عربي21:
2025-02-02@12:02:59 GMT

فلسفة الوجود.. لمحة فكرية

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

البناء الحسي والظاهري لا يكفيان:

في تصورات أرسطوطاليس حول الفكرة الحسية ومنها ما تبنته الكنيسة كمركزية الأرض وتسطحها والتي أثبت العلم وتطوره والتوجه البحثي نحو الفضاء أنها محض تصورات ليست صحيحة، كانت فكرة "الشك" من تتصدر الإصلاح، وفكرة الشك في الحقيقة تقود إلى اليقين والاطمئنان إلى المسار شرط أن يبقى هنالك حضور دائم لتجنب الموثوقية بغير "الثابت الجذري".



والثابت الجذري في الإسلام القرآن وما ثبت من أحاديث بشكل قطعي: "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَة مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (البقرة: 260)، أن هذا المنهج القرآني في الشك واليقين هو دعم للإيمان وليس ضد الإيمان، لأنه من متطلبات القناعات التي تجعل إبراهيم يقبل على النار وهو واثق أن الله معه ولا يكون إلا ما أراد الله.

بناء الصواب على العدد، أو بناؤه على المكانة للأشخاص أو أن الأجيال كلها مؤمنة به، فهل كلها لا تفهم؟! هذا بناء حسي لكنه يعطي موثوقية زائفة عند تدقيق الجذور، كما تم تبني معتقدات مئات السنين وحورب العلم باسم الدين من الكنيسة وهو محض رأي تبنته عن فكر ملحد أصلا، بل أضيفت للمعتقدات ما يناقض جذرها وخرجت مطعمة من ساقها بثمار ليست للأصل بل لا تمت له بشيء من صلة، كولاية التغلب وغيرها من المعتقدات التي نراها تمس جذر التوحيد، لهذا في البناء المظهري نجد أن قبول هذا الأمر وأمثاله من التعريفات المنقولة والمدخلة بغرض سد فراغ فهمها من البشر؛ كلها لا تعطي الفكرة الصحيحة عن الإسلام أو المسيحية.

بناء المدنية يمكن أن يتم في الهدوء ويرتقي بالعوامل الثلاثة التي ذكرها ابن نبي: التراب والزمن والإنسان. هذه لا تقدم معالجات كافية فهي تُعتبر برمتها كونية قضى فيها الصانع كقدر لبناء وعمارة الأرض، فهي أدوات الإنسان لعمارة الأرض يحكمها ويتفاعل معها؛ لأن الإنسان في مجتمعات متنوعة أو قيد التأسيس وتحتاج إلى عامل رابع وهو الحضارة الفكرية أي الفكر، حتى المدنية الغربية التي لم تؤسس أخلاقية لكنها استحضرت السلوك من خلال فكرة النفعية التي تدير المنظومة العقلية لصالح تحقيق الغرائز.

الأساس الفكري والفلسفي للخليقة في الإسلام:

لتسهيل فهم هذا الأمر وأهميته أضعه في نقاط:

1- إن الله جل وعلا خلق آدم كنموذج متطور للفهم والإبداع في الفكرة، لكنه أيضا عبرة لسلالته الأرضية بأن المعلومات وحدها لا تكفي وإنما تكون كدسا لا يصل بك إلى شيء، فآدم الذي أعطي المعلومات ونٌبه إلى أن إبليس عدو له، ضعف أمام غرائزه في التملك والبقاء فتوقف عن معالجة المعلومة: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْما" (طه: 115).

2- الإنسان في الأرض ليختبر بمنظومته العقلية وتدويرها في الإبداع وحسن الإدارة للمعلومة والحياة، "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا". فهو لم يتلقَ المعلومة دفعة واحدة وإنما بهدوء وعلى مكث ومن مصادر متعددة، وعنده الوقت والآليات التي يبدعها لمساعدته في الإبداع والفهم ومعالجة المعلومة.

