الانتخابات الأمريكية: للعالم بأسره حق التصويت!
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
منذ أواخر العام الماضي ووسائل الإعلام تنبّه إلى أن 2024 سيكون عاما استثنائيا لأنه سيشهد تنظيم انتخابات عامة في عشرات من الدول التي يبلغ مجموع تعداد سكانها حوالي أربعة مليارات نسمة، أي أكثر من نصف الإنسانية جمعاء.
ولكن ما لا يكلف معظم الإعلام نفسه عناء التنبيه إليه بالقدر ذاته من الوضوح (ربما لأنه يرى أن الأمر بديهي وبيّن بذاته) هو أن معظم هذه الانتخابات قد كانت محسومة سلفا وأن نتيجتها معلومة قبل وقوعها لأن الانتخابات التي تفبركها أنظمة الاستبداد، تحت شعار «العرس الديمقراطي!» هي مجرد شعيرة بروتوكولية وموعد ثابت في الرزنامة مثل بقية المواعيد التي تتساوى قيمتها في حال الوجود مع قيمتها في حال العدم.
ولهذا فإنه لم تعقد انتخابات حقيقية في إفريقيا هذا العام إلا في السنغال وجنوب إفريقيا. أما في آسيا فلم يكن للانتخابات من معنى إلا في تايوان، وبعض من معنى فقط في الهند. وقد كانت الهند تنعت في الماضي بأنها أكبر ديمقراطية في العالم.
«أكبر» لأنها بلد ملياريّ السكان منذ عقود. و«ديمقراطية» لأن الهند مواظبة منذ الاستقلال على تنظيم انتخابات نزيهة في العموم، أي أن نتيجتها لم تكن معلومة مسبقا رغم استفحال الفقر، ورغم انتشار الفساد (حتى في عهد أنديرا غاندي). ولكن ديمقراطية الهند تنحصر في صناديق الاقتراع، أي أنها غير مستنيرة بثقافة المساواة في الحقوق والحريات.
فما هو الجديد الديمقراطي هذا العام؟ أنه كان معلوما سلفا أن حزب مودي سيفوز بالأكثرية (إذا لم يستطع الفوز بالأغلبية). ولهذا فإن بعض المعنى الذي تسلل إلى الانتخابات قد نتج عن مجرد أن هذه الأكثرية قد أتت أضعف من المتوقع.
الانتخابات التي تبقى ذات معنى وأهمية فهي تلك التي جرت وستجري في الدول الغربية
أما الانتخابات التي تبقى ذات معنى وأهمية فهي تلك التي جرت، وستجري، في الدول الغربية، مثلما حصل في انتخابات البرلمان الأوروبي، وفي بريطانيا، وفي فرنسا (ولو أن انتخاباتها البرلمانية لم تكن مبرمجة وإنما أتت نتيجة لمقامرات ماكرون الطائشة) ومثلما سيحصل في الولايات المتحدة.
وكان الرأي عندي منذ انتخابات 1984 التي فاز فيها رونالد ريغان بولاية ثانية أن المنطق يقتضي ألا يقتصر حق الاقتراع في الانتخابات الأمريكية على الأمريكيين، بل أن يشمل جميع سكان المعمورة.
لماذا؟ لأنها الانتخابات الوحيدة التي لا ينحصر أثرها في حدود بلادها وإنما يمتد إلى أغلب البلدان الأخرى.
فقد كان التأثير الأمريكي في العالم، حتى أثناء المنافسة مع الاتحاد السوفييتي، قويا نافذا. أما الآن فهو أكثر قوة رغم ما يبدو من تراجع نسبي لدور الولايات المتحدة بسبب الطبيعة الانتقالية لمرحلتنا التاريخية هذه. ويبدو لي أن تأثير الناخب الأمريكي في مصائر بقية البشر خارج الولايات المتحدة قد تجلى في أوضح صورة أثناء رئاسة ترامب.
إذ إن اختيار الأمريكيين لرجل غريب الأطوار يجمع بين الجهل المطبق والنرجسية العمياء قد كان له أثر وخيم على العالم، من فلسطين إلى إيران فالجزائر والمغرب وقطر، ناهيك عن أوروبا.
كفى ترامب فخرا أن نتنياهو يترقب بلهفة عودته للبيت الأبيض
وكفى ترامب فخرا أن نتنياهو يترقب بلهفة عودته للبيت الأبيض، بينما لا تزال الاستطلاعات تبين أن الرأي العام الإسرائيلي يحبذ ترامب ويعدّه أصدق الأصدقاء (فَيا لَخيبةِ مسعى بايدن عقب كل ذلك الوَلَه الصهيوني بالحبيبة الجاحدة وبأمنها وحقها في الدفاع عن النفس!).
