5 في المائة من الولادات التي تمت خلال فترة احتلال قوات الحلفاء وحتى أوائل الخمسينات كانت نتيجة عمليات اغتصاب، وكل مائة اعتداء نتج عنه ولادة طفل، ما زال الكثير من الضحايا النساء يعانين من آثارها النفسية أيضا على الأطفال الذين ولدوا، والأفظع أن بعض الجنود كانوا يقتلون ضحيتهم بعد الاعتداء عليها.
مقالات ذات صلة قاهرة المُعز…مقاطع انطباعية لخطاب الحياة فيها. 2025/01/31والأمر ليس أفضل مع الجنود الروس والبريطانيين والفرنسيين والبلجيكيين فهم اغتصبوا أيضا مسنات وأطفالا ورجالا خلال عمليات جماعية بعد وضعهم في السجون، ووثقت الكاتبة 45 ألف اعتداء جنسي قام به الجنود البريطانيون و50 ألف اغتصاب ارتكبه الجنود الفرنسيون.
ونتيجة عمليات اغتصاب للجنود الأميركيين السود ولد جيل من الأطفال مختلط الأجناس أطلق عليه اسم «الأطفال السمر» تبنتهم عائلات ألمانية كأجانب، فالقانون الألماني حتى عام 1948 كان يحظر زواج الألمانية من ملون، من بين هؤلاء الأطفال “جيمي هارتفيغ” وكان من أشهر لاعبي كرة القدم في فريق “سي في هامبورغ”، و”فيليكس ماغات” مدرب منتخب بافاريا في ميونيخ. ولقد قبلت ألمانيا حتى منتصف الخمسينات تسجيل 37 ألف طفل باسم أمهاتهم، ومن تبقوا تم تبنيهم”.
فهل هنالك أي وجه لمقارنة وحشية الأوروبيين مع وحشية أخرى!؟.. حتى مع (داعشهم)!؟.