مختصون يحذرون من خطورة التدفق الثقافي على أفكار الناشئة
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
- أهمية التوجيه الأسري والتربوي في إرشاد الشباب لاختيار المحتوى المناسب
- ضرورة تشكيل الوعي المجتمعي لترسيخ القيم وتقليل تأثيرات الفضاءات الإلكترونية
- سن القوانين والأنظمة التثقيفية لحفظ سلامة الأجيال من الأفكار الدخيلة
باتت وسائل التواصل الاجتماعي تعجّ بمختلف الثقافات التي تحوي أفكارا ومبادئ تتنافى مع قيمنا وعاداتنا الأصيلة، وحذر مختصون في استطلاع لـ"عمان" من خطورة التدفق الثقافي المتسارع على أفكار الناشئة، داعين إلى تشكيل الوعي المجتمعي لدى الناشئة، والالتزام بالعادات والتقاليد والابتعاد عن أي أفكار تزعزع الثوابث الاجتماعية والتربوية والتعاليم الدينية، وضرورة التشديد على مراقبة الأبناء وتوجيه اهتماماتهم نحو الاستخدام السليم والآمن.
قال الدكتور يوسف العطار، استشاري تربوي وأسري: بات من الضروري النظر إلى واقعنا الذي أصبح يضج بالتقنية والأجهزة اللوحية والشاشات بما فيها الهواتف المحمولة من حيث التطور في العادات والممارسات والأنشطة اليومية بين الماضي والحاضر، حيث أسهمت التقنية في تسهيل حياة البشر في العمل والوظيفة، وفي التعليم والصحة، وفي إنجاز المهام اليومية، وإنهاء كثير من المعاملات الحكومية والخاصة لدرجة أن بعض الإجراءات الرسمية أصبحت تُنجز من غرفة المعيشة أو في فترة تناولك لكوب الشاي الصباحي قبل الذهاب للعمل، ولكن ومع مرور الوقت أصبحت هذه التقنية والأجهزة الذكية جزءا لا يتجزأ من حياتنا الاجتماعية، وتخطينا معها حدود الاستخدام لتسهيل الاتصال الهاتفي، إلى وسيلة للقاءات والزيارات والتجمعات العائلية بين أفراد الأسرة، مشيرا إلى أن هذا التحول الرقمي له إيجابياته وسلبياته، فعلى الصعيد الاجتماعي باتت هذه التقنية تضيف عادات يومية، وتلغي عادات أخرى، من خلال اتساع رقعة التواصل مع العالم الافتراضي والذي يضم بداخله مليارات البشر على اختلاف أعراقهم وأجناسهم ودياناتهم ومعتقداتهم وطقوسهم وعاداتهم، فطبيعة الإنسان يؤثر ويتأثر بالاختلاط مع غيره، وهذا ما يمهّد دخول ثقافات جديدة في مجتمعاتنا، ورغم مواجهتها للرفض والنفور في بداياتها إلا أنها تفرض وجودها بعد حين، من خلال استحسان البعض لها وتمريرها، والترويج لها، ومن هنا تبدأ ثوابت وقيم وعادات المجتمع المحافظ تترهل، إلى أن يصبح تغييرها واستبدالها أمرا ليس صعبا ولا مستحيلا إذا ما لزم الأمر.
الأدوار الأبوية
وأضاف: عندما تنظر للماضي والحاضر تجد أن طفل اليوم ليس طفل الأمس، وشاب اليوم ليس شاب الأمس؛ لأنهم يستمدون وعيهم في ظل غياب الأدوار الأبوية، وضعف الثقافة المجمتعية من وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها ومواقعها، بل ويتعلمون ويتبادلون أفكارهم وميولهم وتوجهاتهم مع عالم لا محدود من البشر، وهنا يبدأ تشكيل وعي جديد وأحيانًا يكون دخيلا وخطيرا على المجتمع، موضحا إلى أن ما يشهده العالم اليوم من سرعة في انتشار التيارات الفكرية على الصعيد المحلي والدولي والإقليمي والعالمي، هو نتاج تسلل بطيء وأحيانًا كثيرة يكون ممنهجا إلى عقول أبنائنا، وزعزعة الثوابت الأصيلة التي تربينا علينا، وعلى الآباء والمربين القيام بالدور المطلوب منهم تجاه الجيل القادم، بعزم وحزم، ووعي وحكمة، حتى لا تغرق سفينة القيم والدين، والهوية والثقافة المجتمعية التي كانت ولا زالت الحصن الحصين، والدرع المتين للحفاظ على المعدن النفيس الذي لطالما سعينا إلى الحفاظ عليه والاعتناء به، محذرا من خطورة الانزلاق في أوحال الثقافات الدخيلة، والقيم الضارة، والعادات السامة، والتقنية كما أسلفت لها جوانب إيجابية وسلبية، وعلينا فقط توجيه البوصلة نحو الاستخدام السليم والآمن.