وقد لفتني أخيرا تعبيران رشيقان عن الأثر العالمي للانتخابات الأمريكية. أحدهما لتيموثي غارتن آش. قال إن «انتخاب» الرئيس الصيني والانتخابات الرئاسية الروسية هذا العام لم يكن لهما بالنسبة لبقية العالم أي معنى. أما ترامب فهو خطر على العالم بقدر ما هو خطر على بلاده لأن الدستور الأمريكي يدجج الرئيس بصلاحيات شبه ملكية، ولأن الانتخابات الأمريكية هي في الحقيقة انتخابات عالمية. ولكن المفارقة أن مستقبل العالم بأسره ربما يتوقف على مدى سخط بضعة آلاف من ناخبي بنسلفانيا على غلاء مشترياتهم من بقالة ومواد غذائية!
أما فولفغانغ إيشنغر فقد قال إن وجه الطرافة في أن تكون أوروبيا أثناء أي انتخابات رئاسية أمريكية هو أنك تعتقد أنه يحق لك، أنت أيضا، أن تدلي بصوتك! ثم خاطب الأمريكيين قائلا: فهل لكم أن تعتبوا علينا؟
إن اختيار الشخص الذي سيجلس في المكتب البيضاوي قرار ذو أهمية وجودية بالنسبة لأوروبا ولأمنها وراحة بالها.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الاستبداد الولايات المتحدة ترامب الولايات المتحدة الانتخابات الرئاسية الاستبداد ترامب هاريس مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ترامب المصارع أو التجسيد المفضوح للإمبريالية الأمريكية
لا ستر ولا ستار أمام سياسة ترامب الإمبريالية سوى زجاج شفاف، فهو على عكس من سبقه من رؤساء أمريكا يعملون وراء ستائر الديمقراطية، وحجب حقوق الإنسان للوصول إلى الهدف المنشود، هو يفعل ما يقول، يفكر بصوت عال ليسمعه من يحاول تصنع الصمم.
قبل بدء ولايته الثانية التي فاجأت الجميع، وأول المتفاجئين منافسته كامالا هاريس التي اعتقدت أن الفوز على هذا «المصارع» سهل المنال، خاصة وأن مجموعة من القضايا الجنائية تلاحقه في المحاكم منها حالات اغتصاب، وتهرب ضريبي، والاحتفاظ بوثائق سرية في منزله (أعطى ترامب صفة المصارع في العام 2007 عندما واجه خصمه فانس مكماهون رئيس اتحاد المصارعة الحرة، وكسب الرهان وحلق له رأسه على حلبة المصارعة) هذا المشهد فوق حلبة المصارعة يلخص شخصية الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة.
في ولايته الأولى كان تركيزه على جمع المال من أجل «عودة أمريكا العظمى» بالتهديد والوعيد، بدأ ولايته بزيارة السعودية فحصل على 400 مليار دولار، ثم هدد دول الخليج برفع الحماية إذا لم يدفعوا «ضريبة بدل حماية» ثم هدد الدول الأعضاء حلف شمال الأطلسي بالسماح لروسيا بغزوها إذا لم تدفع مخصصاتها، ولم يتوان عندما خسر الانتخابات أمام خصمه جو بايدن من رفض النتائج معتبرا أنه هو من فاز بهذه الانتخابات، وقاد «ذو القرنين» الدهماء في الحملة الشهيرة مع مجموعة كبيرة من مؤيديه على مبنى الكابيتول والتي أذهلت العالم بأن تتم مثل هذه المشاهد في الدولة الديمقراطية الأولى، ويخال المرء أنها مشاهد في دولة بدائية من تاريخ آخر.
مع بداية ولايته الثانية عاد فكرر شراهته للدولار عندما طالب المملكة العربية السعودية باستثمار مبلغ بليون دولار في أمريكا بدل 600 مليار قدمها ولي العهد محمد بن سلمان مقابل زيارة للرياض (فهل هو ابتزاز للسعودية، أم شراء رضى ترامب؟) وتمادى بطلبه منها ومن منظمة الأوبك بتخفيض سعر النفط، وتخفيض سعر الفائدة في كل أنحاء العالم، وقال:» مع أسعار النفط التي ستنخفض، أطالب بخفض معدلات الفائدة فورا وبالطريقة نفسها. يجب أن تنخفض في كل أنحاء العالم».
وفي خطاب تنصيبه أعلن الرئيس ترامب بأنه قد يفرض رسوما جمركية بنسبة 25 في المئة على الواردات من كندا والمكسيك في موعد أقربه الأول من شباط/فبراير، بينما تعهّد بإجراءات ضد بلدان أخرى كجزء من سياسة واشنطن التجارية الجديدة، وهدد قبل توليه الرئاسة بفرض رسوم جمركية مرتفعة على المنتجات الأوروبية، وتقليص الدعم لأوكرانيا، وإعادة تقييم تمويل حلف شمال الأطلسي، وأكبر المتضررين في أوروبا ستكونان ألمانيا وفرنسا أكبر اقتصادين في الاتحاد الأوروبي.
