هل يشعل الصراع المصري ــ الإثيوبي القرن الأفريقي؟
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
فيصل محمد صالح
نقلا عن االشرق الاوسط:
أثار وصول طائرات عسكرية مصرية إلى العاصمة الصومالية، مقديشو، محملة بمعدات عسكرية، قلقاً كبيراً في المنطقة، بعد ردود الفعل العنيفة من الحكومة الإثيوبية، التي عدّت أي وجود عسكري مصري على حدودها يمثل تهديداً مباشراً لها وللأمن في المنطقة، وهددت باتخاذ إجراءات لتأمين حدودها و«حفظ الأمن في منطقة القرن الأفريقي».
ورغم أنه من المستبعد حدوث أي تصعيد عسكري مباشر، فإنه لا يمكن التقليل من خطورة التصعيدين السياسي والإعلامي، بما يستوجب تدخلات إقليمية ودولية لتهدئة التوترات.
لكن كل مَن يتابع الأوضاع في المنطقة يعلم أن مثار الغضب الإثيوبي ليس فقط إرسال معدات عسكرية، ولكنه البروتوكول الذي تم توقيعه بين مصر والصومال، وستبعث مصر بموجبه قوات عسكرية تسهم في بعثة الاتحاد الأفريقي للسلام في الصومال، بديلةً للقوات الإثيوبية، كما ستتمركز قوات مصرية في إقليم صومالي قريب من الحدود الإثيوبية. وكانت الحكومة الصومالية قد طلبت سحب القوات الإثيوبية من أراضيها، بعد التوتر الذي حدث في علاقات البلدين.
بدأت الأزمة في يناير (كانون الثاني) الماضي، حين وقّعت إثيوبيا اتفاقاً مع جمهورية أرض الصومال، وهي منطقة منفصلة عن الصومال لم يتم الاعتراف بها إقليمياً ودولياً، يتيح لها إيجار مساحة على واجهة البحر الأحمر. وفي إطار الاتفاق ستكون إثيوبيا الدولة الأولى التي تعترف بأرض الصومال دولةً مستقلةً في الوقت المناسب، حسب قول رئيسها.
ويمكّن الاتفاق إثيوبيا من استئجار واجهة بحرية على البحر الأحمر داخل أرض الصومال بطول 20 كيلومتراً، من أجل استخدامها قاعدةً عسكريةً أو لأغراض تجارية لمدة 50 عاماً، وكانت إثيوبيا تعتمد على ميناء جيبوتي بشكل أساسي. ويعدّ هذا الاتفاق امتداداً لتحركات إثيوبية كانت تهدف لتحقيق طموحات حكومة إثيوبيا في أن تمد ساقيها على سواحل البحر الأحمر، بعد أن فقدت السواحل البحرية باستقلال إريتريا عام 1993، وقد حاولت من قبل استخدام ميناء بورتسودان في السودان، وموانئ إريتريا.
أثارت الاتفاقية ردود فعل غاضبة في جمهورية الصومال التي تعدّ أرض الصومال جزءاً منها ولا تعترف بها دولةً مستقلةً، وبعد مرور أسبوع على الاتفاق وقّع الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود قانوناً يلغي الاتفاقية البحرية التي عدّها «غير قانونية» بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال الانفصالية. وقالت الحكومة الصومالية إنها ستتصدى لهذه الاتفاقية بالوسائل القانونية كافة. ونددت بما وصفته بأنه «عدوان»، و«انتهاك صارخ لسيادتها».
ويشكل طموح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المعلن لتأمين الوصول إلى البحر الأحمر مصدراً للتوتر بين إثيوبيا وجيرانها، ويثير مخاوف من نشوب صراع جديد في القرن الأفريقي. وقد حاول من قبل الاعتماد على موانئ إريتريا، لكن التوترات في علاقات البلدين جعلت ذلك أمراً لا يمكن توفير ضمانات له في المستقبل.
