الفلسفة والأدب بين إدراك الحقيقة ونسج الخيال 1
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
هذه الكلمات أخُطها بمداد قلمي مضمخة بدمي، فما أن أُلهمتُ الكتابة عن هذا الموضوع، وقبضت على أسنات قلمي حتى خلتني " ميشال دي مونتاني" أو "فريدريك نيتشه " أو "كيركيجارد"، أو "دستويفسكي"، أو طه حسين ونجيب محفوظ.
نعم، وجدتني تغشاني الفرحة، فالحديث ذو شجون، يشتجر بالفروع والأغصان، يأتلق بالألوان والظلال، ومن هذا الشعور الألق النضير، خلتني ألج إلى روض زاهر، فقد قيل "إن من البيان لسحرًا" وأجدني أصدّق على هذه العبارة، وغشيتني حالة حب، وتلبسني الجمال، واستثارني الحدس والخيال، واستنهضتني العاطفة، ودفعني الفكر، وتملكتني هزة وجدانية جعلتني أغوص في لجة الكتابة أمخر عُبابها الساحر، معطياتي فيها الحق والخير والجمال والخيال والتأمل.
وأرى أن من دفعني للكتابة عن هذا الموضوع، ملاحظة قيمة لصديق لي عندما قرأ أحد أبحاثي، وبعضا من صحف ومذكرات، وأخبرني أن حظ الأدب في كتاباتي يطغى على حظ القانون، كما لا يخلو منها الحس الفلسفي، فراقني حديثه، وأكبرت ملاحظته، وقلت له: إن القانون من العلوم الإنسانية ولا يبعد عن الفلسفة والأدب، فجميعهم يرفدون من نبع واحد، فالقانون يهدف إلى تنظيم سلوك الأفراد في المجتمع، والأدب يعبر عن هذا السلوك، من خلال تناوله لهذا السلوك بأساليبه المختلفة من شعر ومقالة أو رواية أوقصة أو خاطرة أو مسرح، والفلسفة تُعبر عن الحقائق التي يتغيّاها هذا السلوك.
أنهيت حديثي ولا أدري هل اقتنع صديقي أم لا، وقد انصرف لبعض شؤونه وتركني ووجداني يحترق ونفسي تتوق للحديث عن علاقة الفلسفة بالأدب، وهل بينهما تقارب واتصال، أم تنافر وانفصال، وهل لغة الأدب بخصوصيتها الانفعالية والوجدانية لها علاقة بالفلسفة المنوط بها إبداع المفاهيم وإدراك حقيقة الوجود؟
وجدتني سعيدًا ومقبلًا للإجابة عن هذه الأسئلة في حدود رؤيتي المتواضعة وإن لم يسعفني الوقت ومحدودية المساحة هنا، فآمل في القريب أن أوفق في ذلك في غير موضع، وإلى أن يحين هذا الوقت، استهل البداية بتحديد العلاقة بين الفلسفة والأدب من خلال تحديد ماهيتهما، فالفلسفة، تعني التأمل والمعرفة والتفكير في الحقائق والبحث عن معاني الحياة، من خلال منهج التفكير في هذه الحقائق واستنباطها وتحليلها وتفسيرها، فالفلسفة معنية بالتفكير في الناس والموجودات والقيم والعالم من خلال طرح الأسئلة الوجودية الكبرى، كالموت والحياة، الحرية، الاختيار، النفس، الحرب، السلم.
أمّا الأدب فهو أحد أشكال التعبير الإنساني عن الإنسان ومشاعره واختلاجاته الداخلية والحياة وما يدور فيها، من خلال الأسلوب الشعري أو النثري، سواء كان على شكل قصيدة أو رواية أو قصة قصيرة أو مسرح.
من خلال تحديد ماهية الفلسفة والأدب، يتبين أن الفلسفة تهتم بطرح الأسئلة من خلال مناقشتها للموضوعات الوجودية الكبرى، وهي تميل لاستخدام العقل والتفكير والنقد واستخدام أساليب الاستقراء والاستنباط، أمّا الأدب فأسلوبه وطريقته تختلف فهو يعتمد على الخيال والإيحاء ويتم التعبير عن المشاعر في قالب شعري وسردي، قصيدة ورواية وقصة قصيرة ومسرح.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل الرؤية الفلسفية عند الفيلسوف والرؤية الأدبية عند الأديب بينهما ثمة التقاء أم تنافر؟، ولكي نجيب عن هذا السؤال، يلزم أن نحدد تاريخ كل منهما، وهل الفلسفة أسبق في النشأة أم الأدب؟
الفلسفة مرتبطة بالحضارة، فقد نشأت الفلسفة مع بزوغ شمس الحضارة، وقد تفجر ينبوع الحضارة مع معرفة الإنسان الزراعة، أما مرحلة ما قبل الزراعة والمتمثلة في مرحلة الصيد، كانت الفلسفة لا تزال في علم الغيب لم تولد بعد، في هذه المرحلة مرحلة الصيد وقبل ظهور الحضارة، كان الأدب يتنفس الحياة من خلال الآداب والفنون والرسومات والنقوش التي كانت على جدران الكهوف وعلى آلات الصيد، ومع ظهور الزراعة وبزوغ شمس الحضارة ولدت الفلسفة التي آمنت بالفكر والرؤية وناقشت الأسئلة الوجودية الكبرى، وبعدت عن فكرة الأسطورة التي عني بها الأدب منذ مولده، لذلك نجد علاقة التنافر والتضاد التي نشأت قديمًا بينهما جسدها الفيلسوف " أفلاطون "في كتابه" الجمهورية "واستبعد الشعر والأدب من مدينته الفاضلة، وراح يعزي سبب الاستبعاد إلى أن الشعر مجاف للحقيقة، لا يقولها أبدًا، بل ذهب أفلاطون أبعد من ذلك في توصيف العلاقة بينهما بأنها علاقة عداوة وحرب ومعارك.