الاستخدام الآمن
وأوضح الدكتور يوسف أن هناك دراسة صادرة من وزارة التنمية الاجتماعية في 2020م لمجموعة من الباحثين بعنوان " أثر استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على تنشئة الطفل في المجتمع العماني" تضمنت أثر وسائل التواصل على مجموعة من الجوانب منها: التعليمي والاجتماعي والصحي والنفسي، وتشير الدراسة إلى أن الاستعمال الصحي والآمن للأجهزة اللوحية يبدأ من سن 13، وللهواتف الذكية يبدأ من سن 17، في حين أشارت الدراسة إلى أن 14% من الأطفال دون سن 13 يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، وأكثر تلك الوسائل استخدامًا هي اليوتيوب والانستجرام والواتساب، وأن هذه النسبة في ازدياد مطّرد يوما بعد يوم، بداية من مراحل الطفولة المبكرة ثم تزداد أكثر في مرحلة الطفولة المتوسطة، وتبلغ ذروتها في بدايات سن المراهقة، وتكمن الخطورة في فوضى استخدام التقنية وعدم قدرة الآباء على السيطرة، وهذا بدوره يؤدي إلى آثار خطيرة على مستوى الجوانب الأربعة والتي أشارت إليها الدراسة السابقة، وهي الجانب التعليمي: بانخفاض مستوى التحصيل الدراسي، ومستوى التركيز والانتباه، ومستوى القدرة على الحفظ والتذكر، بالإضافة إلى الجانب الصحي: من خلال انتشار السمنة، وآلام الرقبة والظهر، وضعف المناعة، وقلة ممارسة الرياضة، وانتشار ظاهرة السهر لأوقات متأخرة جدًا، والجانب المجتمعي: عن طريق ظهور آثار على الناشئة في القيم والهوية واللغة، وانتشار الانطوائية والانعزالية بين أفراد المجتمع، ومن الجانب النفسي: انتشار الخوف والقلق والتوتر والاكتئاب وغيرها، مشيرا إلى أنه هذه الإحصائيات الصادمة، والآثار المدمرة التي يخلفها سوء استخدام التقنية على الأجيال القادمة بحاجة لوقفة جادة وحازمة وتعاون من قبل الجميع سواءً الآباء أو المعلمين أو الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين والتربويين، وعلى الجهات المعنية كالتربية والصحة والتنمية سن القوانين والأنظمة والتوعية والتثقيف في البيوت والمدارس والمستشفيات والمعاهد والجامعات، والتي بدورها تحفظ سلامة الأبناء والجيل من الانجراف إلى هاوية الخطر مستقبلا.
