الخيارات الاستراتيجية للدول العربية في ظل تهديدات الحرب العالمية الثالثة
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
سلطان بن سالم العيسائي**
تُنذر حجم الاضطرابات والحروب التي تهز أجزاء كثيرة من العالم؛ بأن احتمالات اندلاع شرارة الحرب العالمية الثالثة قائمة بالفعل، وقد لا يكون مُهماً معرفة من أين ستبدأ هذه الحرب؟ وما هي التحالفات الجديدة التي بدأت ملامحها تتشكل بناءً على الجيوسياسية؟ ورغم تباين آراء الخبراء بشأن مدى تأثير عملية التوغل العسكرية التي أقدمت عليها القوات الأوكرانية في إقليم كورسك الروسي الحدودي، وبعمق وصل في بعض التقديرات إلى أكثر من 30 كيلومترا داخل روسيا؛ إلا أن السباق على التسلح والمناورة والتجنيد يتزامن مع بؤر الصراعات المشتعلة والمتشابكة تُنذر بمواجهة كونية لا مفر منها.
والشرق الأوسط شهد صراعات متعددة على مر العقود أثرت على الاستقرار الإقليمي والدولي؛ لذلك ينبغي على الدول العربية أن لا تتفاجأ بمثل هذه الأزمات، كالأزمات الاقتصادية العالمية التي أدت إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وأثرت في الاستثمارات المحلية والأجنبية، وجائحة كورونا التي أفرزت كساد اقتصادي احتاج إلى فترة طويلة للتعافي منه.
ويُمكن تحقيق مجموعة من الإجراءات الاستباقية بالنسبة لدول العالم العربي والعالم الثالث، وإعادة ترتيب أوراقها من خلال إعادة تقييم السياسات والاستراتيجيات الحالية، وبناء شراكات وعلاقات قوية مع القوى الاقتصادية والتجارية التي يُمكن أن تكون بديلة، واستخدام القنوات الدبلوماسية لتعزيز التواصل وتحقيق هذه الشراكات، وتفعيل دور اللجان والمنظمات الاقليمية العربية مثل: المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لجامعة الدول العربية، واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي (الكومسيك)، ودور مجلس التعاون الخليجي، ومجلس الوحدة الاقتصادية العربية وغيرها.
وكذلك الإسراع في إبرام اتفاقيات الأمن الإقليمي، وتطوير اتفاقيات أمنية وتعاون عسكري بين دول الجوار لتعزيز الأمن المشترك، واتفاقيات التكامل الاقتصادي لتقليل الاعتماد على القوى الكبرى، وتطوير القدرة الدفاعية من خلال البحث عن التوازن، وتعزيز الدفاعات العسكرية بشكل يهدف إلى الردع دون التسبب في سباق تسلح قد يؤدي إلى تصعيد النزاعات، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع الدول الصديقة لتحسين التنسيق وتعزيز الثقة.
ومن الإجراءات الاستباقية المهمة أيضاً، التحضير لحالات الطوارئ من خلال وضع خطط طوارئ لمواجهة الأزمات والتخفيف من تأثيرات الأزمات المحتملة، وتطوير استراتيجيات للتعاون الإنساني مع الدول الأخرى لتقديم المساعدات في حالات الطوارئ، وتعزيز الأمن السيبراني لحماية البنية التحتية من الهجمات الإلكترونية، وإنشاء مراكز تحكم وتبادل المعلومات حول التهديدات المحتملة، والأهم من ذلك كله هو تعزيز برامج السلام والتسامح الدولي، والتسوية السلمية للنزاعات الدولية.
Sultan52053@gmail.com
باحث دكتوراه بجامعة صحار، ورئيس قسم التعلم مدى الحياة بالمديرية العامة للتربية والتعليم بمحافظة شمال الباطنة **
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القضايا العربية والمتغيرات العالمية
حاتم الطائي
تَمرُ المنطقة العربية بمرحلةٍ مفصلية في تاريخها الحديث، لا تقل أهمية أبدًا عن المراحل المفصلية السابقة على مدى قرون؛ بل لن نُبالغ إذا قلنا إنَّ الفترة الراهنة الأشد خطورة على منطقتنا وقضايانا المصيرية، وفي المقدمة منها قضيتنا المركزية؛ فلسطين، خاصة في ظل الخذلان الدولي غير المسبوق تجاه الإجرام الإسرائيلي المدعوم أمريكيًا، والذي فاق التصورات وتجاوز الواقع السياسي والعسكري بمراحل.
لم تعد إسرائيل مجرد ذلك الكيان المغروس عمدًا مع سبق الإصرار والترصد لإضعاف الأمة العربية ووأد أي محاولة للنهوض ومنافسة الغرب؛ بل باتت دولة الاحتلال سرطانًا يُريد أن يلتهم المنطقة ويبتلعها، من خلال اقتلاع سكان قطاع غزة والضفة الغربية والقدس من أراضيهم، ومن ثم تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، ثم التمدد إلى دول المنطقة، وفرض نفوذها وهيمنتها تحت قوة الضغط الأمريكي، الذي يستغل حالة الضعف التي تُعاني منها منطقتنا.
