الأسرة /متابعات
الأحداث المأساوية التي يشهدها قطاع غزة تبعث في النفس ألمًا شديدًا للجرائم البشعة التي تُرتكب ضد الإنسانية. إن الاستهداف الممنهج للأطفال والنساء والعزل، بالإضافة إلى عمال الإغاثة والصحفيين والمنظمات الإنسانية، يمثل انتهاكًا صارخًا لكل القيم الإنسانية والقوانين الدولية، فقد تجاوزت هذه الجرائم تدمير البنية التحتية وتقويض الحياة اليومية لتشمل تدمير الأمل في مستقبل آمن ومستقر لأجيال قادمة.


الأطفال في غزة يعانون من صدمات نفسية عميقة نتيجة القصف المستمر وفقدان أحبائهم، مما يترك آثارًا طويلة الأمد على صحتهم النفسية والجسدية. النساء يواجهن مخاطر متزايدة، حيث يتم استهدافهن في منازلهن وأثناء محاولتهن توفير الرعاية لأسرهن. عمال الإغاثة والصحفيون، الذين يعملون بلا كلل لتقديم المساعدة الإنسانية ونقل الحقيقة، يتعرضون للهجمات المباشرة، مما يعوق جهود الإغاثة ويزيد من معاناة السكان.
وفي غزة تستمر الهجمات “الإسرائيلية” في تدمير البنية التحتية الصحية والإنسانية. وفقًا للتحديثات الأخيرة من المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، فإن الحرب المستمرة منذ 330 يومًا أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات، حيث بلغ عدد الشهداء والمفقودين 50,691، منهم 16,673 طفلًا و11,269 امرأة، ومع وجود نسبة كبيرة من الأطفال والنساء، يعاني 94,060 جريحًا ومصابًا من الحاجة الماسة إلى الرعاية الصحية، خاصة بعد خروج 34 مستشفى و80 مركزًا صحيًا عن الخدمة بسبب الهجمات. ناهيك عن 1,737,524 مصابًا بأمراض معدية نتيجة النزوح وسوء الأوضاع الصحية، و350,000 مريض مزمن في خطر بسبب منع إدخال الأدوية. والطامة الكبرى أن هناك أكثر من 2 مليون نازح في قطاع غزة لا يجدون مأوى أو يقدرون على الحصول على أبسط مقومات الحياة.
إن التساؤل الذي يفرض نفسه: هل تعكس هذه الأرقام حجم كارثة إنسانية يعيشها سكان من جنس البشر هم الغزاويون ويقطنون جزءاً من المعمورة اسمه غزة؟ ألا تشكل معاناة الأطفال، وبشكل خاص، من سوء التغذية ونقص الرعاية الصحية، مأساة يمكنها أن توقظ ضمير من يعيشون حول غزة من سكان هذه المعمورة؟!، أليس ثمة بشر يرون أن ثمة خطراً يحدق بأمة هم من البشر تتعرض حياتهم لأبشع جرائم الإبادة؟
رغم هذه الفظائع، يقف المجتمع الدولي متخاذلًا، مكتفيًا بالإدانات اللفظية دون اتخاذ إجراءات حازمة لوقف هذه الانتهاكات. إن الصمت الدولي والتقاعس عن التحرك الفوري يعزز من استمرار هذه الجرائم ويزيد من معاناة الشعب الفلسطيني.
الوجه الأكثر دموية
من جهة أخرى، أفاد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بأن جيش العدو الإسرائيلي قتل 2100 طفل رضيع فلسطيني ممن تقل أعمارهم عن عامين، ضمن نحو 17 ألف طفل قتلهم في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وأكد المرصد أن هذا العدد المفزع يعبر عن نمط خطير من نزع الإنسانية عن الفلسطينيين، حيث يتم استهدافهم وأطفالهم بشكل متعمد ومنهجي.
وأشار المرصد إلى أن العديد من الأطفال قُطعت رؤوسهم وأعضاء أجسادهم بفعل القصف الإسرائيلي على تجمعات المدنيين، بما في ذلك المنازل والمباني السكنية ومراكز الإيواء، مما يشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد التمييز والتناسب والضرورة العسكرية.
ووثق المرصد مقتل الطفلين الرضيعين “آسر” و”آيسل محمد أبو القمصان”، وهما توأم لم يتجاوز عمرهما الأربعة أيام، مع والدتهما وجدتهما في قصف إسرائيلي استهدف شقة سكنية في دير البلح. وأوضح أن والد الطفلين كان قد خرج لاستخراج شهادة ميلاد لهما، وعاد ليجد الشقة مدمرة وأفراد أسرته قتلى.
كما أشار المرصد إلى مقتل طفلين رضيعين آخرين، “وسام” و”نعيم أبو عنزة”، وعمرهما ستة أشهر، مع والدهما و11 من أفراد العائلة في غارة إسرائيلية على حي “السلام” في رفح.
وأفادت “رانيا أبو عنزة”، والدة الطفلين، أنها أنجبت الرضيعين بعد عشر سنوات من محاولات التلقيح، قائلة: “زرعوا لي 3 أجنة، بقي منهم اثنان، وها هما ذهبا، بعد عشرة أيام من مقتلهما، كانا سيتمان الستة أشهر. قصفوا الدار، زوجي وأولادي والعائلة قتلت في المجزرة.”
كما أبرز المرصد حالة السيدة “شيماء الغول”، التي كانت حاملًا في الشهر التاسع عندما تعرض منزلها في رفح للقصف، مما أدى إلى مقتل زوجها وابنيها “محمد” و”جنان”، وإصابتها بشظية في بطنها وصلت إلى الجنين. وضعت طفلًا أسمته “عبد الله”، لكنه عاش يومًا واحدًا فقط.