الشباب المعاصر
من جانبها قالت نادية بنت راشد المكتومية أخصائية علاقات أسرية أول،عضو بالمجلس الاستشاري الأسري العماني: إن الشباب هم ثروة الوطن المتجددة واستثماره الذي لا ينضب، وهم القوة المحركة للوطن في جميع مجالاته، وهم أزواج المستقبل وآباء الغد، ويتأثر الشباب المعاصر بمتغيرات العصر المختلفة ولاسيما الثقافات المختلفة والتي لعبت وسائل التواصل الاجتماعي والعوالم الافتراضية دورا كبيرا في تشكيلها، حيث أصبح العالم غرفة افتراضية واحدة يتم بداخلها تبادل بليارات المعلومات والأفكار في ثوان معدودة، مضيفة أن هذه الفضاءات تلعب دورا مهما في تشكيل نوعية الوعي الأسري اجتماعيا وتربويا فضلا عن الوعي الاجتماعي العام، ومما لا شك فيه أن التدفق الثقافي المتسارع للأفكار يحمل الطالح والصالح من الأفكار، والتي تسهم بدورها في تشكيل الوعي المجتمعي بمختلف مجالاته، حيث أجد من خلال الاستشارات الأسرية والمشكلات الزواجية والتربوية التي تصلني في أروقة المركز هي انعكاس للثقافة المستوردة والمعلبة وما يصاحبها من تغيير في بنية الوعي لدى الأزواج نحو الهدف من الزواج وتشويه دور الطرفين كليهما ومهامه نحو الأسرة بسبب استقاء ثقافة غريبة عن قيمنا الإسلامية التي ينبع منها قيمنا الاجتماعية الأصيلة في رؤيتنا للزواج وتنظيم العلاقة الزوجية وفق مسطرة القيم الإسلامية، مما يجعل الزوجين في صراع ثقافي بين ما هو غريب ومستورد من قيم معلبة وقيم المجتمع التي يعيش فيه كلا الزوجين، ومن المشكلات التي وجدناها بسبب هذا التغيير التي طالت الأسرة بسبب الفضاءات الإلكترونية مدى شعور الأزواج من فئة الشباب بقداسة عقد الزواج وتحمل المسؤولية تجاه هذا العقد المتين، فأصبح الانفصال والطلاق هو الحل الأسرع الذي يلجأ له الشباب للتعامل مع مشكلاتهم الزوجية فضلا على اختلال دور الرجل والمرأة داخل الأسرة من مثل القوامة وغيرها من الأدوار، تأسيا بما تبثه قنوات التواصل الاجتماعي والذي يتعارض مع قيم الزواج الإسلامية التي تعد من أمثل القيم الإنسانية في حفظ استقرار وتماسك وسعادة الأسرة، ويطال هذا التأثير للفضاءات الإلكترونية طرق التربية للأبناء والتي تغيرت بشكل ملحوظ بسبب الثقافات المستوردة.
وأضافت: تبث قنوات التواصل الاجتماعي العديد من الأفكار المغلوطة تربويا مما شكل هشاشة تربوية في تنشئة الجيل أطفالا ومراهقين، كتهميش اللغة العربية وتعليم الأبناء الحديث بلغة أخرى من باب المعاصرة، وتوفير الكماليات التي لا حاجة لها للأبناء ولو كان على حساب ميزانية الأسرة مما أسهم في صناعة جيل برجماتي لا يشعر بقيمة العطاء وقيمة النعم ولا يقدر جهد الوالدين في تربيتهم، إلى جانب جيل لا يتحمل المسؤولية ويفتقر للمهارات الحياتية مصابا بهشاشة نفسية بسبب الأفكار التربوية المعلبة، فضلا عن إهمال التربية الدينية بدعوى أنهم صغار بحجة "دعهم يكبرون" متناسين الوصايا النبوية والنهج المحمدي في تنشئة الأبناء منذ نعومة أظافرهم على العقيدة والأخلاق الإسلامية وفق مراحلهم العمرية المختلفة، مستوردين بدلا عنها قيما تربوية غريبة مما يجعل هذا الجيل يعيش في صراع وغربة فكرية واجتماعية عن قيمه ومجتمعه.
وتابعت قائلة: لا أنفي تغييب الجانب الإيجابي لاستثمار منصات ووسائل التواصل الاجتماعي في بث الوعي المتوافق مع القيم الإسلامية الأصيلة، فهي سلاح ذو حدين يحوي الجانب المشرق الداعم للوعي الزواجي والتربوي وأيضا تحوي معول الهدم لهذا الجانب، ويبقى المستخدم لهذه الفضاءات الفيصل في اختيار ما يتوافق مع مسطرة القيم الإسلامية والمجتمعية في تنمية الوعي الشبابي نحو الزواج والتربوي.
