الأسطورة.. صحفي بلغاري كانت فلسطين قضيته الشخصية (بورتريه)
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
الصحفي التلفزيوني الأشهر في بلغاريا الذي عرف بتغطياته لحربي لبنان وكمبوديا والأزمة القبرصية والقضية الفلسطينية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.
وصفه الرئيس البلغاري بأنه "أحد أكثر الشخصيات المرموقة في الصحافة البلغارية".
تتراوح ألقابه في بلده بـين "الأسطورة" و"الأكثر معرفة بالموضوع الفلسطيني".
كانت موهبته تشده إلى أي مكان من شأنه أن يقدم لمشاهديه رؤية تحليلية اجتماعية، بحسب رفاقه الذي عملوا معه.
الظروف وحدها قادت، إيفان غاريلوف المولود في عام 1943 في قرية سميليتس، في منطقة بازارجيك الجنوبية، إلى مهنته التي اختارها: مهنة الصحفي.
فعندما كان يبلغ من العمر 14 عاما وفي بازارجيك وأثناء انتظار في طابور للصعود إلى الحافلة، كان السائق يمنعهم من ركوب الحافلة تحت المطر، فكتب الشاب الغاضب قصة عن ذلك وأرسلها إلى إحدى الصحف المحلية، ونشرت القصة، بل وتقاضى غاريلوف أجرا مقابلها، وفي ذلك الوقت قرر أن يصبح صحفيا ولم يندم أبدا على اختياره.
تخرج غاريلوف من جامعة صوفيا في عام 1972 حيث درس الصحافة، وعمل أثناء دراسته في وكالة الأنباء الروسية "بي تي إيه".
وأثناء دراسته عين في وكالة أنباء بلغاريا، وذلك بفضل إتقانه للغة اليونانية إلى حد كبير التي تعلمها بعد الانتهاء من الجامعة، عندما أرسل إلى اليونان لمدة خمسة أشهر في مهمة من قبل لجنة العلاقات الثقافية الخارجية.
وبعد التخرج عين في صحيفة "نارودنا ملاديتش" اليومية.
ثم التحق بالعمل التلفزيوني عبر برنامجه الحواري "بانوراما" على مدى ما يزيد عن ربع قرن لغاية عام 1991 إلى جانب الأفلام الوثائقية التي أعدها، وبينها وثائقي بعنوان "قادم من إسرائيل ريبورتاجات من الأراضي المقدسة والأراضي الفلسطينية المحتلة" حيث أجرى مقابلات مع جميع السياسيين والمثقفين البلغاريين البارزين خلال تلك الفترة.
مما جعل مصطلح "الأسطورة" كثير التداول في الإعلام المكتوب عند الإشارة إلى اسمه حتى عندما تتخذ أخباره طابعا شخصيا كانتقاله للعمل في محطة تلفزيونية جديدة أو تفرغه لإعداد كتاب جديد.
غاريلوف هو أيضا مؤلف سلسلة من الأفلام الوثائقية، أشهرها فيلمه عن كمبوديا بعد الانتصار على الخمير الحمر، وكان طاقم التلفزيون البلغاري أول من دخل البلاد المدمرة بسبب الإبادة الجماعية التي ارتكبها بول بوت.
كما أصدر عددا من الكتب التي استمد مضمونها من رحلاته إلى المناطق الساخنة وأبرزها "أتيلا بمواجهة أفروديتا " حول الأزمة القبرصية.
وفي كتابه "همنغواي لم يكن هنا قط" خصص فصلين للعالم العربي، أحدهما عنوانه "في ضيافة صدام حسين" والثاني "غداء مع ياسر عرفات في بيروت المدمرة".
وصدر له أيضا "عش الكراهية " حول الصراع العربي الإسرائيلي، وكتاب آخر بعنوان "روك آند رول وتجسس.. والفالس الأخير"، و"رسائل لم تبعث إلى مرغريتا"، و "هنا والآن".
لكن ما كان لافتا في مسيرته الصحفية هو أن فلسطين والفلسطينيين كانوا وكأنهم قضية شخصية بالنسبة له، وتجلى ذلك في تبنيه للفتى الفلسطيني أحمد المليجي.
وتعود القصة إلى عام 1982 حين قابله في رحلة عمل إلى بيروت أثناء الحرب اللبنانية لإعداد فيلم عن الأطفال الفلسطينيين، وكيفية تدريبهم ليصبحوا محاربين.
