القضاء العراقي في مرمى النيران: حملة منظمة تهدد حصن العدالة
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
7 سبتمبر، 2024
بغداد/المسلة: تتعرض السلطة القضائية في العراق لحملة عدائية منظمة تهدف إلى تقويض ثقة المواطن بهذه المؤسسة المحورية.
وتأتي الحملة في وقت يشهد فيه العراق أزمات متلاحقة في ملفات كبيرة، مثل “سرقة القرن” وقضية التنصت، إلى جانب تصريحات مثيرة للجدل لرئيس هيئة النزاهة، حيدر حنون، فيما يتحرك الإطار التنسيقي، الذي يمثل أحد أبرز التحالفات السياسية، لاحتواء هذه الأزمات من خلال دعم مسار التحقيقات القضائية والحفاظ على تماسك النظام السياسي.
اجتماع الإطار التنسيقي الأخير، الذي عقد بحضور رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، شدد على ضرورة محاسبة المتورطين في الأزمات الأخيرة، مع التأكيد على أهمية دعم القضاء باعتباره “قلعة النظام الديمقراطي”. و جاء الاجتماع في ظل تزايد الاتهامات الموجهة للقضاء من قبل جهات مختلفة، بعضها ذات طابع محلي، ما أضاف عبئاً إضافياً على النظام السياسي والقضائي في البلاد.
وفي هذا السياق، أبدى رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي، استياءه من تصريحات رئيس هيئة النزاهة التي طالت القضاء، محذراً من تداعيات “سوء الفهم” بين السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. المالكي أكد على ضرورة التعاون والتفاهم بين هذه السلطات للحفاظ على استقرار العملية السياسية، مبرزاً أن النظام السياسي العراقي قائم على الديمقراطية والفصل بين السلطات.
التحليلات تشير إلى أن هذه الهجمات الموجهة للقضاء تشكل تهديداً خطيراً لاستقرار البلاد، وتعتبر بداية لتداعيات أخطر من الهجمات الإرهابية. بعض الكتل البرلمانية اعتبرت أن هذه الحملة الإعلامية ضد القضاء مسيسة وواضحة الأهداف، حيث تروج جهات محلية ودولية لتسفيه دور القضاء بهدف تحقيق مصالح خاصة.
وأكد رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق، فائق زيدان في تصريحات أن القضاء مستمر في محاربة الفساد.
وقال زيدان إن “مجلس القضاء الأعلى مستمر في محاربة الفساد بشكل كبير، وقد حققنا نجاحات كبيرة، خاصة في ملف استرداد الأموال المنهوبة”.
المصادر المراقبة للوضع تتحدث عن تورط جهات في كردستان وبغداد في هذه الحملة بهدف منع القضاء من فتح ملفات حساسة تتعلق بالفساد وتهريب النفط. وتشير التقارير إلى أن هذه الجهات تسعى لتقويض استقلالية القضاء لتمرير أجنداتها دون رقابة قانونية.، كما تحدث ناشطون عن وجود “جيوش إلكترونية” مدفوعة تعمل على تشويه سمعة القضاء ونشر الشائعات حوله.
في ظل هذه الأجواء، يبدو أن الحملة الممنهجة ضد القضاء العراقي ليست مجرد نزاع سياسي عابر، بل محاولة لتعطيل دوره كحامي العدالة وضامن لاستقرار النظام السياسي، وهو ما يثير مخاوف واسعة من تأثيرات هذه الهجمات على مستقبل العراق كدولة قانون ومؤسسات.
نجاحات
القضاء العراقي لعب دوراً محورياً في معالجة مجموعة من الملفات الهامة التي كانت لها تأثيرات كبيرة على استقرار البلاد وسير العملية السياسية. من بين هذه الملفات، يمكن تسليط الضوء على بعض القضايا الرئيسية التي نجح القضاء في التعامل معها:
ملف داعش: القضاء العراقي نجح في محاكمة الآلاف من المتهمين بالإرهاب، خاصة بعد تحرير مناطق واسعة من سيطرة تنظيم داعش. المحاكمات شملت عناصر التنظيم والمتعاونين معهم، وأصدرت أحكاماً تتراوح بين الإعدام والسجن، مما ساهم في تعزيز الأمن والاستقرار.
محاكمات جرائم الإرهاب: ساهم القضاء في تقديم الإرهابيين للعدالة عبر محاكم متخصصة، وهو ما مكن العراق من التعامل مع ملف الإرهاب بجدية وحزم، رغم التحديات الكبيرة.
ملف مكافحة الفساد: نجح القضاء في محاكمة العديد من المسؤولين والموظفين الحكوميين المتورطين في قضايا فساد مالي وإداري. على الرغم من التحديات والضغوطات السياسية، تم إحالة عدد من القضايا إلى المحاكم، وكان للقضاء دور في استرجاع الأموال المنهوبة.
