في أغسطس الماضي، استضافت تركيا قمّة إسطنبول لمناقشة الخطوات القادمة في مشروع طريق التنمية الإقليمي والعقبات التي من الممكن أن تعيق تقدّم هذا المشروع. جمعت القمّة ممثلين عن الأطراف الرئيسية في المشروع وهي تركيا، والعراق، وقطر، والإمارات ممّن أبدوا التزامهم بما يترتب عليهم من خطوات للمضي قدماً. ويُعتبر مشروع طريق التنمية بمثابة شبكة من مشاريع البينية التحتيّة والمواصلات لاسيما الطريق السريع وخط سكّة الحديد وخط النقل البحري، ويهدف إلى ربط آسيا ومنطقة الخليج العربي بتركيا وأوروبا، وذلك عبر ميناء الفاو العراقي قيد التطوير والخط البري العراقي ـ التركي.



وعلى الرغم من أنّ المشروع يبدو ذو طبيعة اقتصادية بحتة، إلا أنّ تأثيراته ذات طابع سياسي ودبلوماسي ومالي وأمني واجتماعي أيضاً. يوفّر المشروع طريق تجارة أقصر وأكثر كفاءة من المشاريع الأخرى. حجم المبادرة وتكلفتها والآثار المترتبة عنها يجعلها من المشاريع الطموحة التي تحظى بالقدرة على إعادة تعريف الديناميات الإقليمية، نظراً لقدرتها على ربط هذه المناطق بفعالية وبشكل يضع العراق وتركيا في قلب شبكة اللوجستيات العالمية. ومع ذلك، فإن تحقيقها يتطلب التزامات بعيدة المدى والقدرة على مواجهة التحديات والمصاعب التي ستواجهها وذلك لضمان نجاحها.

مشروع التنمية التركي سيكون بإمكانه تقصير الوقت والتكلفة بحوالي 10 أيام مقارنة بالطريق الأقصر حاليا وهو طريق قناة السويس. كما من المتوقع أن يقلل التكلفة ويزيد من كفاءة التجارة ممّا من شأنه أن يخلق فرصًا جديدة للشركات للمشاركة في التجارة عبر الحدود.ومن المتوقع أن يحقق المشروع حال إنجازه الكثير من الفوائد والامتيازات للدول المنخرطة فيه، كما من المتوقع أن يترك تأثيره على المنطقة برمتها وعلى المناطق الواقعة خارج نطاقها لاسيما لناحية مضاعفة حجم التبادل التجاري، وتجارة الترانزيت، وتدفق الاستثمارات، والسلع، وازدياد مشاريع البنى التحتية والخدمية. كما من المتوقع أن يحقق المشروع الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي والانفتاح الاجتماعي على دول المنطق.

تمّر السفن التجارية التي تريد أن تنقل البضائع من الخليج إلى أوروبا عبر قناة السويس التي تعتبر بمثابة الطريق الأقصر مقارنة بطريق رأس الرجاء الصالح. لكن مشروع التنمية التركي سيكون بإمكانه تقصير الوقت والتكلفة بحوالي 10 أيام مقارنة بالطريق الأقصر حاليا وهو طريق قناة السويس. كما من المتوقع أن يقلل التكلفة ويزيد من كفاءة التجارة ممّا من شأنه أن يخلق فرصًا جديدة للشركات للمشاركة في التجارة عبر الحدود.

بالنسبة للعراق، يعد المشروع بإنعاش الاقتصاد المدمر بسبب الحرب، من خلال تحويل العراق إلى شبكة مواصلات ومركز عبور رئيسي بحيث يؤمّن له ذلك أيضا جذب المزيد من الاستثمارات لاسيما في مجالات تطوير البنية التحتية والطاقة. بالإضافة إلى ذلك، يوفر المشروع للعراق فرصة لتنويع اقتصاده بعيدًا عن الاعتماد على النفط، مما يخلق مصادر دخل جديدة وفرص عمل وهو الأمر الذي تطمح الدول الخليجية المشاركة فيه أن تحصل عليه أيضاً إلى جانب مضاعفة حجم التبادل الاقتصادي. وبالمثل، ستستفيد تركيا من موقعها الاستراتيجي كبوابة إلى أوروبا. يمكن أن يعزز المشروع أيضًا دور تركيا كقوة اقتصادية إقليمية، مما يعزز نفوذها في كل من الشرق الأوسط وأوروبا.