وفي تلك الفترة كان يتردد غاريلوف على رئيس الصليب الأحمر البلغاري، حيث كان يطلب المزيد من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين أو يقدم التماسا للحصول على الجنسية البلغارية لابنه بالتبني أحمد.
غاريلوف تحدث بالتفاصيل عن رحلة أحمد في بلغاريا بعد شروعه بتعلم اللغة ثم التحاقه بمدارسها وصولا إلى الجامعة التي درس فيها الطب ثم زواجه وولادة طفله الأول الذي أسماه إيفان تيمنا براعيه ووالده بالتبني، وهو ما كرره المليجي عام 2005 عندما ولدت له طفلة أسماها إيفا.
مع إخفاق محاولة أحمد العودة مجددا إلى لبنان جراء إحدى جولات الحرب فيه، واستحالة ممارسته لمهنة الطب غير المتاحة للفلسطينيين، ساعده غاريلوف مجددا على الاستقرار في قرية ستارسيفو على الحدود مع اليونان، حيث عاد إلى ستارسيفو مع أسرته وعمل فيها، لكن وضعه الصحي ما لبث أن تدهور بسبب مرض في الدم.
ظلت قصة أحمد المليجي محط اهتمام الإعلام البلغاري عندما يتعلق الأمر بغاريلوف لغاية عام 2018، عندما كتب على صفحته على فيسبوك ما نصه "هذا الصباح توفي أحمد الفتى الفلسطيني الذي استقدمته من لبنان. وبناء على رغبة زوجته رجاء سيدفن الدكتور أحمد المليجي في لبنان".
حتى وهو في فترة انشغاله بكتابه الجديد وجد نفسه غارقا من جديد بالشأن الفلسطيني بعد أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وقد استفزه انحياز الإعلام البلغاري بأكمله للرواية والسرد الصهيوني.
وكان الاختراق الأول لهذا الانحياز الإعلامي بقيادة اتحاد الصحفيين البلغار عندما نظم وقفة ذات بعدين إنساني وسياسي قبالة قصر الثقافة في العاصمة صوفيا. وخلال الوقفة التضامنية عبرت رئيسة الاتحاد سنيجانا تودوروفا عن تعاطفها مع الصحفيين الفلسطينيين ضحايا الحرب، وطالبت "بالتوقف عن قتل رواة الحقيقة، ووقف الحرب".
كان للصحفي الأشهر غاريلوف كلمة تضامنية مكتوبة تليت أمام الجمع، ما لبث أن عززها بمقابلة صحفية تناول فيها أسباب استنكاف الإعلام البلغاري عن تقديم تغطية متوازنة لوقائع الحرب.
كان غاريلوف يرى أن هناك ارتباكا مرضيا غطى جزءا كبيرا من الصحافة البلغارية، يقول موضحا "من المعروف أن هدفنا هو أن نكون أوروبيين- أطلسيين. ومن المعروف أيضا أن الولايات المتحدة دعمت إسرائيل دائما بشكل نشط على مر السنين. ولذلك فإن السياسة تجاه إسرائيل تعتبر بمثابة السياسة تجاه الولايات المتحدة".
ويقول في مقابلة مع الصحفية كادرينكا كادرينوفا بشأن مآلات الحرب على غزة "أعتقد أنه فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وتبادل الرهائن، لا بد أن يحدث شيء ما، لكن هذا سيكون أمرا مؤقتا.. لا يوجد حديث عن إنهاء الحرب على الإطلاق، وإسرائيل لم تعلن أنها حققت أهدافها، ولا أحد يعرف إلى أي مدى سيصل الأمر. 30 ألف قتيل حتى الآن (وقت إجراء المقابلة) والتوقف رهن بمشيئة إسرائيل.
بإمكانها أن تعلن القضاء على قائد مهم جدا في حماس أو حتى قيادتها بأكملها مما يتيح لها الزعم بأن هدف الحرب قد تحقق".
أما عن صحفيي فلسطين الذين يجاهر بتضامنه اللامحدود معهم، فيقول في ذات المقابلة "صحفيو فلسطين إخوتي في المهنة ودعمي لهم بلا حدود".
تصريحات غاريلوف عن فلسطين هي امتداد لمسيرة مهنية متوازنة ما زالت آثارها المكتوبة والمرئية قيد التداول.
