محور فيلادلفيا: ورقة تفاوضية أم مصلحة استراتيجية إسرائيلية؟
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
برز الحديث في الشهرين الماضيين حول الإصرار الإسرائيلي على الاحتفاظ بالسيطرة على معبر رفح ومحور فيلادلفيا الفاصل/ الواصل بين قطاع غزة ومصر (14 كيلومترا)، كقضية رئيسية في المفاوضات لعقد صفقة بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس.
تضخيم أهمية السيطرة على محور فيلادلفيا:
سعى نتنياهو لتضخيم أهمية السيطرة على محور فيلادلفيا، ووصل ذلك ذروته في مؤتمر صحفي تحدث فيه ستين دقيقة مدافعا عن الأهمية الاستراتيجية للبقاء هناك، معتبرا إياه "صخرة وجود" للاحتلال، وأنه كان أنبوب الأكسجين (شريان حياة) لحماس، وأن تحقيق أهداف الحرب يمر عبر السيطرة على هذا المحور، وأنه لن ينسحب منه، وأن الاحتلال الإسرائيلي هو الذي سيدير الأمن في قطاع غزة ما بعد الحرب وسيمنع التهريب.
لم يُجب نتنياهو عن سبب البروز المفاجئ للأهمية الاستراتيجية للمحور، إذ إنه لم ينتبه له إلا في الشهر الثامن للحرب، بالرغم من وجود وزراء أثاروا الأمر في اليوم الأول، بحسب ما ذكر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق آيزنكوت.
وبينما كانت المفاوضات غير المباشرة تجري مع حماس للوصول إلى صفقة، انعقد اجتماع للحكومة الإسرائيلية مساء 29 آب/ أغسطس 2024، وقام نتنياهو باستصدار قرار من الحكومة بالبقاء في فيلادلفيا، ليغلق الباب عمليا أمام المفاوضات، بتثبيت عقدة لم تكن موجودة أصلا في المسودات السابقة التي وافق عليها الاحتلال نفسه. وقد طرح المفاوضون الإسرائيليون في الدوحة الاحتفاظ بالسيطرة على خمس نقاط مراقبة بعمق 300-400 متر لكل منها.نتنياهو يرغب من خلال سيطرته على محور فيلادلفيا بمتابعة تطبيق رؤية اليمين القومي والديني المتطرف لمستقبل قطاع غزة، فإذا نجح في ذلك فسيظهر بمظهر البطل المنقذ للكيان، وإذا لم ينجح فسيستخدمه ورقة للمساومة والابتزاز السياسي والأمني ولاستحصال مكاسب وضمانات تضاف إلى "الصفقة" مع حماس وهذا بخلاف توجه وزير الجيش الإسرائيلي غالانت والمنظومة الأمنية التي ترى ضرورة الانسحاب من المحور كجزء من الصفقة، باعتبار أن "الإنجازات" التي تحققت في غزة تسمح بالالتفات للشمال والتركيز عليه.
كان نتنياهو يرغب من خلال سيطرته على محور فيلادلفيا بمتابعة تطبيق رؤية اليمين القومي والديني المتطرف لمستقبل قطاع غزة، فإذا نجح في ذلك فسيظهر بمظهر البطل المنقذ للكيان، وإذا لم ينجح فسيستخدمه ورقة للمساومة والابتزاز السياسي والأمني ولاستحصال مكاسب وضمانات تضاف إلى "الصفقة" مع حماس؛ وفي كلتا الحالتين، سيضمن إطالة عمر حكومته (وعمره السياسي) لأكبر مدى ممكن.
أسئلة مُعلّقة:
غير أن تقديم نتنياهو مسألة الاحتفاظ بالمحور باعتبارها مسألة استراتيجية حيوية جعلته في وضعٍ غير مريحٍ. فماذا لو فشل في تحصيل أي موافقة أو تعاون فلسطيني أو عربي أو دولي؟ وماذا لو استمر الأداء الفعال للمقاومة واستمر النزيف الإسرائيلي؟ وماذا لو فشل تحرير المحتجزين (الأسرى) لدى المقاومة واستمر موتهم أو قتلهم؟ وماذا لو طال الغرق في مستنقع الحرب عسكريا وأمنيا واقتصاديا واشتدت العزلة الدولية؟! وماذا لو اتسعت المعارضة والضغط الداخلي الإسرائيلي؟ وماذا لو تصاعدت المقاومة في الضفة؟ وماذا لو تصاعدت ضربات المقاومة من جنوب لبنان واليمن...؟!
المعارضة الإسرائيلية:
لعل زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد اختصر حقيقة الموقف الإسرائيلي بأن ما يهم نتنياهو ليس محور فيلادلفيا، وإنما محور بن غفير- سموتريتش. بمعنى أن موضوع المحور ليس مسألة استراتيجية، مرتبطة بالمصالح العليا والأمن القومي، وإنما هي مسألة تكتيكية مرتبطة ببقاء الحكومة الإسرائيلية واستمرار نتنياهو في منصبه، باعتباره مرتهنا في ذلك للصهيونية الدينية التي يقودها بن غفير وسموتريتش.
