السودان وغزة على رأس القائمة: أزمة جوع عالمية تعصف بالملايين
تاريخ النشر: 6th, September 2024 GMT
حذر تقرير جديد نشرته الأمم المتحدة،، من تفاقم أزمة الجوع العالمية، حيث يعاني ملايين الأشخاص حول العالم من انعدام الأمن الغذائي الحاد. وأشار التقرير إلى أن الصراعات، والتغيرات المناخية، قد أدت إلى زيادة حادة في أعداد الجوعى، خاصة في مناطق مثل السودان وقطاع غزة.
عقب نشر التقرير، يوم الخميس، تحدث ثلاثة مسؤولين أمميين، عبر الفيديو، إلى الصحفيين في نيويورك، حيث قدموا إحاطة عن التحديث نصف السنوي للتقرير العالمي عن الأزمات الغذائية لعام 2024 والذي يغطي الفترة حتى نهاية أغسطس 2024.
التغيير ــ وكالات
وأكد المسؤولون الأممييون الحاجة الماسة إلى زيادة التمويل الإنساني والعمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الغذائية، مثل الصراعات والتغيرات المناخية، وذلك لمنع تفاقم الوضع وتجنب حدوث مجاعات أوسع نطاقا.
في بداية الإحاطة قدم السيد ماكسيمو توريرو كبير الخبراء الاقتصاديين في منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لمحة عامة عن النتائج الرئيسية للتقرير.
يُظهر التقرير أن انعدام الأمن الغذائي الحاد لا يزال مرتفعا بشكل ملحوظ ويصبح أكثر تطرفا في بعض الأماكن وينتشر إلى مناطق جديدة مدفوعة بالصراع وتأثيرات ظاهرة النينيو والانكماش الاقتصادي.
في الوقت الذي تحدث فيه انخفاضات في انعدام الأمن الغذائي في بعض السياقات، تنشأ مواقف جديدة في سياقات أخرى، ويتضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون مستوى كارثيا من انعدام الأمن الغذائي (المجاعة) من 705 ألف شخص في خمس دول وأقاليم في عام 2023 إلى 1.9 مليون في أربع دول أو أقاليم في عام 2024. وهذا هو أعلى رقم يسجله التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية ويعود ذلك في الغالب إلى الصراع في قطاع غزة والسودان، وفقا لماكسيمو توريرو.
يشار إلى أن التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي يتكون من خمس مراحل، ومستوى “الأزمة” أو انعدام الأمن الغذائي الحاد هو المرحلة الثالثة من التصنيف. المرحلة الرابعة هي مرحلة الطوارئ، أما المرحلة الخامسة فهي مرحلة الكارثة أو المجاعة.
وقال توريرو إن اشتداد وتيرة الصراعات في غزة والسودان وأيضا الجفاف الناجم عن ظاهرة النينيو وارتفاع أسعار المواد الغذائية المحلية غالبا ما يزيدان من عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 18 دولة مقارنة بعام 2023.
المجاعة مستمرة في معسكر زمزم للنازحينفي السودان، قال السيد ماكسيمو توريرو إن المجاعة مستمرة في مخيم زمزم للنازحين بالقرب من مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور، ومن المتوقع أن تستمر حتى أكتوبر 2024. ونبّه إلى أن العديد من المناطق الأخرى في جميع أنحاء السودان معرضة أيضا لخطر المجاعة بسبب استمرار العنف ومحدودية المساعدات الإنسانية.
وأضاف المسؤول الأممي أن الصراع يستمر في التسبب بتدهور سريع للأمن الغذائي في السودان، حيث تشير التقديرات إلى أن حوالي 26% من الأشخاص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، خلال فترة العجاف من يونيو إلى سبتمبر، مقارنة بشهر يونيو 2023، حيث تم تصنيف حوالي 25.6 مليون شخص على أنهم يعانون من مستوى أزمة أو أسوأ، من بينهم حوالي 755,300 شخصا من المتوقع أن يواجهوا مستوى الكارثة – أي المجاعة – بحلول سبتمبر 2024.
وألقى الصراع في السودان بظلاله على الأمن الغذائي في البلدان المجاورة مثل تشاد وجنوب السودان، وفقا للسيد ماكسيمو توريرو.