ولا يمكن قراءة هذه التطورات من دون استصحاب الأجواء المتوترة بين إثيوبيا ومصر؛ بسبب قضية سد النهضة الذي بنته إثيوبيا داخل أراضيها على مجرى النيل الأزرق المتجه للسودان ومصر، ولم تستجب لتحفظات البلدين حول التشاور قبل بناء السد، وتبادل المعلومات، ومعدل الأمان فيه. كما أن إثيوبيا صارت تطمح في عهد رئيس الوزراء آبي أحمد للعب دور إقليمي في المنطقة تقاطع في أحايين كثيرة مع الدور المصري، ودخل في منافسة معه.
وتنظر إثيوبيا للدور الذي لعبته في استتباب الأوضاع في الصومال، خلال السنوات السابقة، ومشاركتها في قوات حفظ السلام الأفريقية، ودورها في مكافحة أعمال «حركة الشباب الإسلامية» المتطرفة في الصومال، وتنتظر تقديراً من مقديشو على هذا الدور، ولا تنظر للتحدي الذي وضعته أمام الحكومة الصومالية والرأي العام في البلاد لتوقيع اتفاق يعطي شرعية لجمهورية أرض الصومال، وهو ما يعدّه الصوماليون خطيئة لا تغتفر.
من ناحية أخرى، فإن القاهرة ترى أنها وقعت بروتوكولاً مع دولة شقيقة عضو في الجامعة العربية، ولديها حكومة كاملة السيادة، وليس في هذا البروتوكول أي تعارض مع القوانين الدولية أو اتفاقيات المنظمات الإقليمية. وبالتأكيد فإن مصر تدرك أنها تحاصر النفوذ الإثيوبي في المنطقة وترد على تحركات إثيوبية سابقة باستخدام نفوذها السياسي والدبلوماسي، وقدراتها العسكرية، بوصفها عامل قوة، وليس لاستخدامها في عمل عسكري، بالضرورة.
لا يمكن الإنكار أن الأجواء متوترة، والاحتمالات مفتوحة، لكن الرهان على تعقل القيادات السياسية في المنطقة، والضغوط الدولية، لكي لا تخرج عن حدود اللعب النظيف.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: البحر الأحمر أرض الصومال فی المنطقة لا یمکن
إقرأ أيضاً:
ما ظاهرة دانا التي أغرقت إسبانيا؟ وهل تطال دول البحر المتوسط؟
شهدت إسبانيا مؤخرا واحدة من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخها الحديث، إذ تسببت فيضانات مفاجئة في حدوث دمار هائل وواسع في مدينة فالنسيا الواقعة على الساحل الغربي للبلاد، في ظاهرة طبيعية جوية نادرة تُعرف باسم المنخفض الجوي "دانا"، وهي اختصار للمصطلح العلمي "المنخفض المعزول في الطبقات العليا"، الذي تسبب في كم رياح وأمطار هائل.
وكانت المدينة الإسبانية قد شهدت هطول أمطار غزيرة ومفاجئة تعادل كمية أمطار سنة كاملة، خلال بضع ساعات فقط، وأسفرت هذه العاصفة الشديدة عن غمر أجزاء واسعة من المدينة، مما أدى إلى وفاة 155 شخصا، بينما لا يزال العشرات في عداد المفقودين. كما سجلت المدينة معدلات هطول وصلت إلى 500 لتر لكل متر مربع، وهو رقم هائل يعكس شدة الكارثة.
كما تزامن مع هذا الدمار دعوات عاجلة لتحسين إستراتيجيات الاستعداد والتأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية المتزايدة في حدتها، نتيجة التقلبات المناخية غير المتوقعة المقرونة بالاحتباس الحراري، في حين تُعد هذه الكارثة إنذارا طارئا لجميع الدول المطلّة على حوض البحر الأبيض المتوسط بما فيها الدول العربية من كلتا القارتين، آسيا وأفريقيا.
