بقلم عمر العمر
لابد من الحلم بسلام دائم .فالأحلام الجميلة بذور الانجازات الكبيرة. لكنّ تحقيقَ حلمنا الوطني يتطلب مثل الحرب صبر اً. فلدى أطراف هذه الحرب الحمقى قناعةٌ بأ ن لا أحد منهما سيربح الحرب مثلما هي قناعته بأنه لن يخسرها مالم تطرأ معجزةٌ تبدل موازين القوى .فأياً كانت خسائرُ كلٍ منهما المتراكمة تحت الحرب فهي أقلُ كلفةً بكثيرٍ مما سيدفع أيٌ منهما مقابلَ فاتورة السلام .
*****
ربما حربنا الراهنة كارثية مدمرة لكنّا لسنا استثناءاً.فالتاريخُ الانسانيُ يبدو كأنه سردٌ لحكايا الحروب .أو ربما قصصُ الاحتراب هي كتاب التاريخ. تلك قضيةٌ شغلت عقول الفلاسفة ،المفكرين والأدباء أكثر مما هيمنت على روؤس الساسة والجنرالات. إلا أن هناك رأي يغلّب نشوب الحرب تحت ضغط انسداد سياسي يستعصي اختراقه عقليا. بفعل ذلك الانسداد يتوالد التعصّب فتتناسل الكراهية والضغائن فتشتعل الحروب. ربما انسداد حربنا شخصيٌّ أكثر مما هو وطني . مع ذلك فهي ككل الحروب في اتونها عذابات نساء وأطفال، مؤسسات ،حقول وبيوت مدمَّرة، كوارث ، فوضى ، جرائم متباينة و وحشية تشارف أو تماثل الجنون. فالحرب عنف يطارد (المجالات الاقتصادية والثقافية كما الاجتماعية) كما أوضح عالم الاجتماع الفرنسي بيير بوردو .
*****
نحن لسنا استثناءاً إذ يظل السلام حلمنا لأن لسلام خيار الانسان الأبدي بغض النظر عن جنسه، دينه أو مكانه على الأرض. لكن علينا استيعاب دروس التاريخ . فإذا كان السلام خياراً إنسانياً قبل كونه سياسياً فإنه مطلب وطني عاجل .نحن نتلقى دروسا يومية بأن الحرب فعل مدمر لمرتكزات الوطن مثلما هي مسرفة في القتل والابادة والتجويع. ألم نتسوعب بعد أن الحرب تزيد أعداد المهمشين (الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق)وتضاعف عذاباتهم ؟ ألم يدرك هؤلاء الجهلة المتكبرون قول ابن خلدون (الحرب جورٌعلى الأرض وخيراتها وغايتها فرض السيطرة وتوسيع النفوذ.)ألم تترجم حربنا القذرة بعد مقولة الفيلسوف البريطاني توماس هوبز (عنف الحرب مصادره التنافس والكبرياء).كل بنات وأبناء الشعب باتوا على قناعة بأ بواعث حربنا الكارثية شهوة السلطة والثروة.
*****
لابد لنا من الحلم بالسلام ليس لأنه فقط الخيار الإنساني بل لأنه كذلك مناخ التعايش، التسامح، المساواة والعدالة.هو فوق ذلك وقبله ضرورة حتمية للبناء، التنمية والتقدم.التاريخ يحدثنا عن استحالة إنجاز السلام إلا بهزيمة أسباب الصراع. كما يخبرنا التاريخ أن ( السلام المفروض بالقوة والقهر أشبه بالهدوء الذي يخيّم على القبور ) وفق رؤية الفيلسوف الألماني عمانويل كانط.ذلك انجاز يتحقق عندما نعترف بأن الحرب تبدأ في العقول .من ثم يجب حسمها هناك أولا.أزمتنا تكمن في عدم وجود عقول لدى مشعلي الحرب وأنصارها!هم أسرى غرائزهم البدائية المتوحشة.
*****
الداخل إلى مقر المنظمة الأممية في نيو يورك يلحظ في الردهة الأرضية جدارية زرقاء تنطوي على نساء يحتضن اطفالا قتلى يتوسلن لانهاء العذاب.تلك تحفة فنية ابدعها كانديو بورتيناري أحد أبرز الفنانين البرازيليين بتكليف من دولته بناء على طلب من الامين العام الاول للمنظمة الدولية النرويجي تريغفه لي.تلك الجدارية شاهدٌ على ويلات الحروب .لكنها شاهد كذلك على عجز المنظمة الأممية أزاء إطفاء الحروب دع عنك فرض السلام. فكما قال الفيلسوف الالماني (مجلس الأمن وحوش من ورق).لذلك فالرهان على الخارج لإنهاء حربنا النتنة رهان خاسر مثلما هو الزعم بتحميل قوىً خارجية أوزار حربنا الحمقى زعم أحمق.