أزمة الغذاء في غزة الأكثر شدة في التاريخأما بشأن الوضع في غزة، يقول توريرو إن أزمة الغذاء لا تزال الأكثر حدة في تاريخ التقرير العالمي عن الأزمات الغذائية، مع وجود ما يقرب من 2.2 مليون شخص من السكان ما زالوا في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة خلال الفترة بين مارس أبريل.
وقد اشتدت حدة الأزمة، حيث عانى نصف السكان من المجاعة خلال هذه الفترة ارتفاعا من ربع السكان خلال الفترة من ديسمبر 2023 فبراير 2024.
وتشيرالتوقعات إلى انخفاض هذه النسبة إلى 22% من السكان – أي حوالي 495 ألف شخص، خلال الفترة بين يونيو سبتمبر 2024، ولا تشير الأدلة المتاحة إلى المجاعة على الرغم من أن خطرها لا يزال قائما.
جانب إيجابي
على الصعيد الإيجابي، قال السيد ماكسيمو توريرو إن تحسن موسم الحصاد والاستقرار الاقتصادي أديا إلى تحسن في الأمن الغذائي في 16 دولة.
ومن بين هذه الدول الـ 16 شهدت 5 دول – هي أفغانستان وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغواتيمالا ولبنان – انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد بمقدار مليون شخص على الأقل، منذ بلوغ الذروة في عام 2023، لكنها جميع هذه الدول لا تزال في وضع الأزمة.
ما المطلوب؟
فيما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتحسين وضع الأمني الغذائي، تطرق عارف حسين كبير الاقتصاديين في برنامج الأغذية العالمي إلى أمرين قال إنهما مطلوبان بشدة وهما الوصول إلى الأشخاص المحتاجين والتمويل المستدامان.
وأضاف: “لا يكفي أن يكون لديك واحد من هذين الأمرين. أي إذا توفر الوصول وحده فهذا لا يكفي، وإذا توفر المال وحده فهو لا يكفي أيضا. أنت بحاجة إلى الاثنين معا. لأنه إذا كان لديك وصول بلا مال، فلن يكون لديك ما تقدمه، وإذا كان لديك مال بلا وصول فلن يكون لديك ما تقدمه أيضاً. ولذلك نسعى إلى التأكد من وجود وصول وتمويل مستدامين حتى نتمكن من مساعدة الأشخاص المحتاجين سواء في غزة أو في السودان أو في أي مكان آخر”.
وتحدث عارف حسين عن مشكلة أخرى وهي “الإجهاد في مجال التمويل”- في إشارة إلى الإجهاد الذي أصاب الجهات المانحة. وشدد في هذا السياق على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لانعدام الأمن الغذائي سواء تعلق ذلك بالمناخ أو بالصراع، “لأنه ما لم نعالج الأسباب الجذرية، فلا ينبغي لنا أن نتوقع انخفاضا في الاحتياجات”.
الهزال يفتك بالأطفال في مناطق الأزمات
الدكتور فيكتور أغوايو، مدير التغذية ونمو الطفل في منظمة اليونيسف تحدث في إحاطته عن الهزال بوصفه الشكل الأكثر تهديدا للحياة من أشكال سوء التغذية لدى الأطفال. وقال إن الهزال يظل مرتفعا جدا بين الأطفال الذين يعيشون في بلدان تعاني من أزمات غذائية.
ويعود ذلك، وفقا للمسؤول الأممي، إلى عدم قدرة الأسر على الوصول إلى الأطعمة المغذية لأطفالها أو تحمل تكلفة تلك الأطعمة، فضلا عن عدم القدرة على الوصول إلى خدمات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي.
وقال فيكتور أغوايو إن التقرير العالمي يسلط الضوء على زيادة مقلقة في هزال الأطفال، مع مستويات حرجة في 8 دول هي الكاميرون وتشاد وجيبوتي وهايتي والسودان وسوريا وأوغندا واليمن.
أكثر من 50 ألف طفل في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد
وقال مدير التغذية ونمو الطفل في اليونيسف إنه زار غزة الأسبوع الماضي ورأى بنفسه كيف أدت شهور من الحرب على المدنيين والقيود الشديدة المفروضة على الاستجابة الإنسانية إلى انهيار أنظمة الغذاء والصحة والحماية، مع عواقب كارثية على تغذية الأطفال.
