عربي21:
2025-01-22@20:04:07 GMT

ذهبنا إلى الحرب بجنود خونة

تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT

أقيمُ مماثلة واعية وأُصر عليها بين جماعة التنسيق الأمني المقدس مع الكيان وبين الصف الاستئصالي الذي خرب الثورة التونسية، فكلاهما اشتغل مع العدو ضد بني وطنه من أجل تحقيق هدف يظنه هدفه الشخصي وما هو إلا خادم لاحتلال. يكفي أن أشير إلى أن الصف الاستئصالي يصادق دحلان ويسمع إليه وربما يقبض منه أو يقبض ممن يستخدم دحلان، لكن هذا دليل سطحي مقارنة بالنتيجة التي وصلنا إليها، أي تخريب التجربة الديمقراطية وإيقاع البلد تحت دكتاتورية غبية وحمقاء.

فإذا كنا الآن في تونس نعاني للخروج من تحت كابوس الانقلاب فلأننا وقعنا قبل ذلك في براثن الاستئصاليين الذين مهدوا له وصفقوا وحموه حتى اشتد عوده، وهم يمارسون الآن مسرحا أحقر من الانقلاب بالظهور كمعارضين له.

حدود المماثلة؟

هل تمتد هذه المماثلة لتجعل من الإسلاميين ومن حكم معهم مثيلا لحركة حماس وفصائل المقاومة؟ إذا كان المرء راغبا عن الحقيقة مصرا على السفسطة فيمكنه رؤية ذلك، لكننا لا نذهب في ذلك الاتجاه، إنما أرى أنه مثلما تزعج المقاومة المسلحة في فلسطين الغرب ولقيطه الصهيوني أجد أن الديمقراطية في الأقطار العربية تقوم بنفس الدور، أي إزعاج الغرب وتهديد مصالحه. من هذه الزاوية نقول بثقة: الكفاح بوسائل الديمقراطية في الأقطار غير المحتلة احتلالا مباشرا ه أخ شقيق للمقاومة المسلحة في آخر بلد محتل في العالم، هذه جبهة واحدة تختلف فيها الأسلحة وتتشابه فيها الخيانات الداخلية قبل العدوان الخارجي، والأدلة التي قد نجمعها تتجاوز حجم المقال.

إن بناء الديمقراطية العربية هي المعادل المنطقي لحرب تحرير وطني وتختلف الأسلحة/ الوسائل بحسب الظرف القُطري، ومن لم يرها كذلك وقع في التنسيق الأمني المقدس مع اختلاف طريقة التخابر. وليس في هذا أي مزايدة بالوطنية أو الثورية لأن النتيجة ظاهرة، لقد غُدرت الديمقراطية في تونس وفي مصر وفي ليبيا أيضا مثلما نُحرت في الجزائر في عشرية الدم بفعل الصف الداخلي الذي رفض نتائج الصندوق الانتخابي ورحب بالانقلابات، وهو يعرف أن نتيجة الانقلابات الأولى هي خدمة قوى الهيمنة والاحتلال.

في تونس ما زلنا نعيش مع صف سياسي يمجد حكم السيسي في مصر وحكم قيس سعيد ويقدس جنرالات الجزائر ويواليهم على الجلوس مع الإسلاميين وتنظيم عمل سياسي ينتهي بتأسيس ديمقراطية قابلة للبقاء، رغم العدوان الغربي على كل تجارب من هذا القبيل؛ نعرفها ونعددها مند عهد مصدق في إيران مرورا بباتريس لوممبا في إفريقيا وسلفادور اللندي في تشيلي. يوشك المرء أن يصيح من العجب إن اليسار العربي الذي يزعم حب اللندي في تشيلي هو نفس اليسار الذي يقدس البسطار العسكري في تونس ومصر. هذا اليسار هو قوة التنسيق الأمني المقدس ضد الديمقراطية، وهو الطرف الذي يستقبل دحلان وحفتر في تونس ويصغي إليهما.

نورد واقعة من قبيل إخراس جدل محتمل.. سافرت مجموعة من اليسار التونسي زمن المجلس التأسيسي (2013) لتطلب من البرلمان الأوروبي مساعدتها على حل برلمان تونسي منتخب، هذه المجموعة ظهرت منذ يومين في تونس في بيان يطالب بالديمقراطية ويزعم معارضة الانقلاب. نفس الوجوه ونفس الأسماء ونفس رغبات السفارة الفرنسية التي عبر عنها مقال في مجلة جون أفريك التي تصدر من باريس. توالي هذه الصدف يجعلنا حاضنة اجتماعية للمقاومة الديمقراطية في تونس.

لا ديمقراطية مع أعداء الديمقراطية

منذ خمسين سنة يرجم اليسار التونسي الشارع السياسي والثقافي بشعار واحد لا يعمل بغيره: "لا ديمقراطية لأعداء الديمقراطية"، فقد نصب نفسه وكيلا على الديمقراطية يمنح منها ما يشاء لمن يشاء ويحرم منها أعداءه الإسلاميين، فلما حل ظرف مناسب لبناء الديمقراطية انكشف اليسار التونسي (والعربي) عن جهة تنسيق أمني.