هذه السياسة التهديدية ستواجه برد فعل مماثل من قبل الدول المهددة وهذا يعني بداية حرب اقتصادية بين أمريكا ودول العالم المعنية، وأمر ترامب بعد ساعات من توليه منصبه يوم الاثنين بتعليق برامج المساعدات الخارجية في المجال التنموي لحين تقييم مدى كفاءة هذه المساعدات، واتساقها مع سياسته الخارجية، واستثني مصر وإسرائيل من هذا القرار.
الإمبريالية تطلق على كل دولة لها جيش خارج حدودها، خاصة بهدف احتلال أراضي دولة أخرى، إمبريالية ترامب تجلت، حتى قبل بدء تسلمه السلطة، برغبته الملحة على ضم كندا بكل بساطة، واعدا بخفض ضرائبها في حال باتت ولاية أمريكية، ووصف رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو بأنه «حاكم كندا» وقال: «إنه في حال أصبحت كندا ولايتنا رقم 51، فإن ضرائبها سوف تنخفض بأكثر من 60 في المئة وسوف تتضاعف أعمالها على الفور». (كندا تعتبر ثاني أكبر مساحة جغرافية في العالم بعد روسيا، ودولة غنية بالنفط، والمعادن، والمواد الغذائية).
لكن رئيس الوزراء الكندي جاستين ترودو أجابه إنّ «كندا لن تكون أبدا، على الإطلاق، جزءا من الولايات المتّحدة».
وقالت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي أنّ «تصريحات الرئيس المنتخب ترامب تظهر عدم فهم كامل لكون كندا بلدا قويا. ولن ننحني أبدا في مواجهة التهديدات». ولم يكتف ترامب بنيته ضم كندا، بل أضاف إليها رغبته في ضم غرينلاند وقال في مؤتمر صحافي في السابع من يناير/ كانون الثاني إنه لن يستبعد استخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية للسيطرة على الجزيرة القطبية الشمالية.
وفي مكالمة هاتفية مع رئيسة الوزراء الدانماركية (غرينلاند تتبع للدانمارك) ميت فريدريكسن تحولت إلى مواجهة نارية وكان ترامب عدوانيا وهدد بفرض رسوم جمركية على الدانمارك (الحليفة في حلف الناتو) ويتابع ترامب سياسته الإمبريالية بمد سيطرته على قناة بنما ورد عليه رئيس بنما خوسيه راؤول مولينو بالقول:» تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب التنصيب تعهد فيها باستعادة قناة بنما إن القناة بنمية وستبقى كذلك».
وقام بتغيير اسم «خليج المكسيك» إلى «الخليج الأمريكي». كل هذه الأمور مجتمعة تنم عن الشخصية المزهوة بالنفس للرئيس الأمريكي العائد إلى السطلة للمرة الثانية وفي جعبته أحلام إمبراطورية كبيرة تضاف إلى الإمبريالية الأمريكية، هذا في الوقت الذي قامت أمريكا منذ بدء الهجوم الروسي على أوكرانيا بدعم هذه الأخيرة بكل الأسلحة والمال، وتهاجم روسيا كدولة احتلال تريد قضم أكبر قدر ممكن من الأراضي الأوكرانية بعد ضمها لجزيرة القرم، ودعمت إسرائيل بكل أنواع الأسلحة والذخائر للسيطرة على غزة الضفة الغربية.
وألغى ترامب كل العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن على مؤسسات ومستوطنين إسرائيليين، وعلى منع بيع دولة الاحتلال القنابل بزنة 2000 رطل، بل ويؤيد خطة ترحيل فلسطينيي غزة إذ طلب من العاهل الأردني أن يستقبل جزءا منهم، ومن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أن يستقبل جزء آخر وقال عن غزة:» إنه مكان مدمر حرفيا، تقريبا كل شيء مدمر، والناس يموتون هناك، لذلك أفضل المشاركة مع بعض الدول العربية، وبناء سكن في موقع مختلف حيث يمكنهم العيش في سلام من أجل التغيير « أي بعبارة أخرى «الترانسفير» لإهداء إسرائيل نصرا لم تستطع تحقيقه ضد إرادة الشعب الفلسطيني، والتهرب من حل الدولتين. هذه السياسية الإمبريالية العدوانية ليس من شأنها تحقيق السلام كما يزعم الرئيس «المصارع» بل ستؤجج التوترات التي ربما أدت إلى حروب ونزاعات لا تؤمن عواقبها، وتحرق النار موقد النار.
القدس العربي