وأحدث خبر وفاته حراكا إعلاميا وثقافيا كبيرا في بلاده وفي العالم حيث توفي في وحدة العناية المركزة العصبية بمستشفى بيروغوف للطوارئ في صوفيا حيث تم نقله بعد إصابته بصدمة خطيرة في الرأس في منتصف تموز/ يوليو الماضي بعد سقوطه في منتجع سفيتي فلاس وإصابة رأسه جراء حادث عارض أثناء عمله على كتاب جديد.
لقد بنيت احترافية إيفان غاريلوف، بحسب الإعلام البلغاري، على أسس أخلاقية متينة وسعة إطلاع ومعايير صحفية وأيضا على ضمير مدني، حماه من التدخلات غير اللائقة ليصبح مثالا للصحافة الشجاعة. وكانت قراءته الموضوعية للأحداث نقطة مرجعية موثوقة للجمهور وجزءا أساسيا من الجهود المبذولة للدفاع عن تعددية الآراء في بيئة الإعلام في بلغاريا.
رحل وكانت وصيته عبر وكالة الأنباء الروسية "بي تي إيه" في مقابلة بمناسبة عيد ميلاده الثمانين: "يجب على المذيعين، الذين هم وجه الصحافة، أن يخوضوا معركة من أجل الحقيقة، وأن يضحوا بأنفسهم ومصالحهم الخاصة ووسائل الراحة التافهة، باسم السعي وراء الحقيقة. الناس يقدرون ذلك".
لقد أمضى "الأسطورة" البلغارية حياته وهو يخوض معاركه مع الحقيقة والدفاع عن الشعوب المحتلة والمضطهدة، وكان الشعب الفلسطيني علامة فارقة في حياته المهنية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي عالم الفن كاريكاتير بورتريه بورتريه بلغاريا الفلسطينية فلسطين بلغاريا بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه بورتريه سياسة سياسة عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن عالم الفن سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
يساري وقومي رحل وقلبه مع المقاومة وغزة (بورتريه)
أحد أبرز القادة العسكريين للثورة الفلسطينية على مدار تاريخها الطويل.
قائد وطني وقومي وتقدمي عربي، كان قائدا كبيرا واستثنائيا تمسك حتى لحظاته الأخيرة بالثوابت الوطنية والمبادئ التي دافع عنها، وفي مقدمتها المقاومة بجميع أشكالها حتى تحرير فلسطين.
كان يساريا أمميا ملتزما بقضايا الفقراء والمعذبين من أبناء شعبه والأمة العربية والعالم.
ولد داوود مراغة الذي عرف باسم "أبو أحمد فؤاد" لعائلة مقدسية في بلدة سلوان شرقي القدس المحتلة عام 1942.
انتمى منذ شبابه المبكر لحركة القوميين العرب، حيث تبلورت مبادئه الثورية في مواجهة المشروع الصهيوني، وانخرط في نشاطاتها السياسية والعسكرية في الأردن وفلسطين.
وكان لاحقا من أوائل المؤسسين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في عام 1967، إلى جانب المؤسس الدكتور جورج حبش (حكيم الثورة) ورفاقهم الآخرين: مصطفى الزبيري (أبو علي مصطفى) ووديع حداد وأحمد اليماني وغسان كنفاني وعبد الرحيم ملوح ونايف حواتمة، الذي انشق لاحقا ليؤسس الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وأحمد جبريل الذي انفصل لاحقا ليؤسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة.
وفي هذه المرحلة من حياته تحول إلى الفكر الماركسي على أثر هزيمة حزيران/ يونيو1967، وخاض مسيرة نضالية حافلة تقلد خلالها مسؤوليات كبيرة داخل الجبهة حيث أنهى دورات عسكرية متقدمة في مصر وأوروبا الشرقية، وشارك في بناء القدرات العسكرية والتنظيمية للجبهة.
وشارك في معركة الكرامة في الأردن في عام 1968 التي تعتبر أول انتصار عربي على الاحتلال الصهيوني لفلسطين.
تولى قيادة القطاع الأوسط في الأردن في أواخر ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى لبنان عقب خروج الفدائيين من الأردن، حيث قاد العمليات العسكرية للجبهة في جنوب لبنان.
شارك في بناء قواعد عسكرية تابعة للجبهة في جنوب لبنان، وأصبح مسؤولها العسكري هناك، وقاد العمليات العسكرية لقواتها أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978، كما شهد الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982.