سرقة القرن: القضاء العراقي كان له دور بارز في التعامل مع هذه القضية التي تشمل سرقة مبالغ ضخمة من الأموال العامة. التحقيقات والإجراءات القضائية أثمرت في كشف الفاعلين والمتورطين في هذه القضية الحساسة.
محاكمة الجرائم الطائفية: خلال فترة العنف الطائفي (2006-2008)، نجح القضاء في محاكمة عدد كبير من المتورطين في أعمال القتل الجماعي والجرائم الطائفية، وهو ما ساهم في تعزيز الأمن وإظهار قوة القانون.
جرائم الحرب ضد الإنسانية: القضاء العراقي تعامل مع محاكمات تتعلق بجرائم ارتكبت ضد الأقليات، مثل الإيزيديين، على يد تنظيم داعش، مما ساهم في تحقيق العدالة لضحايا الانتهاكات الإنسانية.
حسم نزاعات الانتخابات: القضاء كان عاملاً أساسياً في معالجة الطعون والنزاعات الانتخابية خلال الانتخابات البرلمانية في العراق، و دوره في مراجعة نتائج الانتخابات وحل الشكاوى الانتخابية ساهم في تهدئة الأوضاع السياسية، ومنع تفجر الأزمات.
حل الخلافات الدستورية: القضاء العراقي ساهم في تفسير الدستور وحل العديد من النزاعات بين السلطات التنفيذية والتشريعية، ما حافظ على توازن القوى ومنع حدوث فراغ دستوري.
محاكمة المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان: القضاء العراقي تعامل مع قضايا انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك قضايا التعذيب وسوء المعاملة في السجون، و تم محاكمة عدد من المتورطين في هذه الانتهاكات، مما يعكس التزام القضاء بحماية حقوق الأفراد.
مكافحة شبكات الجريمة المنظمة: القضاء نجح في التصدي لشبكات التهريب والجريمة المنظمة، بما في ذلك تهريب النفط والأسلحة، وتم إلقاء القبض على أفراد متورطين في هذه العمليات ومحاكمتهم وفقاً للقانون.
هذه النجاحات تعكس التزام القضاء العراقي بدوره في تحقيق العدالة رغم التحديات الكبيرة، بما في ذلك الضغوط السياسية والتهديدات الأمنية المستمرة.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author moh mohSee author's posts
المصدر: المسلة
كلمات دلالية: القضاء العراقی النظام السیاسی المتورطین فی القضاء فی ساهم فی فی هذه
إقرأ أيضاً:
مستقبل مجهول وأرقام مرعبة: الاقتصاد العراقي بين فكّي المحاصصة وسوء الإدارة - عاجل
بغداد اليوم - بغداد
يواجه الاقتصاد العراقي تحديات متعددة تهدد استقراره ونموه المستدام، من أبرزها هيمنة المحاصصة السياسية وسوء الإدارة، مما أدى إلى تفاقم الأزمات المالية والاقتصادية في البلاد. وبهذا الشأن أكد الخبير الاقتصادي صالح رشيد أن العراق يعاني من غياب التنسيق بين مؤسساته المالية، ما تسبب في أزمة سيولة قد تتفاقم مع استمرار المتغيرات الدولية المؤثرة على أسعار النفط.
تأثير المحاصصة السياسية على الاقتصاد العراقي
أدت المحاصصة السياسية إلى توزيع المناصب الحكومية بناءً على الانتماءات الحزبية والطائفية، مما أسفر عن استبعاد الكفاءات وتعيين أشخاص غير مؤهلين في مواقع صنع القرار الاقتصادي. هذا النهج أضعف المؤسسات الاقتصادية وأدى إلى تبني سياسات غير فعّالة، مما أثر سلبًا على التنمية الاقتصادية.
أكد رشيد بحديثه لـ"بغداد اليوم"، أن "الوضع السياسي أثر على الاقتصاد من خلال عدة أبعاد، أبرزها إنتاج مبدأ المحاصصة وإبعاد الكفاءات، إضافة إلى الاستغناء عن العديد من هذه الكفاءات، ما أثر على آليات وخطط الاقتصاد والمال". كما أشارت تقارير إلى أن المحاصصة والسياسات الفاشلة كانت من الأسباب الرئيسية لتدهور الاقتصاد الوطني، حيث عطّلت القطاعات الإنتاجية وأضعفت الصناعة الوطنية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وتفاقم الفقر.
فإذا كانت نسبة الوظائف في الوزارات الأمنية تبلغ 54% من إجمالي الوظائف الحكومية، فهذا يعني أن 46% فقط من الوظائف تتوزع على باقي القطاعات. بافتراض أن إجمالي عدد الموظفين الحكوميين هو 3 ملايين موظف، فإن عدد الموظفين في الوزارات الأمنية يبلغ 1.62 مليون موظف، بينما يتوزع 1.38 مليون موظف على بقية القطاعات. هذا التوزيع غير المتوازن قد يؤدي إلى نقص في الكفاءات والموارد البشرية في القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم.
