قال الدكتور صفوت محمد عمارة، أحد علماء الأزهر الشريف، إنَّ جميع الشرائع السماوية حرصت على استدامة العلاقة الزوجية لبناء مجتمع إنسانى متماسك، فقد جعل اللَّه الزواج آية من آياته فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، فالأصل في العلاقة بين الزوجين المودّة والرحمة، والمعنى: ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم أيها الرجال أزواجًا لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بينكم وبينهن محبةً ورأفة وشفقة، إن في خلق اللَّه ذلك لآيات لقوم يتفكرون ويتدبرون، فالزواج هو السكن والستر، والعفاف والاستقرار، والاطمئنان لكل من الذكر والأنثى، وحسن العشرة وتبادل الحقوق والواجبات كفيل بإنشاء المحبة والرحمة بينهما.

وأكد «عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم بمسجد سيدي مبارك بمدينة كفرالشيخ، أنّ الأسرة هي اللبنة الأُولى في بناء المجتمع، الذي يتكون من مجموعة أسرٍ تترابط مع بعضها البعض، ولقد اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بالأسرة، وتُقاس قوة المجتمع أو ضعفه بقدر تماسك الأسرة أو ضعفها، فالعلاقة الزوجية أقوى الروابط الاجتماعية، ولقد وصف اللَّه عزَّ وجلَّ عقد الزواج في القرآن الكريم بـ «الميثاق الغليظ» فقال: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، لقوة ومتانة هذا العقد الذي يصعب نقضه، كالثوب الغليظ الذي يعسر شقه أو تمزيقه.

وأشار الدكتور صفوت عمارة، إلى أنَّ الحياة الزوجية لا تخلو من الخلافات نتيجة اختلاف الطبائع البشرية، والتفاوت بين النفوس وصفاتها، وقد تعصف رياح الشقاق بين الزوجين، فيصلا إلى وقوع الطلاق، وهنا شُرِع الطلاق الرجعي، ليكون أمام الزوجين مهلةٌ وفرصةٌ لاستكمال الحياة الزوجية، وقد طلق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أم المؤمنين حفصة بنت عمر ثم راجعها، فلم يغفل الشرع الحكيم عن الالتزام بالمعروف وحسن المعاشرة في حالتي الإمساك والتسريح فقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، وهذه القاعدة توضح وتبينُ منهجًا في الحياة، فإمَّا الإمساك بالمعروف وإمَّا التسريح بالإحسان، فكما أن اللَّه تعالى جعل للزواج نظامًا جعل للفراق نظامًا، وكلاهما قائم على المعروف والإحسان.

وأوضح «عمارة»، أنَّه في حالة وقوع خلاف بين الزوجين ينبغي أن يحلّ بالتفاهم والتراضي، وأمّا إذا استحكمت المشاكل إلى الدرجة التي لم يعد فيها الزوجان قادرين على حلّها حلَّا مرضيًّا، فقد أرشدنا القرآن الكريم إلى حل أخير في حالة حدوث خلاف بين الزوجين من المحتمل أن ينهي العلاقة بينهما، وهو الإصلاح بين الزوجين عن طريق الحكمين، فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، والمعنى: وإن علمتم خلافًا بين الزوجين يؤدي إلى الفراق، وسمى الخلاف شقاقًا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلًا من أهل الزوج، وحكمًا عدلًا من أهل الزوجة، لينظرا ويستكشفا حقيقة الخلاف، ويحكما بما فيه المصلحة لهما، والحكيم عليه أن ينظر إلى الطلاق باعتباره الكيّ المؤلم الذي يضطر إليه المريض، فعقلاء العرب قالوا: "آخر الدواء الكيّ" وقبل التفكير في هذا الكيّ لابد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إِن كره منها خلقًا رضي منها آخر» [رواه مسلم]، أي لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت في خلق واحد، بل يقارن إن كره خلقًا منها رضي منها خلقًا آخر.

وتابع الدكتور صفوت عمارة، أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ وضع لنا قاعدة نورانية تتجلى في قوله تعالى: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة البقرة: آية237] أي أن وقع الطلاق والفراق بينكم فإياكم أن تنسوا الفضل والودَّ والإِحسان الذي كان بينكم، ولقد ظل النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يوصي بالنساء حتى حجة الوداع، فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «.. .واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلعٍ، وإنَّ أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» [رواه البخاري ومسلم]، أي: تواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهن، وسماهم قوارير لضعف عزائمهن، تشبيهًا بقارورة الزجاج لضعفها وإسراع الإنكسار إليها، فهذه وصية عظيمة للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أنَّ يستوصوا بالنساء خيرًا بالرفق بهن، ومراعاة أحوالهن، وأنَّ يحسنوا إليهن وألا يظلموهن، وأنَّ يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير.