توازن اجتماعي
وأكدت كلثم بنت حمود المقبالية أخصائية توجيه وإرشاد أسري على أن تشكيل الوعي التربوي والأسري والاجتماعي لدى الشباب في عصر وسائل التواصل الاجتماعي يتطلب توازنًا دقيقًا بين التأثيرات المختلفة التي يتعرضون لها بشكل يومي، ويبدأ هذا التشكيل والحماية من الأسرة التي تُعتبر البيئة الأولى التي يتلقى فيها الشباب قيمهم الأساسية حيث تلعب الأسرة دورًا حاسمًا في تقديم نموذج يحتذى به في التعامل مع الآخرين واحترام التنوع الثقافي وكيفية التعاطي مع اختلافة بالشكل الأمثل، بالاضافة إلى دور الأسرة تأتي المؤسسات التربوية لتعزز هذا الدور من خلال طرح مناهج تعليمية تركز على تطوير التفكير النقدي والإبداعي، مضيفة إلى أن هذه المهارات تُمكّن الشباب من التفاعل الواعي مع المحتوى المتنوع الذي يتعرضون له على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يساعدهم في التمييز بين ما هو صالح ويتناسب مع الوعي التربوي والأسري الذي يتناسب مع نشأتهم السليمة ومع ما لا يتناسب مع هذة القيم.
مشيرة إلى أهمية التوجيه الأسري والتربوي في إرشاد الشباب لاختيار المحتوى المناسب واستخدام هذه المنصات كوسيلة للتعلم والتفاعل الإيجابي، ولتعزيز هذا الوعي، يلعب الانخراط في الأنشطة الاجتماعية والثقافية خارج هذا الفضاء الرقمي دورًا مهمًا؛ فالتجارب المباشرة في المجتمع تساهم في ترسيخ القيم الاجتماعية وتعليم الشباب كيفية التعامل مع الآخرين في بيئة متعددة الثقافات، وعليه ومن خلال هذا التوازن بين التأثيرات الأسرية والتربوية والاجتماعية، يصبح الشباب أكثر استعدادًا لمواجهة التحديات الثقافية والاجتماعية في حياتهم اليومية، بحيث يكونون قادرين على التفاعل بإيجابية مع عالم متنوع ومتغير بشكل سريع.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: وسائل التواصل الاجتماعی تشکیل الوعی استخدام ا من خلال إلى أن
إقرأ أيضاً:
تصاعد الزلازل في إسبانيا والبرتغال.. خبراء يحذرون من مخاطر كبرى
دقت الهزات الأخيرة في منطقتي لشبونة وإشبيلية أجراس الإنذار. فهل توشك أن تندلع أزمة زلزالية في البرتغال أو إسبانيا؟ يعترف الخبراء بالاحتمال، لكنهم يفضلون الدعوة إلى الوقاية من المخاطر.
ضربت هزة أرضية لشبونة، وبعد أسابيع اهتزت إشبيلية، ما أثار مخاوف متزايدة في شبه الجزيرة الإيبيرية التي شهدت سلسلة من الزلازل خلال الأشهر الستة الماضية، ما دفع الخبراء إلى دق ناقوس الخطر. وشعر العديد من السكان في جنوب إسبانيا بالقلق بعد الزلزال الذي ضرب مقاطعة إشبيلية، وسيطر القلق نفسه على لشبونة. فهل كلا البلدين مستعدان لزلزال كبير؟ يعتقد الخبراء أن هذا السيناريو قد يكون وشيك الحدوث.
تنجم الزلازل عن تصادم واحتكاك الصفائح التكتونية، وفي حالة شبه الجزيرة الإيبيرية، تتراكم الضغوط بين الصفيحتين الأوراسية والأفريقية عبر صدوع جيولوجية نشطة. ومع مرور الزمن، يتصاعد التوتر في هذه الصدوع، ما يجعل إمكانية حدوث زلزال مدمر مسألة وقت، لا احتمالاً بعيداً.
توضح ماريا بيلين أوتيرينو، أستاذة الجيولوجيا في جامعة البوليتكنيك بمدريد: "كلما تأخر الصدع في الانكسار، زاد الضغط المتراكم، وازدادت معه فرص حدوث زلزال قوي".
في إسبانيا، لم تشهد البلاد زلزالًا كبيرًا منذ أكثر من 140 عامًا، بينما تظل إيطاليا وتركيا واليونان في صدارة المناطق الزلزالية الساخنة في أوروبا. ومع ذلك، يرى الخبراء أن إسبانيا والبرتغال تأتيان في المرتبة التالية، إذ تقعان في نطاق زلزالي متوسط الخطورة مقارنة بالدول الأكثر عرضة، لكنه لا يزال أعلى من معظم أجزاء أوروبا.