"إن بين الفلسفة والشعر معركة قديمة"، نشبت المعركة بينهما بسبب اختلاف الرؤية والميول لكل من الفيلسوف والأديب، فأفلاطون يرى أن الشعراء يعتمدون على المعرفة الوهمية من خلال إدخالهم في النفس الإنسانية ميولًا تجافي المنطق العقلي ويضللون البصيرة بتصوراتهم المتخيلة، وهو بذلك ينزع عن الشعراء أي تفكير عقلي ومنطقي، فهم أبعد ما يكون عن استخدام العقل، في المقابل فالفيلسوف هو الأجدر على سبر غور الحقيقة لأن تصوراته قائمة على استخدام العقل والمنطق، فالفيلسوف من وجهة نظره هو وحده القادر على فهم حقيقة الكائنات، لذلك فالفيلسوف في رأيه يصنع الحقيقة، أمّا الشاعر أو الأديب فهو يصنع الوهم.
"للحديث بقية"
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
5 أسئلة يعجز ChatGPT عن الإجابة عليها.. قيود تقنية وأخلاقية
منذ إطلاقه عام 2022، أثبت ChatGPT أنه أداة فعالة للإجابة على الاستفسارات الأساسية بسرعة ودقة، مما يساهم في توفير الوقت وزيادة الإنتاجية في العديد من المجالات، سواءً في دعم العملاء، تسهيل البحث العلمي، أو حتى مساعدة ذوي الإعاقة، أثبت الروبوت الذكي أنه شريك رقمي قوي.
ومع ذلك، فإن ChatGPT لا يخلو من القيود التي تمنعه من الإجابة على بعض الأسئلة لأسباب تقنية وأخلاقية. في هذا التقرير، نرصد خمسة أنواع من الأسئلة التي يعجز ChatGPT عن الرد عليها، وفقًا لموقع MakeUseOf التقني.
Open AI توسع قدرات ChatGPT على حواسيب آبلبرقم وكيو ار كود.. استمتع بقدرات ChatGPT على الواتساب مجانابسبب ChatGPT.. أوبن أيه آي تواجه غرامة 15 مليون يورو في إيطاليا1. عدم تقديم معلومات حديثةرغم التدريب على كميات هائلة من البيانات، يعجز ChatGPT عن الإجابة على الأسئلة المتعلقة بالأحداث التي وقعت بعد سبتمبر 2021، وهو تاريخ آخر تحديث لمصادره.
على سبيل المثال، إذا طُلب منه تفاصيل عن تطورات تقنية أو سياسية حديثة، فلن يتمكن من تقديم إجابات دقيقة، مما يجعله محدود الفائدة في متابعة الأحداث الجارية.
2. رفض تقديم المشورة الجنائيةلا يتفاعل ChatGPT مع أي استفسارات تتعلق بالأنشطة الإجرامية، مثل كيفية ارتكاب الجرائم أو إخفاء الأدلة أو التهرب من السلطات.
كما أن تقديم النصائح حول المواد المخدرة أو إنشاء برامج ضارة يُعد أمرًا محظورًا، رغم أن النماذج الحالية قادرة أحيانًا على كتابة أكواد برمجية بسيطة.
3. عدم القدرة على التنبؤ بالمستقبلرغم المعرفة الواسعة التي يمتلكها ChatGPT، فإنه غير مصمم لتقديم تنبؤات مستقبلية.
على سبيل المثال، لا يستطيع التنبؤ بحركة الأسواق المالية أو أداء الأسهم، نظرًا لاعتماده على بيانات قديمة تفتقر للدقة المطلوبة لمثل هذه التوقعات.
4. رفض الإجابة على الأسئلة المتعصبة أو المليئة بالكراهيةيلتزم ChatGPT بمعايير أخلاقية صارمة تمنعه من التعامل مع المحتوى المتحيز أو الذي يعزز الكراهية والعنف.
لن يجيب ChatGPT على الأسئلة التي تحتوي على خطاب كراهية، عنصرية، أو تمييز ضد أي فئة مجتمعية.
5. عدم القيام بوظائف محركات البحثعلى عكس محركات البحث مثل Google أو Bing، لا يمكن لــChatGPT البحث عن معلومات جديدة عبر الإنترنت أثناء المحادثة، بل يعتمد فقط على البيانات التي تم تدريبه عليها، مما يجعله غير ملائم للبحث المباشر عن المصادر أو المعلومات الحديثة.
خلاصةبينما يمثل ChatGPT أداة ثورية في الذكاء الاصطناعي، إلا أن قيوده التقنية والأخلاقية تعكس توجهًا واضحًا نحو الاستخدام المسؤول والمحدود.
ومع تطور التكنولوجيا، قد نشهد تحسينات في المستقبل، لكن يظل الالتزام بالضوابط الأخلاقية جزءًا لا يتجزأ من تصميم هذه الأدوات الذكية.