3- ولأن الله عادل فالإنسان كامل الأهلية في اختياراته، ومع التطور وزيادة الحاجات وإلحاح الغرائز يرسل الأنبياء، وكلما انحرف فهم الناس أرسل رسولا آخر أو نبيا، إلى أن ختمت الرسالات بقرآن مثاني، أي طيات، يتعامل مع المنظومة العقلية ليستنبط الإنسان الحلول كل مجتمع وفق درجة مدنية وما وصل إليه من علم وفهم بما يناسبه لحل معضلاته.

4- الإسلام ليس دين عبادة ولا يقيد الإنسان بفكرة وإنما في الثوابت كان واعظا بأمره، لأن الإنسان قد يتحول من حالة إلى حالة برقي تفكيره كالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى والنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي، فالإسلام ليس فكرا محدودا أو لعقلية مستعبدة لا تجيد التصرف بالحرية ليقول الحسن والقبيح وافعل ولا تفعل، وإنما ترك الخيار تماما للإنسان.

5- حساب الإنسان نوعان، ما كان في حقوق الله فالله يحاسبه، وليس كما يُظن ومشهور عندما جهل الناس ووضعوا أنفسهم وكلاء عن الله، وأما إن كان هنالك اعتداء على المجتمع واستقراره ونظافته فهنالك القانون الذي يصاغ لعصره من دستور لعصره من مثاني القرآن.

فليس من وكالة ولا زعم حفظ الآخرين من الضلال فلهم منظومتهم العقلية، ولا إجبار، فإن كان حوارا فسيكون متكافئا، فإن تطورت الأمور سلبيا فلكم دينكم ولي دين، أما إن كانت هنالك محاربة للعقيدة فحفظها واجب وهي أشد أنواع القتال بل الظلم في التسفيه، فأُذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا، فإن جنحوا للسلم فالسلم أولى، لأن الأصل منع الإفساد في الأرض وليس فعله.

6- بفلسفة الوجود يوجد نظام ودولة وهذه الدولة -مؤسسة وفق زمانها- تسعى لإقامة العدل من خلال عدالة القائمين على الحكم والقانون، لا تجبر أحدا ولا تسمح بالفوضى والتمادي والفتن، لكن لا تظلم، فواجبها في عصرنا إدارة الحياة وتمكين الإنسان من خياراته للمحافظة على الأمة.

7- للإنسان مهمة وهي ما قلنا من عمارة الأرض وإقامة السلالة ومعرفته أنه في امتحان لمنظومته العقلية، بيد أننا نلاحظ وقد تغلبت الغرائز من حب السيادة والتملك وغيرها أنه فاقد للعزم وسلك سلوك الشطط والفساد، وإن غاب الأنبياء فموج الناس ببعضها عظة.

8- إننا في امتحان والله الحكم، هو خلق الكون وقضى فيه نظامه الذي لا يتغير، لكنه وضع الأقدار اللازمة لكي يستغلها الإنسان ويتعامل معها للبناء أو التدمير. وهنا يظهر الإنسان المكرم ألَهُ عزم في التفكير الصائب أم نسي ذكر ربه بإصرار واستكبار.

ويتبادر للذهن ماذا أولئك الذين لم تصلهم الرسالة، فمن خلَقهم هو أدرى بهم، لكن في عصرنا وقد تقلصت المسافات والزمن؛ فالحوار لأنه منشط المنظومة العقلية الآدمية وتلك من المهام الإيجابية وفق أصولها: "ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل: 125).

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات العقلية الوجود الانسان العقل الحساب الوجود مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

الإيمان بالقدر.. جوهر العقيدة وثمرة اليقين بالله

يُعدّ الإيمان بالقدر خيره وشره الركن السادس من أركان الإيمان، وهو أحد أعمدة العقيدة الإسلامية التي ترسّخ مفهوم الرضا والثقة المطلقة بحكمة الله، وقد تناول الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، هذا الموضوع بتفصيل، موضحًا أن الإيمان بالقدر هو التعبير الفعلي عن الإيمان بالله، إذ يعني الاعتقاد الجازم بأن كل ما يحدث في الكون هو بإرادة الله وعلمه المسبق.

