موقع النيلين:
2025-04-27@00:51:09 GMT

صورة الناطقة بالشكولاته بين أصابع الجنجويد

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

صورة الناطقة بالشكولاته بين أصابع الجنجويد
الدكتور فضل الله أحمد عبدالله
” إذا كان لهذا العصر من سلطان غير القوة فهو سلطان الإعلام .
إنه الفجور التقني بلا مواربة ” .
وتلك من تعبيرات الأديب اللبناني ” محمد زينو شومان ” في كتابه ” خنزير الحداثة ” متحدثا عن
” الإعلام : بين الاستنساخ والمرحلة الديناصورية ” قائلا :
هذا الإعصار الإعلامي المدمر هو ما ضاعفت وسائل التكنولوجيا الحديثة من قوته ، حتى بات قادرا على تغيير الأفكار والعادات والتقاليد ، والتبشير بقيم وأنماط إن هي إلا من منتجات مركز الاستقطاب العالمي .


ومن استدراكاته ايضا :
فلا يمكن لمن يراقب سياق التحول التكنولوجي إلا أن يكتشف تلك الروح الكولونيالية التي تحرك التاريخ ، بينما هي تنتقل بالتقمص إلى الإعلام كأداة من أدوات السيطرة على الشعوب ، واسقاطها من الداخل .
ولن يصمد في وجه طوفان تكنولوجيا الإعلام ، إلا من ثاب إلى وطنه ، وأمته ، واعتصم ( بفلك ) عقيدته .
العورات كلها يمكنك استعراضها عبر الشاشة الصغيرة ، فالصورة هي الآن ظاهرة العصر ، ولذلك فالعين أداة الثقافة .
استنادا على ذلك ، يمكن القول أن صورة ” الناطقة بالشكولاته ” بلسان أنصار الجنجويد ، وأعني بها ، تلك الصورة الدرامية التي انتشرت عبر مختلف وسائط التواصل الإجتماعي – خلال الثلاثة أيام الماضية – وهي تنطق بلسان صناعها وتقول :
” ناس الدعم السريع ديل لا بغتصبو ولا بنهبو ، الكلام البنسمعو في الميديا ، ده ، كلو كذب ، لاقوها وادوها شكولاته ، وغسلو ليها عربيتا ، واستضافوها في غرفة مكيفة ”
الشاهد أنه لم يحزنني ما نطقت به من قول ، لأن كلامها كذب بواح ، فهو كلام أفرغ من الفراغ ، وأخذت نفسي دون أن أعبأ بصغائر الأشياء ، بيد أنني – في ذات الوقت – أعترف واقر بإشفاقي الكبير على ذات هذه البنت الضائعة ، أو بالمعنى الأصح الذات الشائهة بفعل الإستنساخ الكونيالي القبيح .
وعدم هذا الإعتبار لقولها ، هو قناعتي الخاصة ، أن الناطقة بالشكولاته وأمثالها من الرجال والنساء الذين يجتهدون في تجيير صورة الجنجويد .
هم في الأساس ، ليسوا صورا لشخصيتنا السودانية الأصيلة ، وإنما صورا مناقضة لشخصيتنا الثقافية السودانية .
فثمة أياد أخرى ، امتدت من خارجنا ، جمعت أجزاء تلك الصور وصبغتها بشيء من ألوان ملامحنا ، حتى تقوم بدور ” خلط الأوراق ” وتصنع هذا الإلتباس بين الأصالة والزيف .
وللإشارة بهذا المعنى ، وتوضيحه فقط هو ما دفعني لهذا المقال الذي ، لن نخوض في بحور ما قالته والتفنيد بالكلام المعاكس ، لبنت تم إغراءها بقطعة شكولاته .
فموضع كلامي الجواهري هو أنه ، في شبهة الإعلام تختلط ملامح الشعوب – حسب زينو شومان – إلا من استعصم بهويته .
وما أرى الناطقة بالشكولاته إلا صورة درامية واحدة من الصور المصنوعة ، وأمست كصناعة في متناول ( الصانع ) المستثمر ، أيا كان ثقافته المضادة للكيان الوطني .
وأمعن الصانع في تجميل الصورة وأنسنتها ، ومن ثم تحويلها ، إلى سلعة قابلة للبيع وفقا لشروط العرض والطلب .
فهي وأخريات من أمثالها ، اللواتي اخترقن منابر الإعلام ومنصات الكلام في السودان ، ليسوا إلا مجموع صور للغواية البصرية ، تعمل لإسقاط مجتمعاتنا من الداخل .
نساء تم تجهيزهن مذ عهد أن صمّموا لهن الفساتين – عبر نجمات السينما العالمية – ووسّعوا الفتحات على الصدر والظهر .
وحزقوا البنطلونات ، وضيقوا البلوزات وقالوا لها ، ما أجمل صدرك – حسب الدكتور مصطفى محمود –
ما أجمل كتفيك ،
ما أروع ساقك ، ما أكثر جاذبيتك ، حينما يكون كل هذا عارياً ، ووقعت ( المرأة ) في الفخ ، وخلعت ثوب حيائها ، وعرضت جسمها سلعة تنهشها العيون .
إذا فمن أين لامرأة خلعت ثياب الحياء أن تكترث لمعنى مفهوم ” الإغتصاب ” وخطورته ، أو تقف في موضع الضد له .
وما معنى ” الإغتصاب ” في قاموس إمرأة ارتضت ، بطيب نفس وسماحة خاطر ، أن تستضاف داخل غرف الجنجويد المكيفة ، وتقبل واجب الضيافة ، وإكرام وفادتها وفقا لمفهوم عرب الشتات .
تلك الناطقة بالشكولاته ليست إلا نموذج لكائنة من السودان ، تم صياغتها لتؤدي طقوس العبادة في محراب مركز استقطاب الديانة العالمية الجديدة ، المحمولة إلينا على مطايا أولاد جنيد ، وأئمتهم من آل دقلو .