يؤكد فرناندو كاريلهو، الخبير في معهد البرتغال للبحار والغلاف الجوي (IPMA): "نعيش في مناطق ذات مخاطر زلزالية متوسطة، أقل من إيطاليا واليونان، لكنها أعلى من معظم دول أوروبا".
في إسبانيا، يتركز الخطر في الجنوب والجنوب الشرقي، حيث تتعرض هذه المناطق لحركة زلزالية نشطة.في البرتغال، تعد لشبونة والجنوب الغربي المناطق الأكثر تأثراً، حيث يشعر السكان بوضوح بنبض الأرض تحت أقدامهم.وبينما يبقى توقيت الزلزال القادم مجهولًا، فإنالمؤشرات الجيولوجية تشير إلى أن ساعة الحدث تقترب، ما يفرض تحديات كبيرة على الاستعدادات الوقائية وقدرة البلدين على الاستجابة للأزمات الزلزالية.
Relatedزلزال قوي بقوة 7.6 درجة يضرب البحر الكاريبي وتحذيرات من" تسونامي" في عدة دولزلزال بقوة 5.2 درجات يضرب شمالي المغرب ويثير هلع السكانرئيس الوزراء اليوناني يزور جزيرة سانتوريني مع استمرار النشاط الزلزالي المرتفعتمتد تداعيات الزلازل إلى جميع جوانب الحياة، فلا تقتصر على انهيار المباني فحسب، بل تطال البنى التحتية الأساسية، حيث يمكن أن تؤدي إلى قطع الطرقات وانهيار الجسور، بل وقد تتفاقم الكارثة إذا لم تُغلق محطات الطاقة النووية في المناطق المتضررة بالسرعة اللازمة، مما يزيد من حجم المأساة.
رغم هدوء الأرض في الوقت الراهن، فإن شبه الجزيرة الأيبيرية ليست بمنأى عن مخاطر الزلازل. يحذر الباحث أوتيرينو من النشاط الزلزالي المحتمل جنوب غرب رأس سانت فنسنت، وهي المنطقة التي شهدت زلزال لشبونة المدمر عام 1755. إذا تكرر السيناريو ذاته، فقد تصل قوة الزلزال إلى 8.5 درجات على مقياس ريختر، ما يهدد هويلفا وقادس بشكل مباشر. أما العاصمة البرتغالية لشبونة، فيظل خطر حدوث تسونامي قائماً بفعل قربها من المحيط الأطلسي، مما يعيد إلى الأذهان مآسي الماضي.
متى يضرب الزلزال التالي؟رغم عقودٍ من البحث العلمي، لا يزال التنبؤ بالزلازل بدقة أمرًا بعيد المنال. يعترف أوتيرينو بأن "التوقعات قصيرة المدى لا يمكن الاعتماد عليها"، مما يجعل الاستعداد والوقاية الوسيلتين الوحيدتين لمواجهة الكوارث المحتملة. أما فيما يتعلق بالادعاءات التي تربط تغير المناخ بازدياد النشاط الزلزالي، فيؤكد أوتيرينو أنها مجرد تكهنات غير مدعومة بأدلة علمية، فعدد الزلازل المسجلة عالميًا لم يشهد تغيرًا ملحوظًا.
في ظل غياب القدرة على التنبؤ الدقيق، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات وقائية طويلة الأمد، تشمل تقييم المخاطر الزلزالية وتعزيز مقاومة البنية التحتية. ورغم أن إسبانيا لم تشهد زلزالًا كارثيًا منذ أكثر من 140 عامًا، إلا أن هذا الهدوء لا يجب أن يُفسَّر كضمانٍ دائمٍ للأمان. فزلزال لوركا عام 2011، رغم أن شدته لم تتجاوز 5.2 درجات على مقياس ريختر، تسبب في مقتل تسعة أشخاص وخسائر قُدّرت بـ108 ملايين يورو، نظرًا لقربه من سطح الأرض.
وفي إشبيلية، شعرت المدينة مؤخرًا بهزة بلغت قوتها 4.1 درجات، بينما يحذر العلماء من أن تصدعات جنوب إسبانيا وكاتالونيا قد تولّد زلازل بقوة تصل إلى 7 درجات، وهو ما يعادل طاقة زلزال لوركا بمقدار 900 ضعف. أما البرتغال، فقد شهدت في الأعوام الأخيرة زلزالين هزّا لشبونة، مما يعيد إلى الأذهان احتمال وقوع كارثة مشابهة لزلزال 1755 الذي تسبب في دمار هائل بفعل تسونامي ضرب جنوب إسبانيا والبرتغال.