وجب في هذه المرحلة وبعد أن انتهت تونس إلى انقلاب يحميه اليسار؛ رفع شعار أشد وضوحا لا يوزع كوبونات الديمقراطية على طريقة اليسار، بل يرفض العمل السياسي مع اليسار لأنه عدو الديمقراطية وليثبت نفسه إن استطاع في معادلة جديدة، وهي المعادلة التي أسستها حماس فانتصرت بها على التنسيق الأمني قبل أن تثخن في عدوها. هذا هو الدرس، غربلة الصف والتقدم بثقة نحو عمل ديمقراطي مع ديمقراطيين وإن قلّوا، فإن انعدموا ولن ينعدموا فإن أي محاولة للتقريب مع اليسار هي خيانة للديمقراطية، ومصيرها نراه الآن ونعيشه.

إن اللحظة التونسية الكارثية الحالية (والتي ستتواصل طويلا) صنعها اليسار قبل الانقلاب، إنما المنقلب نهّاز فرص وجد فجوة فتسلل منها وتمسك بالكرسي، لكن العامود الذي يتركز عليه هو اليسار المحيط به والكامن في مفاصل الأجهزة؛ يمنع تطورها ويجير فعلها لصالح حربه الاستئصالية بالشعار إياه. كم عدده ليكون له هذا الدور المؤثر اليسار؟ لا يعتمد عدده فهو لا يستعد لصندوق اقتراع أبدا، إنما يعتمد خطة التسلل داخل المفاصل الحساسة فنجده في أهم مواقع القرار المؤثر وخاصة في الإعلام والثقافة والأمن، وهي مفاصل لا يمكن تجاوز تأثيرها. وهو الحريص دوما على بث سردية يحفر بها العقول: الإسلاميون أعداء الدولة وكل من لم يشارك في السردية والعمل بها يصير إسلاميا.

ما حظوظ من يقاطع اليسار ولا ينسق معه؟ هذا سؤال جدالي لأن اليسار لا ينسق مع أحد بل يخضع الناس لسرديته اليتيمة الحرب على الإسلاميين التي جرّت حربا على الديمقراطية، فخسر الجميع الا اليسار لأنه لم يفقد مواقعه القديمة في السلطة بل توسع نفوذه تحت حكم الانقلاب.

إن حظ من يقاطع اليسار هو حظ من يؤسس لديمقراطية غير استئصالية سيبذل جهدا أكبر لأنه لن يقوم ضد مؤسسات القمع السلطوي فحسب بل ضد قوى التنسيق الأمني، فهو على جبهتين والثمن هنا مرتفع لكن النتيجة تكون طريقا سليمة نحو ديمقراطية قابلة للبقاء. لقد ذهبنا إلى حرب الديمقراطية بجنود خونة فكانت الانقلابات خبزا يوميا.

وإذا كان هناك درس يمكنه جَنيه من الانقلاب فهو هذا الدرس: لا ديمقراطية مع أعداء الديمقراطية ولتطل الطريق على الأجيال الصابرة، لقد تعرضت للغش بما يكفي لتستفيق.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التونسية الديمقراطية الإسلاميين اليسار تونس الديمقراطية الإسلاميين اليسار مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة التنسیق الأمنی الدیمقراطیة فی فی تونس

إقرأ أيضاً:

تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟

سلمت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة الأسيرات الإسرائيليات المفرج عنهن ضمن صفقة التبادل واتفاق وقف إطلاق النار، شهادات تتضمن قرارات بالإفراج، وهو ما يعكس الموقف الذي أكدته كتائب القسام طوال شهور الإبادة بأن أسرى الاحتلال لن يفرج عنهم تحت النار وأن ذلك لن يتم سوى بقرار منها.

وبثت "كتائب القسام" مشاهد مصورة من تسليم الدفعة الأولى من الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، ضمن المرحلة الأولى، وظهر فيها عملية تسليم هدايا تذكارية وقرارات إفراج.


وتأتي هذه الخطوة لتشابه ما كان حكرا على الاحتلال الإسرائيلي بإصدار شهادات إفراج للأسرى الفلسطينيين بعد عناء طويل ليتعمد إذلالهم بالإجراءات الإدارية أو القضائية طويلة الأمد.



وعن هذا علق الصحفي الفلسطيني صهيب العصا قائلا: "لهذه الورقة وقع كبير في نفوس الأسرى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة؛ ينتظر الأسير شهورا وسنوات للحصول على ورقة من بضعة سطور بالعبرية عنوانها قرار إفراج".

"قرار الإفراج"
لهذه الورقة وقع كبير في نفوس الأسرى الفلسطينيين على مدى سنوات طويلة؛ ينتظر الأسير شهورا وسنوات للحصول على ورقة من بضعة سطور بالعبرية عنوانها "قرار إفراج"
تهتم المقاومة بالتفاصيل وتسلم الأسرى الإسرائيليين "قرار الإفراج".. قرار من المقاومة pic.twitter.com/9R9clbUPJo — صُهيب العصا | SUHEIB ALASSA (@SuAlassa) January 19, 2025
وترمز ورقة الإفراج التي أصدرتها المقاومة إلى النهاية القانونية لفترة الأسر والتأكيد على أن مصير الأسرى بيد المقاومة وحدها وهو ما يعزز موقفها في ميدان المفاوضات بعد فشل الاحتلال طوال 15 شهرا من إنهاء ملف الأسرى الإسرائيليين.