وأكد المرصد أن العشرات من الأجنة قتلوا في المستشفيات نتيجة انقطاع الأكسجين والكهرباء واستهداف المستشفيات، وأشار إلى أن “إسرائيل” مستمرة بقتل الآلاف من الفلسطينيين، معظمهم في سنواتهم الإنجابية، مما سيؤثر سلبًا على معدلات النمو السكاني والقدرة الإنجابية لدى الفلسطينيين في قطاع غزة لأجيال قادمة
وأضاف المرصد أن الأطفال الفلسطينيين في قطاع غزة باتوا لا يتمتعون بأي نوع من الحماية التي يقررها القانون الدولي، وأصبحوا أهدافًا رئيسية للعدو الإسرائيلي، بما في ذلك القتل العمد والإعدامات المباشرة، كما أنهم ضحايا لجرائم الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والمعاملة اللاإنسانية، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والتشويه المتعمد، والإصابات والمعاناة النفسية الشديدة، والتجويع، والحصار، والتهجير القسري، وتدمير المدارس، والحرمان من التعليم، وتدمير القطاع الصحي، والحرمان من الرعاية الصحية.
غزة تستنزف
الوضع الصحي في جنين وغزة يواجه تحديات كبيرة بسبب الهجمات الإسرائيلية المستمرة، في جنين، أدى تدمير خط الكهرباء المزود للمستشفى إلى توقف قسم غسيل الكلى، مما اضطر الإدارة إلى نقل المرضى إلى مراكز طبية في نابلس.
في غزة، تستمر الهجمات على المستشفيات، مما أدى إلى تدمير نظام الرعاية الصحية بشكل كبير. فقط 17 مستشفى من أصل 36 مستشفى تقدم الخدمات جزئيًا بسبب الأضرار المادية ونقص الوقود والإمدادات الطبية.
كما أن منظومة الإسعاف في غزة مستنزفة بشكل كبير بسبب الاستهداف الإسرائيلي لمعظم مركبات الإسعاف والنقص الحاد في قطع الغيار اللازمة لإصلاحها.
الاستهداف الإسرائيلي المنهجي لعمال الإغاثة يفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية في غزة، حيث يؤكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن الاستهداف الإسرائيلي المنهجي لعمال الإغاثة في غزة، وآخرهم متعاقدون مع منظمة “أنيرا”، يقوض تقديم المساعدات المنقذة للحياة ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية الكارثية.
وأوضح المرصد في بيان صحفي أن “إسرائيل” تتعمد شن هجمات ضد العاملين في المجال الإنساني، سواء كانوا فلسطينيين أو أجانب، على مدار أشهر حرب الإبادة الجماعية على غزة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 300 موظف إغاثة.
وأضاف البيان أن جيش العدو الإسرائيلي يرتكب جرائم مركبة باستهدافه عمال الإغاثة الإنسانية وعناصر تأمين توزيع الإمدادات الغذائية والصحية في قطاع غزة، رغم عدم ارتباطهم بأي هياكل حكومية أو أمنية أو فصائلية.
إبادة جماعية
ما وثقه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية خلال الفترة بين 7 أكتوبر 2023 و19 أغسطس 2024م، يؤكد أن العدو الإسرائيلي هدم 1,416 مبنى فلسطينيًا أو صادرته أو أجبرت أصحابها على هدمها في شتى أرجاء الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى تهجير أكثر من 3,200 فلسطيني، من بينهم نحو 1,400 طفل.
تشمل عمليات الهدم حوالي 500 منشأة مأهولة، وأكثر من 300 منشأة زراعية، وأكثر من 100 منشأة من منشآت المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، و200 مبنى يستخدمها أصحابها في تأمين سبل عيشهم، ويشكل نحو 28 حادثًا من حوادث الهدم والتدمير التي طالت البنية التحتية، ومعظمها في طولكرم وجنين، غالبية المباني المتضررة.
شلل الأطفال في غزة
ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 17 مستشفى فقط من أصل 36 مستشفى في غزة تقدم الخدمات جزئيًا بسبب الأضرار المادية، نقص الوقود، محدودية الإمدادات الطبية، وقلة الموظفين. كما وثقت المنظمة 1098 هجومًا على خدمات الرعاية الصحية في الأرض الفلسطينية المحتلة بين 7 أكتوبر 2023 و22 أغسطس 2024م، منها 492 هجومًا في غزة، مما أسفر عن 747 شهيدًا و969 جريحًا.
في خان يونس، كشف انسحاب جيش العدو الإسرائيلي عن دمار هائل بعد عملية عسكرية استمرت 22 يومًا، تم انتشال جثامين شهداء من الشوارع، وتواصل طواقم الإسعاف العمل على انتشال جثامين أخرى من الأحياء المتضررة. تعرضت خان يونس لقصف مكثف وتوغلات متكررة، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء والجرحى، بما في ذلك الأطفال والنساء.
ويزداد الوضع تعقيدًا مع ظهور حالة إصابة بشلل الأطفال لأول مرة منذ 25 عامًا. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