منذ ذلك الزلزال المدمر، وُضعت قوانين بناء صارمة لمقاومة الزلازل في كل من إسبانيا والبرتغال، حيث طُبقت في إسبانيا معايير NCSE-02 منذ عام 2002، إلا أن هذه اللوائح لم تُحدَّث منذ أكثر من عقدين، ما يثير القلق حول مدى ملاءمتها للأخطار الراهنة. يشير أوتيرينو إلى أن مناطق مثل غرناطة وأليكانتي وتوريفايجا والجنوب الإسباني تملك معايير محدثة إلى حد ما، لكن هناك نقصًا واضحًا في خطط الوقاية لدى العديد من البلديات في الأندلس، فالنسيا، مورسيا، كاتالونيا، وجبال البرانس.
Relatedهزات ارتدادية.. زلزال جديد بقوة 6,6 درجات يضرب الفلبينمخاوف من هزات ارتدادية.. باحث فرنسي: زلزال المغرب لم يقع في المنطقة الأكثر نشاطًاتشققات وتصدّعات في شوارع آيسلندا بعد هزات سببتها حمم بركانية هزات أرضية خفيفة ومتوسطة تضرب ليبيا ومصر وتونسأما في البرتغال، فقد بدأت لوائح البناء المضادة للزلازل منذ ستينيات القرن الماضي وخضعت لتحديثات متتالية، لكن المشكلة تكمن في أن معظم مباني لشبونة تعود لفترات سابقة، مما يثير تساؤلات حول مدى مقاومتها عند وقوع كارثة جديدة.
إدراكًا لخطورة الموقف، تبذل السلطات في لشبونة جهودًا متزايدة لتعزيز استعداداتها، حيث أعلن العمدة كارلوس مويداس عن إنشاء برجين للتحذير من التسونامي في منطقتي تيريرو دو باسو وبراسا دو إمبيريو، مجهزين بإنذارات فورية، بالإضافة إلى تحديد 86 نقطة تجمع آمنة داخل المدينة. تهدف هذه الإجراءات إلى تأمين السكان وتقليل الخسائر البشرية في حال اجتاحت مياه المحيط الأطلسي العاصمة.
ماذا نفعل عندما تهتز الأرض؟لا يمكننا التنبؤ بموعد اهتزاز الأرض، لكن بوسعنا أن نستعد لمواجهته. من خدمة الطوارئ 112 في الأندلس، تقدّم لولا رودريغيز نصيحة ثمينة: "ابقَ في مكانك. إذا كنت داخل مبنى، احتمِ في مكان متين، مثل إطار الباب أو أسفل طاولة صلبة. انحنِ، تمسك جيدًا، وغطِّ رأسك." لا تركض، ولا تهرع إلى الدرج، فطريقة "الانحناء، التغطية، والتشبث" هي الخيار الأمثل لحماية نفسك أثناء الاهتزاز.
رغم أن شبه الجزيرة الأيبيرية ليست اليابان، إلا أن الخطر قائم. يؤكد أوتيرينو أن المنطقة تحتوي على صدوع قد تصل شدتها إلى 6.5 أو 7 درجات على مقياس ريختر، ما يجعل احتمال تمزقها في أي لحظة مصدر قلق حقيقي. لكن مواجهة الكوارث لا تقع على عاتق العلماء أو الحكومات وحدهم، بل هي مسؤولية الجميع. فالمباني الأكثر صلابة، والخطط الوقائية المحدّثة، ومعرفة كيفية التصرف وقت الخطر، قد تكون الفارق بين الذعر والمأساة. ستعود الأرض إلى الارتجاج حتمًا، لكن ما إذا كانت العواقب كارثية أم لا، فهذا يتوقف على مدى جاهزيتنا.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية زلزال بقوة 6.6 درجة على سلم ريختر يضرب اندونيسيا (المركز الأمريكي للجيولوجيا) صور المسبار "نيو هورايزون" تظهر أن الكوكب بلوتو .. نشطٌ جيولوجياً زلزال النيبال...أستاذ جيولوجيا يوناني يروي ما عايشه إسبانيالشبونةاليونانالبرتغالزلزال