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

إقرأ أيضاً:

حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية

تستحق واجهة الطفل على منصة «عين» التي دشنتها وزارة الإعلام الخميس الماضي أن ننظر لها أبعد، وأعمق كثيرا من كونها مشروعا إعلاميا يضاف إلى مشاريع الوزارة الرائدة، إنها، في الحقيقة، استجابة كبرى ضمن مشاريع عمانية وعربية ودولية أخرى لإنقاذ الطفولة من حالة الاختطاف وإعادة هندسة الوعي الطفولي المبكر بعيدا عن القيم الإنسانية السوية.

ومن يقرأ تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، والكثير من الدراسات في نقد الإعلام الموجّه للأطفال، يدرك حجم الكارثة؛ فالطفل لم يعد كائنا يتشكل عضويا داخل ثقافته الأم، بل أصبح مشروعا مفتوحا لتشكيل مزيج مضطرب من الاستهلاك، والانعزال، والتشظي القيمي. لم تعد شاشات العالم، كما حلم التنويريون يوما، وسيلة للمعرفة والترقي، بل أداة تفكيك للهوية وتمييع للانتماء الإنساني الأصيل.

وفي هذا السياق، تأتي تجربة منصة «عين للطفل» محاولة لتجاوز الانفعال اللحظي نحو رؤية فلسفية أعمق تتمثل في محاولة إعادة تعريف وظيفة الإعلام الموجه للأطفال باعتباره حقلا أخلاقيا، لا مجرد نشاط اتصالي. المنصة، كما تشير فلسفتها المعلنة، تحاول أن تبني للطفل فضاء معرفيا وعاطفيا محميا، يراعي إشباع حاجاته النفسية والوجدانية دون التخلي عن مهمة حفظ هويته وتمكينه من التفكير الحر المسؤول.

ولا يمكن فهم أهمية هذا المشروع إلا حين ندرك أن الطفل اليوم ليس متلقيا عاديا، بل يشارك في إنتاج معناه الخاص عبر تفاعله مع الشاشة، كما أثبتت الكثير من الدراسات حول «جيل الشاشة»، حيث لا يتعلق الخطر فقط بما يشاهده الطفل، بل بكيفية تشكيل وعيه من خلال التدفق المعلوماتي غير الخاضع لمعايير الهوية والأخلاق.