سوء الإدارة وتداعياتها على الاقتصاد
إلى جانب المحاصصة، يعاني العراق من سوء إدارة في المؤسسات المالية، مما أدى إلى غياب التنسيق بين السياسات المالية والنقدية. هذا الافتقار إلى التناغم تسبب في ضعف الوضع المالي للبلاد وأدى إلى أزمة سيولة. يقول رشيد: "هناك سوء إدارة في كل من البنك المركزي ووزارة المالية، ما تسبب في حالة عدم التناغم بين السياسة المالية والنقدية، مما جعل وضع العراق المالي ضعيفًا، بدليل أنه يعاني حاليًا من ملف قلة السيولة".
وأضاف: "كان الأحرى أن يكون هناك تنسيق ممنهج بين النفقات والإيرادات لتفادي هذه الإشكالية"، مشددًا على أن "سوء الإدارة يعد من العوامل المؤثرة والتي لها ارتدادات مباشرة على ملف القرار الاقتصادي في العراق".
فإذا كان إجمالي الميزانية لعام 2024 يبلغ 211 تريليون دينار عراقي (161 مليار دولار) مع عجز متوقع قدره 64 تريليون دينار، فإن نسبة العجز إلى إجمالي الميزانية تبلغ حوالي 30.3%. مع توقع انخفاض أسعار النفط إلى ما دون 70 دولارًا للبرميل في عام 2025، قد يتسبب ذلك في زيادة العجز المالي إذا لم تُتخذ تدابير تقشفية أو تُعزز الإيرادات غير النفطية.
تأثير تقلبات أسعار النفط على الاقتصاد العراقي
يعتمد الاقتصاد العراقي بشكل كبير على إيرادات النفط، حيث تشكل حوالي 90% من إيرادات الدولة. هذا الاعتماد المفرط يجعل الاقتصاد عرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية. في الآونة الأخيرة، شهدت أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا، حيث تراجعت إلى 70 دولارًا للبرميل.
أوضح رشيد أن "العامل الدولي ومتغيراته وتأثيره المباشر على أسعار النفط دفع إلى انخفاضها إلى 70 دولارًا، وبالتالي سيكون لهذا الأمر تداعيات مباشرة على الوضع المالي في العراق من خلال زيادة الاقتراض الداخلي".
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة رويترز، فإن العراق يواجه ضغوطًا مالية في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، مما يستدعي تبني سياسات مالية أكثر صرامة للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.
فإذا كان سعر النفط المتوقع في الميزانية هو 70 دولارًا للبرميل، وكان العراق يصدّر 3.5 مليون برميل يوميًا، فإن الإيرادات اليومية المتوقعة ستكون 245 مليون دولار. على مدار عام كامل، ستكون الإيرادات حوالي 89.4 مليار دولار. إذا انخفض سعر النفط بمقدار 10 دولارات إضافية إلى 60 دولارًا للبرميل، فإن الإيرادات السنوية ستنخفض إلى 76.65 مليار دولار، مما يعني خسارة سنوية قدرها 12.75 مليار دولار. هذا الانخفاض سيزيد من العجز المالي ويضع ضغوطًا إضافية على الاقتصاد العراقي.
توصيات وإصلاحات مقترحة
لمواجهة هذه التحديات، يجب على العراق تبني مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية والسياسية بحسب اقتصاديين، بما في ذلك:
تعزيز الحوكمة الرشيدة: من خلال مكافحة الفساد وتطبيق معايير الشفافية في جميع القطاعات الحكومية.
تنويع الاقتصاد: عن طريق تطوير القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والسياحة لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للإيرادات.
إصلاح النظام السياسي: من خلال إنهاء نظام المحاصصة وتعيين الكفاءات المؤهلة في المناصب القيادية لضمان اتخاذ قرارات اقتصادية فعّالة.
تحسين إدارة الموارد المالية: عبر التنسيق الفعّال بين السياسات المالية والنقدية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتفادي الأزمات المالية المستقبلية.
مخاطر وارتدادات
يواجه العراق تحديات اقتصادية كبيرة تتطلب تبني إصلاحات جذرية لمعالجة تأثيرات المحاصصة وسوء الإدارة وتقلبات أسعار النفط. ومع استمرار المحاصصة وسوء التخطيط، يبقى العراق في مواجهة مخاطر اقتصادية خطيرة قد تكون لها ارتدادات قاسية على الأسواق والاستقرار المالي للبلاد. كما أكد رشيد، فإن "الاقتصاد العراقي بحاجة إلى قراءة متأنية للمستقبل لتفادي ارتدادات قد تكون قاسية في المستقبل". من خلال تنفيذ الإصلاحات الضرورية، يمكن للعراق تحقيق الاستقرار الاقتصادي وضمان مستقبل مزدهر لشعبه.
المصدر: بغداد اليوم+ وكالات