يُعدُّ الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من القضايا التي تثير نقاشًا فقهيًا مستمرًا بين علماء المسلمين، حيث انقسمت الآراء بين مؤيدين للاحتفال ومعارضين له. يتمحور هذا النقاش حول الأسس الفقهية والأدلة الشرعية التي تستند إليها كل جهة في تفسيرها لهذه القضية.

 

الرأي المؤيد للاحتفال بالمولد النبوي: 

يرى العديد من العلماء والمؤيدين أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بدعة أو محرمًا، بل هو تعبير عن محبة النبي محمد ﷺ وتقدير لرسالته العظيمة.

ومن هؤلاء العلماء، الإمام السيوطي والإمام ابن حجر العسقلاني وغيرهم من الفقهاء الذين أشاروا إلى أن إحياء ذكرى المولد النبوي يدخل في إطار “البدعة الحسنة” التي ترسخ حب النبي وتزيد من ارتباط المسلمين بسيرته العطرة.

يستدل هؤلاء بآية: “قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” (يونس: 58)، حيث يُرون أن ولادة النبي ﷺ هي من أعظم نعم الله على البشرية، وبالتالي فإن الفرح بها من باب شكر النعمة. كما يستشهدون بأن النبي نفسه كان يصوم يوم الاثنين لأنه يوم وُلد فيه، ما يُعزز من فكرة أن إحياء ذكرى ميلاده يمكن أن يكون مشروعًا.

 

الرأي المعارض للاحتفال بالمولد النبوي: 

على الجهة الأخرى، يرى عدد من العلماء أن الاحتفال بالمولد النبوي يُعد من البدع التي لم تكن موجودة في عصر النبي ﷺ ولا الخلفاء الراشدين. يستند هؤلاء إلى الحديث النبوي الشريف: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” (رواه البخاري ومسلم)، أي أن أي إضافة إلى الدين لم تكن موجودة في عهد النبي ﷺ تُعتبر بدعة غير مقبولة.

من أبرز العلماء الذين اعترضوا على الاحتفال بالمولد النبوي ابن تيمية والإمام ابن باز، حيث يعتبرون أن أي عمل غير مسنون يجب أن يُرفض، حتى وإن كانت نية صاحبه حسنة. ويؤكدون أن الاحتفالات الدينية يجب أن تكون وفق السنة النبوية وألا تُبتكر عبادات جديدة.

 

التوازن الفقهي:

 

بناءً على هذا التباين، تتجه بعض الأصوات الوسطية إلى التأكيد على أن الاحتفال بالمولد النبوي ليس بذاته عبادة مقررة في الدين، ولكنه عمل اجتماعي وثقافي يرتبط بالتذكير بالسيرة النبوية والمبادئ الإسلامية، شريطة أن يخلو من المخالفات الشرعية مثل التفاخر أو الإسراف.

يرى هؤلاء أن ما يقع في دائرة العادات يجب أن يُنظر إليه بما يُحقق مصلحة المجتمع ويُعزز من القيم الإسلامية، دون الابتعاد عن الثوابت الدينية. في هذا السياق، يمكن إدراج الاحتفالات ضمن ما يُعرف بـ”المصالح المرسلة”، وهي أعمال لم ينص عليها الشرع ولكنها تُقرُّ إذا كانت في مصلحة المسلمين ولا تخالف تعاليم الدين.

 

يبقى الجدل الفقهي حول الاحتفال بالمولد النبوي قائمًا، بين من يراه تعبيرًا عن حب النبي ﷺ ومن يعتبره من البدع غير المشروعة. وفي ظل هذا التباين، من المهم أن يظل الحوار الفقهي قائمًا على أسس علمية ومنطقية، مع احترام وجهات النظر المختلفة، حيث يُعد التنوع الفقهي سمة من سمات الشريعة الإسلامية التي تعطي فسحة للتعددية بما يتفق مع مقاصد الشريعة وحاجات المجتمع المسلم.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الدكتور مصطفى ثابت المولد النبوي الاحتفال بالمولد النبوی أن الاحتفال النبی ﷺ

إقرأ أيضاً:

خبير أثري: الاحتفال بالمولد النبوي ارتبط بثلاثة أماكن أثرية

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة أن الاحتفال بالمولد النبوى ارتبط بثلاثة أماكن هى قصر الخلافة والمشهد الحسينى فى العصر الفاطمى والحوش السلطاني أو حوش الباشا فى القلعة فى العصرين المملوكى والعثمانى وبركة الأزبكية أيام الحملة الفرنسية 

وأوضح أن الاحتفالية في العصر الفاطمي كانت بخروج الخليفة راكبًا حصانه ومن خلفه سيدة القصر في هودجها في موكب مهيب يبدأ من قصر الخلافة وحتى مشهد الحسين رضي الله عنه والمشهد هو المكان الذى يدفن فيه الشهيد، ومن هذا الموكب ظهر ما يعرف بحصان المولد وعروسة المولد

ونوه الدكتور ريحان إلى قصر الخلافة الفاطمى وكان قصر شرقى أسسه جوهر الصقلى عام 970م لوصول الخليفة المعزلدين الله، والقصر الغربي أُضيف في عهد العزيزبالله (حكم 975-996م) وبينهم ساحة تسمى بين القصرين

 ومكان القصر الشرقى اليوم هو مسجد الحسين وخان الخليلي إلى مدرسة الظاهر بيبرس البندقداري وقبة الملك الصالح نجم الدين أيوب، ومكان القصر الغربى اليوم سوق النحاسين وضريح قلاوون بشارع المعز لدين الله الفاطمى 

أمّا المشهد الحسينى فقد بنى في العصر الفاطمي 549 هـ – 1154 م، تحت إشراف الوزير الصالح طلائع بن روزيق، وأضيفت على المسجد توسعات في العصر الأيوبي حيث أنشأ أبو القاسم السكري المعروف بالزرزور، منارة على باب المشهد سنة 634هـ، 1236م، تعلو الباب الأخضر، وقد تَهَدَّمَ معظمها، ولم يبقَ منها إلا القاعدة المربعة وعليها لوحتان تأسيسيتان وقد جددت وهي الموجودة الآن، وتوالت التجديدات عبر العصور الإسلامية حتى أحدث تطوير الذى اقتتحه الرئيس السيسى مارس 2022

ويضم الغرفة الشريفة وبها قطعة من قميصه الشريف من القطن المصري  أهدته إليه زوجته السيدة ( ماريا القبطية )، بقايا عصا،  سيف الرسول و عدد أربعة شعرات من دقن وشعر الرأس ومصحف سيدنا على بن أبى طالب ومصحف سيدنا عثمان بن عفان

العصر المملوكى والعثمانى

وتابع الدكتور ريحان بأن مظاهر الاحتفال فى العصر المملوكى والعثمانى بإقامة السلطان خيمة بالحوش السلطاني فى القلعة ذات أوصاف خاصة تسمى “خيمة المولد” ينصبها 300 شخص ويوضع عند أبوابها أحواض من الجلد تملأ بالماء المحلى بالسكر والليمون وتعلق حولها الأكواب الفاخرة المصنوعة من النحاس الأصفر والمزينة بالنقوش الجميلة وتربط هذه الأكواب بسلاسل من النحاس والناس تشرب منها

والحوش السلطانى أوحوش الباشا فى العصر العثمانى يقع حاليًا فى الطرف الجنوبى الغربى من الساحة الجنوبية لقلعة صلاح الدين، ويضم حاليًا ثلاثة مبانى قصر الجوهرة وسرايا العدل ومقعد قايتباى ككتلة واحدة، وشيد قصر الجوهرة فى عهد محمد على باشا للاستقبالات الرسمية

الحملة الفرنسية 

ذكر المؤرخ «عبد الرحمن الجبرتي»، الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية على مصر، في كتاباته أن نابليون بونابرت اهتم بإقامة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سنة (١٢١٣هـ/ ١٧٩٨م) من خلال إرسال نفقات الاحتفالات إلى منزل الشيخ البكري، نقيب الأشراف فى مصر، في حي الأزبكية، وكانت ترسل الطبول الضخمة والقناديل، وفي الليل تقام الألعاب النارية احتفالًا بالمولد، وعاود نابليون الاحتفال به في العام التالي لاستمالة قلوب المصريين إلى الحملة الفرنسية وقادتها.

