علّمتنا التجارب المريرة أنّ بعض الإحصائيات قد تنتهي قيمتها ولم يعدّ لها أيّ أثر في الفكر الإنسانيّ ولا حتّى في الضمير.

ومن أنصع دلائل الوحشيّة البشريّة هو ضياع قيمة إحصائيات القتل في فلسطين والعراق وسوريّا واليمن، وغيرها من البلدان التي عانت من ويلات الحروب والهمجيّة.

ومقابل إحصائيات القتل فقدت أرقام الفساد الماليّ في العراق قيمتها بعد العام 2003، بل وصارت مجهولة ومخفيّة ومتضاربة! وسبق لوزير الماليّة العراقيّ السابق علي علاوي، تأكيده ضياع أكثر من (250) مليار دولار بسبب "الفساد الإداريّ"! وهنالك حديث عن أكثر من (450) مليار دولار قد نهبت من موازنات العراق.

. وغيرها العديد من الإحصائيات التي تؤكّد تغوّل شبح الفساد، وخراب الذمم وضياع المال العامّ.

وقد تمثّل الفساد الماليّ بصور مباشرة عبر الاستلام السريع للأموال، أو بطرق غير مباشرة عبر التعيينات الوظيفيّة الوهميّة في القطاعات المدنيّة والعسكريّة، والدخول في الصفقات والمشاريع والمناقصات والمزايدات.

مقابل إحصائيات القتل فقدت أرقام الفساد الماليّ في العراق قيمتها بعد العام 2003، بل وصارت مجهولة ومخفيّة ومتضاربة! وسبق لوزير الماليّة العراقيّ السابق علي علاوي، تأكيده ضياع أكثر من (250) مليار دولار بسبب "الفساد الإداريّ"! وهنالك حديث عن أكثر من (450) مليار دولار قد نهبت من موازنات العراق
وصرنا أمام جيل من السياسيّين يتلاعبون، هُم وحاشيتهم، بملايين الدولارات بينما يعاني ملايين الناس من الفاقة والفقر، وربّما حياتهم مجرّد حياة مستمرّة وفقا لمبدأ: "قُوت لا تموت"!

ويمكن كشف بعض أهم أسباب الفساد الماليّ، وهي:

- عدم الاستقرار السياسيّ، وهذه معضلة تستحقّ التوقّف عندها، حيث إنّ الخلل في بناء المنظومة الرقابيّة سيقود حتما إلى فوضى ماليّة وإداريّة ورقابيّة، وبالمحصّلة ضياع القدرة على الإمساك بخيوط العصابات الخطيرة التي تتلاعب بقوت المواطنين.

- التداخل في الصلاحيات وضياع القوة الإداريّة في تنفيذ المشاريع والحفاظ على هيبة المؤسّسات العامّة!

- السطوة السياسيّة، لدرجة أنّ الهدف الأسمى لغالبيّة المسؤولين هو الحصول على المكاسب الشخصيّة عبر المناصب الرسميّة، ولدرجة أنّ التصويت على بعض المناصب قد وصل لأكثر من 100 ألف دولار!

ويدخل في هذا الباب سطوة العلاقات بأقرباء المسؤولين، بحيث أنّ بعض المشاريع لا يمكن أن تنجز إلا بموافقة ابن أو زوجة أو أخ المسؤول الفلانيّ، وهذه الموافقة لا تكون إلا بأخذ الحصّة المحدّدة من مجمل الأموال المخصّصة للمشروع. وبهذا صرنا أمام طبقة مترفة ومتنعمة بأموال الفقراء في وقت يقال بأنّ أكثر من 15 مليون مواطن هم تحت خطّ الفقر!

- التلاعب القانونيّ والإداريّ، وقد لاحظنا في السنوات الثلاث الأخيرة حرص غالبيّة الفاسدين والمسؤولين على تبويب سرقاتهم عبر مشاريع متلكئة أو ترتيبات إداريّة وتشغيلية هزيلة، وبالمحصلة، ربّما تمكن غالبيّتهم من تحقيق مآربهم وتحقيق ثروات طائلة وبطرق بعيدة عن الملاحقات القانونيّة والرقابيّة.

- السطوة المسلّحة، وهذه الآفة تنفذ عبر سياسة الترهيب للشركات والمقاولين من العراقيّين والأجانب، حتّى صرنا أمام جماعات لا تسمح لأيّ شركة بالعمل هنا أو هناك إلا بعد استحصال حصتهم من القيمة الإجمالية للمشروع!