مستشفى زيورخ السويسري يستقبل أول بعثة لأطباء هيئة الرعاية الصحية ضمن برنامج التوأمة

أعلنت الهيئة العامة للرعاية الصحية عن استقبال مستشفى زيورخ الجامعي بسويسرا لأول بعثة من أطباء الهيئة، وذلك ضمن برنامج "Health Universal Bridges (HUB)" للتوأمة مع المستشفيات الدولية في التخصصات الصحية المتقدمة، في إطار جهود الهيئة المستمرة لعقد شراكات دولية مع كبرى المؤسسات الطبية حول العالم.

وزير الصحة يبحث مع نظيره اليوناني تعزيز التعاون بملف الرعاية الصحيةالرعاية الصحية: تجربة بورسعيد تؤكد نجاح النموذج المصري في تطبيق التأمين الشاملالصحة تختتم أولى دورات تأهيل أطباء الأطفال بمراكز الرعاية الصحية الأوليةالرعاية الصحية لقافلة روتابلاست الدولية تنظم ورش عمل وتدريبات للطاقم الطبي بالأقصر

وأكد الدكتور أحمد السبكي، رئيس الهيئة العامة للرعاية الصحية والمشرف العام على مشروع التأمين الصحي الشامل، أن برنامج HUB للابتعاث الخارجي يسهم في تأهيل كوادر إكلينيكية قيادية قادرة على تطوير الممارسات الطبية وتحقيق التحسين المستمر، مؤكدًا على أن الهيئة تعيد تشكيل مفهوم التعليم والتأهيل الإكلينيكي من خلال برامج التوأمة الدولية.

إنشاء أول مركز وطني متكامل للتأهيل العصبي والحركي للأطفال

وأشار إلى أن بعثة زيورخ تمهد الطريق نحو إنشاء أول مركز وطني متكامل للتأهيل العصبي والحركي للأطفال، داخل مستشفى النصر التخصصي للأطفال التابعة للهيئة بمحافظة بورسعيد، وذلك وفقًا لأحدث النماذج السويسرية.

وأضاف أن برنامج HUB يمثل نقلة نوعية في تعزيز التعاون المؤسسي الفعّال، ويسهم في دمج مستشفيات الهيئة ضمن شبكات الابتكار الدولية، مع التركيز على توطين التجارب العالمية لتأسيس مراكز تميز تنافسية قادرة على الحصول على الاعتماد الدولي.

وأعرب السبكي عن تقديره للدعم الكامل المقدم من مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة في الصحة والتعليم بسويسرا، موجهًا الشكر لمؤسسة أبوزيد السويسرية للصحة والتعليم برئاسة المهندس حسام أبوزيد، لما كان لها من دور بارز في دعم وإنجاح زيارة هذه البعثة، في إطار جهود المؤسسة لتعزيز الروابط الصحية بين مصر وسويسرا.