ولذلك، فبالنسبة لإيهود باراك، رئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، فإن "فيلادلفيا ليست صخرة وجودنا، بل هي الدوران الأجوف لمقامر قهري [نتنياهو] يقامر بحياة المواطنين الذين تخلى عنهم".
وقد كشف آيزنكوت أن نتنياهو ذكر في تنظيره للسيطرة على المحور كل التواريخ، لكنه تجاهل التاريخ الأهم وهو يوم 27 أيار/ مايو 2024، عندما تم تمرير مشروع اتفاق الصفقة مع حماس على أعضاء الحكومة الإسرائيلية، حيث تأكد وجود غالبية موافقة، لكن نتنياهو رفض عرضه على الحكومة للتصويت، لأن شريكيه الرافضين للاتفاق بن غفير وسموتريتش يمسكان به من الحلق (من رقبته).
وفي رأي آيزنكوت، فإن مسألة الاستراتيجية هي ادّعاءٌ غير صحيح، إذ إن هناك حلولا استخباراتية وتكنولوجية وعملياتية لمنع التهريب، وإنه منذ قام المصريون بإغلاق الأنفاق وبناء الحاجز تحت الأرض "لم تعد هناك أنفاق تُختَرق، ولم يمر أي دبوس"!!
أما هرئيل القائد السابق للمنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي فقد أدان نتنياهو، وقال إنه لا يريد التوصل إلى صفقة لإطلاق المحتجزين (الرهائن) لكي تستمر الحرب إلى ما لا نهاية. وقال إن نتنياهو نسف الاتفاق 12 مرة، وإنهم عالقون في غزة، والمقاومة في الضفة تتزايد، والشمال ببساطة مهمل.
رفض فلسطيني وعربي ودولي:
ومن ناحية أخرى، فثمة رفض فلسطيني على التعامل مع الأمر الواقع الذي يريد أن يفرضه نتنياهو في محور فيلادلفيا، وكذلك هناك رفض مصري وعربي، وهناك رفض عالمي بما في ذلك وسط الحلفاء الغربيين، والأمريكان أنفسهم لا يبدون مرتاحين لذلك، ومقترحاتهم المقدمة ما زالت تتضمن انسحابا إسرائيليا من المحور، ويرون أن خطاب نتنياهو (بحسب مصدر أمريكي رفيع لسي أن أن) أفشل كل المفاوضات.
فإذا لم يجد نتنياهو من يتعامل معه فكيف سيمضي في برنامجه؟!
تحول داخلي يهُزُّ استراتيجية نتنياهو:
جاء مقتل الأسرى الإسرائيليين الستة يوم 30 آب/ أغسطس بعد أن فشل الجيش في "تحريرهم"، ليشكل أول هزة قوية لنتنياهو و"استراتيجيته"، وليُحدث تحولا مهما في الرأي العام الإسرائيلي؛ إذ أشعلَ غضب أهالي الأسرى الذين زادت قناعتهم بفشل استراتيجية نتنياهو في تحرير الأسرى، وأنهم في أحسن الأحوال لن يعودوا إلا في توابيت.
نتنياهو اصطنع عقدة محور فيلادلفيا، وضخَّمها كمسألة "استراتيجية" لإفشال المفاوضات، ولإطالة أمد حكومته وحياته السياسية. وهو سيتراجع عنها ويحولها إلى مسألة تكتيكية تفاوضية، مع مزيد من ضغط المقاومة، ومع مزيد من تساقط أسراه نتيجة عناده وإصراره على الحرب، ومع مزيد من الضغوط الداخلية، ومع الرفض الفلسطيني والعربي والدولي للأمر الواقع الذي يريد فرضه
وقد أدى ذلك إلى موجة تعاطف واسعة مع أهالي الأسرى، كما أعطى المعارضة مزيدا من المبررات للهجوم على نتنياهو وتحالفه. وقد ذكر موقع حدشوت بزمان العبري في تغطيته للمظاهرات في الأول من أيلول/ سبتمبر 2024 أن "إسرائيل" اختارت الأسرى، حيث جرت المظاهرات الأضخم في تاريخ "إسرائيل" عندما خرج حوالي 700 ألف متظاهر للمطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى.
كما أن مقتل الأسرى الستة دفع وزير الجيش الإسرائيلي غالانت من جديد للمطالبة باجتماع للحكومة، للتراجع عن قرار البقاء في فيلادلفيا.