ولذلك فإن الرهان الكبير الذي تخوضه واجهة الطفل في منصة «عين» ليس تقنيا فقط إنما هو بكثير من الأشكال رهان وجودي ينطلق من محاولة الإجابة عن أسئلة من قبيل، هل يمكن بناء طفل عربي معاصر، يحيا داخل الزمن الرقمي دون أن يفقد انتماءه إلى الإنسان الكلي وقيم مجتمعه العميقة؟ هل نستطيع أن نقدم له محتوى يدمج بين الجاذبية الشكلية والأصالة المعرفية؟ وهل بمقدورنا أن نربّي في داخله شغف الاكتشاف دون أن نسلمه لآلة الاستهلاك المعرفي المعولم؟

ومثل هذا النقاش أوسع بكثير من إنتاج «قصص مصورة» أو «برامج تعليمية مبسطة»، ولكن الأمر يتعلق بمحاولة جادة لصناعة جهاز مناعي ثقافي داخل عقل الطفل وقلبه، كما دعت إليه أدبيات اليونسكو في تقاريرها حول «وسائل الإعلام والأخلاقيات الرقمية للأطفال».

هذه التجربة التي أنتجتها وزارة الإعلام تستحق أن تُقرأ كنموذج أولي لمشروع أوسع يتمثل في بناء منظومة رقمية كبيرة وواسعة مبنية على قراءة واعية بآلية تشكيل «المواطن الرقمي الصالح» يكون قادرا على أن يتفاعل مع معطيات التقنية دون أن تبتلعه، وعلى أن يسهم في بناء عالمه الجديد دون أن ينسلخ عن جذوره.

ولكن، حتى ينجح هذا المشروع، لا يكفي إنتاج منصة واحدة، بل ينبغي أن تصاحبها ثورة ثقافية كاملة في إدراك دور الإعلام التربوي، وإعادة بناء المناهج التربوية، واستحداث سياسات عامة تجعل من حماية الطفولة الرقمية جزءا لا يتجزأ من مشروع النهضة الوطني والعربي الأوسع.

إن أي تأخر في البدء بمثل هذا المشروع من شأنه أن يترك فجوات كبيرة، فالطفولة لم تعد مجرد مرحلة عمرية، إنها الآن ميدان لصراع عالمي على القيم والمبادئ والهوية. وإذا لم نبنِ اليوم فضاءات معرفية حقيقية لأطفالنا، سيبنيها الآخرون بما يخدم رؤاهم هم لا رؤانا.

إن «عين الطفل العماني» يمكنها أن تكون نقطة ضوء في زمن تغرق فيه الكثير من الشاشات بألوان زائفة، والضمان الوحيد لاستمرار هذا الضوء ألا نكتفي بأن نُدهش الأطفال بما يُعرض عليهم، بل أن نراهن على عقولهم، ونغرس في قلوبهم جسورا ممتدة بين جذورهم العميقة وأحلامهم البعيدة.

مقالات مشابهة

  • شاهد بالصورة والفيديو.. بقصيدة قوية ومؤثرة.. شاعرة سودانية حسناء تهاجم الناشط “ساجد” بعد مطالبته المليشيا بضرب محولات الكهرباء: (مهما تكون وهمي وبليد أو قلبك أقسى من الحديد معقول تساند الجنجويد؟)
  • خالد أبو بكر: الإعلام ليس مجرد وظيفة بل شغف لا ينتهي
  • وقع في عشق الإعلام| خالد أبو بكر يكشف كواليس دخوله المجال التلفزيوني
  • حين تصبح حماية الطفولة معركة وجودية
  • مرغّت انف الجنجويد وغيرت مسار الحرب.. سردية معركة مايرنو
  • جوميز: ما زلت أنتظر القهوة.. صورة
  • دعواتنا بالنصر المؤزر للجيوش المتوجهة لدك الجنجويد في آخر معاقلهم
  • الخارجية تندد بالجريمة الإرهابية التي ارتكبتها مليشيا الجنجويد ضد مركز إيواء المقرن بعطبرة ومحطة الكهرباء
  • (سودانية 24) تدعم أجندة مليشيا الجنجويد
  • شاهد | الإعلام الأمريكي: العدوان الأمريكي على اليمن لا طائل منه