صحيفة الاتحاد:
2025-04-01@09:15:03 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: المرايا

تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT

نتصور أنفسنا بوصفنا أفراداً، وكل فرد له صورة واحدة يظل يرسمها لنفسه ويحرص على أن يجعل غيره يرى الصورة المرسومة منه، ولكن الذي يحدث دوماً أننا نتفاجأ كل مرة نحتك بها مع الآخرين أن لنا في أذهانهم صوراً غير التي رسمنا، وسنجد أننا أمام صور تتعدد بتعدد المرايا التي تنعكس فيها صورنا لدى الآخرين، وهذه حالة تقع للأمم بمثل ما تقع للأفراد، وكل أمة تتعدد صورها في مرايا الأمم الأخرى، وغالباً ما تكون المرايا غير أمينة في عكس الصورة، لأن مرايا الناس التي تعيد صياغة الآخر أو الآخرين تتغذى من المخازن الذهنية التي تصنع سير الغير ومن ثم تحيلها لصور ذهنية هي المرايا التي تعكس وجوه الناس وتصبغ معانيهم بخير أو بشر، مما يجعلنا كائنات شبه وهمية؛ بمعنى أننا لا نكاد نتعرف عليها، ونظل نلوم غيرنا بمثل ما يلومنا غيرنا، أو يسخط منا كلما رأى صورته عندنا تختلف عن صورته لدى نفسه، وقد عبر البحتري عن معاناته من تحول صورته إلى صورة سلبية، في حين يراها صورة فاضلة، ويرى المزية تتحول لعيب أو حتى ذنب، بينما هي حسنات عنده، وفي ذلك يقول:
إذا مَحاسِنِيَ اللاتي أُدِلُّ بِها
كانَت ذُنوبي فَقُل لي كَيفَ أَعتَذِرُ
وهذه حالة قاتمة جعلت الشاعر يصرخ مستنكراً تحول محاسنه التي يتباهى بها إلى ذنوب تحسب ضده، فتتشوه صورته الحسنة في أصلها عنده إلى صورة يتحمل وزرها، مما يتعصى عليه فهم سببها أو الاعتذار عنها، وكيف يعتذر المرء عن محاسنه، وكأنها آثامٌ يقترفها وتحسب عليه، ويقابل ذلك قول علي بن الجهم:
وَمَن ذا الَّذي تُرضى سَجاياهُ كُلُّها
كَفى المَرءَ نُبلاً أَن تُعَدَّ مَعايِبُهْ
وقد روي هذا البيت لشعراء آخرين غير ابن الجهم، مما يعني أن البيت شعارٌ ثقافي يكشف حياة البشر مع عيوبهم التي هي عيوب فطرية ونواقص إنسانية يحسن بنا أن نتفهمها ومن ثم نتقبلها أو نتغاضى عنها، ويقيس المرء ذلك على نفسه المعيبة أيضاً، وهذا هو الشخص العادل التقي والواقعي، ولكن الغالب هو التمتع النفسي بعيوب الآخرين مع نسيان عيوب الذات، وهنا يتولى البيت المنسوب لعدد من الشعراء ليثبت الحقيقة البشرية في أن تعداد العيوب هو وصفة في النبل والتميز لأن التعداد يعني الحصر، بينما العيب الحق هو في الذي يتجاوز القدرة على التعداد، وهذه مناورة دفاعية تصد هجوم الآخرين الذين ينتمون لطبع ثقافي يميل للحش في أي اسم معروف وكأن ذلك نوع من قتل الأب بالمفهوم الفرويدي، وفكرة قتل الرموز هي معنى نسقي ينبع من الرغبة لجعل الرمز مجرد رقم عادي بحجة أن له عيوباً، ولكن أيّ الناس تصفو مشاربه، لولا أن المثل يقول (غلطة الشاطر بعشرة) وعثرة الفارس قاتلة، ولهذا فإننا كبشر لسنا سوى مرايا متجاورةٍ تتعاكس وتصنع أطيافاً غير الصورة الأصل حتى ليتلاشى الأصل وسط النسخ المركبة من الظنون ومن التهيؤات ومن المخازن الذهنية.


كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: شجرة النسق د. عبدالله الغذامي يكتب: الحكمة (لقاء الشعر والفلسفة)