وحظيت خطوة كتائب القسام بتفاعل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، فقال حساب باسم اسم طارق: "القسام معطي الأسيرات شهادات تخرّج اللي فكر بالموضوع فنان اقسم بالله".

القسام معطي الأسيرات شهادات تخرّج
اللي فكر بالموضوع فنان اقسم بالله ???????????????? pic.twitter.com/LlLDjeC4Dh — طارق العرموطي (@tareq_alarmouti) January 19, 2025
وقال حساب أخر يحمل اسم محمود "الأسرى يبدو أنهم منحوهم شهادات بالشرف الذي نالوه وكذلك صور تذكارية".

الأسرى...
يبدو انهم منحوهم شهادات بالشرف الذي نالوه وكذلك صور تذكارية...
???? وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
اللَّهُمَّ أَبْرِمْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ أَمْرًا رَشدًا… pic.twitter.com/dfow8QxLM8 — مَحْمُودْ سَالِمْ الْجِنْدِي (@DrMahmoudSalemE) January 19, 2025
أبو سمير عوامة: لو سمحتم هدوووء، أسيرات يوم السبت القادم عندهن امتحان فاينل ميداني، علشان يوخذن شهادة التخرج. pic.twitter.com/dlvfZ6KOGy — مجلة ميم.. مِرآتنا (@Meemmag) January 20, 2025
فيما قالت بسمة: "طب وربنا اللي عمل الشهادات دي دماغه عاليه ومتكلفه.. شهادات تخريج الاسيرات حُسن سير وسلوك".

طب وربنا اللي عمل الشهادات دي دماغه عاليه ومتكلفه.. شهادات تخريج الاسيرات
حُسن سير وسلوك ????????✌️????#الاسيرات_الثلاث pic.twitter.com/D9BjBWgMvq — بسمه حمزه (@BsmhHmzh10734) January 19, 2025
وقال حساب يحمل اسم تامر: "صاحب الفكرة مطلوب للعالم، تخيل أنه بفضل تلك الفكرة، استطاع جذب جميع وسائل الإعلام العربية، والغربية، والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج".

صاحب الفكرة مطلوب للعالم.

تخيل أنه بفضل تلك الفكرة، استطاع جذب جميع وسائل الإعلام العربية، والغربية، والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج.

أضفى جاذبية جديدة ومثيرة للفيديو، ليكون مثالًا على التفكير خارج الصندوق pic.twitter.com/2dHWvQtwWC — Tamer | تامر (@tamerqdh) January 19, 2025
وتشمل الصفقة في مرحلتها الأولى تحرير 290 أسيرا من المحكومين بالمؤبد؛ وتضم أيضا جميع الأشبال والنساء وعددهم 95 شخصا، بينهم 87 أسيرة. 


ويتألف الاتفاق من 3 مراحل، تبلغ مدة كل منها 42 يوما، وتشمل المرحلة الأولى الإفراج عن 33 إسرائيليا محتجزين في قطاع غزة من أصل 98، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، وذلك مقابل الإفراج بالمرحلة الأولى عن مئات الأسرى الفلسطينيين.

وتتضمن المرحلة الثانية من الاتفاق عودة الهدوء وتبادل المزيد من الأسرى الفلسطينيين والإسرائيليين، دون الكشف بالمرحلة الراهنة عن الأعداد من الطرفين، بالإضافة إلى انسحاب القوات الإسرائيلية بالكامل من قطاع غزة. 

وتركز المرحلة الثالثة من الاتفاق على إعادة إعمار قطاع غزة على مدى 3 إلى 5 أعوام، وتبادل جثث الموتى ورفاتهم الشهداء، وفتح جميع المعابر أمام حركة الأفراد والبضائع.

مقالات مشابهة

  • ما الذي تحقق من أهداف نتنياهو بعد 15 شهرا من الحرب؟
  • 5 أسباب.. سر الانقلاب الجماهيري ضد إدارات الأهلي والزمالك
  • إحصائية بالخسائر التي خلفتها حرب الإبادة  الإسرائيلية على غزة .. تقرير
  • «فيتش»: وقف الحرب في غزة يقلل المخاطر الجيوسياسية التي تواجه مصر والأردن
  • تأكيدا لموقف أُعلن من بداية الحرب.. ما قصة قرارات الإفراج التي سلمتها المقاومة للأسيرات؟
  • السودان (الجحيم الذي يسمي وطن)!!
  • حماس تؤكد أن غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية
  • حماس : غزة ستنهض من جديد رغم الدمار الذي خلفته الحرب الصهيونية
  • إحصاء بالضحايا وحجم الأضرار التي خلفتها 15 شهرًا من الحرب في غزة
  • لماذا يطالب الكنيست بالاستعجال بإبرام المرحلة الثانية من الصفقة وما الذي يخشاه؟