وأوضح الدكتور ريحان أن حكاية الأزبكية تبدأ من أواخر القرن الرابع عشرالميلادى حين أهدى السلطان قايتباي مكافأة لقائد جيوشه الأتابك سيف الدين بن أزبك قطعة أرض ناحية بركة بطن البقرة وأقام عليها منزلًا له ومتنزهًا حول البركة يحمل اسمه «الأزبكية»، الذى أقام عليها الحديقة على مساحة 60 فدان

وبحلول عام 1495م كانت الأزبكية قد تحولت إلى حي كبير يتوسط القاهرة، وبعد دخول العثمانيين مصر شيد رضوان كتخدا في الأزبكية قصرًا كبيرًا على حافة البركة الشرقية وسماه «العتبة الزرقاء»، ومن ميدان الأزبكية خرجت جماهير القاهرة عام 1805م تنادي بمبايعة محمد علي أميرًا على مصر.

ويعتبر الخديوى إسماعيل المؤسس الحديث للأزبكية حيث عاد عام 1867م من زيارته لباريس مبهورًا بعمرانها الحديث وشوارعها وحدائقها فقرر تحويل الأزبكية إلى حى حديث على شاكلة الأحياء الباريسية يضم حديقة رائعة فأصدر أوامره عام 1864م بردم البركة التي كانت تتوسط الميدان، وأنشأ في نفس مكانها عام 1872م حديقة الأزبكية على يد المهندس الفرنسي «باريل ديشان بك»، على مساحة 18 فدانًا أحيطت بسور من البناء والحديد وفتحت بها أبواب من الجهات الأربع.

 
أنها تجسيد لأسطورة إيزيس وأوزوريس في شكل حصان المولد المستوحى من تمثال “حورس” راكبًا الحصان ممسكًا بالسيف ليقتل رمز الشر “ست” الذي صور على هيئة تمساح وفي شكل عروسة المولد وكرانيشها الملونة المستوحاة من جناح “إيزيس” الملون.

وفى الفترة المسيحية بعد ذلك صنع مسيحيو مصر العروسة فى مصانع بمنطقة أبو مينا بكينج مريوط بالإسكندرية وكانت ترمز فى المسيحية إلى النفس البشرية وهى اللعبة المفضلة للبنات وصوروا الفارس وهو البطل الذى يمتطى جواده ويطعن الشر بحربته فى صورة القديس مارجرس يقتل التنين وهى الصورة التى استوحاها المسيحيون من النحت الذى يمثل حورس وهو يطعن (ست) رمز الشر.

وكان المسيحيون متقدمين فى صناعة السكر منذ إنشاء أول مصنع عام 1811 وقامت عائلات مسيحية شهيرة بزراعته، وأنشئت مصانع للسكر فى أبو قرقاص وملوى بمحافظة المنيا وشهد العصر الفاطمى عملا دؤوبًا من المسلمين لإحياء مصانع الحلوى بمدينة أبو مينا التى أغلقت أبوابها وصادف ذلك احتفالهم بالمولد النبوى الشريف وبدأ العمال المسيحيون فى استئناف نشاطهم وصنعوا العروسة والفارس الممتطى الحصان كى يفرح بها الأطفال المسلمون والمسيحيون بعيدًا عن أى مدلولات دينية ثم صنعت العروسة والحصان من الحلوى وخامات مختلفة فى الاحتفال بالمولد النبوى الشريف



 

مقالات مشابهة

  • شاهد // صور أولية من الاحتفال النسائي الكبير بالمولد النبوي الشريف في العاصمة صنعاء
  • صور | بدء توافد الحشود المشاركة في الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في محافظة صعدة
  • رئيس إذاعة القرآن الكريم الأسبق: اتباع سنة النبي أفضل احتفال بمولده
  • خبير أثري: الاحتفال بالمولد النبوي ارتبط بثلاثة أماكن أثرية
  • الاحتفال بالمولد النبوي.. الأهمية والأهداف
  • شاهد // تعليقات البعض على مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي ..كاريكاتير
  • تاريخ ميلاد الرسول ميلادي وهجري.. يوم المولد ثابت بالوحي
  • المولد النبوي .. فى مصر حاجة تانية
  • خطيب المسجد النبوي: الاحتفال بمولد النبي بدعة (فيديو)
  • بدعة من الجفاء التهيؤ لها.. خطيب المسجد النبوي يعلق على الاحتفال بمولد النبي محمد