المؤشر الثاني جاء في استطلاعات الرأي التي أظهرت أن "شهر العسل" الذي تمتع به نتنياهو، بعد عودته من الولايات المتحدة، وبعد اغتيال هنية وشكر، قد انتهى؛ فتراجعت شعبيته وفقد صدارته. وأظهر استطلاع لمعاريف نشر في 30 آب/ أغسطس أن غانتس عاد للصدارة للمرة الأولى منذ أسابيع. كما أظهر استطلاع آخر أجرته قناة "كان" الإسرائيلية ونشر في 4 أيلول/ سبتمبر أن 53 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون الانسحاب من محور فيلادلفيا من أجل إبرام صفقة أسرى، مقابل 29 في المئة فقط يعارضون ذلك. كما أظهر الاستطلاع أن 61 في المئة من الإسرائيليين لا يثقون بإدارة نتنياهو للحرب، مقابل 32 في المئة فقط يثقون بإدارته.
خلاصة:
من الواضح أن نتنياهو اصطنع عقدة محور فيلادلفيا، وضخَّمها كمسألة "استراتيجية" لإفشال المفاوضات، ولإطالة أمد حكومته وحياته السياسية. وهو سيتراجع عنها ويحولها إلى مسألة تكتيكية تفاوضية، مع مزيد من ضغط المقاومة، ومع مزيد من تساقط أسراه نتيجة عناده وإصراره على الحرب، ومع مزيد من الضغوط الداخلية، ومع الرفض الفلسطيني والعربي والدولي للأمر الواقع الذي يريد فرضه. ولذلك، فمن المرجح أن يقدم نتنياهو تراجعه عن المطالبة بمحور فيلادلفيا في صورة "تضحية" كبيرة وتنازل ضخمٍ، مقابل أكبر قدر من المكاسب والضمانات. وعلى المقاومة ومؤيديها أن يوضحوا بجلاء أن مسألة فيلادلفيا لم تكن أصلا على أجندة المفاوضات، وأن تراجع نتنياهو عنها لا يزيد ثمنه عن "صفر" مجللا بالفشل والعار، ومُثبتين كذلك نجاح المقاومة في فرض أجندتها وإرادتها.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة المفاوضات محور فيلادلفيا نتنياهو المقاومة غزة نتنياهو مفاوضات المقاومة محور فيلادلفيا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة على محور فیلادلفیا الجیش الإسرائیلی مع مزید من فی المئة قطاع غزة وماذا لو مع حماس فی ذلک
إقرأ أيضاً:
صحيفة إسرائيلية تتهم نتنياهو بالمراوغة: عقابه لسكان غزة يهدد حياة مواطنينا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
«تهديد وحشد للقوات وتلويح بعودة الحرب، يصاحبها محاولات الالتفاف على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة».. أساليب مراوغة يتبعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لتنفيذ خططه الساعية إلى استئناف حرب غزة وتقويض جهود الوسطاء، فضلا عن استمرار خداع الداخل الإسرائيلي.
قناة القاهرة الإخبارية، عرضت تقريرا بعنوان «تواصل مراوغات نتنياهو في تقويض جهود الوسطاء ومساعي إرساء السلام»، والذي سلّط الضوء على مراوغات نتنياهو وتصريحاته المستمرة بهدف تقويض جهود الوسطاء.
وبيّن التقرير أنّه رغم سريان المرحلة الأولى من وقف إطلاق النار بعد 15 شهرا من العدوان على قطاع غزة، لا يكاد يمر يوما إلا ويخرج نتنياهو بتصريحات أو قرارات تقوض جهود الوسطاء ومساعي إرساء السلام وتهدئة حدة الصراع في المنطقة.
صحيفة هارتس الإسرائيلية، ذكرت أنّ نتنياهو قد شكل صورته السياسية خلال أكثر من عام على أنّه الضامن الأول لأمن إسرائيل، وبالتوازي تشير له الدوائر اليمينية المتطرفة بأن عودة القتال في غزة واستمرار تصعيد العملية العسكرية في الضفة الغربية، هما السبيل الوحيد لحفظ أمن إسرائيل من جانب ومستقبله السياسي من جانب آخر.
وأوضح التقرير أنّ هارتس ذكرت في أحد مقالاتها، أنّ حكومة نتنياهو رغم فشلها في استعادة المحتجزين خلال أشهر الحرب على القطاع، لجأت إلى اختلاق ذرائع للإجراءات العقابية التي اتخذتها مؤخرا ضد سكان غزة، وشملت إعاقة دخول المساعدات، وقطع الكهرباء عن غزة، ما يهدد بالأساس حياة بقية المحتجزين الذين ما زالوا هناك.
واعتبرت الصحيفة الإسرائيلية أنّ جميع الأطراف قد ضاقت ذرعا من أفعال نتنياهو وتعنته بما فيها الإدارة الأمريكية التي لجأت للمرة الأولى بإجراء مفاوضات مباشرة مع حماس بشأن اتفاق وقف إطلاق النار بعيدا عن تل أبيب.