القضاء والقدر بين الحكمة والابتلاء

يرتكز الإيمان بالقدر على حكمة الله في تدبير شؤون خلقه، حيث قال الله تعالى:﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ (القمر: 49).

ويؤكد جمعة أن الإنسان لا يعلم ما كُتب له في الغد، لكنه مأمور بالسعي والعمل، مع الرضا بما قدّره الله، وهنا يُختبر الإيمان الحقيقي، فمن رضي بقضاء الله فقد بلغ مرتبة العبودية الصادقة، ومن اعترض وسخط فقد وقع في المحظور.

بين القدر واختيار الإنسان

رغم أن كل شيء مقدر بأمر الله، إلا أن الإنسان يمتلك إرادة حرة، وهي التي يُحاسَب عليها، وقد بيّن القرآن الكريم ذلك بوضوح، حيث قال الله تعالى:﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ (البلد: 10)،وقال أيضًا: ﴿مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ (آلعمران: 152).

وهذا يدل على أن الإرادة الإنسانية لا تتعارض مع القضاء والقدر، بل تتكامل معه في إطار المشيئة الإلهية الشاملة.

سرّ القدر في منظور العارفين

أوضح جمعة أن القدر هو سرّ الله في خلقه، وأن الفهم العميق لهذا الركن يستلزم النظر إلى أفعال البشر بعين الحكمة، مستشهدًا بقول الإمام أبي العباس الحريثي:"من نظر إلى الخلق بعين الشريعة مقتهم، ومن نظر لهم بعين الحقيقة عذرهم."

وهذا يعني أن الفهم السطحي قد يقود إلى اللوم والإنكار، بينما الإدراك العميق لحكمة الله يجعل الإنسان أكثر تسامحًا وتفهّمًا لمجريات الحياة.

الإيمان بين الغيب والشهادة

ختامًا، أشار الدكتور علي جمعة إلى أن أركان الإيمان ليست كلها غيبًا محضًا، بل منها ما هو مشاهد، لكنه مرتبط بالغيب. فالرسل، على سبيل المثال، هم من عالم الشهادة، لكن إيماننا بوحيهم هو الجانب الغيبي، وكذلك الكتب السماوية، فبعضها موجود بين أيدينا، لكن الإيمان بها ككلام الله هو أمر غيبي.

وهكذا، فإن الإيمان بالقدر ليس مجرد عقيدة نظرية، بل هو منهاج حياة، يُعزّز الرضا بالله، ويمنح الإنسان الطمأنينة في مواجهة تقلبات الدنيا.

مقالات مشابهة

  • وكيل الأزهر: الكليات العلمية بالأزهر تعيش نهضة حقيقية
  • "توقعات مصرية للإقليم والعالم في 2025".. ندوة فكرية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب| صور
  • الإيمان بالقدر.. جوهر العقيدة وثمرة اليقين بالله
  • كيفية الإجابة على أسئلة الأطفال الوجودية.. أين الجنة وكيف يرانا الله؟
  • دراسة: فقدان حاسة الشم يؤثر في الصحة العقلية والجسدية
  • 15 سبب لقراءة أذكار النوم كل ليلة؟
  • حكم العجز عن الوفاء بنذر الصيام لكبر السن
  • ما الصلاة التي يجوز فيها ترك القبلة؟ عالم أزهري: في هذه «الصلوات فقط»
  • مرتضى منصور: لو ترامب فكر ينزل مصر هودعه بمستشفى الأمراض العقلية .. فيديو
  • أيها الإنسان.. أنت في ذمة الله.. لا في ذمة البشر