بعيدًا عن الفوائد الاقتصادية، من المتوقع أن يلعب المشروع دورًا جيوسياسيًا مهمًا نظراً لكونه يتمتع بالقدرة على تعزيز التكامل الإقليمي، وربط الاقتصادات والشعوب من خلال بنية تحتية مشتركة. من خلال القيام بذلك، يمكن أن يساعد في استقرار المنطقة من خلال تشجيع التعاون بدلاً من المنافسة. مع تعزيز العراق وتركيا روابطهما من خلال هذا المشروع، قد تتبع دول مجاورة أخرى نفس النهج، مما يؤدي إلى تعاون أوسع يمكن أن يقلل من التوترات في منطقة تاريخية مضطربة.

واحدة من الآثار الجيوسياسية الرئيسية للمشروع هي قدرته على العمل كـممر للطاقة. يتمتع الشرق الأوسط باحتياطيات ضخمة من النفط والغاز، يتم تصدير الكثير منها إلى أوروبا. من خلال توفير طريق بري آمن وفعال لنقل هذه الموارد، يمكن أن يقلل المشروع من اعتماد أوروبا على الطرق البحرية، بما في ذلك قناة السويس المعرضة للخطر. لن يعزز هذا من امن الطاقة لأوروبا فحسب، بل سيمنح العراق وتركيا أيضًا نفوذًا استراتيجيًا في أسواق الطاقة الإقليمية والعالمية.

بالمقارنة مع المشاريع الأخرى الموجودة لاسيما مشروع الهند ـ الخليج ـ أوروبا، فإنّ المشروع التركي يعتبر أكثر واقعية وأقل تكلفة وأكثر فعالية وتوفيرا للوقت والمال والجهد وأكثر فائدة كذلك.على الرغم من العديد من الفوائد، يواجه المشروع تحديات كبيرة يجب معالجتها لضمان نجاحه. واحدة من القضايا الرئيسية هي الأمن. يمر الطريق عبر العراق الذي يعاني منذ فترة طويلة من عدم الاستقرار السياسي، والإرهاب. سيتطلب ضمان سلامة البنية التحتية والسلع المنقولة على طول الممر استثمارات كبيرة في تدابير الأمن، بالإضافة إلى جهود مستمرة لاستقرار المنطقة سياسيًا. بالإضافة إلى المخاوف الأمنية، فإنّ نفوذ إيران الكبير في العراق قد يشكّل عائقاً أمام تنفيذ المشروع خاصة إذا ما رأت إيران انّه لا يصب في صالحها. علاوة على ذلك، فإن الحجم الكبير للبنية التحتية المطلوبة للمشروع بالإضافة الى تأمين التمويل اللازم لها يمثل تحديًا.

لكن بالمقارنة مع المشاريع الأخرى الموجودة لاسيما مشروع الهند ـ الخليج ـ أوروبا، فإنّ المشروع التركي يعتبر أكثر واقعية وأقل تكلفة وأكثر فعالية وتوفيرا للوقت والمال والجهد وأكثر فائدة كذلك. ولهذا السبب، فإنّه إذا ما كتب للمشروع النجاح بالفعل، فإنه قد يغيّر وجه المنطقة بالكامل ويفتح المجال كذلك للمزيد من الدول للإنضمام إليها. لكن قبل ذلك، سيتعيّن على الدول الأعضاء أو توجه التحديات بحزم وأن تتغلب على المصاعب التي من شأنها أن تمنع أو تعرقل قيامه حتى يتحول إلى حقيقة.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه تركيا طريق العراقي العراق تركيا قطر الإمارات طريق مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قناة السویس مشروع طریق یمکن أن أن یقلل من خلال

إقرأ أيضاً:

لجنة التنمية البشرية: خارطة طريق لإعداد الشباب المصري للذكاء الاصطناعي

ترأس الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان، الاجتماع الدوري للجنة الاستشارية العليا للتنمية البشرية، بحضور الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، ومشاركة الدكتورة هالة السعيد مستشارة رئيس الجمهورية للتنمية الاقتصادية عبر تقنية الفيديو كونفرانس.

ناقش الاجتماع عدداً من أوراق العمل والمقترحات المتعلقة بإعداد الشباب المصري لعصر الذكاء الاصطناعي، إلى جانب خطط نشر مراكز الابتكار في المؤسسات التعليمية، ومقترحات لتنظيم ممارسة التخصصات المهنية، وتطوير آليات التدريب المؤهل للتشغيل في الجهات الحكومية،

وزير الصحة: دراسة ضم محافظة ذات كثافة سكانية كبيرة إلى التأمين الصحي الشاملبدء الاجتماع 16 للجنة الفنية العلمية الاستشارية لمجلس وزراء الصحة العرب برئاسة العراقوزير الصحة: نستهدف رفع نسب الشفاء من الأورام إلى 80% بين الأطفال والتوسعة في إنشاء مراكز أورام جديدةوزير الصحة: اهتمام كبير من الدولة بعلاج سرطان الأطفال

