العدوان اللطيف.. لماذا نميل إلى عض خدود الأطفال؟
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
قد ينظر أحد الأقارب إلى طفلك الرضيع ويقول "إنه لذيذ، أريد أن آكله" الأمر ليس غريبا، ولا سيما أن الرُضع يمتلكون ملامح وسمات مميزة كعيون واضحة تعلو أنوف صغيرة فوق شفاه وردية مع رقبة ممتلئة وبشرة ناعمة، تجعلك تقع في حبهم وتنجذب إلى حملهم ورعايتهم، ليس هذا فحسب، بل تتسلل إليك رغبة قوية في قضم أصابعهم وقرص خدودهم الممتلئة أو حتى التهامهم من فرط الإعجاب والتعلق بهم.
وتشير عالمة الأعصاب بجامعة كاليفورنيا، كاثرين ستافروبولوس إلى أن 70% إلى 75% من الناس يشعرون بهذه الرغبة وتزيد بين النساء.
كيف يفسر العلم هذه الظاهرة؟حاول فريق دولي من الباحثين الوصول إلى سبب خلط العديد من الناس وربطهم بين الأطفال الصغار والطعام، وفي ورقة بحثية نشرتها دورية "فرونتيرز إن سيكولوجي" عام 2013، توصل الفريق إلى أن رائحة الرضع تُنشط أجزاء معينة في الدماغ وتثير استجابة فسيولوجية لدى النساء وبالأخص لدى أمهاتهم، تشبه تلك التي يشعر بها الأشخاص الجائعون عند تقديم وجبة لذيذة لهم.
وفي دراسة نشرتها مجلة وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم عام 2009، فإن الملامح الطفولية التي عرفها عالم السلوك كونراد لورينز بـ "مخطط الطفل"، تعزز نشاط الشبكات العصبية المرتبطة بالمكافأة في الدماغ وتنظم إطلاق الدوبامين (هرمون السعادة) بما يعُد حافزا إيجابيا لرعاية الطفل واحتضانه والاهتمام به.
وإذا كان "مخطط الطفل" يمثل حافزا إيجابيا من خلال زيادة الدوبامين وتوفير الدافع لرعاية الطفل، فإنه قد يزيد من نشاط أنظمة الدماغ المُعنية بالمكافأة ويعزز موجة من المشاعر الإيجابية المفرطة، مما يؤدي إلى رد فعل عدواني أو تعبير معاكس أو ما يعرف بـ "العدوان اللطيف".
ما العدوان اللطيف؟"العدوان اللطيف" أو "التعبيرات الثنائية الشكل" هو مصطلح صاغه المختصون في علم دراسة السلوك البشري والتنظيم الاجتماعي للتعبير عن هذا التناقض الذي يجمع بين المشاعر الإيجابية "الإعجاب بالطفل والاهتمام به" والمشاعر السلبية "الرغبة في عضه والتهامه"، ومن أمثلته أيضا، البكاء وقت الفرح "دموع الفرح" أو إطباق قبضتي اليد عند تحقيق الفوز، أو الصراخ في الحفلات الغنائية والموسيقية وغيرها.
وقد صممت عالمة النفس أوريانا أراغون، عدة تجارب لفهم العدوان اللطيف، وفي عام 2014 ربطت دراسة أجرتها أراغون وزملاؤها من جامعة ييل الأميركية بين العدوان اللطيف وتنظيم المشاعر، وكجزء من الدراسة طلب الباحثون من المشاركين النظر إلى مجموعة من صور الأطفال الصغار.
وخلصت الدراسة إلى أن المشاركين الذين شعروا بمشاعر إيجابية قوية للغاية تجاه الصور، غالبا ما كانت لديهم استجابات عدوانية حيث أرادوا قرص خدود الأطفال والتهامها.
وتشير البيانات إلى أن أولئك الذين أظهروا ردود فعل عدوانية شعروا بانخفاض موجة المشاعر الإيجابية المفرطة بعد 5 دقائق من مشاهدة الصور، مما دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأن "العدوان اللطيف" كان سببا في إعادة التوازن العاطفي وتنظيم المشاعر.
العلم يفسر سبب هذه الرغبةتخفيف التوتر: وفق أراغون، فإن هذه المشاعر المتناقضة والتعبير بطريقة مزدوجة أمر جيد ويعد آلية للتحكم في عواطفنا وإدارتها، إذ إن المشاعر الغامرة تكون مرهقة وضارة بصحة أجسامنا مثلها مثل المشاعر السلبية، وكلتاهما تعززان إفراز هرمونات التوتر، وقالت عالمة النفس إن ما يحدث هو وسيلة الدماغ لإعادتنا إلى نطاق العواطف الطبيعي بطريقة معاكسة أو بشكل عدواني لا يحمل أي نية للأذى، وأضافت أن "هذه الرؤى تعزز فهمنا لكيفية تعبير الناس عن عواطفهم والتحكم فيها، وهو ما يرتبط بشكل مهم بالصحة العقلية والجسدية، ونوعية العلاقات مع الآخرين، وحتى مدى نجاح الناس في العمل معا".
جزء من آلية الارتباط التطورية: يرى خبراء علم النفس أن "العدوان اللطيف" هو عملية تكيفية للبقاء والحفاظ على النوع، ولا سيما مع إسناد رعاية الطفل إلى غير الأم في كثير من الأحيان على مر العصور.