ووصف النظام الغذائي للأطفال الصغار بأنه “رديء للغاية”، حيث لا يتناول أكثر من 90 في المائة منهم سوى نوعين من الطعام، يوميا، في أفضل الأحوال، وأضاف: “ونحن نقدر أن أكثر من 50 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ويحتاجون إلى علاج منقذ للحياة الآن”.
ومضى قائلا: “التقيت أثناء وجودي في غزة بأطباء وممرضات وعاملين في مجال التغذية ينفذون البرامج التي ندعمها… واستمعت إلى نضالات الأمهات والآباء في سبيل إطعام أطفالهم. وما من شك لدي في أن خطر المجاعة وأزمة التغذية الشديدة واسعة النطاق في غزة حقيقي”.
حاجة إلى وقف فوري لإطلاق النارالدكتور فيكتور أغوايو قال إن هناك سبيلا واحدا لمنع ذلك الخطر وأضاف: “نحن بحاجة إلى وقف إطلاق النار، على الفور، ومع وقف إطلاق النار، يجب توفير وصول إنساني مستدام وواسع النطاق إلى قطاع غزة بأكمله. وقف إطلاق النار والاستجابة الإنسانية غير المقيدة وحدهما الكفيلان بتمكين الأسر من الوصول إلى الغذاء، بما في ذلك التغذية المتخصصة للأطفال الصغار، والمكملات الغذائية للنساء الحوامل، وخدمات الصحة والمياه والصرف الصحي لجميع السكان”.
في السودان، يتأثر أكثر من 25 مليون شخص بانعدام الأمن الغذائي – بمن فيهم ما يقرب من 3.7 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. وتستمر هذه الأرقام في الارتفاع بسبب النزوح الجماعي، والوصول الإنساني المحدود، وتعطل خدمات الصحة والتغذية، وفقا للدكتور فيكتور أغوايو.
ودعا المسؤول في منظمة اليونيسف إلى استجابة إنسانية غير مقيدة وواسعة النطاق للوقاية المبكرة والكشف عن وعلاج سوء التغذية الحاد بين الأطفال الأكثر ضعفا، وخاصة لمن تقل أعمارهم عن 5 سنوات، وأمهاتهم، والذين تتعرض حياتهم للخطر بسبب هذه الأزمات المتصاعدة المتعددة.
الوسومالجوع السودان دارفور غزة معسكر زمزمالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الجوع السودان دارفور غزة معسكر زمزم
إقرأ أيضاً:
الأمن الغذائي.. والقطاع الزراعي
عمير العشيت
alashity4849@gmail.com
تحتفل وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه في 31 أكتوبر من كل عام بيوم الشجرة، وهو بمثابة تقييم للنشاط الزراعي على المستوى العام وإدراج خطط مستقبلية ترمي للارتقاء بالأمن الغذائي في القطاع الزراعي، وبمشاركة العديد من المؤسسات في القطاع الخاص والمزارعين وغيرهم، والذي يهدف إلى إلقاء الضوء على أهمية القطاع الزراعي ودوره في الأمن الغذائي، ومساهمته في سياسة تنويع مصادر الدخل والناتج المحلي.
ونظراً لما تحظى به سلطنة عُمان بالعديد من المقومات الزراعية، فإنها تعد من الدول المنتجة والمصدرة لمنتجات هذا القطاع الحيوي المُهم في المنطقة، والمحفز لخلق وظائف للباحثين عن عمل؛ إذ تمتلك أراضٍ زراعية في المدن والسهول والجبال وصالحة لزراعة الكثير من المحاصيل الزراعية، وفيها مخازن مياه جوفية وعيون مياه نابضة ومتدفقة من باطن والأرض وسفوح الجبال. بيد أن أغلب مياهها تتدفق إلى البحر ولم يتم استغلالها كثروة وطنية، ناهيك عن الأعداد الهائلة من المزارعين الذين اكتسبوا مهن الزراعة من أسلافهم ويحملون خبرات واسعة حول الحقل الزراعي، كذلك شهرة أهل عُمان التاريخية في ابتكار الأفلاج وتسخيرها للزراعة مما جعلها من أوائل الدول المبتكرة لنظام الأفلاج وبشهادة المنظمات الدولية المختصة بالقطاع الزراعي والمياه.
