صفوت عمارة: الطلاق الرجعي فرصة للإمساك بالمعروف واستكمال الحياة الزوجية أو التسريح بالإحسان
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
قال الدكتور صفوت محمد عمارة، أحد علماء الأزهر الشريف، إنَّ جميع الشرائع السماوية حرصت على استدامة العلاقة الزوجية لبناء مجتمع إنسانى متماسك، فقد جعل اللَّه الزواج آية من آياته فقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، فالأصل في العلاقة بين الزوجين المودّة والرحمة، والمعنى: ومن آياته الدالة على عظمته وكمال قدرته أن خلق لأجلكم من جنسكم أيها الرجال أزواجًا لتطمئن نفوسكم إليها وتسكن، وجعل بينكم وبينهن محبةً ورأفة وشفقة، إن في خلق اللَّه ذلك لآيات لقوم يتفكرون ويتدبرون، فالزواج هو السكن والستر، والعفاف والاستقرار، والاطمئنان لكل من الذكر والأنثى، وحسن العشرة وتبادل الحقوق والواجبات كفيل بإنشاء المحبة والرحمة بينهما.
وأكد «عمارة»، خلال خطبة الجمعة اليوم بمسجد سيدي مبارك بمدينة كفرالشيخ، أنّ الأسرة هي اللبنة الأُولى في بناء المجتمع، الذي يتكون من مجموعة أسرٍ تترابط مع بعضها البعض، ولقد اهتم الإسلام اهتمامًا كبيرًا بالأسرة، وتُقاس قوة المجتمع أو ضعفه بقدر تماسك الأسرة أو ضعفها، فالعلاقة الزوجية أقوى الروابط الاجتماعية، ولقد وصف اللَّه عزَّ وجلَّ عقد الزواج في القرآن الكريم بـ «الميثاق الغليظ» فقال: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} [النساء: 21]، لقوة ومتانة هذا العقد الذي يصعب نقضه، كالثوب الغليظ الذي يعسر شقه أو تمزيقه.
وأشار الدكتور صفوت عمارة، إلى أنَّ الحياة الزوجية لا تخلو من الخلافات نتيجة اختلاف الطبائع البشرية، والتفاوت بين النفوس وصفاتها، وقد تعصف رياح الشقاق بين الزوجين، فيصلا إلى وقوع الطلاق، وهنا شُرِع الطلاق الرجعي، ليكون أمام الزوجين مهلةٌ وفرصةٌ لاستكمال الحياة الزوجية، وقد طلق النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أم المؤمنين حفصة بنت عمر ثم راجعها، فلم يغفل الشرع الحكيم عن الالتزام بالمعروف وحسن المعاشرة في حالتي الإمساك والتسريح فقال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:229]، وهذه القاعدة توضح وتبينُ منهجًا في الحياة، فإمَّا الإمساك بالمعروف وإمَّا التسريح بالإحسان، فكما أن اللَّه تعالى جعل للزواج نظامًا جعل للفراق نظامًا، وكلاهما قائم على المعروف والإحسان.
وأوضح «عمارة»، أنَّه في حالة وقوع خلاف بين الزوجين ينبغي أن يحلّ بالتفاهم والتراضي، وأمّا إذا استحكمت المشاكل إلى الدرجة التي لم يعد فيها الزوجان قادرين على حلّها حلَّا مرضيًّا، فقد أرشدنا القرآن الكريم إلى حل أخير في حالة حدوث خلاف بين الزوجين من المحتمل أن ينهي العلاقة بينهما، وهو الإصلاح بين الزوجين عن طريق الحكمين، فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} [النساء: 35]، والمعنى: وإن علمتم خلافًا بين الزوجين يؤدي إلى الفراق، وسمى الخلاف شقاقًا لأن المخالف يفعل ما يشق على صاحبه، أو لأن كل واحد من الزوجين صار في شق وجانب غير الذي فيه صاحبه، فأرسلوا إليهما حكمًا عدلًا من أهل الزوج، وحكمًا عدلًا من أهل الزوجة، لينظرا ويستكشفا حقيقة الخلاف، ويحكما بما فيه المصلحة لهما، والحكيم عليه أن ينظر إلى الطلاق باعتباره الكيّ المؤلم الذي يضطر إليه المريض، فعقلاء العرب قالوا: "آخر الدواء الكيّ" وقبل التفكير في هذا الكيّ لابد من استنفاد جميع الوسائل الممكنة، فعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «لا يفرك مؤمنٌ مؤمنةً إِن كره منها خلقًا رضي منها آخر» [رواه مسلم]، أي لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت في خلق واحد، بل يقارن إن كره خلقًا منها رضي منها خلقًا آخر.
وتابع الدكتور صفوت عمارة، أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ وضع لنا قاعدة نورانية تتجلى في قوله تعالى: {وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سورة البقرة: آية237] أي أن وقع الطلاق والفراق بينكم فإياكم أن تنسوا الفضل والودَّ والإِحسان الذي كان بينكم، ولقد ظل النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يوصي بالنساء حتى حجة الوداع، فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «.. .واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلعٍ، وإنَّ أعوج شيءٍ في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» [رواه البخاري ومسلم]، أي: تواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهن، وسماهم قوارير لضعف عزائمهن، تشبيهًا بقارورة الزجاج لضعفها وإسراع الإنكسار إليها، فهذه وصية عظيمة للأزواج والآباء والإخوة وغيرهم أنَّ يستوصوا بالنساء خيرًا بالرفق بهن، ومراعاة أحوالهن، وأنَّ يحسنوا إليهن وألا يظلموهن، وأنَّ يعطوهن حقوقهن ويوجهوهن إلى الخير.