وأوضحت الهيئة أن بعثة أطباء الهيئة شملت زيارة مستشفى زيورخ الجامعي للأطفال (Kinderspital Zürich)، أكبر مركز متخصص في طب الأطفال بسويسرا، بالإضافة إلى زيارة مركز كاريوم (Careum) السويسري الرائد في التعليم الصحي متعدد التخصصات والتعليم بالمحاكاة، وكذلك مركز تحليل الحركة والتأهيل العصبي بمنطقة Affoltern am Albis، الذي يُعد مرجعًا أوروبيًا في التعامل مع الحالات العصبية الحركية المعقدة لدى الأطفال.

وأشارت الهيئة إلى أن وفد الأطباء تلقى تدريبات تطبيقية مباشرة على أحدث تقنيات تحليل الحركة وتقييم الوظائف العصبية للأطفال، إلى جانب التعرف على نموذج التأهيل متعدد التخصصات (Interdisciplinary Pediatric Neuro-Ortho Rehabilitation)، كما خضع لتدريب عملي بالمحاكاة داخل مركز كاريوم من خلال سيناريوهات واقعية وأساليب تقييم جماعي.

كما تضمنت الزيارة لقاءات مع نخبة من كبار الخبراء، من أبرزهم البروفيسور فرانك روهلي، عميد كلية الطب بجامعة زيورخ ومدير معهد الطب التطوري بالجامعة وعالم المصريات، والبروفيسور أوسكار جيني، والبروفيسورة بيا لاتال، من كبار المتخصصين في تقييم النمو العصبي للأطفال والتأهيل الوظيفي الدقيق.

وأضافت الهيئة أن وفد الأطباء المشارك في البعثة يمثل مستشفى النصر التخصصي للأطفال ببورسعيد، وضم كلًا من: د. غادة محمد جمعة، استشاري طب الأطفال وحديثي الولادة، د. نورهان أحمد عبدالله، نائب مدير المستشفى، د. ميرا عادل الجمل، صيدلي إكلينيكي، د. كريم مساعد السباعي، أخصائي العلاج الطبيعي، أ. إسراء الخضر بركات، مشرفة التمريض، ود. آلاء عبدالسميع الدمرادش، مسئولة التعاون الدولي بالمقر الرئيسي للهيئة في القاهرة.

وأوضحت الهيئة أن مخرجات الزيارة كانت متعددة ومحورية، حيث يجري إعداد خطة لإنشاء أول مركز وطني متكامل للتأهيل العصبي والحركي للأطفال داخل مستشفى النصر التخصصي ببورسعيد، ليكون أول نموذج مصري قائم على النموذج السويسري، بالإضافة إلى تصميم برنامج تدريبي داخلي بالمحاكاة بالتعاون مع مركز كاريوم ليكون جزءًا من مناهج إعداد القادة الإكلينيكيين (Clinical Leaders). كما تم توثيق رحلة المريض داخل وحدات التأهيل السويسرية لاستخدامها كمرجع لبناء النموذج المصري، مع تفعيل التواصل المستمر مع جامعة زيورخ ومركز كاريوم لاستكمال التعاون في مجالي التدريب والأبحاث التطبيقية.

مقالات مشابهة

  • «الإمارات الصحية» تطور استراتيجية الرعاية الأولية والوقائية عبر مختبر الجاهزية للمستقبل
  • بورسعيد.. "الرعاية الصحية" تخطو نحو العالمية ببعثة تاريخية إلى مستشفى زيورخ الجامعي
  • «زيورخ الجامعى» بسويسرا يستقبل أول بعثة لأطباء هيئة الرعاية الصحية
  • مستشفى زيورخ السويسري يستقبل أول بعثة لأطباء هيئة الرعاية الصحية ضمن برنامج التوأمة
  • حزب الله يدعو للعمل بفاعلية وقوة لوقف الإجرام ‏الصهيوني على فلسطين والمنطقة
  • «الرقابة والاعتماد» تبحث مع «الشراء الموحد» دعم جودة واستدامة الرعاية الصحية
  • الصحة العالمية:أكثر من 10% من الأفغان قد لا يحصلون على الرعاية الصحية نهاية عام 2025
  • وزير الصحة يبحث مع نظيره اليوناني التعاون بملف الرعاية الصحية للفلسطنيين
  • وزير الصحة يبحث مع نظيره اليوناني تعزيز التعاون بملف الرعاية الصحية
  • الصحة تختتم أولى دورات تأهيل أطباء الأطفال بمراكز الرعاية الصحية الأولية