ومع توفر كل هذه المقومات لهذا القطاع الواعد، إلّا أنه لم يُستثمر بالشكل المطلوب، فعُمان ما زالت ضمن الدول التي تستورد المنتجات الزراعية من الخارج، وكذلك المزارع الأهلية التي لم تحقق حتى الآن أي عوائد أو فائض مالية للناتج المحلي بسبب عدم توفر خطط استراتيجية تنظم أنشطتها الزراعية لتحقق منظومة الأمن الغذائي وآمال وطموحات المزارعين والمستهلكين، ورؤية عُمان 2040.
وفي الاحتفالات السنوية بيوم الشجرة، نلاحظ أغلب الأوراق المقدمة في تلكم الندوات والمناقشات تتناول التوصيات والمقترحات والمبادرات والمشروعات البحثية والوعي المجتمعي والبحوث المخبرية؛ حيث تميل إلى الجانب التنظيري، أكثر ما تميل للجانب العملي والتركيز في تنفيذ المشاريع الحيوية الملحة والهامة بهذا القطاع، في الوقت الذي يتزايد فيه عدد سكان السلطنة، ومدى حاجته ومتطلباته اليومية من المنتجات الزراعية، وقد يأتي الوقت الذي تتوقف فيه الدول المصدرة للمنتجات الزراعية عن التصدير للدول المستوردة لتغطي وتسد حاجات شعوبها. وإذن ما مصير الدول المستوردة؟
الأراضي الزراعية في السلطنة ما زالت على حالها السابق وأغلب منتجاتها متواضعة جدا وغير متنوعة لتلبي حاجات السوق، ولديها فائض كبير في المنتجات المتكررة كالتمور والنارجيل والموز والليمون، ولم تصل حتى الآن إلى تحقيق الأمن الغذائي في القطاع الزراعي، والدخول في مشاريع عملاقة توفر حاجات الأسواق في السلطنة؛ فالأسواق المحلية ما زالت تعتمد بشكل مباشر على المنتجات التي تستوردها من الدول المصدرة على الرغم من تكبد تكاليف الشحن وانخفاض جودتها نتيجة تعرضها للتخزين فترة زمنية طويلة أثناء نقلها، كما إن بعض المزارع امتد إليها الزحف العمراني فتحولت إلى أراضٍ سكنية تجارية والأخرى تعرضت للتصحر والجفاف والبعض منها صار ملجأ ومخبأ للعمالة المخالفة لقانون العمل، ومرتعًا للأنشطة الصناعية غير المرخصة، ومكبات للخردة والنفايات، ومغاسل للملابس والسجاد والمفارش وهي مضرة بالتربة والبيئة.
وفي هذا الإطار، لا بُد أن نشيد بالمبادرات والمحاولات الحثيثة التي تقوم بها وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وجهاز الاستثمار العُماني وبعض مؤسسات القطاع الخاص والمزارعين في إيجاد مخارج لاستغلال هذا القطاع المُهم، الذي تعتبره أكثر دول العالم بأنه ثروة قومية، وتُسخِّر له ميزانيات ضخمة، ولكن الأمر بحاجة إلى مزيد من الجهد والعطاء وخطط وطنية عملاقة ترصد لها ميزانية خاصة تكفل النهوض بهذا القطاع إلى النور.
ويحتاج الأمر كذلك إلى مراجعة شاملة في سياسة القطاع الزراعي الذي لا تقل أهميته عن القطاعات الأخرى كالتعليم والصحة والنفط والسياحة، فبدون الغذاء تنعدم الحياة، وذلك من خلال دعم المزارعين ماديًا ومعنويًا ولوجستيًا، وحثهم على استغلال مزارعهم وتسويق منتجاتهم الزراعية كما هو الحال في الدول الأخرى، وتحفيز الأجيال القادمة على العمل في هذه المهن، فضلًا عن ذلك تعزيز أدوار الجمعية الزراعية العُمانية، وأن يكون لها فروع في كل محافظات السلطنة؛ لتكون همزة وصل بين الوزارة والمزارعين والأسواق المحلية.