اختبار الروابط الاجتماعية: أفادت عالمة الرئيسيات سوزان بيري من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس أن "العض الاجتماعي" غير المؤذي هو أحد الطقوس الاجتماعية وسلوك ودي تتبناه العديد من الثدييات كوسيلة لاختبار الروابط الاجتماعية وإظهار النية الحسنة، ووفق أبحاثها، فإن قرود الكابوشين تعض بعضها بعضا بطرق حذرة لا تسبب أي ألم فترسل رسالة مفادها: "أنا جدير بالثقة إلى الحد الذي يجعلك تستطيع وضع إصبعك في فمي" وهذا ما يحدث بين الطفل ومقدمي الرعاية.
سلوك مكتسب لا ينتشر في جميع الثقافاتوعلى جانب آخر، عبّرت الأستاذة المساعدة في علم اللغويات في كلية ريد، كارا بيكر لموقع "نيويورك تايمز"، بأن الرغبة في التهام الأطفال مجرد سلوك مكتسب ينتشر في ثقافات عديدة ولكن لا يمكن تعميمه، وأضافت "يمكنك أن تجد مجتمعات حيث لا يتحدث الناس مع الأطفال الرضع".
وأشارت بيكر إلى دراسة أجريت على مقدمي الرعاية في ساموا ووجدت أنهم لا يتعاملون بهذه الطريقة مع الأطفال ولا يتحدثون إليهم، وأنهم أكثر ميلا إلى عقلية "لن أتحدث إليك حتى تتمكن من الرد".
وتتفق هيذر باكستون، أستاذة الأنثروبولوجيا في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مع الرأي القائل إن الأطفال لا يُنظر إليهم بهذه الطريقة في كل أنحاء العالم، وقالت إنه في جزيرة بالي على سبيل المثال، يُنظر إلى الرضع باعتبارهم أشخاصا مقدسين وليسوا بشرا بالكامل.
وأضافت باكستون، رغم أن الرغبة في قضم الأطفال وربطهم بالطعام عند تدليلهم يشير إلى علاقة حميمية، فإن طبيعة هذه التصرفات في بعض الثقافات قد يُنظر إليها باعتبارها تهديدا، وأوضحت أن الأمهات اليونانيات والأميركيات يستخدمن عادة عبارة "سآكل هذا الطفل"، ولكن في أجزاء من حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، قد يكون هذا الحديث إشارة إلى الحسد أو يتضمن نوعا من التهديد الخبيث، ولهذا يتخذ أي شخص حذره عند مدح جمال الطفل، خشية أن يثير ذلك العين الشريرة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الرغبة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
«أولياء أمور مصر» يشيد باحتفال مجلس الشباب المصري بيوم الطفل اليتيم المهاجر
أشادت الخبيرة الأسرية داليا الحزاوي، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، بتنظيم فاعلية الاحتفال باليوم العالمي للطفل اليتيم المهاجر التي نفذها مجلس الشباب المصري، بالحديقة الدولية.
الاحتفال باليوم العالمي للطفل اليتيم المهاجروأوضحت الخبيرة الأسرية، داليا الحزاوي، أن تلك الفاعلية تعتبر رسالة إنسانية قوية للعالم أجمع، للتنويه بأهمية الاهتمام بهذه الفئة ومحاولة رسم البسمة على وجوههم بكل الطرق فقد فقدوا كل ما يملكون وهجروا من أوطانهم قسرًا.
وقد نفذ مجلس الشباب المصري فعالية كبرى للاحتفال باليوم العالمي للطفل اليتيم المهاجر، بمشاركة أكثر من 1000 طفل من الفئات الأولى بالرعاية من النازحين واللاجئين من دول الصراع، وشملك جميع الأطفال الأيتام من النازحين من مختلف الجنسيات المقيمة داخل مصر.
وتضمنت الفاعلية يومًا ترفيهيًا متكاملًا داخل الحديقة الدولية بمدينة نصر، وتم توزيع ملابس جديدة، وألعاب، ووجبات ساخنة، بجانب فقرات فنية وترفيهية واحتفالية، داخل مدينة الملاهي، في محاولة لرسم البسمة على وجوه الأطفال الذين فقدوا ذويهم وهُجّروا من أوطانهم.
ووجه مجلس الشباب المصري دعوة إلى كافة شركاء العمل الإنساني، ومؤسسات المجتمع المدني، والهيئات الوطنية والدولية المعنية بحقوق الطفل، لتسليط الضوء على أوضاع الأطفال الأيتام المهاجرين، وتوثيق التجربة المصرية التي أثبتت قدرة حقيقية على تقديم نموذج فريد في دعم الفئات الأكثر هشاشة.
ويعتبر مجلس الشباب المصري، إحدى كبرى مؤسسات المجتمع المدني في مصر الحاصلة على الصفة الاستشارية بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، هو أول من أطلق هذا التقليد منذ أكثر من خمس سنوات، وبدأ وقتها باحتضان الأطفال اليتامى من النازحين السوريين واليمنيين، ووسع نطاق الحدث ليشمل الأطفال الأيتام من مختلف الجنسيات المقيمة داخل مصر.
اقرأ أيضاًيهدد حياة الأطفال.. مقترح برلماني بحظر «الإندومي» في مصر
رئيس جامعة الأزهر: القرآن يدين أخذ أموال اليتامى ويوضح عواقب ذلك «فيديو»
أستاذ علم اجتماع: دور المدرسة ليس مقتصرًا على التعليم فقط.. والصعيد أكبر مثالا