وأضاف «عمارة»، أنَّ استقرار الأسرة يتطلب استقرارًا معنويًّا نفسيًّا واستقرارًا ماديًّا، فالأسرة المستقرة هي التي تبني لأفرادها علاقات ثلاث كبرى أولها العلاقة باللَّه سبحانه وتعالى من خلال العبادة، والعلاقة الثانية علاقة أفراد الأسرة بالكون من حولهم عن طريق عمارة الأرض، والعلاقة الثالثة علاقة الفرد داخل الأسرة بنفسه بالعمل على تزكيتها، واستحضار مراقبة اللَّه تعالى في كل حياته، فكل إنسان مطالبٌ بالإحسان فيما استرعاه، ومسئولٌ عنه أمام اللَّه بناءً على الحديث: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» [البخاري ومسلم].

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: خطبة الجمعة علماء الأزهر الشريف الازهر الشريف الطلاق الرجعي بین الزوجین ه علیه

إقرأ أيضاً:

أزمة تمر بها بطلة «حسبة عمري».. كيف تتصرف الزوجة حال طردها من مسكن الزوجية؟

بعد 20 عامًا من الزواج تجد بطلة مسلسل «حسبة عمري» المقرر عرضه خلال السباق الرمضاني 2025، نفسها أمام خلافات زوجية كبيرة بعد أن تشتبك مع زوجها في ليلة وتقضيها في الشارع وعلى أثر طردها من منزل الزوجية تصل حياتها للنهاية والانفصال وتبحث عن حقها في الكد والسعاية، وينتهي الأمر بمعاناة الطلاق.

وينتظر الجمهور وجبة درامية دسمة، في شهر رمضان، بينها مسلسل روجينا حسبة عمري وعلى مدار 15 حلقة يتابع المشاهدون تجربة جديدة مليئة بالإثارة، إذ تدور أحداثه في إطار اجتماعي.

كيف تتصرف الزوجة حال طردها من مسكن الزوجية؟

في السياق ذاته، نوضح كيف تتصرف الزوجة حال طردها من مسكن الزوجية الأزمة التي تمر بها بطلة «حسبة عمري»؟ وفقًا للمحامي عادل أسعد المختص في شؤون الأسرة والأحوال الشخصية، إذ يقول لـ«الوطن» إن الطرد من مسكن الزوجية له حالات وبالتحديدي هما حالتان وهما، «الزوجة تكون في عصمة زوجها»، وهنا يكون قرار التمكين الصادر لها هو: قسمة الشقة بالمناصفة بينها وببينه، أما الحالة الثانية «تكون حينها مطلقة»، وهنا تتمكن الزوجة من الشقة كاملة بمفردها وينفذ القرار بالقوة الجبرية. 

وعن إجراءات التمكين، قال المحامي إنها تكون واحدة سواء كانت السيدة مطلقة أو على ذمة الزوج، إذ تقوم بعمل المحضر اللازم بدائرة قسم الشرطة التابعة لها مع ذكر مسكن الزوجية بالتفصيل وتوضح خلاله حالة الطرد التي تعرضت لها من مسكن الزوجية وإحالة المحضر إلى النيابة المختصة للبدء في عمل التحريات من المباحث للتحقق من أن مسكن الزوجية المذكور هو نفسه المدون في المحضر الذي أقامته أم لا، وبعدها تقوم المباحث تقوم بالتحري وسؤال الجيران عن مدى صدق كلام الزوجة.

أما في حالة صحة ادعاءات الزوجة يتم تمكين الزوجة في أسرع وقت من مسكن الزوجية، ويكون ذلك برفقة قوة من قسم الشرطة ومحضري التنفيذ، واشار أن السيدة المطلقة «دون أولاد» ليس لها أن تطلب بحقها مسكن الزوجية.

أبطال مسلسل حسبة عمري

يذكر أن مسلسل «حسبة عمري» من بطولة روجينا، وعمرو عبد الجليل، وعلي الطيب، ومحمود البزاوي، وهو من تأليف محمود عزت وإخراج مي ممدوح، وسيناقش العمل حقوق المرأة بعد الطلاق، ويناقش حق الكد والسعاية وتأثيره على حياة المرأة.

مقالات مشابهة

  • علي الحداد: تناول السمسم يوميًا يعزز الطاقة الزوجية .. فيديو
  • برنامج الامم المتحده الانمائي : الاقتصاد السوري بحاجه الى 55عاما للعوده الى المستوى الذي كان عليه في 2010قبل الحرب
  • أزمة تمر بها بطلة «حسبة عمري».. كيف تتصرف الزوجة حال طردها من مسكن الزوجية؟
  • هاشم: العدوان الذي اصاب لبنان غايته تحويل المناطق الجنوبية خاصة منزوعة الحياة
  • "الطلاق بسبب تايلور سويفت؟".. حادثة غريبة تشعل مواقع التواصل
  • من هو “خط الصعيد ” المجرم الذي قضى عليه الأمن المصري مؤخرا؟
  • حكاية عمارة كوتسيكا في الإسكندرية.. أنشأها «ملك السبرتو»
  • هل عدم الزواج بعد الطلاق مرتبط بالأحلام المزعجة؟.. استشاريعلاقات أسرية يجيب
  • تسبب الاصابة بالسرطان .. الصحة: الشيشية أكثر ضررا من السجائر
  • مي سليم ردا على النقاد: روج أسود لا يحرض على الطلاق.. خاص