*****
عندما تنهض الروح الوطنية الجماعية بغية تغليب المصالح العليا للشعب والوطن على التنافس ضيّق المنبت والأفق لا يمكن فقط إطفاء نار الحرب بل الإنتصار على الحَمَق ،العنف، الأذى والمعاناة .لكن يبدو نهوضنا نحن معجزة عصية التحقق . لكنها ليست مستحيلة إذ لم يعد إنسان العصر ينتظر معجزات لاصلاح أحواله .بل يناضل لتحويل الأحلام بما في ذلك مايبدو معجزة إلى واقع.ففي هذا العصر أمسى في خُسرمن يترقب المعجزات. فالانسان المناضل ليس من يكتب التاريخ .بل هو من يصنع التاريخ.هو من يصنع المعجزات.
aloomar@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
لماذا استمر القتال بين المسلمين ؟
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
لم تستمر الحروب البوذية – البوذية، ولا الحروب المسيحية – المسيحية، ولا الهندوسية – الهندوسية، ولا الحروب اليهودية – اليهودية مثلما استمرت حروب المسلمين ضد بعضهم البعض، فمنذ القرن الهجري الأول وجيوشهم تخوض حروبها الطاحنة ضد بعضهم البعض. حتى مكة المكرمة والكعبة المشرفة والمدينة المنورة لم تسلم من قصف الجيوش المسلمة بالمنجنيق، ثم تعرضت الكعبة نفسها إلى التهديم بجيوش فرقة (مسلمة) مارقة. .
أما في العصر الحديث فجاءت الحرب العراقية الإيرانية في طليعة الحروب الطويلة بين شعبين مسلمين لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وجاءت بعدها حرب العراق على الكويت لتقدم لنا صورة حية لتحركات جيش مسلم ضد شعب مسلم، ثم شاركت معظم الجيوش المسلمة في العدوان على الشعب العراقي المسلم تحت راية التحالف الدولي. ولا شك انكم على دراية بالغارات الجوية الحارقة الماحقة والكيمياوية التي كانت تشنها طائرات الحكومات المسلمة ضد شعوبها المسلمة، أو ضد الشعوب المسلمة المجاورة لها. .
واخيراً ظهرت لدينا فصائل إسلامية مسلحة هدفها الاول والأخير ذبح المسلمين، والانتقام منهم، ومصادرة حقوقهم، وتفجير أسواقهم ونسف مساجدهم باسم الدين وباسم الإسلام. .
وليس صدفة ان يرفع تنظيم داعش راية الإسلام في العراق والشام وليبيا، كانت تجربة حالكة وفي غاية الوحشية. جاءت امتداداً لتاريخ الصراع الطويل بين المسلمين انفسهم، لأنها استلهمت منهم ايديولوجية العنف والإرهاب بغطاء ديني يبرر ارتكاب المجازر بفتاوى مستنسخة من متحف التاريخ الدموي. .
ترى ما السبب ؟، واين الخلل ؟. ولماذا ظل القتال العقائدي حكراً بين المسلمين دون غيرهم ؟. هل سمعتم هذا الايام أو في الأعوام القليلة الماضية بحرب بوذية بين اليابان والصين ؟، أو حرب مسيحية بين فرنسا وإسبانيا ؟. وهل الحرب القائمة الآن بين روسيا وأوكرانيا لها علاقة بالكنيسة الأرثوذكسية ؟. وهل مطالبات أمريكا بضم كندا لها علاقة بالفتوحات المسيحية ؟. .
وهل سمعتم بمشاحنات طائفية بين كهنة السيخ أو بين كهنة التاميل ؟. فلماذا هذا التنافر والتناحر بين رجال الدين في العالم الإسلامي على الرغم من انهم يؤمنون بإله واحد ونبي واحد وكتاب سماوي واحد ويتكلمون اللغة نفسها (تقريبا) ؟. .
أنا شخصيا لا ادري ما الذي يجري ؟. ولا اعرف كيف جرى الذي جرى، فقد اصبح العالم الإسلامي غريبا جدا، ولم يعد للتسامح والرحمة والمودة اي مكان بيننا، واختفت الروابط الأخوية والإيمانية بين الأشقاء، وأصبحنا بحاجة إلى التدريب والتأقلم مع مستجدات حروبنا الموروثة والمستحدثة. .