وعلى الرغم من أن العرب يملكون كل الأدوات والوسائل التي تُمكِّنهم من فرض عدالة قضيتهم ووجهات نظرهم فيما يتعلق بمصير المنطقة، إلّا أنهم يفتقرون إلى الإرادة السياسية القوية، والقدرة على مواجهة الصلف الأمريكي الذي تحول تحت إدارة الرئيس اليميني دونالد ترامب إلى تجبُّر واستعلاء لا مثيل له. العرب يملكون الثروات المالية والموارد الطبيعية التي تدعم قوتهم، فضلًا عن الجوانب الحضارية المُضيئة، فلقد كانت هذه المنطقة بيئة خصبة لازدهار أعرق الحضارات، وعلى أرضها عاش أنبياء الله ونشروا دعوتهم في ربوع الدنيا، غير أنَّ عدم الرغبة في المواجهة وتفضيل سياسات "النأي بالنفس"، تسبب في أن تتحول المنطقة العربية إلى لقمة سائغة في أفواه المُجرمين، من دعاة الاستعمار الجُدد، الذين ينظرون إلى الأوطان على أنها "مشاريع عقارية" يمكن إبرام "صفقات" عليها!
من المؤسف أنَّ الكثير من الأنظمة لم تعد قادرة على قول "لا" في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وباتت عاجزة عن طرح أي رؤية عادلة للقضايا العربية، لكن لا ينبغي أن يدفعنا ذلك إلى اليأس والتراجع والاستسلام؛ بل علينا أن نتحلى بالشجاعة في مُواجهة المخططات التي تريد عودة الاستعمار بصورة أخرى، وعلى الحكومات العربية أن تحتمي بشعوبها الرافضة رفضًا قاطعًا لأي احتلال إسرائيلي، والغاضبة بشدة من حرب الإبادة التي استمرت في قطاع غزة لأكثر من 15 شهرًا. ومع اقتراب انعقاد القمة العربية الطارئة في القاهرة، وتوقعات بإعلان رؤية عربية مشتركة لمواجهة مخططات الرئيس الأمريكي، فإن سقف المطالب في هذه القمة يجب أن يكون عاليًا، ليعكس إرادة الشعوب العربية التي ضجرت من المواقف غير الحاسمة، والتصريحات التي تحتمل أكثر من معنى. يجب أن تكون القمة تعبيرًا عن حالة التعاطف منقطعة النظير مع الشعب الفلسطيني المُستضعَف، والذي ما يزال يتجرع ويلات العدوان الإسرائيلي.
ولا ريب أن المرحلة المقبلة من العمل العربي تتطلب سرديةً ذات طموح أعلى وتمثيلاً أكبر لإرادة الشعوب العربية الطامحة الى التحرر والعدالة، والتي لطالما حلمت بأن تتحرر فلسطين وأن ينعم كل مواطن فلسطيني بحقه الطبيعي في الحياة دون خوف من الموت أو التشرُّد أو الاعتقال والزج به في سجون الاحتلال.
الوضع الراهن وما يعتريه من متغيرات دولية عميقة التأثير، يؤكد لنا أن العرب يجب أن تكون لهم كلمة واضحة وموقفًا صلبًا في مواجهة مخططات ترامب-نتنياهو، وممارسة أقصى الضغوط من أجل استعادة الحقوق الفلسطينية وحماية الأمن القومي العربي من المُهددات غير المسبوقة، لا سيما في ضوء الإرهاب الصهيوني المُستمر منذ عقود طويلة.
على العرب في قمتهم الطارئة أن ينظروا إلى مواقف دول مثل جنوب أفريقيا والبرازيل- غير العربيتين- واللتين لم ترضخا للضغوط الصهيونية، وواصلتا الدفاع عن القضية الفلسطينية أمام المحاكم الدولية، في حين أن الأنظمة العربية الرسمية لم تتحرك ولم تشارك في تحريك أي دعوى قضائية دولية، رغم التعاطف الدولي الكبير، فضاعت من أمامنا فرصة تاريخية لتحقيق مزيد من النقاط لصالح القضية الفلسطينية.. ورغم ذلك نؤكد أنَّ الفرصة ما تزال قائمة، وأن بإمكان العرب إجبار أمريكا على التراجع عن مخططاتها والوصول إلى حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية.
على العرب مواجهة إسرائيل وأمريكا بكل قوة، والقول بصوتٍ عالٍ إن أمريكا فك مفترس ووحش كاسر ومارد شيطاني، تُريد أن تفتك بالعالم أجمع لتحقيق أهدافها وأطماعها، حتى لو كان الثمن أرواح الآلاف والملايين من البشر.
لقد كشفت السياسات الأمريكية الحالية، أن الرئيس ترامب يريد أن يلتهم كل شيء أمامه، ويدير بلاده والعالم بطريقة "الصفقات"، ولا أدل على ذلك من موقفه تجاه قضية أوكرانيا، وما شاهدناه في المشادة الكلامية بينه وبين رئيس أوكرانيا، ومدى التحقير الذي مارسه تجاه رئيس أوكرانيا، والذي يكشف أنَّ ترامب ربما باع أوكرانيا إلى روسيا، في صفقة غير واضحة المعالم حتى الآن.
ويبقى القول.. إنَّ القمة العربية الطارئة المرتقبة يوم الثلاثاء، يجب أن تُعبِّر عن مواقف الشعوب العربية الرافضة للإجرام الصهيوني والداعمة للحق الفلسطيني، وضرورة مواجهة الجبروت والتعنت الأمريكي، من خلال توظيف أدوات الضغط العربية، حتى تنعم منطقتنا بالأمن والاستقرار ويتحقق العدل في ربوعها.
رابط مختصر