وأضاف «عمارة»، أنَّ استقرار الأسرة يتطلب استقرارًا معنويًّا نفسيًّا واستقرارًا ماديًّا، فالأسرة المستقرة هي التي تبني لأفرادها علاقات ثلاث كبرى أولها العلاقة باللَّه سبحانه وتعالى من خلال العبادة، والعلاقة الثانية علاقة أفراد الأسرة بالكون من حولهم عن طريق عمارة الأرض، والعلاقة الثالثة علاقة الفرد داخل الأسرة بنفسه بالعمل على تزكيتها، واستحضار مراقبة اللَّه تعالى في كل حياته، فكل إنسان مطالبٌ بالإحسان فيما استرعاه، ومسئولٌ عنه أمام اللَّه بناءً على الحديث: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته» [البخاري ومسلم].
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: خطبة الجمعة علماء الأزهر الشريف الازهر الشريف الطلاق الرجعي بین الزوجین ه علیه
إقرأ أيضاً:
عنده زوجتين لمن تحق شقة الزوجية بعد الوفاة؟.. أمين الفتوى يجيب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أجاب الشيخ علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال متصلة تدعى أميرة حول: "احنا ستة أخوات، ثلاث بنات وثلاث صبيان، والدي توفي وترك تركة، والدي كان متزوج من امرأتين، واحدة منهم كان عندها أربعة أولاد، والأخرى كان عندها ولد وبنت، السؤال هو: كيف يتم تقسيم التركة بيننا؟ لأن الموضوع يتضمن شقة الزوجية التي كانت مكتوبة باسم والدي رحمه الله، زوجته الثانية تسكن في هذه الشقة بعد وفاته وتعتبرها شقتها، بينما نحن كأبناء نريد معرفة إذا كان من حقنا أن ندخل هذه الشقة أم لا؟ الشقة كانت تُعتبر بيت العيلة وكلنا كنا نعيش فيها، ولكن بعد وفاته أصبحت الأمور معقدة، هل يجوز لأخوي أن يمنعني من دخول الشقة التي تربينا فيها؟ وما هي الطريقة الصحيحة لتقسيم التركة بما فيها الشقة؟".
وقال أمين الفتوى بدار الافتاء المصرية، خلال حلقة برنامج "فتاوى الناس"، المذاع على قناة الناس، اليوم الأحد: " التركة، بما فيها شقة الزوجية التي كانت تحتفظ بها إحدى الزوجات، تصبح جزءاً من التركة التي تُقسم بين الورثة بعد وفاة الزوج، وحال وفاة الزوج الذي كان متزوجًا من اثنتين، فإن التركة تُقسم على النحو التالي: للزوجتين حق في التركة، ولكل واحدة منهما نصف الحصة التي يحق لها من التركة بعد خصم الديون، وفيما يتعلق بالباقي بعد الثمن، يتم تقسيمه بين الأولاد، مع مراعاة أن للذكر مثل حظ الأنثيين".
أما بالنسبة للشقة التي كانت تُعتبر مسكنًا للزوجية، فقال: "عند وفاة الزوج، تنقضي الزوجية، وتصبح الشقة من مفردات التركة، أي أن الشقة هي جزء من التركة التي يجب أن تُقسم بين الورثة جميعهم، سواء كانت الزوجة التي تسكن في الشقة هي الأم أو كانت زوجة أخرى، بعد ذلك يجب على الجميع الجلوس معًا وتحديد كيفية تقسيم الممتلكات بشكل ودي وعادل."
وأكد أنه في حال كان أحد الورثة يرغب في احتفاظ إحدى الزوجات أو الأبناء بحصة أكبر من الشقة، يمكن الاتفاق على ذلك بما يرضي الجميع، بشرط أن يتم التوصل إلى اتفاق رسمي بين جميع الورثة لتجنب أي خلافات مستقبلية.
وأشار إلى أن أي تصرف خارج هذا الإطار، مثل منع أحد الورثة من دخول الشقة أو التصرف في أي جزء من التركة دون تقسيم رسمي، يعد تصرفًا خاطئًا ويخالف الشريعة الإسلامية، حيث أن التركه يجب أن تُقسم بين الورثة بشكل عادل ومحدد، ولا يجوز لأي شخص الاستيلاء على شيء من التركة بشكل غير قانوني أو بدون اتفاق رسمي بين جميع الورثة.
كما نبه إلى أنه من الضروري أن نحرص على تقسيم التركة فورًا بعد وفاة الوالد لتجنب النزاعات التي قد تتفاقم بمرور الوقت وتسبب مشاكل بين الأجيال القادمة، مؤكدا أن الحل الأمثل هو أن يجتمع جميع أفراد الأسرة ويتفقوا على تقسيم التركة بشكل ودي، مع التأكيد على أهمية التفاهم والاحترام المتبادل بين الجميع.