- العصابات العنقوديّة، وهذه أخطر أنواع العصابات لأنّها مرتبطة بشخصيات وكيانات سياسيّة وعسكريّة فوق القانون، وأبرز مثال على ذلك هي القضية المعروفة باسم "سرقة القرن"، والتي فُقدت فيها ما يقرب من ثلاثة مليار دولار، وقد أشار المتّهم الأكبر "نور زهير" إلى أنّه يريد محاكمة علنية وسيكشف كافّة الأوراق؛ وهذا تهديد لبقيّة أفراد العصابة العنقوديّة، وبالتالي إمّا ستتمّ تصفية "زهير" أو يُبرّأ من التهم الموجّهة إليه!

وفي تطوّر كبير، كشف رئيس هيئة النزاهة القاضي حيدر حنون، الأربعاء الماضي، وجود "تستّر" قانونيّ على "سرقة القرن"، وأنّ "هيئة النزاهة مُستضعفة"!

وأخيرا العلاقات ودورها الخطير في التغاضي عن بعض الفاسدين بسبب مكانتهم وارتباطاتهم ببعض القوى الكبيرة، وبالنتيجة نكون أمام قصور في متابعة تنفيذ المشاريع ومراقبة العقود العامّة والتدقيق الماليّ ومراقبة تطبيق السلوك العامّ للموظفين في دوائر الدولة، وخصوصا الدوائر المرتبطة بصرف الأموال وتنفيذ المشاريع!

وقد كشف التقرير السنويّ لهيئة النزاهة العراقيّة للعام 2023 أنّ أكثر الوزارات التي نالت الحظّ الأوفر من الشكاوى والمخالفات هي وزارات الإعمار والإسكان، وتلتها الماليّة والصّحّة والإدارات المحلّيّة للمحافظات والنفط والعدل!

تنامي الفساد الماليّ والإداريّ هو الضربة القاتلة لأيّ حكومة، ولهذا فإنّ غالبيّة العراقيّين يريدون أن يلمسوا شعارات مكافحة الفساد الماليّ عبر استرجاع الأموال وزجّ السرّاق في السجون دون النظر إلى مكانتهم وعلاقاتهم
وكان هنالك أكثر من 35 ألف إخباريّة (تبليغ) لهيئة النزاهة بخصوص فساد ماليّ، وأثبت التقرير أنّه ومن مجموع (27170) قضيّة أحيل منها (3969) قضيّة إلى القضاء، بينما أغلق منها (6342) قضيّة.

إنّ تنامي الفساد الماليّ والإداريّ هو الضربة القاتلة لأيّ حكومة، ولهذا فإنّ غالبيّة العراقيّين يريدون أن يلمسوا شعارات مكافحة الفساد الماليّ عبر استرجاع الأموال وزجّ السرّاق في السجون دون النظر إلى مكانتهم وعلاقاتهم!

ومن هنا ينبغي تشجيع العمل على المطالبات الشعبيّة والإعلاميّة بالشفافية في كشف حجم الفساد والخطوات العمليّة في محاسبة الفاسدين، وإلا فإنّنا سنكون أمام حالة "توأمة" بين الديمقراطيّة والفساد الماليّ!

مَن يريد أن يكافح الفساد يجب أن يضرب بقوّة القانون، وإن عجز عن ذلك يمكن العمل على تدويل قضيّة الفساد عبر "التحالف الدوليّ لمكافحة الفساد في العراق" المتفق عليه سابقا مع العراق، وأيضا يستعين بالدول الصديقة لتصفية المؤسّسات العامّة من سرطان الفساد الماليّ.

خلّصوا العراق، وبسرعة، من سُوْسَة الفساد التي تأكل حاضر العراقيّين ومستقبلهم!

x.com/dr_jasemj67

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفساد العراق العصابات النزاهة العراق الفساد عصابات النزاهة مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الفساد المالی ملیار دولار ة العراقی ة الفساد غالبی ة أکثر من

إقرأ أيضاً:

444 مليار درهم عقود المقاولات في الإمارات خلال 2024

 يوسف العربي (أبوظبي)
بلغت قيمة عقود المقاولات المبرمة في دولة الإمارات خلال العام 2024 نحو 444 مليار درهم «120.98 مليار دولار»، مقابل 388.9 مليار درهم «105.97 مليار»، بنمو %14، وفق بيانات «بي إن سي نتورك» المتخصصة في رصد المشاريع بمنطقة الشرق الأوسط.
 ووفقاً للبيانات التي حصلت عليها «الاتحاد»، استحوذت الإمارات على %44.5 من إجمالي العقود المبرمة في دول مجلس التعاون الخليجي التي سجلت مجتمعة عقوداً بقيمة 271.35 مليار دولار خلال العام الماضي.
وتوزعت العقود المبرمة في دولة الإمارات على 5 قطاعات رئيسة، هي المنشآت الصناعة، ومشاريع النفط والغاز، والنقل، والعقارات، والمرافق.

