عائشة الماجدي: يا (عمر النعمان) لا أحتمل أن أرثيك أو أقرأ عنك رثاء ولكن
تاريخ النشر: 7th, September 2024 GMT
قالها (عمر النعمان ) هكذا بدون ألقاب قالها ورفاقه الشهداء الأبرار( حالفين بربنا يا وطن أعداك نفني مقاصدا…يلقونا نيران في البدن لحماك وأكتر من كدا )….
-ويستشهد واحد من أبناء ( الخنادق والبنادق والفكرة ) خنادق الوطن وبنادق الكرامة وفكرة أن لا يظل في هذا الوطن متمرد أو خائن أو عميل..
-بالأمس يلتحق (عمر النعمان ) بركب شهداء الوطن ومعركة الكرامة (عبد الرحمن الطيب ، وعثمان مكاوي ، ومحمد صديق ، ومحمد المعتز ) ورفاقهم الشهداء ونلتحق نحن بقافلة ( الحزن النبيل ) لا قافلة ( البكاء والعويل ) فالبكاء والعويل على ( الفوارس ) عيب.
-رحلوا رجال (حمرت دمائهم خضار الكاكي ،رحلوا لا زفه، لا حنوط لا بواكي ) لا بواكي على الفرسان بل حزن نبيل وصبراً جميل لا بواكي على الرجال فيكفيهم ان أرض السودان تشرّبت من دمائهم الطاهرة وشرِّب غيرهم من (سفهاء تقزم ) ومرتادي ديار دقلو من خمر العمالة والإرتزاق ويشرب ( اولاد جمعة دقلو ) من كأس المذلة والإهانة والخيانة للشعب والوطن …
-( عمر النعمان ) وأخوانه الأبطال شهداء لم نرتوي من سنين أيامهم بيننا كانوا كالنسمة كانوا يشبهوا إشراقات الفجر ولون البشارات الصادقة جاءوا لهذه الدنيا ليكونوا عناوين لصفحات ورايات ترفرف في سوح الرجالة والبسالة وضعوا بذرة دمائهم في أرض السودان المباركة لينبتوا بعدهم شباب كله عز ومفخرة وجعلوا في رحم الأرض وأحشائها أجنة الضكرنة وحب الوطن ليسقوا البقية بحبل سري طاهر ونضيف ..
-التراب الذي يتساقط من بوت عمر النعمان وصحبه أشرف من هامات كل ملايش الدعم السريع ومن يساعدهم من أهل المعايش والزمان مسغبة وبائعي الوطن والشعب والضمير الميت …
-يقيني أن أرض إرتوت بدماء ( عمر النعمان ) الذكية لن تُخذل أبدًا وبمشيئة الرحمن يتحقق فيها النصر وإن طال الليل ..
أمشوا ودعناكم الله
عائشة الماجدي
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
بلاغ البرهان رقم صفر: ضد اللساتك وضد الذاكرة
رأيتُ في ما يرى النائم، أن عبد الفتاح البرهان زارني.
جاءني كما يأتي البلاء:
بصمتٍ عسكري، وملامح لا تحمل أي معنى خارج البلاغ رقم واحد،
وكان معه فكي جبريل مختبئاً بالخارج، يحمل في جيب جلابيته فارق بارود الطلقة الأولى.
كنت في المطبخ حينها، أقف على حافة الصباح،
أعدّ قهوتي بهدوء المساكين الذين لم يتيقنوا بعد إن كانت هذه البلاد حيّة أم في غيبوبة.
النار وادعة، ورائحة القهوة تتصاعد بخشوع،
لكن حضوره — كما فعل في الخرائط — أفسد التوقيت.
فارت القهوة، سالت،
تدفقت على نار الموقد كما تتدفق الدماء حين يُقرر الجنرال أن:
“المرحلة تتطلب الحسم”.
لم أُمسك بالكنكة،
بل أمسكت لساني،
ثم أفلتُّه.