تزامن مع هذا الدمار دعوات عاجلة لتحسين إستراتيجيات الاستعداد والتأهب لمواجهة الكوارث الطبيعية المتزايدة في حدتها (الفرنسية) ما ظاهرة "دانا" المباغتة؟ترتبط ظاهرة "دانا" بتغير الفصول، وتحدث على ارتفاعات تصل إلى نحو 9 كيلومترات فوق سطح البحر، وتنشأ هذه الظاهرة عندما تصطدم كتلة من الهواء الدافئ بكتلة راكدة من الهواء البارد في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى سلسلة من التفاعلات الجوية التي قد تتسبب في هطول أمطار غزيرة وعنيفة وحدوث عواصف مباغتة وقوية.
تعمل التيارات الهوائية القوية في الطبقات العليا من الغلاف الجوي كحزام يحيط بالأرض، وأحيانا تبدأ هذه التيارات بالتذبذب، محاكية حركة الأفعى بدلا من بقائها في خط مستقيم. وعندما تتوقف هذه التذبذبات، تحتجز الكتلة الهوائية الباردة في مكان واحد، كما حدث فوق مدينة فالنسيا.
عندما يهب هذا الهواء البارد فوق مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة فإنه يتسبب في ارتفاع الهواء الساخن بسرعة وتشكيل سحب كثيفة محملة بالمياه والتي يمكن أن تظل فوق المنطقة نفسها عدة ساعات مما يزيد من قدرتها التدميرية.
ونظرًا إلى أن شهور الصيف الطويلة هذا العام كانت حادة بشكل غير مسبوق، حيث سُجل أحر يوم في التاريخ الحديث في شهر يوليو/تموز الماضي، فإن مياه البحر الأبيض المتوسط تصبح مصدرا للطاقة يغذي هذه الظاهرة الجوية.
وعلى الرغم من أن الرياح المدارية المصاحبة لهذه الظواهر قد لا تكون بمستوى عنف الأعاصير المعروفة عالميا، فإن الأمطار الغزيرة تكون كافية لإحداث دمار واسع النطاق، مما يهدد البنية التحتية بشكل خطير.
ويعتقد العلماء أن البلاد المحيطة بالبحر الأبيض المتوسط معرضة بشكل خاص لهذه الأحداث الجوية المتطرفة بسبب موقعها الجغرافي، وبشكل خاص دول مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان.
التغير المناخي.. الجندي المجهولويعتقد الكثير من الخبراء أن ارتفاع حرارة البحر الأبيض المتوسط في السنوات الأخيرة، والتي زادت بمقدار 1.5 درجة مئوية منذ الثمانينيات، يسهم بشكل كبير في ازدياد هذه الظاهرة.
وبطبيعة الحال، يرتبط ارتفاع درجة الحرارة بالتغير المناخي والاحتباس الحراري، ويرى الخبراء أن البحار أصبحت أشبه بحزام ناقل للرطوبة والطاقة، مما يؤدي إلى زيادة كثافة الأمطار وغزارتها عندما يحدث تباين كبير في درجات الحرارة بين البحر واليابسة.
ومن جانب آخر، يؤدي احترار البحار والمحيطات المتسارع، وخاصة البحر الأبيض المتوسط، إلى تغييرات جذرية بوقوع ظاهرة "دانا"، حيث صارت تبدأ في وقت مبكر من شهر مايو/أيار وتستمر حتى نوفمبر/تشرين الثاني، بعدما كانت هذه الظاهرة مقتصرة في السابق على شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول.
إضافة إلى زيادة ملحوظة خلال العقود الستة الماضية بوتيرة حدوث الظاهرة بنسبة تتراوح بين 15% و20%، ومن المتوقع أن يكون للتغير المناخي المضطرب المزيد من التأثير، وقد تشهد المنطقة تكرار وقوع مثل هذه الحوادث في على نطاق أوسع ضمن حدود حوض البحر الأبيض المتوسط.