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

إسحق أحمد فضل الله يكتب: مقتل قرنق

وقالوا إن تحقيقا ينطلق الآن يبحث عمن قتل قرنق
ونحن بعد مقتله بأسبوع ننشر القصة التي لا يدفعها شيء .. قصة تدبير وتنفيذ قتل الرجل …. وحوار الطيار مع قرنق والطائرة تتقلب في العاصفة
ويومها قالوا إن الجنية هي من جاءتنا بهذا
……..
والصندوق الأسود نسرده وسطور التحقيق …. وحديث اللجنة التي رفعت الجثث
وأبرز ما فيه هو شهادة عريف كان في الحراسة لما شاهد الطائرة تسقط .. والرجل يندفع إليها ونيرانها ما زالت تشتعل وهناك العريف يجد (ثلاثة عشر …. ثلاثة عشر … نعم … ثلاثة عشر) جثة لكن اللجنة التي هي وصلت بعد الحادث بساعة تجد …. (إثني عشر) جثة .. كان واضحا أن الجثة الثالثة عشر قد هربت …
والحكاية خطواتها هي
قرنق يتسلل من الخرطوم دون علم أحد
إلى يوغندا
ويشهد حفلاً سنوياً غريباً كان موسيفيني يقيمه للسفراء وبعض الرؤساء كل عام
حفل …. (ملط)
بعدها قرنق يعطونه طائرة كانت تعود من الصيانة في روسيا قبل إيام … والصيانة في أيام المخابرات يمكن أن يكون فيها أي شيء
والتحقيق يجد أن العاصفة لم تكن هي ما أسقط الطائرة .. ومظلة عسكرية يستخدمها المظليون للهبوط/ وجدوها هناك/ وإنفجار واضح في جسم الطائرة وإختفاء الجثة الثالثة عشر وقائمة أسماء الركاب (الأثنا عشر)!!
أشياء ربطها في جملة ربط يقول إن شخصاً خارج المجموعة تسلل إلى الطائرة بدقة مخابراتية
وأن مهمته كانت هي …. وضع قنبلة موقوتة .. ثم الهبوط بالمظلة
والرجل يفعل ذلك عند دخول الطائرة أجواء السودان .. والرجل بعد تشغيل عداد القنبلة يتجه لفتح الباب
ليجد أن من وضع المخطط أغلق الباب …. من الخارج … والبحث يجد أن الجهة التي تدير الأمر كانت قد وضعت عدة عربات فى عدة أماكن تنتظر سقوط الطائرة. لسحب جثة صاحب المظلة …. وأن عربة في نيوسايت كانت بالفعل تسحب الجثة الثالثة عشر من بين الجثث لكنها تنسى المظلة التى يبدو أنها أنفلتت من جسم الرجل
…..
وقرنق كان يجد أنه يفشل فى هزيمة الجيش والمجاهدين في الجنوب … وقرنق يفتح جبهة في الغرب … ويفشل
ويفتح جبهة في الشرق .. حتى همشكوريب .. ويفشل…
والجيش يسحب قرنق إلى الخرطوم ويعطيه المنصب الثاني في الدولة
عندها قرنق يقرر وقف الحرب
عندها .. الجهات التي تحارب السودان لنصف قرن تقرر إغتيال قرنق
ويوم الإغتيال الجهة تلك تشعل الخرطوم
والأسلوب يفضح أن إشعال الخرطوم كان عملاً مدبراً .. فالشبكة الهاتفية قبل يوم وفي يوم مقتل قرنق كانت تختنق بسيل من الاتصالات ….
لكن المفاجأة يومها …. مثل المفاجأة الآن .. كانت هي الشعب الأعزل المسالم حين يفاجأ بالغدر يتحول إلى شيء لا يقوم له شيء
والشعب يفعل بالجنوبيين المهاجمين شيئا يجعل الدولة تمنع نشر التحقيق … لأن الأرقام فظيعة ….
مثلما يمنع الجيش الآن نشر العدد الحقيقي لقتلى الدعم السريع…
إطلاق التحقيق الآن في مقتل قرنق هو رصاصة في الحرب الجنوبية / الجنوبية. التي تدور الآن.
والرصاصة مطلوب منها أن تتحول إلى معارك الخرطوم الآن
ما حبكتها كويس يا قرقاش …
……..
يبقى إنه
لما كان قرنق يكيل التعذيب لمشار المعتقل عنده كان قرنق يقف عند مشار المقيد في حفرة
ويسخر منه
ومشار المهتاج يصرخ فيه بكلمة أصبحت نبوءة
مشار يرفع رأسه من الحفرة ويصرخ
: أرجو أن أراك مدفونا على عمق ستة أقدام
….. قال لي الطيب سيخة الذي شهد دفن قرنق
:: وقفت أنا ونافع فوق القبر المحفور لقرنق .. ونظرنا فيه … وكان عمقه ستة أقدام ..

إسحق أحمد فضل الله

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • صلاح الدين عووضة يكتب.. إلى متى ؟!
  • أراوخو يشيد بعقلية برشلونة بعد الفوز على جيرونا.. ويؤكد: هدفنا لقب الليجا
  • “حماس”: مجزرة المسعفين تؤكد أننا أمام عدو متجرد من الإنسانية
  • نتنياهو: قررنا زيادة الضغط على غزة ومستعدون لمناقشة نهاية الحرب
  • نعيم قاسم: دعمنا للقدس تجلى بشهادة حسن نصر الله.. وعقوبات أمريكية
  • هاري كين يكتب التاريخ مجددا في البوندسليغا
  • لواء رُكن (م) د. يونس محمود محمد يكتب: عاوزين جدة!!
  • ينتحل صفة قاضٍ دوليّ.. والأمن يعمم صورته
  • إيكونوميست: إسرائيل تجازف بتحويل غطرستها على الآخرين إلى كارثة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: مقتل قرنق