فانسكب منه سُباب ثقيل:
دين العسكر…
كنت أقرب إلى صلاة على روح ما تبقّى من هذا الوطن، ولكن دخوله أفسد اللحظة.
⸻
قال لي، بصوتٍ يشبه نشرة إخبار كاذبة تتخللها خُطب ياسر العطا ومحمد الجزولي:
“البلاد لا تنهض بحرق اللساتك.”
قلت له وأنا أمسح القهوة من على البلاط:
“ولا تنهض بالبندقية يا جنرال الغفلة، وهي مصوّبة إلى القلب.”
ابتسم ابتسامة من لا يعرف معنى القلب،
ابتسم كما يبتسم القاتل حين يُطلب منه أحد أن يعتذر.
وغاب.
غيّر فكي جبريل من مكانه تحت الشجرة،
لأن شبكة إرسال الهاتف كانت ضعيفة وهو يتحدث ويراقبنا.
فجأة، اختفى الاثنان، ولاح شبح سناء حمد ثم تبخّر،
لكن الريح التي خلّفها كانت نتنة بما يكفي لإصابة الهواء بالغثيان.
تنفست الصعداء،
دخلت الريح النتنة رئتي، فأصابتني بالغثيان أيضًا…
⸻
خرجت أسقي الزرع في الحوش الخلفي، وأُخلص رئتي من الرائحة، فعاد البرهان.
كان يمشي كما تمشي الذاكرة حين تفقد الطريق والبوصلة.
لم يقل شيئًا في البداية،
فقد كانت النبتات أكثر لباقة منه.
ثم قال بصوت نَكِرة:
“دخان اللساتك يشوّه صورة الدولة.”
قلت:
“الدولة؟
هي التي شوّهت صورة البلاد يا سيدي،
ونحن فقط نرفع المرآة.”
سكت.
ثم سألني:
“أين الوطن إذن؟”
قلت:
“الوطن احترق…
حين ظننتم أن اللساتك جريمة، وأن الرصاصة حُكم.”
ثم اقترب مني هامسًا — كأنما لا يريد للتاريخ أن يسمع —
وقال بشيء من الحنين:
“أنا فقط… كنت أحاول أن أحقق حلم والدي.
فقد قال لي ذات يوم:
يا ولدي، سيكون لك شأن عظيم في البلد.”
نظرت إليه طويلاً.
كانت عيناه ترتجفان بحنينٍ مستعار،
كما لو أنه يحلم بالحكم ويخافه في آن يحكم.
فقلت:
لكن الحلم الذي ورثته،
صار كابوسًا عامًا لكل من مرّوا تحت خُطاه.
⸻
كان البرهان، في تلك الزيارة،
أشبه بـ تقرير أمني فقد صفحته الأولى،
لا يعرف لماذا أتى، ولا كيف يخرج.
قلت له، وأنا أروي جذور الشجر:
“الذين أشعلوا الإطارات،
لم يريدوا أن يحرقوا البلاد،
بل أرادوا أن يُنيروا ما أطفأته البنادق.”
توقف، نظر إلى الماء يسيل على التراب،
ثم قال بصوت متردد:
“لكننا خرجنا ببلادنا من الظلام.”
ضحكت،
لا على النكتة،
بل على الرجل الذي ظن أن الرصاصة ضوء،
وأن من أشعل شمعةً على الأسفلت،
هو السبب في هذا الظلام .
⸻
اختفى، لكنني وجدت أثر حذائه العسكري على البلاط.
لم يكن وحلاً،
بل كان شيئًا أثقل:
بصمة من ركام،
أو بقايا خيانةٍ عابرة.
غسلت الأرض،
أعدت غلي القهوة،
وتأكدت أن الوطن — رغم كل شيء —
لا يزال يعرف الفرق
بين دخان اللساتك،
ودخان البندقية.
لكن البرهان لا يعرف.
zoolsaay@yahoo.com