واستعرض المجتمعون مسرعات تعظيم عائد التنمية البشرية، مؤكدين ضرورة الالتزام بالجدول الزمني المحدد لتنفيذ المحاور الرئيسية، والتي تشمل الارتقاء بجودة التعليم، وتحسين مستوى الصحة والتغذية، ورفع معدلات التشغيل، وتمكين النساء والفتيات، ودعم الابتكار وتكنولوجيا المعلومات، وجرى استعراض دورة العمل المقترحة التي تبدأ بعرض المبادرات على اللجنة الاستشارية، مرورًا بمناقشتها في مجموعات العمل المختصة، وصياغة وثائق المشروعات، ثم عرضها على أعضاء اللجنة، وانتهاءً بتقديمها للمجموعة الوزارية للتنمية البشرية.

كما تناول الاجتماع أهمية دمج الذكاء الاصطناعي كمحرك رئيسي في جهود التنمية البشرية، بما يسهم في تحسين جودة الحياة، وتقديم حلول مبتكرة للتحديات التنموية، وإعداد قوى عاملة قادرة على التكيف مع متغيرات المستقبل، من خلال دعم برامج التدريب المهني وإعادة التأهيل المستمر.

وشدد الدكتور خالد عبدالغفار نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية وزير الصحة والسكان، على ضرورة تحقيق تنسيق فعال بين الأنشطة المشتركة في مختلف قطاعات الدولة، لتعظيم أثر جهود التنمية البشرية وضمان شموليتها واستدامتها، بما يعزز قدرة مصر على بناء رأس مال بشري قادر على المنافسة محلياً وعالمياً.

استراتيجية لتعزيز التنمية الثقافية

من جانبه، دعا الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة، إلى دراسة أهمية نشر مراكز الابتكار في المؤسسات الثقافية  منذ المراحل المبكرة وعدم قصرها على الجامعات، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تعد استراتيجية لتعزيز التنمية الثقافية وبناء جيل يمتلك مهارات التفكير النقدي والإبداعي، وقادر على ابتكار حلول للمشكلات بطريقة عملية خلاقة.

حضر الاجتماع، الدكتورة عبلة الألفي نائب وزير الصحة والسكان، والدكتور ماجد عثمان رئيس المركز المصري لبحوث الرأي العام، والدكتور أحمد درويش، الرئيس الأسبق للهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس ووزير التنمية الإدارية السابق، والدكتور سعيد المصري أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، والدكتورة هدى رشاد مدير مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية، والنائب أحمد فتحي عضو مجلس النواب، والدكتور سامح السحرتي مدير برنامج التنمية البشرية بدول مجلس التعاون الخليجي في البنك الدولي، والدكتور عادل عبداللطيف مستشار تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية في مصر لعام 2021، والدكتور علي صادق رئيس المجلس المصري لبحوث الفضاء، والدكتورة أميرة كاظم الخبيرة في مجال التعليم.

طباعة شارك الأمم المتحدة التنمية البشرية المجلس الأعلى للثقافة بحوث الرأي العام الصحة والسكان وزير الصحة والسكان التفكير النقدي الجامعات وزير الثقافة الشباب المصري

مقالات مشابهة

  • المحافظ يبحث مع وزير التجارة التركي سبل مساهمة شركات بلاده في دعم مشاريع التنمية
  • وزير البيئة التركي يرد على مزاعم بيع مساكن للعرب
  • «فينسنت وو»: تحقيق رؤية مصر للطاقة المتجددة 2035 بنسبة 42%
  • عاجل- مفاجآت في قانون الإجراءات الجنائية بعد موافقة البرلمان النهائي
  • برلمانية: مشروع مستقبل مصر نقلة نوعية في مسار التنمية الشاملة
  • استشارية التنمية البشرية تناقش خارطة طريق لإعداد الشباب للذكاء الاصطناعي
  • لجنة التنمية البشرية: خارطة طريق لإعداد الشباب المصري للذكاء الاصطناعي
  • مجموعة مصرية تتفاوض على مشروع عمراني ضخم في العراق بمبيعات متوقعة 17 مليار دولار
  • المغرب وفرنسا يتفقان على مشروع استراتيجي للربط الكهربائي بين الناظور و مارسيليا
  • باستثمارات ضخمة.. إطلاق مشروع «فاليو ميديكال سيتي» لإنشاء أول مدينة طبية متكاملة بشرق القاهرة