أخبار ذات صلة "انفيروسرف" و"كارتشر الشرق الأوسط" تُبرمان شراكة لتعزيز مبادرة الاقتصاد الدائري انطلاق فعاليات "الأسبوع الإماراتي الكويتي" في دبي

نمو مطرد 

وبحسب بيانات «بي إن سي نتورك»، حافظت العقارات على صدارتها بعد أن نمت بنسبة 8% لتصل إلى 242 مليار درهم «65.96 مليار دولار»، مستحوذة على 54% من إجمالي قيمة العقود المبرمة في الإمارات خلال عام 2024.
وارتفعت قيمة عقود المقاولات المبرمة في قطاع النفط والغاز بالدولة بنسبة 23% لتصل إلى نحو 122.2 مليار درهم «33.3 مليار دولار»، مستحوذة على ما نسبته 27.6% من إجمالي عقود المقاولات المبرمة خلال 12 شهراً.
وفي المقابل، تراجعت قيمة العقود المبرمة في قطاع المرافق بنسبة 31% لتصل إلى 33.8 مليار درهم «9.21 مليار دولار» خلال العام 2024، لتبلغ حصة القطاع 7.7% من إجمالي عقود المقاولات المبرمة في الإمارات خلال العام نفسه.
 ونمت قيمة عقود المقاولات المبرمة في القطاع الصناعي بنسبة 74% لتصل إلى 13 مليار درهم «3.56 مليار دولار»، مقابل 7.5 مليار درهم «2.05 مليار دولار»، مستحوذة على نحو 3% من إجمالي العقود المبرمة في العام الماضي.
وفي قطاع النقل، نمت عقود المقاولات المبرمة بنسبة 258% لتصل إلى 32.84 مليار درهم «8.95 مليار دولار»، لتصل حصتها إلى 7.4% من مجمع العقود المبرمة خلال عام 2024. 


العقود الخليجية 

وخليجياً بلغت قيمة العقود المبرمة في دول مجلس التعاون نحو 271.35 مليار دولار خلال العام 2024، وتوزعت هذه العقود الإنشائية، بواقع 104.31 مليار دولار لقطاع العقارات، و49.29 مليار دولار لقطاع المرافق، و86.96 مليار دولار لقطاع النفط والغاز، و9.45 مليار دولار لقطاع الصناعة، ونحو 21.34 مليار دولار لقطاع النقل.
وقال أفين غيدواني، الرئيس التنفيذي لشبكة «بي إن سي نتورك»، للأبحاث، لـ«الاتحاد»: يشهد سوق الإنشاءات في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية نشاطاً واسعاً لتقودا منح العقود في المنطقة. وحطمت الإمارات الرقم القياسي الذي سجلته في العام الماضي في قيمة العقود الممنوحة، حيث تجاوزت قيمة العقود الممنوحة 120 مليار دولار.
وتوقع غيدواني أن يستمر ازدهار منح المشاريع في العام 2025، رغم أن ذلك سيتبعه تصحيح للسوق الحضرية «العقارات» في مرحلة ما في المستقبل، وهناك تفاؤل عام بأن أي تباطؤ سيكون خفيفاً نسبياً بسبب الرؤية الثاقبة طويلة الأجل لقيادة الاقتصاد.

مقالات مشابهة

  • «المركزي المصري»: أكثر من 58 مليار دولار حجم ودائع العملات الأجنبية في بنوك مصر
  • رويترز: بي.بي تعتزم استثمار 25 مليار دولار في العراق
  • استثمار 25 مليار دولار .. بي.بي تسعى لتطوير أربعة حقول نفط في كركوك
  • معلومات الوزراء: 14.4 مليار دولار قيمة فائض ميزان الخدمات في العام المالي 2023/ 2024
  • هيئة السياحة: أكثر من 500 سائح أوروبي وأميركي دخلوا العراق العام الماضي
  • أكثر من (13) مليار دولار حجم الصادرات التركية للعراق خلال 2024
  • تركيا: صادراتنا إلى العراق بلغت أكثر من 13 مليار دولار في 2024
  • السمدوني: 32% نموًا في إيرادات المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خلال النصف الأول من العام المالي الجاري
  • 13 مليار دولار صادرات تركيا الى العراق خلال العام الماضي 2024
  • 444 مليار درهم عقود المقاولات في الإمارات خلال 2024