غادر اللواء أبو أحمد فؤاد لبنان إلى سوريا وأقام في دمشق، واختير مسؤولا للدائرة السياسية في الجبهة الشعبية، ثم اختير نائبا لأمينها العام في عام 2013 خلفا للقيادي في الجبهة عبد الرحيم ملوح ليواصل دوره الوطني في تعزيز نهج المقاومة والوحدة الوطنية.
مثل الجبهة في العديد من جولات الحوار الوطني الفلسطيني، بما في ذلك حوارات المصالحة في القاهرة عامي 2017 و2021، وكان يعتبر أن "الوحدة على قاعدة المقاومة المسلحة هي السبيل الأنسب لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني".
وعلى وقع ما أطلق عليه "الاتفاقيات الإبراهيمية "، وصف ما يجري بأنه " ليس تطبيعا بل عبارة عن تحالف". وقال إن هذه المرحلة هي "مرحلة سقوط غالبية النظام العربي الرسمي"، وأضاف "هذا الزمن يشهد على أن الجامعة العربية عادت لتكون مسؤولة عن تفتيت الدول العربية" وكان بذلك يشير إلى فشل الجامعة العربية في إدانة "اتفاقيات التطبيع" العربية، وذهاب بعض الدول العربية بشكل رسمي إلى مباركته.
كان يشدد باستمرار على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية في هذا الوقت، "حتى نمنع أي اختراق فلا بد من وحدة حقيقية ضد المحتل والإمبريالية وكل أشكال الاستعمار والتطبيع". بحسب قوله. رافضا أن تشارك الجبهة الشعبية في أي حكومة قائمة على أساس "اتفاق أوسلو"، محذرا من أن "أي حكومة لا تكون على أساس وثيقة الوفاق الوطني، وإلغاء أوسلو وسحب الاعتراف بالكيان، وإلغاء التنسيق الأمني، لن تقوم لها قائمة".
متهما محمود عباس (أبو مازن) بأنه عطل الانتخابات من دون استشارة الفصائل، ومن دون اجتماع الأمناء العامين.
ورغم إصابة أبو أحمد فؤاد بالسرطان منذ نحو سنة، ورغم معاناته بسبب المرض في الأشهر الأخيرة ظل متابعا لتطورات المشهد الفلسطيني، ومنشغلا بمتابعة الحرب الوحشية على قطاع غزة.
ورغم الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بقي مؤمنا بحتمية انتصار المقاومة، ورأى في صمود غزة وبسالة مقاومتها "دليل على قدرة الجيل الفلسطيني الجديد على خلق معادلات جديدة تضع الاحتلال في مأزق وجودي".
وكان يشخص الوضع في الضفة الغربية بأنه "انتفاضة ثالثة على الأبواب"، بغض النظر عن من وصفهم بـ"المصابين بالإحباط والتردد"، وذلك شرط "توفير كل الإمكانيات والوحدة الوطنية".
رحل تاركا إرثا وطنيا ونضاليا دفع بجميع الفصائل الفلسطينية والقوى السياسية والمجتمع الفلسطيني إلى نعيه بكلمات مؤثرة.
وبوفاته، تغيب شخصية بارزة شهدت البدايات الأولى للكفاح الفلسطيني المعاصر، ليلتحق برفاق سابقين في الجبهة بدءا بجورج حبش، الذي تنحى عن قيادة الجبهة عام 2000، وتوفي عام 2008، ليخلفه أبو علي مصطفى الذي عاد إلى مناطق السلطة الفلسطينية بعد "اتفاق أوسلو"، واغتاله الاحتلال بصاروخ من مروحية في مكتبه برام الله عام 2001، ليخلفه أحمد سعدات الذي اعتقلته السلطة الفلسطينية بعد اغتيال وزير السياحة الإسرائيلي الأسبق رحبعام زئيفي ردا على اغتيال أبو علي مصطفى، ثم اختطفه الاحتلال من سجون السلطة عام 2006، وما يزال أسيرا في سجونها بانتظار اكتمال صفقة التبادل.
ويصف ماهر الطاهر نائب الأمين العام للمؤتمر القومي العربي والقيادي البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، صحة مراغة في الآونة الأخيرة بعد تدهورها، وقبل وفاته بقوله، " جسد أبو أحمد في السرير لكن قلبه وعقله في غزة، والتي كان واثقا من انتصارها على حرب الإبادة".